المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " بيني و بينـَـك " قصة لفيصل الزوايدي ( تونس )


فيصل الزوايدي
20/04/2008, 05:30 PM
بيني و بينكَ ..

هذا الذي بيني و بينكَ فـي العمرِ لـحظَة..
هذا الذي بيني و بينكَ أغنيةٌ حزينةٌ بصمتٍ حزين..
و أنا بيني و بيني .. أجلسُ وحيدًا فـي زاويةِ غرفةٍ باردةٍ، أجلــسُ على مقعدٍ قاسية أطرافُه، و تفوحُ رائحةُ الـخَدَرِ ،و أنينٌ حادٌّ بينَ أُذنَـيَّ.. صريرُ خفَقَانِ القلبِ يــطغى على أصواتٍ باهتةٍ تنبعثُ من حيثُ لا أدري.. يسكنُ في النَّفسِ صوتٌ ســألَني يومًا : إلى أين ؟ و هَذي المرافئُ تتجاذَبُني .. و أنا وحيدٌ في زاويةِ الغرفةِ .. يقتربُ رجلٌ في أناقةٍ مبتَذَلَةٍ، ينظرُ إلَـيَّ بعينَينِ ثَقيلَتَيْ الأجفَانِ، و يسألُني بصوتِ حَجَرٍ مُتنَاثِرٍ : أنتَ السَّيد ..؟
أجبتُ مضطَرِبًـا: أنا هُوَ، لعلِّي أنا ..
لم يأبَه لاضطِرابي فأَشَارَ إلى مَمَرٍّ مُظلمٍ بعضَ الشَّيء : إنّهم يريدونَ رُؤيتَكَ .. أَزَّ في الرأسِ صوتٌ مُوجِعٌ و اضطربَت دقاتُ القـلبِ بتسارُعِها نحوَ ..آخرِ الـمَمَرِّ.. و تَزاحَـمت الهواجسُ ثقيلةً كالهزيمةِ .. هل وُلَدَ الصبيُّ المنتَظَرُ منذ السِّنين أم ماتَت الأمُّ ؟ كيف اقـترنا تلك اللحظةَ بداخِلي ؟ كيف اقتربَ الموتُ مِنَ الحياةِ ذلك الاقترابَ ؟ هربتُ بـهَواجِسي إلى الوجهِ الباهتِ أمامي ، هَمَمتُ بسُؤالِهِ : ولادةٌ أم موتٌ ؟ لكنَّ الـوجهَ الـباردَ الجاف الذي لا ينبئُ بشيءٍ رَدَّني عنِ السُّؤالِ .. مــلَّ الرجلُ صمتي فأردفَ بصـوتٍ يكـتمُ ثورةً : إنهم بانتظاركَ ، تَفضل من هُنا .. قَرعُ حِذائي على الأرضِ ينهالُ على رأسي و أنا أتبعُ الرجلَ .. تـحركَت أشباحٌ حَولـي و أحسستُ ببعضِ الصدماتِ و كلماتٌ تُقالُ ، لعلّها اعتذارٌ أو سخطٌ .. مَن يهتم ؟ أيُّ معنى لأيِّ قولٍ أمامَ الولادةِ أو الـموتِ ؟؟ باحتدادٍ حدَّثَــــنا الطبيبُ قبلَ أشــهرٍ و هـو يـحذِّرُنا مِن خَطَرِ الحَملِ .. تُرَى هل أرســلَ القدرُ يومَــها ذاكَ الطبيبَ ينذِرُنا بِـما نَخشاه الآن ؟ هل يـمكِنُ أن يغتالَ ذاك الصـــبيُّ أمَّهُ ؟ هل تنطلقُ حياتُه بـمَوتِها ؟ أم يـموتُ لتَحيا...؟
أحسـستُ أنَّ آخرَ المـمرِّ هو آخر الكَونِ .. و أنا لم أَعُد أعلمُ أَيْـني .. لا أدري كيفَ التــقطت عينَاي الكليلتانِ لافتةً تشيرُ إلى غرفَةِ الوِفَياتِ .. حائطٌ بـناه عاملٌ لا يُدرِكُ مــا يفعلُ .. يفصلُ به بينَ الحياةِ و الموتِ .. و أنا لا أزال أسيرُ ، كأنَّ الطريقَ لا تنتَهي و لكن فجأةً وصلنَا أمام بابٍ مُوارَبٍ قليلا .. أشارَ الرجلُ بلامُبالاةٍ إلى الغرفـةِ و قَالَ : إنهم هُنا .. و لكن هل يمكنُ ذلكَ حقًّا : أن يُوجِّـهَكَ رجلٌ لا تعرفُ حتّى اســــمَهُ و لا يهتم بـمعرِفَتِكَ .. أن يُوَجِّهَــك إلى .. حيثُ الـحياة أو الموت .. وقفتُ برهةً أخـشى الدخولَ .. أصَــختُ السمعَ .. ما الذي أصابَ حواسي لــحظَتَها ؟ يرتَفِعُ الوجــيبُ و أخشى من سُؤالٍ جَديدٍ .. سُرعانَ ما زَعزَعَني : هل تُقدِّمُ الممرضةُ إلـيَّ لـفافةً بيضاءَ و تقولُ بحُنُوٍّ مُصطَنَعٍ : أَبشِر إنَّه الصـبي الذي انتظَرتَه .. ها قد جَاءَ .. أم يُوجِّهُني الطبيبُ بنظراتٍ نحوَ لُفافَةٍ بيضاءَ أيضًا و يقولُ بتعاطفٍ لا أُدركُ صِدقَه مِن زَيفه : لقد حذَّرتُكم قبلَ أشهرٍ ، و لـم نستَطِع فِعلَ شيءٍ لها .. خشيتُ أن أدفعَ البابَ .. بابٌ صَنَعَهُ نَـجَّارٌ و هو يتابعُ بِبَصَرِهِ النَّهِمِ فتياتِ الحَيِّ .. صنَعَهُ يومـًا و لم يُدرِك أبدًا ما الذي يُـمكِنُ أن يُخفي وراءَهُ .. أسـمعُ هَمهَماتٍ مِن داخِلِ الغُرفَةِ .. تداخَلت مَعَ صَرخَاتٍ مِن داخِلي .. هل أقتحمُ الغرفةَ ؟ هل أهربُ ؟ إلـى أين ..؟
أنينُ النَّفسِ الـمُوجِعُ يُطبِقُ على أنفاسي فـأُحِسُّ ضيقًا هائلا .. الـخوفُ أحيانًا يدفَعُنا إلى نَفسِ الفِعلِ الذي نَقومُ به بدافعِ الشَّجاعةِ .. تَمتدُّ يدي نحوَ قبضةِ البابِ فِضيةِ اللَّونِ، يـخترقُ مَسمَـعي صريرٌ حادٌّ لن أنسَاه .. تتخلّى اليدُ عن تلكَ القبضةِ الـمبتعِدَةِ إلـى داخل الغرفةِ .. ينفَتِحُ البابُ كأنَّ غيري قامَ بِفتحِهِ .. لـم تَقَع عينَاي على أحدٍ .. فقـط ظهرت زاويةُ السَّريرِ الـحديديِّ و الـجزءُ السُّفلي مِن سُترةٍ طِبيةٍ بيضاءَ ..أحسـستُ حركاتٍ فـي الأجسادِ تلتفتُ تستطلع مَنِ القادمُ .. بِبَقيـةٍ مِن قُدرَةٍ و عزمٍ تقــدَّمتُ خُطوتَينِ داخلَ الغرفَةِ و تضخُّمٌ مـخيفٌ بصَدري كأنّـي سأنفجرُ .. توسطتُ الـمكانَ و نظرتُ أمامي : أذهَلَني كلُّ ذلكَ البياضُ .. بياضٌ شديدٌ ناصعٌ ، تـمامًا مثلَ السَّوادِ .

فيصل الزوايدي

سودة الكنوي
20/04/2008, 06:59 PM
يا إلهي جاءت النهاية على خلاف ما توقعت..

فيصل الزوايدي

لي عودة إلى هذا السرد الممتع..

حد فاصل بين الحياة و الموت...

ريما
20/04/2008, 11:49 PM
يااااااااااااااااااااااااااه يافيصل..
ما إن انتهيت من قراءة القصة
حتى ارتسمت على وجهي ابتسامة حزن!!
مبدع إنت في سرد القصص ومتمكن منها
تجيد صنع النهايات المفتوحة ..حتى تترك لخيالنا حرية تَخيّر نهايةٍ ترضي مزاجه..!!
,
,
رائعة رائعة
هذه القصة:)
في شوق للمزيد من أحرفكِ

دمت مبدعاً

مياسم
21/04/2008, 06:16 PM
اللهَ يا فَيصَلْ ..
معَ كلّ قِراءَةٍ لِنُصوصِكَ الحُلمْ .. تَخرجُ منّي الـ"ياااه" كَأنّ للدّهشَةِ مِيعَادْ .. !
اكتُبْ .. لأجلِ الذِينَ اعتَادُوا دَورَ البُطولَة .. وَ الدّمعِ في حَرفِكَ المطَرْ .. :coco: ..

ليلى العيسى
22/04/2008, 11:13 PM
البياضُ الّذي يُشبهُ السّوادَ تمامًا
أيّ قدرةٍ لديك يا فيصلْ في تطويعِ الحرفْ
البداية (خوف و ترّقبٌ و انتظار و أسئلة عمّ إذا كانت حياةٌ أو موت؟)
و من ثمّ الممرّ الذي سيؤدي إلى موتٍ أو حياة
قصّة البابِ و النّجارِ و طريقة التفكير التي مرّ بها بطل قصّتنا ،

ياهْ
البياضُ ذلكَ الذّي نأتي للحياة و نحن نرتديهْ
هو ذلك الّذي نخرجُ بِه منها!

هذا النّص خطير!

فيصل الزوايدي
28/04/2008, 02:04 AM
يا إلهي جاءت النهاية على خلاف ما توقعت..

فيصل الزوايدي

لي عودة إلى هذا السرد الممتع..

حد فاصل بين الحياة و الموت...
أخت سودة .. تسعدني اطلالتك الانيقة و سأكون في انتظار عودتك سريعا ان شاء الله
دمت في كل الخير
مع الود

سودة الكنوي
28/04/2008, 11:47 AM
أخت سودة .. تسعدني اطلالتك الانيقة و سأكون في انتظار عودتك سريعا ان شاء الله
دمت في كل الخير
مع الود

حتماً سأعود بلمحة تحليلية مبسطة-بإذن الله- فقصصك جدير بالمعاودة و التأمل و التمعن

نرجو أن تزورناهنا في زاوية ( حدثوني عن كتابٍ أحدثكم) (http://www.emlaat.com/vb/showthread.php?t=1040)
لتحدثنا عن قصصك و تحمَّل لنا بعضاً مما أثريت به الساحة الأدبية
من القصص بمختلف أنواعها..

كل التقدير..

:rose:
إملاءات المطر

فيصل الزوايدي
29/04/2008, 08:33 PM
يااااااااااااااااااااااااااه يافيصل..
ما إن انتهيت من قراءة القصة
حتى ارتسمت على وجهي ابتسامة حزن!!
مبدع إنت في سرد القصص ومتمكن منها
تجيد صنع النهايات المفتوحة ..حتى تترك لخيالنا حرية تَخيّر نهايةٍ ترضي مزاجه..!!
,
,
رائعة رائعة
هذه القصة:)
في شوق للمزيد من أحرفكِ

دمت مبدعاً

أخت ريما .. أصبح الحزن رفيق الشفاه عذابا أو استعذابا ..
يسعدني دوما تفاعلك العفوي مع القصة و اعدك بالمزيد ان شاء الله
دمت في كل الخير
مع الود

فيصل الزوايدي
29/04/2008, 09:12 PM
اللهَ يا فَيصَلْ ..
معَ كلّ قِراءَةٍ لِنُصوصِكَ الحُلمْ .. تَخرجُ منّي الـ"ياااه" كَأنّ للدّهشَةِ مِيعَادْ .. !
اكتُبْ .. لأجلِ الذِينَ اعتَادُوا دَورَ البُطولَة .. وَ الدّمعِ في حَرفِكَ المطَرْ .. :coco: ..


أخت مياسم .. أخشى ان اكتب يوما نصا اخرس .. فشكرا لانك تبددين خشيتي
دمت في خير
مودتي

فيصل الزوايدي
29/04/2008, 09:18 PM
البياضُ الّذي يُشبهُ السّوادَ تمامًا
أيّ قدرةٍ لديك يا فيصلْ في تطويعِ الحرفْ
البداية (خوف و ترّقبٌ و انتظار و أسئلة عمّ إذا كانت حياةٌ أو موت؟)
و من ثمّ الممرّ الذي سيؤدي إلى موتٍ أو حياة
قصّة البابِ و النّجارِ و طريقة التفكير التي مرّ بها بطل قصّتنا ،

ياهْ
البياضُ ذلكَ الذّي نأتي للحياة و نحن نرتديهْ
هو ذلك الّذي نخرجُ بِه منها!

هذا النّص خطير!

اخت بياض .. امتلأ النص و صاحبه غبطة فشكرا لتفاعلك الراقي و انا اعتز برأيك كثيرا
دمت في خير
مودتي

فيصل الزوايدي
29/04/2008, 09:24 PM
حتماً سأعود بلمحة تحليلية مبسطة-بإذن الله- فقصصك جدير بالمعاودة و التأمل و التمعن

نرجو أن تزورناهنا في زاوية ( حدثوني عن كتابٍ أحدثكم) (http://www.emlaat.com/vb/showthread.php?t=1040)
لتحدثنا عن قصصك و تحمَّل لنا بعضاً مما أثريت به الساحة الأدبية
من القصص بمختلف أنواعها..

كل التقدير..

:rose:
إملاءات المطر

أخت سودة .. سأكون في انتظار عودتك لانها ستحمل عمقا و أضافة انتظرهما .. بالنسبة للدعوة ،يسرني كثيرا تلبيتها و لكن اترك لك تقديم نصوصي لاني أعتقد انك اقدر على القيام بذلك ..
دمت في كل الخير
مودتي