المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [] الصديق []


عبد الله العُتَيِّق
27/12/2008, 04:44 PM
[] الصَّديقُ []

"نقطف ثمار الصداقة كلَّ لحظة"
ديموفيل
الإنسان مَدنيٌّ بالطبْعِ ، لا يفتأ أن يُخالِطَ غيرَه من بني جنسه ، لأنه بدونه ليس بشيءٍ ، فلا استغناءَ عنه ، حاجة الإنسان للصديق تشمل الكثير من مناحي حياته ، فهو في حاجته روحياً ، و عاطفياً ، و فكرياً ، و كذلك جسدياً ، إنَّ الصديقَ ليسَ إلا نسخةً أخرى من الذاتِ ، فإن لم يكن الصديقُ ممثِّلاً الذاتَ حين الاختيارَ فلا يكونُ أقلَّ من مُشابِهٍ لها .
في مخالطة الإنسان الناسَ يجدُ كثيراً ممن يعرضُ نفسَه صديقاً ، و لكن ليس من صادَقَ صادِقٌ ، و لا مَن صاحَبَ صاحِبٌ ، فالاتصافُ لا يعني الصفة ، فقوانينُ الصداقةِ مما لا يُطيقها إلا مَن كان قادراً عليها ، و يدَّعيها كل من يفشل عند أول امتحانٍ .
الصداقة هي التركيز على الايجابية في بنائها ، لأنها صِلةٌ إبقائية و ليست إفنائية ، علاقة لتدوم لا لتزول ، لأنَّ هذا هو لُبُّها ، فعندما نراها بعين الإيجابية في الإيجابية نكون قد أبقيناها ، و لكننا حين نراها بعين الإيجابية في السلبية نكون قد هدمناها في مهدها ، كما لو أننا رأيناها بعين السلبية في السلبية أو بعين السلبية في الإيجابية .
إنَّ إيجابية الصداقة تنتظمُ أشياءَ كثيرةً من أحوالِ المُصادِقِ و المُصادَق ، فيكون بها بناءُ الإبقاءِ ، فكل تصرفٍ ، مهما كان ، إما أن يكون مُبقياً أو مُفنياً ، فمتى أدرك الصديقانِ هذا الشيءَ في صداقتهما أدركا سِرَّ بنائها و بقائها .
لذلك فلا يتم تحققُ بنائها إلا باعتبارها صداقة أرواح لا صداقة أشباح ، فصداقة الأرواح ترابُطٌ رُوحيٌ باطنيٌ قلبيٌ ، فيكون التواصل من خلال البواطن و تخاطر الأرواح حتى لو كانا بعيدين جسداً أو خبراً ، و هذه أساسُ الصادقات و جوهرة العلاقات ، لأن البقاءَ للأرواحِ بعد فناءِ الأجسادِ ، فالأرواحُ حقائق الأجساد ، و لولاها ما كن الأجساد .
صداقةُ الأرواحِ تعني أن الصدقَ في الصداقةِ يكون ذاتياً نابعاً من الصديقِ نحوَ صديقه ، فلا يستخرجه طلبٌ و لا بَعْثٌ ، و لا يستحرثه سؤالٌ أو بحثٌ ، بل تكون الأرواحُ قائمة مقام الاتحادِ و الاندماج و الامتزاجِ ، و هذه أندرُ وجوداً بين الأصدقاء .
و صداقة الأشباح / الأجساد لا تبقى ، و لا يُضمنُ دوامها لأنها تكمُن في التواصل الجسدي من خلالِ حواسِّه ، و الحواسُ لا يُضمن صِدق تعبيرها عن الباطن ، و ربما تكون صداقة الأشباح ردماً لصداقة الأرواح .
الصداقة ذاتيةٌ قبل أن تكون غَيرية ، فصديقٌ يعتبرُ صديقَه ليس كذاته ليس صديقاً ، و على هذا قامت قوائم الصداقة عند العقلاء النبلاءِ ، فقبيحٌ في صديقٍ يَرى نفسَه على صديقه ، و قبيحٌ في صديقٍ أن يكون في منأى عن صديقه ، و قبيحٌ في صديقٍ أن يكون أنانيَّ الحالِ ، لأن جوهر الصداقةِ أن تكونَ لصديقكَ كما تحبّ أن يكون لك ، فإن لم تكونا كذلك فليس شيئاً يُحْفَلُ به في الصداقة .
الصداقةُ الصادقة ذات وظائف و ضرائب ، فلا يَلِجُها إلا مَن كان صادقاً صَدوقاً ، فإنَّ صديقاً لا يعتبرُ صديقَه كذاتِهِ ليس صديقاً ، و إنَّ صديقاً لا يكون مع صديقه في ضرائه أكثر منه في سرائه ليس صديقاً ، و إن صديقاً لا يكون مع صديقاً وفيَّ القولِ و الفعلِ ليس صديقاً ، و إنَّ صديقاً لا يكون حيثُ أراده صديقه فليس صديقاً ، و إنَّ صديقاً لا يكون لصديقه أشد من ظلِّه ليس صديقاً ، و إنَّ صديقاً لا يكون لصديقه كافياً فليسَ صديقاً ، و إنَّ صديقاً لا يكون لصديقه الناسَ ليس صديقاً ، و إن صديقاً لا يكون مع صديقه صورةَ الكمال الإنساني ليس صديقاً ، و إن صديقاً لا يكون صديقاً لصديقه فليس صديقاً ، إن الصديقَ الحقَّ إن كانَ فليسَ إلا أندرَ من كبريتٍ أحمرَ ، و مَن لقيَه فيكن ممسكاً به فلن يُنجب الزمانُ يوماً صديقاً آخرَ ، فالصديقُ الوفيُّ يتيمٌ ، و ليس له بديلٌ ، و لا مثلُه مثيلٌ ، و الباقي زيفٌ و حيفٌ ، و كلاهما كمرورِ طيفٍ .
الصداقة الروحية تفتقرُ لأصولٍ ستةٍ حتى تتوطَّد و ترسخ :
الأول : الثقة ، فصداقةٌ لا تقوم على ثقةٍ أحد الصديقين بالآخر صداقةٌ داخَلَها ما يقضي عليها بالفسادِ من أولِ طريقها ، و لا تُسمى صداقةٌ في عالم الصداقة الحقيقي ، و إن ألبِسَتْ ثوبَها ، و أدنى شكٍّ بين صديقين هو بدايةٌ الانهيار .
الثاني : الاحترام ، فمتى لم يقُمْ بين الصديقينِ أصل الاحترام و التقديرِ ، في الغياب و الحضور ، كان إتلاف الصداقة حتميٌّ ، و لو تواصَلَت الأجساد و تلاقتْ فإن الأرواح في معزلٍ ، و في انعزالها هُزالُها ، و الهُزالُ زوالٌ .
فلا تعني الصداقة مجاوزة حدود الأدب و الاحترام ، بل تزيدُ منه ، لاعتبار الكينونة الاتحادية بين الصديقين ، و اعتبار الصداقة شيئاً يُلغي هذا الأصل فهو فهم مغلوطٌ عند نبلاء الأصدقاء .
الثالث : التسامح ، و اللينُ و المرونةُ توابعُ لذلك ، و أساسٌ في الصداقة ، فلا غِلظة و لا اشتداد ، كما أنه ليس تدقيقاً و حساباً ، كذلك تلمُّسُ العذرِ بين الأصدقاءِ في حالاتِ الخطأ من أفعال الشرفاءِ من الناس في صداقاتهم ، فهو صُداقُ الصداقة ، و من لم يكن عاذراً كان غادراً .
الرابع : التشجيع ، فالصديقُ بصديقه ، فإن لم يكن رافعاً إيَّاه في مراقي الكمالاتِ بقيَ في محالِّ الحالاتِ لا يُجاوزها ، فيكون مِعواناً مُقوِّماً داعماً ، و التخاذُلُ في الدعم للصديقِ خيانةٌ لاعتبار روحية الصداقة ، فإنْ لم يكن الصديقُ هنا فلا يُراد في غيره .
الخامس : المشاركة في الأحاسيس ، هذه تتحقَّقُ تماماً عند اتفاقِ الروحين ، و اتحادهما في لُباب الصداقة ، فحديثُ الأرواح يسري سرياناً لا تُدركه قوانين الجسدِ و لا براهين العلم ، و تدركه القلوبُ ، و تحكي العينُ ، و لا تكذبُ جوارحُ الروح ، و متى غابت الأحاسيس تبادُلاً فإنَّ هناك خللاً في أحد الطرفين ، فليُدرَكْ .
السادس : المحبة ، لا حديثَ هنا ، فيكفي أن المحبةَ أصلٌ يَجمع شتاتاً في الصداقةِ .
و بدون هذه الأصول الستة يكون فيها نوعٌ من الخلل ، و متى طرأ الخللُ في طرفٍ من الصداقة تأثر الطرف الآخر تلقائيا ، لأن العلاقة روحية ، و الأرواح لها لغتها الخاصة في التخاطُبِ .
هكذا الصديقُ ، فإن كانَ ثَمَّ و إلا فلا يكن ، بل لا يكون ، لأن الصداقةَ من جذرِ الصدقِ ، و الصدقُ لا يقبلُ الدعاوي ، و الأفعالُ براهينُه ، و الحقائق مضامينه .

أسامة بن محمد السَّطائفي
27/12/2008, 06:23 PM
*

كاتِبنا القَدير / عبدُ الله ، سلامٌ عليكَ و رحمةُ اللهِ و بركاتهُ ،

/

وَ تِلكمُ هِي أساساتُ الصَّداقةِ الحقَّة و دعائمها الَّتي لا يُمكنُ لأيِّ علاقةٍ أخويَّةٍ أن تصمدَ و تستمرَّ بدونها ،

وَفيَّتَ وَ كَفَيْتَ يا أخي ، فلم تدع لنا مَجالاً لأن لا نَشكركَ على صَنيعكِ الجَليل ،

باركَ اللهُ فيكَ يا أستاذَنا وَ نفعَ الله بكَ ،

/

تقبل مني خالصَ التحية و العِرفان :flower2:

فتحية الشبلي
19/02/2009, 03:09 PM
تحية طيبة متي ما وصلت سيد عبد الله
أحيك علي هذا الموضوع الذي نحن بأمس الحاجة إليه فالصداقة الحقة أضحت عملة نادرة هذه الآيام
والإنسان كما تفضلت آنفا لايستطيع أن يعيش وحيدا وهذا مرده الي الحقيقة الإجتماعية القائلة بإن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه ويميل الي تكوين علاقات إجتماعية عدة من بينها الصداقة
وحضرتك هنا أشرت الي الصداقة وأسسها وأصولها وأجزلت ووفيت
وليس هناك ما يمكننا إضافته سوي الشكر والإمتنان لك علي هذا الطرح الواعي
‏ تحياتي وأحترامي

جوري جميل
14/02/2010, 04:06 PM
أشدُّ على يديكّ , وأشكركِ باسم المطر لهذه المقال القيمة .
ما ذكرتَ من أصول الصداقة الحقَة بغاية الأهمية فإن تحلى بها الصديق فهو خيرٌ من آلاف البشر المحيطين .

الصداقة التي تسود ثناياها هذه الأسس لا شكّ خالدة ولن تشوبها شائبة أبداً .
ومن وجده فليتمسك به وليعرف أنه وجد كنزاً معنوياً وشخصاً نادر الوجود...

الصداقة في زمننا باتت مثلها مثل المعاني السامية التي نحلم بها كالمحبة والوفاء والصدق...

لعلَّ الخير يكون في بقايا متبقية منها .

كل التقدير والتحية لشخصكَ الكريم , لما أفدتنا به وأعدتنا إلى أجمل معنى للصدق والوفاء والاختلاط البشري.

بارك الله بك ...