المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ~ كَـالـحَـقِـيـقَـة ~


أسامة بن محمد السَّطائفي
27/12/2008, 06:48 PM
*

~ سَـلامٌ عليكم و رحمةُ اللهِ و بركاتهُ ~

/

~ كَـالحَـقِـيـقَـة }

" تمتاز أوقاتي بالتشابهِ المألوف ، أحيى فيها بكلِّ أمزجتها المُتضادَّةِ التي لولا تعاكُسها لم أعرف الأمورَ على حقيقتها ، و لم أدرك الهدف من وجودها مع بعضها البعض في بوتقة واحدة .

تمرُّ – على الأغلبِ – و أنا في استقرارٍ ظرفِيٍّ ، تتخلَّلهُ هزَّاتٌ نفسيَّةٌ تؤثِّرُ عليهِ حسبَ : نوعها ، مدَّتها و الشخصِ المتسببِ فيها . فعلى سبيلِ المِثالِ : إن تواعدتُ مع أحدهم في مكانٍ ما و زمانٍ معيَّنٍ و لم يأتي في الموعد المحدَّد ، فإنَّ خُلفهُ للوعدِ يجعلني أستاءُ فأنا لا أحبُّ عدمَ الوفاءِ بالوعودِ ، و تزيدُ درجةُ استيائي و تنقُصُ حسبَ مكانةِ ذلكَ الشخصِ عندي ، خاصَّةً إن علمتُ فيما بعد أنَّهُ لم يكن لهُ عذرٌ مقبولٌ يحتجُّ به .

و المدى الذي يُمكنُ أن تبلغهُ حِدَّةُ الصَّدماتِ المُختلفةِ على نفسِيَّتي ، يطولُ و يقصُرُ أيضاً تَبعاً لنفسِ العواملِ الخاصَّةِ بتأثيراتِها . فهناكَ التي تزولُ فوراً ، لدرجةِ أنَّني لا أُعيرها اهتماماً مُطلقاً ، و هناكَ أخرى تبقى لأيَّامٍ معدوداتٍ قبلَ أن يطويها سِجِلُّ النِّسيانِ ، و الصِّنفُ الثَّالِثُ مِنها فذو شِقَّينِ /

- الشِّقُّ الأوَّلُ :

كئيبٌ كئابةَ المقابرِ ، و مريرٌ مرارةَ الصَّبرِ ، و بطيءٌ بُطءَ الوقتِ بالنِّسبةِ للمرضى في المُستشفيات . تعسُّفُهُ بلا رحمةٍ و تنغيصُهُ بلا حُدودٍ و ظُهورُهُ بلا أمَارَة ، أغتمُّ لِحُضورهِ و أقاسي في أثتائِهِ و أبتهِجُ لِمُغادرتِهِ . لم يضجر من مُلاحَقَتي و لمْ يشبع من جَنى ألمي و لم يُفكِّر أبداً في تركي . إلى أنِ اكتشفتُ لهُ عِلاجاً جِذرِياً من خِبرتي الطويلةِ معه ، لم أطردهُ و لم أمنعهُ من المجيءِ إذ أنَّ ذلكَ ليسَ في طاقتي ، و لكنَّني تعاملتُ معهُ تعامُلاً ذكياً : لا آبَهُ لهُ أبداً مُحاوِلاً التَّسلي عنهُ بِضِدِّهِ ، و لا ألبِّي دعوتهُ لحضورِ مأدبةِ الحُزْنِ التي تُقامُ على شرفهِ ، و تعلَّمتُ منهُ النُّهوضَ بعدَ كلِّ سُقوط .

- أمَّا الشِّقُّ الثَّاني :

فذو نَضارةٍ بهِيَّةٍ و أحلامٍ قرنفُلِيَّةٍ و ذِكرياتٍ فاتِنَةٍ فتِيَّةٍ مِنَ الأوقاتِ الطَّيِّبةِ الهَنِيَّةِ . يجعلني أبتسمُ حينما يمرُّ طيفُهُ من أمامي ، دونَ سابِقِ إنذارٍ و في أيِّ موقفٍ و مكانٍ ، حتَّى يظنُّني من يراني وقتها أنَّهُ بي مسٌّ منَ الجِنِّ وَ ما أروعَ المسَّ إن كانَ هكذا .

يرتعشُ بدني مِن إعادةٍ بسيطةٍ و لوِ لِلَحظةٍ صغيرةٍ كُنتُ فيها مع خِلاَّني ، في ذلكَ المكانِ الذي أتمنى أن أكونَ فيهِ الآن . مكانٌ لا يُمكنني أن أمحي تفاصيلهُ الطَّفيفةَ - فضلاً عمَّن سِواها – من بَقايا مُخِيِّلتي : المُنعطفُ الذي على اليمينِ ، و الكراسي الحجريَّةُ التي وُزِّعت هنا و هُناك و قد زاحمتِ السَّاحةَ مع أشجارِ الزَّيتونِ العتيقةِ التي لا تتعبُ أفنانُها منَ الإهتزازِ حينَ تزورها في العَشِيِّ رياحٌ باردة ، و كأنَّها تُلوِّحُ لنا أنَّها مازالت هنا صامدة .

يا لِلسَّعادةِ التي تُداخِلُني ، كأنَّ ما سردتهُ قبلَ هُنَيْهَةٍ حقيقةٌ مرئِيَّةٌ تَتَّضِحُ قُدَّامي كما لو أنَّهُ يحدثُ لأوَّلِ مرَّة . و هذا حالُ كلِّ ذِكرى حَسَنَةٍ ، تتركُ أثرها البارِز – الذي لا يزولُ – على جَنَبَاتِ الرُّوحِ ، فلا يُمكنُ أنْ يتلاشى فيُطمَسَ إلى الأبدِ و لا يُمكنُ أن يُتَجاهَلَ فيُنسى معَ تطاوُلِ الأمدِ .

فما أعزَّ المواقِفَ التي ترجعُ " كالحقيقةِ " من أكفانِها ، في ظِلِّ فُقدانِ الأمانِ و نُدرةِ الخِلاَّنِ ، لأنَّها تُبقينا في اتِّصالٍ دائمٍ مع أحبابٍ مرُّوا على رصيفِ ذواتِنا ذاتَ وَقتٍ و زَمـان "

/

سَـطِـيـف / 29 / 10 / 2007

زكيّة سلمان
26/01/2009, 02:28 PM
حقيقةٌ كثيرةٌ هي الأمور التي تؤرقنا ، وتقض مضاجع سعادتنا ،
نتقوقع على انفسنا معها في صراع مُغري للتوسد على أكتاف الأمل بغية الهروب
من دوامة نفسية نوشك أن نقع فيها ، نتدراك أنفسنا بطريقة ما .
وحين نتلقى صدمة من أحدهم ، تهتز عرش المشاعر ، وتزداد الهوّة عمقاً .
ولكن حين نخطأ في حق أحدهم دون قصد هنا الازمة النفسية تكون أشدّ والله المستعان،
وحقيقةُ أخرى كـ وردةٍ مُعتقةٌ تبدو نضرة نديّة ، نقفُ عند أطلالها ما بين غصة الماضي الذي لن يعودْ،
وبين أبتهاجٍ يتغلغلُ في الروحِ حنيناً لتلك الأشياءِ والأشخاصِ ،
وما بين شوقٍ ظمئْ لأصدقاءٍ نادتهم المنيةْ فأجابوا مُلبينْ ، ولأنّهم من النّدرةِ في الطيبةِ وحسن النيةْ ،
يكونْ الوقوف عند ذكرياتهم مــاطرْ وماطرٌ جداً


أخي / أســامة السطائفي ..
مذهلٌ ما قرأت هنا ..
إحترامي ..flwr1

فتحية الشبلي
19/02/2009, 04:06 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص مميز كشف لنا الحقيقة بكل تناقضاتها المثيرة وتضاداتها المرادفة والتي لولاها فعلا ماكنا عرفنا حقائق الأشياء
كعادتك ياأسامة تنقلنا الي عوالم من الدهشة والإبهار والغوص في كوامن الفكر
وهذه حقيقة أخري لا يختلف عليها أثنان

ودي وأحترامي

ريم عبد الرحمن
25/10/2009, 01:35 PM
أخي الكريم ,, أسامة

عمق كتاباتك وثراء مضمونها تجعلني أعود إليها كلما احتجت للتنفس

/ كَـالـحَـقِـيـقَـة ~ / نص مدهش وممعن في الواقع يجعلني أبحر في خيالات كثيرة ومن ثم أنتبه إلى أن ذلك هو أمر طبيعي ما دمت أقرأ لأخي أسامة :)



تقديري ودمت في حفظ الله

مريم الخالد
27/10/2009, 02:51 PM
أسعدني التواجد ضمن هذا المتصفح الزاخر بالمشاعر العميقة
والتي في حقيقتها هي رقيقة
تحياتي أخ أسامة