عزيز العرباوي
09/03/2009, 02:45 PM
لماذا يتشبث العرب بالتبعية ؟
في عالمنا العربي نتطلع إلى الغرب أكثر مما نتطلع إلى مجتمعات أخرى وكيانات أخرى غيره، بل نغالي في اعتمادنا على الغرب لحل بعض مشاكلنا العالقة سياسياًواقتصادياً وحتى ثقافياً. وهذا مرده إلى نقص يكمن فينا نحن العرب بحيث لا نستطيع أن نخلع عنا رداء التغريب الذي ارتديناه منذ زمن ليس بالقليل وأصبح ملتصقاً بأجسادنا وكياناتنا إلى الحد الذي يمكننا من خلاله أن نكون نسحة طبق الأصل من أصحاب هذا الرداء.
وواقع الحال أن الانحياز العربي تجاه الغرب بهذه الطريقة المخجلة والتي تضرب بعرض الحائط قيمنا وما كنا نتميز به منذ فجر التاريخ وما حافظ عليه أسلافنا في تعايشهم مع أقوام كثيرة ومع دول عظمى كانت قادرة على إفناء كل العرب – وهؤلاء الأخيرين كانوا مشتتين في قبائل وكنتونات اجتماعية ضعيفة – عن بكرة أبيهم. فأصبح عربي اليوم يعيش حياة الإشباع الغريزي والشهواني والاستهلاك المظهري الآتي من الغرب دون أن يكون مساعداً في الإنتاج والإبداع أو أن يكون قادراً على جعل الغرب أيضاً موضوعاً للحوار والتثاقف والنقاش الفكري والحضاري، ودون أن يدرك أن الحضارة تبنى بكل السواعد المختلفة من هنا وهناك على أساس التعاون والتنوع والتعددية.
يعود هذا الانحياز العربي تجاه الغرب إلى زمن الاستعمار الذي حاول أن يذيب العربي في البيئة الغربية عن طريق منافذ قوية اتخذت الثقافة والسياسة منهجين للتغريب في كل الوطن العربي. فرغم القرب الجغرافي بين أغلبية المجتمعات العربية وبين الغرب فلم يستطع أن يتوغل في القيم العربية السائدة إلا بعد حقبة الاستعمار التي جعلت الاحتكاك المباشر بين العرب والغرب القشة التي قصمت ظهر البعير العربي وجعلته سلساً للتحكم فيه وتطويعه حسب الرؤية الغربية السائدة آنذاك وبذلك استطاع الغرب أن يفرض رؤيته الفكرية والسياسية والثقافية على العرب وتمكن أخيراً من جعل العربي ذلك الكائن البشري المستهلك لما هو غربي دون تفكير أو بحث أن معارضة أو تقص عن مدى قدرته على أشباع الغريزةالشهوانية لديه. وبالتالي دفع هذا الواقع الجديد الغرب إلى فرض سياسة التسلط والهيمنة وفرض الأمر الواقع على العرب كلهم ووصل به الحد إلى استغلال كل الموارد العربية الكثيرة بأقل التكاليف وبدون وجود معارضة لأنه استطاع أن يقضي عليها في عقر دارها بوسائل جديدة تمثلت في الغزو الثقافي، وبدأنا نسمع على لسان الكثيرين التأسي على أيام الاستعمار الغربي لبلادنا لأنهم فقدوا الثقة في أهل وطنهم الذين باعوا أنفسهم وعاثوا فساداً في مجتمعاتهم.
مازال العرب اليوم متشبثين بهذه التبعية رغم ظهور دلائل قوية على تورط الغرب في العديدمن الكوارث والجرائم التي تقع علينا والتي تودي بحياةالكثيرين من الناسا الأبرياء. ومازالوا غير قادرين على خلع رداء التغريب لأنهم لم يستطيعوا إلى حد الآن إبداع وسائل حياة خاصة بهم، فكان عليهم أن يستمروا في تبعيتهم وخنوعهم المذل. وعوض التفكير في خلق علاقات جديدة موازية لهذه العلاقة مع الغرب من مثل الانفتاح على قوى صاعدة تمثل مجتمعات راقية في السمو الروحي والعقدي والديني – رغم اختلافهعن عقائدنا وديننا – وبينت بالملموس أنها قادرة على منافسة الغرب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً كالصين واليابان والكوريتين... (نمور آسيا) والهند .... وغيرها من القوى الصاعدة التي استطاعت في مدة قصيرة على أن توقف الغرب وأمريكا في السيطرة على العالم وفرض سياساتهم الظالمة.
إن تركيزنا على دول شرق آسيا والهند هنا مرده إلى أن هذه الدول تعيش استقراراً سياسياً واقتصادياًوثقافياً متميزاً تستطيع من خلاله أن تكون في المستقبل من القوى الدولية التي تفرض العدالة العالمية وتدحض سياسة شرطي العالم والقطب الواحد. ولعلنا لن نخسر كثيراً نحن العرب من المحيط إلى الخليج إذا ما انفتحنا على هذه الدول والمجتمعات وحاولنا خلق علاقات جديدة متينة مبنية على الاحترام المتبادل، ونفضل أن تكون البداية ثقافية قبل أن ننفتح اقتصادياً وسياسياً عليهم، لأن ما هو ثقافي يبني علاقات متينة أكثر مما يبنيه السياسي والاقتصادي. ومن هنا فدعوتنا إلى خلق جسور للتبادل الثقافي بين العرب وبين دول شرق آسيا دعوة تقود إلى خلع رداء التبعية إلى الغرب شيئاً فشيئاً دون أن تتأثر العلاقة بيننا وبينه، بل قد تفرض عليه أن يعاملنا باحترام إذا ما ظهر له أننا قادرين على فرض وجودنا في العالم وقادرين أيضاً على أن نخرج من القوقعة التي وضعنا فيها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
ويحدوني أمل في أن تكون هذه الدعوة في موقع الاهتمام لأنها دعوة خير، وقد سبقني الكثيرون إليها وكتبوا عن قيمة هذه الدول بالنسبة إلينا وعن قدرتها عن خلق علاقات متميزة لأنها تؤمن بمثل هذه القيم انطلاقاً مما تؤمن به في لاعديد من الديانات التي تنتشر فيها والتي تكاد تجمع على السمو الروحي عند الإنسان وعلى نشر القيم الإنسانية النبيلة وهذا ما يتقاطع مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ومع قيمنا العربية، ومن ثم فإننا نرغب في تعزيز وتوثيق الصلة بالثراء التاريخي للقاء الأفكار والروابط بين العرب وبين هذه المجتمعات الراقية والمؤمنة بالتعاون والاحترام المتبادل....
عزيز العرباوي
كاتب مغربي
Azizelarbaoui017@gmail.com
في عالمنا العربي نتطلع إلى الغرب أكثر مما نتطلع إلى مجتمعات أخرى وكيانات أخرى غيره، بل نغالي في اعتمادنا على الغرب لحل بعض مشاكلنا العالقة سياسياًواقتصادياً وحتى ثقافياً. وهذا مرده إلى نقص يكمن فينا نحن العرب بحيث لا نستطيع أن نخلع عنا رداء التغريب الذي ارتديناه منذ زمن ليس بالقليل وأصبح ملتصقاً بأجسادنا وكياناتنا إلى الحد الذي يمكننا من خلاله أن نكون نسحة طبق الأصل من أصحاب هذا الرداء.
وواقع الحال أن الانحياز العربي تجاه الغرب بهذه الطريقة المخجلة والتي تضرب بعرض الحائط قيمنا وما كنا نتميز به منذ فجر التاريخ وما حافظ عليه أسلافنا في تعايشهم مع أقوام كثيرة ومع دول عظمى كانت قادرة على إفناء كل العرب – وهؤلاء الأخيرين كانوا مشتتين في قبائل وكنتونات اجتماعية ضعيفة – عن بكرة أبيهم. فأصبح عربي اليوم يعيش حياة الإشباع الغريزي والشهواني والاستهلاك المظهري الآتي من الغرب دون أن يكون مساعداً في الإنتاج والإبداع أو أن يكون قادراً على جعل الغرب أيضاً موضوعاً للحوار والتثاقف والنقاش الفكري والحضاري، ودون أن يدرك أن الحضارة تبنى بكل السواعد المختلفة من هنا وهناك على أساس التعاون والتنوع والتعددية.
يعود هذا الانحياز العربي تجاه الغرب إلى زمن الاستعمار الذي حاول أن يذيب العربي في البيئة الغربية عن طريق منافذ قوية اتخذت الثقافة والسياسة منهجين للتغريب في كل الوطن العربي. فرغم القرب الجغرافي بين أغلبية المجتمعات العربية وبين الغرب فلم يستطع أن يتوغل في القيم العربية السائدة إلا بعد حقبة الاستعمار التي جعلت الاحتكاك المباشر بين العرب والغرب القشة التي قصمت ظهر البعير العربي وجعلته سلساً للتحكم فيه وتطويعه حسب الرؤية الغربية السائدة آنذاك وبذلك استطاع الغرب أن يفرض رؤيته الفكرية والسياسية والثقافية على العرب وتمكن أخيراً من جعل العربي ذلك الكائن البشري المستهلك لما هو غربي دون تفكير أو بحث أن معارضة أو تقص عن مدى قدرته على أشباع الغريزةالشهوانية لديه. وبالتالي دفع هذا الواقع الجديد الغرب إلى فرض سياسة التسلط والهيمنة وفرض الأمر الواقع على العرب كلهم ووصل به الحد إلى استغلال كل الموارد العربية الكثيرة بأقل التكاليف وبدون وجود معارضة لأنه استطاع أن يقضي عليها في عقر دارها بوسائل جديدة تمثلت في الغزو الثقافي، وبدأنا نسمع على لسان الكثيرين التأسي على أيام الاستعمار الغربي لبلادنا لأنهم فقدوا الثقة في أهل وطنهم الذين باعوا أنفسهم وعاثوا فساداً في مجتمعاتهم.
مازال العرب اليوم متشبثين بهذه التبعية رغم ظهور دلائل قوية على تورط الغرب في العديدمن الكوارث والجرائم التي تقع علينا والتي تودي بحياةالكثيرين من الناسا الأبرياء. ومازالوا غير قادرين على خلع رداء التغريب لأنهم لم يستطيعوا إلى حد الآن إبداع وسائل حياة خاصة بهم، فكان عليهم أن يستمروا في تبعيتهم وخنوعهم المذل. وعوض التفكير في خلق علاقات جديدة موازية لهذه العلاقة مع الغرب من مثل الانفتاح على قوى صاعدة تمثل مجتمعات راقية في السمو الروحي والعقدي والديني – رغم اختلافهعن عقائدنا وديننا – وبينت بالملموس أنها قادرة على منافسة الغرب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً كالصين واليابان والكوريتين... (نمور آسيا) والهند .... وغيرها من القوى الصاعدة التي استطاعت في مدة قصيرة على أن توقف الغرب وأمريكا في السيطرة على العالم وفرض سياساتهم الظالمة.
إن تركيزنا على دول شرق آسيا والهند هنا مرده إلى أن هذه الدول تعيش استقراراً سياسياً واقتصادياًوثقافياً متميزاً تستطيع من خلاله أن تكون في المستقبل من القوى الدولية التي تفرض العدالة العالمية وتدحض سياسة شرطي العالم والقطب الواحد. ولعلنا لن نخسر كثيراً نحن العرب من المحيط إلى الخليج إذا ما انفتحنا على هذه الدول والمجتمعات وحاولنا خلق علاقات جديدة متينة مبنية على الاحترام المتبادل، ونفضل أن تكون البداية ثقافية قبل أن ننفتح اقتصادياً وسياسياً عليهم، لأن ما هو ثقافي يبني علاقات متينة أكثر مما يبنيه السياسي والاقتصادي. ومن هنا فدعوتنا إلى خلق جسور للتبادل الثقافي بين العرب وبين دول شرق آسيا دعوة تقود إلى خلع رداء التبعية إلى الغرب شيئاً فشيئاً دون أن تتأثر العلاقة بيننا وبينه، بل قد تفرض عليه أن يعاملنا باحترام إذا ما ظهر له أننا قادرين على فرض وجودنا في العالم وقادرين أيضاً على أن نخرج من القوقعة التي وضعنا فيها سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
ويحدوني أمل في أن تكون هذه الدعوة في موقع الاهتمام لأنها دعوة خير، وقد سبقني الكثيرون إليها وكتبوا عن قيمة هذه الدول بالنسبة إلينا وعن قدرتها عن خلق علاقات متميزة لأنها تؤمن بمثل هذه القيم انطلاقاً مما تؤمن به في لاعديد من الديانات التي تنتشر فيها والتي تكاد تجمع على السمو الروحي عند الإنسان وعلى نشر القيم الإنسانية النبيلة وهذا ما يتقاطع مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ومع قيمنا العربية، ومن ثم فإننا نرغب في تعزيز وتوثيق الصلة بالثراء التاريخي للقاء الأفكار والروابط بين العرب وبين هذه المجتمعات الراقية والمؤمنة بالتعاون والاحترام المتبادل....
عزيز العرباوي
كاتب مغربي
Azizelarbaoui017@gmail.com