عروس السماء
30/04/2009, 03:47 AM
يحاصرني الوقت , يرمي بثقل الماضي على أيامي , يعيد إلي رتابة مشاعري ..
ضوء طفولة يتسرب من خلف النافذة , يملأ حائط قلبي بضجيج الأطفال ..
يوسف , طفل الـ 13 عام , تسألت كثيراً ماذا لو لم أنفذ خطته المتقنة ذات صباح هل كنت سألتقي بكل هذا..؟
أحياناً يهدينا الوقت أقدارنا ..!
و لا نجرؤ على ركله في حين أننا نعلقه على أكتافنا ونمضي عكس كل الأشياء التي نعقد الاتفاق معها...!
ضحكاتنا مازلت تتردد كصوت أغنيةٍ قديمة لم يعلمونا إياها ,حين أصبحنا خارج أسوار ذلك البناء الشاهق بالألم الممتلئ بالصمت , الغافي بالضجر , والمجروح ب الرضى لأن الحياة ولدتنا أمواتاً به..!
وكأننا صنعنا للموت حياة من تحت سطوة و جبروت ذلك المسئول علينا , نظراتنا تعبر الأرصفة و تردد بتحد وبخنا إن وجدت أزقة تشي بـ بؤسنا..!
كنت أمسك بالجريدة بيدٍ ترتجف , حين همست وملئ عيني خوف بأن نعود , فهاهي الجرائد لا تخلوا من هذا الخبر الذي أصبح يلوكه الناس مع تلك الأخبار التي يذيبون تفاصيلها داخل فنجان القهوة ..
حكايا تتكرر داخل أسوار هذا الملجأ وليس هناك من حائط يجرؤ على المثول أمام أفواه الجرائد ويلجمها ..!!
من جديد اختفاء طفلين من ملجأ الأطفال [يوسف طفل 13 عام , و هاشم طفل العاشرة أحد المفقودين من ملجأ الأيتام ..] وتفاصيل الهرب مازالت قيد التحقيق ...
صورنا تعلوا أسماؤنا في كل جريدة ..!
الأمر ليوسف كان حلم وقد تحقق , ولي كان حلم بدأت أصعد درجاته ببطء شديد بسبب تلك الرياح التي لا تعترف بالأعمار , ولا بلون الابتسامات..!!
كم من مرة نفتنى الأرض خارج فؤادها ..
وكم من مرة لعنتنا السماء لسرقة , أو لكذب أو لملاطفة طفل ما وسرقة ما في حوزته من نقود ..!
ذات مساء وحين ضمتنا أحد الأزقة المتسخة ..
قال يوسف بأنه يرى نفسه أحد الرجال المهمين في هذا البلد القذر ..!
أخبرته بأنني سأظل أحمل في قلبي وفاء لهذا الحائط الذي نتكئ عليه وكأنه سندٌ لنا ..!
ابتسم يوسف بسخرية..
وقال : عني سأقدم له طلاءً جديداً كل عيد ..!
أنظر إليه ويحول دون حديثي هطول المطر , إذ أنني في كل لقاء بينه وبين الأرض أبكي ..!!
يوسف يحاول أن يمارس كذبة على الأطفال علي أيضاً ..!!
يدعي النوم بينما الأرض تصبح له منديل رطب !!
في يوم بأس وبعد أن أخذ الجوع منا كل طاقاتنا , عانقنا جثث أرواحنا بتهالك , ومضينا نحن وهي إلى أي شيء من الحلم في البقاء,,
الأمل برغيف , وأن تلين الأرصفة برداً , وأن يرسل الله في قلوب العابرين ليناً ..!
في تلك اللحظات من حياتي توقف عمري , ليمضي فجأة دوني بلا تذكرة مسبقة بالمغادرة بلا شيء تماماً من الحلم...!
يومها .. سرق يوسف حقيبة أحد السيدات وحدثتني عيناه أن أركض بكل ما أوتيت من بؤس خلفه كان يتبعنا رجلان ومن ثم أصبحوا ثلاثة ليصبح عددهم ضعف عددهم السابق !
لم نكن قد عبرنا الرصيف بعد..
توقفت أنا أثر ازدحام حركة السير وصرخت بيوسف أن يتوقف بل رجوته أيضا ..
ولكنه ككل مره ينفذ ما يخطط له , ابتسامة يوسف بدت تتلون بلون الدم , حتى قميصه الرمادي تغير لونه , ملامحه بدت أكثر رضى يوسف ذلك الأخ الحبيب ذلك الصديق أصبح طيراً طاهراً كما علمونا ..!
هكذا أنتي يا أقدار تسرقين أحلامنا حتى ابتسامتنا..!
- مسكين مات , الموت رحمة له..!!
أي رحمة هذه..؟؟
إنها لعنة , من أين لي بعائلة غير يوسف ..!
مازال صوتهم يضج ب أعماقي ..
- لقد مات ..!
- لقد مات ..!
البعض لفظها بمرارة , والبعض همس بصوت أكثر سواداً أن هذه النهاية كنا نستحقها معا حقا تمنيت أن أكون مكانك يا يوسف !
آه من موتك يا يوسف كيف أشعل بداخلي لهيب فقد الأهل الذين ما عرفتهم إلا فيك !
آه من فاجعة موتك يا يوسف كيف هدت سقف حائطنا الذي كان بمثابة البقاء لنا !
آه من موتك يا يوسف كيف أبكى السماء , وأبى إلا أن يكون لونك مطر !
أعادوني إلى ذلك الملجأ وكأنهم قرروا أنك قد تخليت عني كما تخلى ذوي خالد عن وصايته وتركوه هنا !
كيف استطعت ترك ابن لك يا يوسف , وأنت كل الدنيا لي ..!؟
في ذلك اليوم ..
أمطرت السماء كثيراً ..
وبكيت أنا ..
وأنت كعادتك ..
تنام عندما يهطل المطر !
ليال كثيرة أمضيتها وأنا أحاول إقناعك أن نخطط للهرب مرة أخرى , وليال أخرى أمضيتها أحسب كم من العمر أصبح يملك حائطنا !
من يومها يا يوسف بدأت أشيخ..
و لم تنطق أنت بحرف..!
وحائطنا لا أعلم إن ضم عائله غيرنا و نسينا !
استيقظت ذات فجر ممطر أثر رؤيا رأيتك بها..!
بكيت كثيراً , لأول مرة لا تنام وعلى الأقل لا تدعي النوم ..
زرتني حقاً حدثتني و أخبرتني أن الطريق الذي مضيت به كان لأجل عائلتنا ..
لأجلنا ..
لأجل أن نعيش كلينا داخل بعضنا..!
رحلت مجبراً عن عالم صمتي حين أخبرني المسئول أن أتبعه ..
تبعته ليس لأنني أصبحت أكثر سمعاً وطاعة ..!
لا بل لأن صورتك تحت المطر كانت تملأ عيني ..!
حسناً صدقت الرؤيا ..
أتت عائلة مساء ذلك اليوم لمقابلتي..!!
ولجت إلى غرفة المسئول ..
مازالت تلفت انتباهي و إن كنت في أوج وجعي , كبيرة جداً , ممتلئة بالكتب التي أجزم أن رأس هذا المسئول فارغ , إلا من أغلفتها..
كنت أمام أحد الرجال , كبيرٌ جداً, أنيق جداً , يبدوا أكثر هدوء مني ...
عتمة عينيه تشبه كثيراً حياتنا معا ..
عبرت إلي من عينيه أتصدق يا يوسف ؟
عبرت إلينا منه..!
صوت في أعماقي وعدك بأنه إن أصبح أباً لي ..
سأراك في عينيه كبير جداً دائماً..!
كل ما نظرت إليه...!
لم أعد أذكر كيف تمت الإجراءات ..
أذكر بأنني كنت سعيد جداً وأنا أترك حقائبي أمام باب الملجأ رافضاً حمل شيء منها , تماماً كما غادرناه ذات يوم ..!
يحدث أن نتبع ظلالنا , وإن كان الطريق حزن ..!
الحياة الجديدة التي ولجت إليها لم تعد تشبه أحزاننا !
أصبحت الابن الأكبر بعد أن رزقت عائلتي بفتاة أصبحت أقيم في فيلا فاخرة ..
لي عائلة ثرية وخدم يجثون لنزع حذائي !
أصبحت ثريا !!
هاهي الأسطورة التي كنا نتابع أحداثها سراً دون أن يعلم المسئول تتحقق أصبحت فتى نبيلاً
اشتريت أشرطة تعرض ذلك الفلم , وأصبحت أشاهدة في نفس الموعد الذي كنا نراه به !
لأعود بعده إلى أحداث يومي وأنا أجمع كل الأحاديث لأحدثك عما أحسست به تجاه ذالك البأس !
وأنا أراه صورة شفافة تشبهني كثيراً ..!
- أخطأ ذلك الذي قال أننا لا نشبه إلا أنفسنا ..
أحيانا يرحل بنا الوقت لقعر الأماني !
وأحيانا تهطل السماء بالأحلام !
وحده القلب المعجون من اليتم لن ينسى كيف كان إحساس الأهل وإحساس أول فقد لهم..!
يوسف .. الآن أتمناك قربي كـألم طفولتي وأكثر ..!
صوت المطر لم يعد يبكيني كالسابق , بل أصبح وقعه شيء أعمق بداخلي , شيء يتناسب مع هذه البذلات التي أصبحت أرتديها ..!
هطوله أصبح يطرز شيء من الحديث الصامت داخلي ..
شيء من الخوف وخرافة بكاء الوقت نيابة عني وعنك..!
وحدة المطر , حين ترتديه الأرض يبكي غنينا , و فقيرنا...!
تحت حزن السماء , نتشابه ندعي الفرح ونرقص تحت دموعها , بحجم ألم كل ندبة صنعتها الحياة على أرواحنا !..
الآن : تشي بك خطوات الماضي ورائحة المطر حولي ..! .
مازال واقعي يأخذني إلى مساء اللقاء الأول بيننا ..!
كنت قد عدت من أخر امتحاناتي متهالك , أكاد أرمي بجسدي وما أحمل بداخله من شتات على أول عتبة لباب منزلنا ..
وحدث العكس تماماً حين أشرقت شمس ابتسامتك مودعة أختي ..
تلاقت نظراتنا وكم تمنيت أنني استطعت أن أعاكس الأقدر حين جمعتنا..
سألتني عن أحوالي ولم تنتظري جواباً مني , وكأنك كنت على معرفة بي منذ سنوات ..!
بل وكأنكِ تعيدين السؤال لشفتيك نادمة على طرحه ..!
حينها تدخلت أختي وعرفتني بك..
رددت اسمك مرتين وكأنني أعيد أمر ما من قلبي إلى عقلي ..!
اسمك أحد الأشياء التي تطابق ما جنيت ذاكرتي من أعوامي الماضية ..
مع اختلاف كبير في جفاف محصولي..!
لا أعلم كيف تسلل النوم إلى أجفاني ..
شيء ما بكِ وضعني على طريق الحلم من جديد..
ورغم هذا كنت أتمنى أن لا أتوسدكِ حباً , كي لا تخونني أقداري بكِ ..!
هو الحب كالأبواب المشرعة يأذن لنا بالدخول , ليوصد من بعدنا الأبواب والنوافذ , ويبعثرنا..!!
كانت الأقدار تكتب لنا لقاءات دون سابق موعد ..!
نلتقي ..
نفترق ..
وفي كل مره لا تغادريني ..
ولا تمضين في اتجاهي ..!!
أبديت امتعاضاً حين أصرت أختي أن أصحبها بدلاً عن السائق , شيء ما داخلي كان يخافك و يهوى الهرب منكِ ..!
عفوية أتتني دعوتك لارتشاف فنجان قهوة في حديقة منزلكم , لم أستطيع أن أرفض ولم أتقدم خطوة , أنقذتني خطواتك التي سبقتنا إلى حيث كان كل شيء معد في ذلك اليوم أيقنت بأنك تجيدين قراءة تعابيري , تستطيعين انتشالي من غرقي دون أن يلحظ أحد شتاتي الداخلي , السماء كانت ملبدة بالغيوم تشبه تلك التي ترتجف داخلي رهبة من كل آت ....!
فجأة , هطل المطر ..
ومعه تحول اسمك إلى عطر من الحزن , وابتسامتك إلى أحدى عشر عام من شقائي ..!
رافقته أيضاً دموعك , وأحرقت صوتي , لم أجرؤ على شيء , وبعد صمت استطعت أن استأذنكم بالمغادرة لم أكن لأصدق المرآة حين رأيتني لم أحترق من الخارج بعد إثر دموعك ..!!
ضوء طفولة يتسرب من خلف النافذة , يملأ حائط قلبي بضجيج الأطفال ..
يوسف , طفل الـ 13 عام , تسألت كثيراً ماذا لو لم أنفذ خطته المتقنة ذات صباح هل كنت سألتقي بكل هذا..؟
أحياناً يهدينا الوقت أقدارنا ..!
و لا نجرؤ على ركله في حين أننا نعلقه على أكتافنا ونمضي عكس كل الأشياء التي نعقد الاتفاق معها...!
ضحكاتنا مازلت تتردد كصوت أغنيةٍ قديمة لم يعلمونا إياها ,حين أصبحنا خارج أسوار ذلك البناء الشاهق بالألم الممتلئ بالصمت , الغافي بالضجر , والمجروح ب الرضى لأن الحياة ولدتنا أمواتاً به..!
وكأننا صنعنا للموت حياة من تحت سطوة و جبروت ذلك المسئول علينا , نظراتنا تعبر الأرصفة و تردد بتحد وبخنا إن وجدت أزقة تشي بـ بؤسنا..!
كنت أمسك بالجريدة بيدٍ ترتجف , حين همست وملئ عيني خوف بأن نعود , فهاهي الجرائد لا تخلوا من هذا الخبر الذي أصبح يلوكه الناس مع تلك الأخبار التي يذيبون تفاصيلها داخل فنجان القهوة ..
حكايا تتكرر داخل أسوار هذا الملجأ وليس هناك من حائط يجرؤ على المثول أمام أفواه الجرائد ويلجمها ..!!
من جديد اختفاء طفلين من ملجأ الأطفال [يوسف طفل 13 عام , و هاشم طفل العاشرة أحد المفقودين من ملجأ الأيتام ..] وتفاصيل الهرب مازالت قيد التحقيق ...
صورنا تعلوا أسماؤنا في كل جريدة ..!
الأمر ليوسف كان حلم وقد تحقق , ولي كان حلم بدأت أصعد درجاته ببطء شديد بسبب تلك الرياح التي لا تعترف بالأعمار , ولا بلون الابتسامات..!!
كم من مرة نفتنى الأرض خارج فؤادها ..
وكم من مرة لعنتنا السماء لسرقة , أو لكذب أو لملاطفة طفل ما وسرقة ما في حوزته من نقود ..!
ذات مساء وحين ضمتنا أحد الأزقة المتسخة ..
قال يوسف بأنه يرى نفسه أحد الرجال المهمين في هذا البلد القذر ..!
أخبرته بأنني سأظل أحمل في قلبي وفاء لهذا الحائط الذي نتكئ عليه وكأنه سندٌ لنا ..!
ابتسم يوسف بسخرية..
وقال : عني سأقدم له طلاءً جديداً كل عيد ..!
أنظر إليه ويحول دون حديثي هطول المطر , إذ أنني في كل لقاء بينه وبين الأرض أبكي ..!!
يوسف يحاول أن يمارس كذبة على الأطفال علي أيضاً ..!!
يدعي النوم بينما الأرض تصبح له منديل رطب !!
في يوم بأس وبعد أن أخذ الجوع منا كل طاقاتنا , عانقنا جثث أرواحنا بتهالك , ومضينا نحن وهي إلى أي شيء من الحلم في البقاء,,
الأمل برغيف , وأن تلين الأرصفة برداً , وأن يرسل الله في قلوب العابرين ليناً ..!
في تلك اللحظات من حياتي توقف عمري , ليمضي فجأة دوني بلا تذكرة مسبقة بالمغادرة بلا شيء تماماً من الحلم...!
يومها .. سرق يوسف حقيبة أحد السيدات وحدثتني عيناه أن أركض بكل ما أوتيت من بؤس خلفه كان يتبعنا رجلان ومن ثم أصبحوا ثلاثة ليصبح عددهم ضعف عددهم السابق !
لم نكن قد عبرنا الرصيف بعد..
توقفت أنا أثر ازدحام حركة السير وصرخت بيوسف أن يتوقف بل رجوته أيضا ..
ولكنه ككل مره ينفذ ما يخطط له , ابتسامة يوسف بدت تتلون بلون الدم , حتى قميصه الرمادي تغير لونه , ملامحه بدت أكثر رضى يوسف ذلك الأخ الحبيب ذلك الصديق أصبح طيراً طاهراً كما علمونا ..!
هكذا أنتي يا أقدار تسرقين أحلامنا حتى ابتسامتنا..!
- مسكين مات , الموت رحمة له..!!
أي رحمة هذه..؟؟
إنها لعنة , من أين لي بعائلة غير يوسف ..!
مازال صوتهم يضج ب أعماقي ..
- لقد مات ..!
- لقد مات ..!
البعض لفظها بمرارة , والبعض همس بصوت أكثر سواداً أن هذه النهاية كنا نستحقها معا حقا تمنيت أن أكون مكانك يا يوسف !
آه من موتك يا يوسف كيف أشعل بداخلي لهيب فقد الأهل الذين ما عرفتهم إلا فيك !
آه من فاجعة موتك يا يوسف كيف هدت سقف حائطنا الذي كان بمثابة البقاء لنا !
آه من موتك يا يوسف كيف أبكى السماء , وأبى إلا أن يكون لونك مطر !
أعادوني إلى ذلك الملجأ وكأنهم قرروا أنك قد تخليت عني كما تخلى ذوي خالد عن وصايته وتركوه هنا !
كيف استطعت ترك ابن لك يا يوسف , وأنت كل الدنيا لي ..!؟
في ذلك اليوم ..
أمطرت السماء كثيراً ..
وبكيت أنا ..
وأنت كعادتك ..
تنام عندما يهطل المطر !
ليال كثيرة أمضيتها وأنا أحاول إقناعك أن نخطط للهرب مرة أخرى , وليال أخرى أمضيتها أحسب كم من العمر أصبح يملك حائطنا !
من يومها يا يوسف بدأت أشيخ..
و لم تنطق أنت بحرف..!
وحائطنا لا أعلم إن ضم عائله غيرنا و نسينا !
استيقظت ذات فجر ممطر أثر رؤيا رأيتك بها..!
بكيت كثيراً , لأول مرة لا تنام وعلى الأقل لا تدعي النوم ..
زرتني حقاً حدثتني و أخبرتني أن الطريق الذي مضيت به كان لأجل عائلتنا ..
لأجلنا ..
لأجل أن نعيش كلينا داخل بعضنا..!
رحلت مجبراً عن عالم صمتي حين أخبرني المسئول أن أتبعه ..
تبعته ليس لأنني أصبحت أكثر سمعاً وطاعة ..!
لا بل لأن صورتك تحت المطر كانت تملأ عيني ..!
حسناً صدقت الرؤيا ..
أتت عائلة مساء ذلك اليوم لمقابلتي..!!
ولجت إلى غرفة المسئول ..
مازالت تلفت انتباهي و إن كنت في أوج وجعي , كبيرة جداً , ممتلئة بالكتب التي أجزم أن رأس هذا المسئول فارغ , إلا من أغلفتها..
كنت أمام أحد الرجال , كبيرٌ جداً, أنيق جداً , يبدوا أكثر هدوء مني ...
عتمة عينيه تشبه كثيراً حياتنا معا ..
عبرت إلي من عينيه أتصدق يا يوسف ؟
عبرت إلينا منه..!
صوت في أعماقي وعدك بأنه إن أصبح أباً لي ..
سأراك في عينيه كبير جداً دائماً..!
كل ما نظرت إليه...!
لم أعد أذكر كيف تمت الإجراءات ..
أذكر بأنني كنت سعيد جداً وأنا أترك حقائبي أمام باب الملجأ رافضاً حمل شيء منها , تماماً كما غادرناه ذات يوم ..!
يحدث أن نتبع ظلالنا , وإن كان الطريق حزن ..!
الحياة الجديدة التي ولجت إليها لم تعد تشبه أحزاننا !
أصبحت الابن الأكبر بعد أن رزقت عائلتي بفتاة أصبحت أقيم في فيلا فاخرة ..
لي عائلة ثرية وخدم يجثون لنزع حذائي !
أصبحت ثريا !!
هاهي الأسطورة التي كنا نتابع أحداثها سراً دون أن يعلم المسئول تتحقق أصبحت فتى نبيلاً
اشتريت أشرطة تعرض ذلك الفلم , وأصبحت أشاهدة في نفس الموعد الذي كنا نراه به !
لأعود بعده إلى أحداث يومي وأنا أجمع كل الأحاديث لأحدثك عما أحسست به تجاه ذالك البأس !
وأنا أراه صورة شفافة تشبهني كثيراً ..!
- أخطأ ذلك الذي قال أننا لا نشبه إلا أنفسنا ..
أحيانا يرحل بنا الوقت لقعر الأماني !
وأحيانا تهطل السماء بالأحلام !
وحده القلب المعجون من اليتم لن ينسى كيف كان إحساس الأهل وإحساس أول فقد لهم..!
يوسف .. الآن أتمناك قربي كـألم طفولتي وأكثر ..!
صوت المطر لم يعد يبكيني كالسابق , بل أصبح وقعه شيء أعمق بداخلي , شيء يتناسب مع هذه البذلات التي أصبحت أرتديها ..!
هطوله أصبح يطرز شيء من الحديث الصامت داخلي ..
شيء من الخوف وخرافة بكاء الوقت نيابة عني وعنك..!
وحدة المطر , حين ترتديه الأرض يبكي غنينا , و فقيرنا...!
تحت حزن السماء , نتشابه ندعي الفرح ونرقص تحت دموعها , بحجم ألم كل ندبة صنعتها الحياة على أرواحنا !..
الآن : تشي بك خطوات الماضي ورائحة المطر حولي ..! .
مازال واقعي يأخذني إلى مساء اللقاء الأول بيننا ..!
كنت قد عدت من أخر امتحاناتي متهالك , أكاد أرمي بجسدي وما أحمل بداخله من شتات على أول عتبة لباب منزلنا ..
وحدث العكس تماماً حين أشرقت شمس ابتسامتك مودعة أختي ..
تلاقت نظراتنا وكم تمنيت أنني استطعت أن أعاكس الأقدر حين جمعتنا..
سألتني عن أحوالي ولم تنتظري جواباً مني , وكأنك كنت على معرفة بي منذ سنوات ..!
بل وكأنكِ تعيدين السؤال لشفتيك نادمة على طرحه ..!
حينها تدخلت أختي وعرفتني بك..
رددت اسمك مرتين وكأنني أعيد أمر ما من قلبي إلى عقلي ..!
اسمك أحد الأشياء التي تطابق ما جنيت ذاكرتي من أعوامي الماضية ..
مع اختلاف كبير في جفاف محصولي..!
لا أعلم كيف تسلل النوم إلى أجفاني ..
شيء ما بكِ وضعني على طريق الحلم من جديد..
ورغم هذا كنت أتمنى أن لا أتوسدكِ حباً , كي لا تخونني أقداري بكِ ..!
هو الحب كالأبواب المشرعة يأذن لنا بالدخول , ليوصد من بعدنا الأبواب والنوافذ , ويبعثرنا..!!
كانت الأقدار تكتب لنا لقاءات دون سابق موعد ..!
نلتقي ..
نفترق ..
وفي كل مره لا تغادريني ..
ولا تمضين في اتجاهي ..!!
أبديت امتعاضاً حين أصرت أختي أن أصحبها بدلاً عن السائق , شيء ما داخلي كان يخافك و يهوى الهرب منكِ ..!
عفوية أتتني دعوتك لارتشاف فنجان قهوة في حديقة منزلكم , لم أستطيع أن أرفض ولم أتقدم خطوة , أنقذتني خطواتك التي سبقتنا إلى حيث كان كل شيء معد في ذلك اليوم أيقنت بأنك تجيدين قراءة تعابيري , تستطيعين انتشالي من غرقي دون أن يلحظ أحد شتاتي الداخلي , السماء كانت ملبدة بالغيوم تشبه تلك التي ترتجف داخلي رهبة من كل آت ....!
فجأة , هطل المطر ..
ومعه تحول اسمك إلى عطر من الحزن , وابتسامتك إلى أحدى عشر عام من شقائي ..!
رافقته أيضاً دموعك , وأحرقت صوتي , لم أجرؤ على شيء , وبعد صمت استطعت أن استأذنكم بالمغادرة لم أكن لأصدق المرآة حين رأيتني لم أحترق من الخارج بعد إثر دموعك ..!!