علي الصيرفي
26/05/2009, 01:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
النقد هو وجود مع الآخرين :rose:
وهو عنصر أساسي في تكوين المفاهيم الإنسانية
الأستاذ: خالد زغريت أهرامات السراب
بقلم الناقد :علي الصيرفي:coffee: flwr2
من الممكن إثبات أن النقد هو وجود مع الآخرين ،وهو عنصر أساسي في تكوين المفاهيم الإنسانية بطرق مباشرة من حيث هو أصلي وأساسي في العالم وفي مرآة الآخر ،ولا ينبغي علينا أن نستمده بوصفه نتيجة من الوجود مترتبة عليه ، بل علينا أن ندعه بنفسه وتكون له استقلاليته ، حيث لايمكن أن يكون نقد (دون الآخر ) ولو تأملنا معنى النقد لوجدنا أنه يشير إلى فكرة الموجود الفاعل ،وإن المنعزل ليس إلا وهماً ،والناقد خالد زغريت في كتابه أهرامات السراب ،يعترف ضمنياً بالمعرفية الفكرية (بال- أنت) التي تميز نفسها ويقبل أن تكون هناك (أنا) وواقع حتمي يجعل الذات شيئاً ممكناً .flwr3
إن الاعتبارات التي تدعم فكرة قيامة النقد تكون خاصتين أساسيتين هما الجنسية ،والخاصة اللغوية- عند الناقد خالد زغريت ،ونراهما بشيء من التفصيل الواضح، وهو يرى بأن كلاً من الجنس واللغة فكرة تتضمن الفرد الإنساني الذي لا يكتمل بدون الآخرين ،وإن الاهتمام الذي يمكن التعبير عنه هو أن نزيح الصور بعيداً بدلاً من أن نستخدمها ،وبالتناظر فإن الانشغال بالآخر لا يمكن أن يكون إيجابياً دائماً ،بل يمكن أن يكون على شكل تجاهل أو حقد لكن الناقد الزغريت ،ظل متمسكاً بهذه المواقف تحت تلك المظلة التي أسميناها الآخر، والانشغال معه. وربما كان الاستمرار في قلق الناقد الزغريت حالة من حالات الخروج فهو سرعان ما يهتم بالأعمال الأدبية، ويقف وظهره إلى الحائط، ويحاول أن يسند هذا الحطام والإخفاق في النص العربي وما آل إليه من هبوط وإسفاف ،فالبرهنة عنده ليست معرفة موضوعية فقط بل هي الموقف الذاتي ، والعلاقة البينية مع الآخر ،ومع ذلك فهو يوضح الرموز التي تحدد مسارات السقوط في القصيدة العربية .
(تزداد صورة القصيدة الحديثة شحوباً واغتراباً لارتيادها مجاهل خارج الشعرية ومن هذه المجاهل الاستغراق الموميائي بالذهنية والتجريد مما جعل هذه القصيدة أشبه بمجموعة دمدمات باردة مجردة لا حياة فيها تعيش هياماً ذهنياً بفقدها أية حيلة مع مظاهر الحياة وأية علائق مع مشاعر روح المتلقي ) أهرامات السراب ص40:happy:flwr3
لقد درس الناقد الزغريت المأزق العدمي للقصيدة العربية رغم أن هناك مواقف فّلّسفتّها القصيدة العربية، واتجهت من خلالها نحو بروزات فكرية شكلت تأثيراتها في الاهتمام بمشكلة الوجود، وهو اهتمام استمده الشعر من الاشتغال باللغة التي يعزوها إلى الأيام الماضية .
وليس غريباً في ظل هذه المواقف ،أن يرفض الكاتب خالد زغريت المنطلق الذي انطلقت منه القصيدة العربية الحديثة، وأن يتبرأ منها، ويقوي هذا الانطباع ثوريته التي يقدمها في عملية النقد وامتلاكه الأدوات الناجعة التي تنير ظلمة المسارات التي تسلكها عمائية اهتمام وتأليف وانتصار على الأزمنة المتغيرة عبر انطواءات الفكر وتغير المسارات ، والدخول في عوالم القصيدة عنده،و يحمل كل أجهزة الدقة والتحكم ،فهو لا يترك الأمور تفلت من يده حيث أن الرؤيوية عنده تشكل العلاقات بين الشعر والأشخاص وبين النقد والشعر ،وإن التركيز على البناء الشعري هو مشكلة العلاقة مع الإنسان والعالم ،فالشعر عند الناقد ليس لوناً من الوجود وإنما هو الوجود ،وهو القوة التي يندفع من خلالها المجتمع ، ويرى أن الشعر هو الحرية التي تصنع نفسها والتي تكتشف موهبتها ،كما أن الشعر عنده هو الذات الفردية الواعية والتي تظل تستعيض عن حالتها الخاصة بذاتيتها ،أي أن الإنسان يوجد بمعنى أبعد من أنه جزء من جميع الموجودات ،بل يرى الناقد بأن الإنسان هو الوحيد الذي يدرك ويعي من هو أو ما هو وماذا سيكون ؟،فعالم اليوم ليس هو الموجود الوحيد الذي يدرك وعي من هو أو ما هو وماذا سيكون ،فعالم اليوم ليس هو الموجود الوحيد الذي نقضي فيه أوقاتنا بل يمكن أن نعود إلى الماضي عن طريق التواصل والدخول في عمق العلاقات ،وتلك هي اللحظات الخارقة التي يراها الناقد ،وإن كان من المرجح أن هذه العوالم تبنى على أساس التفهم للعلم والخيال الفني والرؤية التي تحملها مجمل الأعمال الأدبية وفي مقدمتها القصيدة العربية .
(لا ريب في أن التفاقم وراء الكلمات المرصوصة بلا روابط خلف بعضها يجمد روح النص ويشله مما يجعله ركاماً كلامياً مغلقاً فاقداً بحيوية انبلاجاته الدلالية والمعنوية وتقحمنا هذه الظاهرة بشكل مباشر في قضية الإيهام والغموض التي رفعت رايتها القصيدة الحديثة لهوية ابداعية محملين ذلك على شجب الجدة)ص45 أهرامات السراب إملاءات المطر
فالقصيدة العربية محصنة بالانغلاق والتكثبف ، والخاصية الأولى للقصيدة هي طابعها الهلامي الانبثاقي المتعالي المندفع نحو الآخر بعاصفة ممعنة في الانعزالية والهلوسة ،وإذا كانت معظم القصائد يمكن أن توصف بصفات محددة وثابتة فإن النقد لا يمكن أن يحدد بالمجموعة نفسها من الصفات ،لأن النقد كما يراه الناقد استمرار للممكنات في الوجود والتواجد ،أما الغموض الذي تستر به القصيدة عورتها ،ما هو إلا غابات من الطحالب والفطور تجردها حقها من الإبداع والارتقاء ،والقصيدة التي يدافع عنها الشعراء هي عدم تقصيرهم في حالات الوجد كحالة الكشف الصوفي ، والنشوة الروحية ،فالشاعر من مرآته الذاتية إنسان متعالي في شعريته ،وعندما يعالج قضايا إنسانية لا يعني سوى الإشارة إلى الحقيقة بأن الإنسان ليس إلا ما هو عليه في اللحظة ذاتها مما أدى إلى نشوء تكسير حدود الجنس الكتابي والريبة التي قذفت بمصداقية القصيدة ،ولماذا يصر الكثيرون على أن ما يكتب هو شعر حيث يرى الناقد بأن وصف الشعر مجرد ظاهرة إيديولوجية لا يمكن فهمها إلا من خلال استبطانية تنفذ إلى معناها (تنظير سياسة طوائف) حتى صارت القصيدة (قصة أو مسرحية) خلطات عجيبة عجائبية وربما طلسمية تصلح أن تكون رقية ،أو تميمة ،فانفراط عقد الشعرية ومصداقية الكتابة ، وهذه التجاوزات يراها الناقد بأنها انعكاسات ذاتية قادرة على التموضع والوقوف منفصلة عن القصيدة وحيوية الشعر وتطور مثل هذه المواقف ليس إلا نمواً من الخارج يشكل جسماً سرطانياً يقتل روح الشاعرية في القصيدة هنا يتساءل الناقد هل القصيدة شعر ،يبدو أن للقصيدة طبيعة واحدة تجعلها ضرباً من الاعتراف وإن الشعراء يعرفون أن القصيدة تحمل روح الثورة والاندفاع نحو الأفضل إلا أن الإصرار على الخروج عن سلطة الشعر خرق حدود العقل أضل القصيدة عن مسارها وحطم قوى الشعر ومواهبه ،فصارت القصيدة مخرقة لا مخترقة ،ففي استطاعة الشاعر أن يتأمل العلاقة لكن الواضح هو أن العلاقة مع الشعر ليست هي نفسها مع القصيدة وربما أفضل طريقة لهذا التوضيح هي أن نستعرض بعض المقدمات التي قدمها الناقد خالد زغريت ،والتي طور فيها منهجيته في مجموعة مقالاته التي تحدثت عن القصيدة والشعر ،ومعرفة الشعرية حيث يرى الكاتب أن الإبداع هو الميزة للشعر وهو ضرب من الدخول بحيوية ورؤية في جوهر البنية للقصيدة ،أما العمل الإجهاضي النازف فهو لمعة عاصفية تخترقها ريح صرصر تجعل القصيدة هشيماً تذروه الرياح ،فمن الكتابات الميتة الذكر قصائد كثيرة عانت من ميوعة التأليف ورصفيته ،حيث كان بعض الشعراء المبدعين ضحية تجارب بعض هؤلاء الشعراء الهابطين يقول الناقد خالد زغريت:
(أنسي الحاج الذي استطاع بما يملك من موهبة كتابية منفتحة على التجديد المبدع والمغاير والقادر على التمييز الايجابي أن ينتج نموذجاً كتابياً يقوم بشعرية أخرى أممت لها فرادتها وعمق رؤاها الإبداعية صورة مشروعة إنها كتابة لها نكهتها الخاصة) ص53
لقد انتظمت التعاليم اللاهوتية وتجلياتها في عمق الرؤية التي رسمها الشاعر أنسي الحاج فظل برسالته وفهمه للموجود دون حرج ،هكذا يرى الناقد أن الضرورة الملحة لم تغب عند خلق الأسفار المسيحية بل استغرق في التأملات وركز على لحظة النهاية بوصفها لحظة القرار والتوبة والانتقال من الشكلية إلى الطاعة الجذرية ،لذلك كانت القصيدة في حريق خريف يعرضها على نار ثقافته ومعرفيته فالشاعر الناهض يفبرك بقصد شكلانية القصيدة إزاء الانبهار بالمعرفية والمثاقفة ،لذلك انفلقت القصيدة بالنسبة للآخر الذي يمتلك الشيء الذي نسميه المشاعر ،ولهذا السبب تنشأ عدم طواعية القصيدة بفعل ذلك السخاء والإسراف في فعل المثاقفة ،فالناقد الزغريت يقول إلى شيء مختلف وأكثر شمولية من مجرد واقعية القصيدة ،فالحضور الشعري يتوقف على خروج الشاعر عن ذاته أو تجاوزه لتلك الذات تجاه الآخر .flwr3 وعندما تموت النصوص وتصبح خارج طقوسها وتحمل القصيدة العربية ذنب الهبوط والترهل تكون النصوص قد تحولت إلى تجاذبات مرضية لا قيمة لها تميل إلى الرتابة والملل وانعدام التفكير، بحيث أن الخصائص المميزة للشعر تنحو نحو الاختفاء ،والقصيدة تتجه نحو الرتابة ،ويعلو اهتمام الشاعر تلك اللحظات التي يجب أن تكون خلاقة إلا أنها تعمق الهوة وتزيد المسافة اتساعاً بين القصيدة الحديثة والشعر إن صورة القصيدة التي مسخت الشعرية دون إيلائها أية أهمية للشعر تصف المشاعر المختلفة للوهلة الأولى بأنها كل الاهتمامات إلا أنها لا تتيح لنا رؤية القصيدة على نحو ما هي عليه في ذاتها رغم أن هناك أساليب كثيرة في الفن وطرقاً متعددة يفهمها الشعراء والناقد خالد زغريت يعتقد أن هناك طريقة واحدة لوصف الأساليب التي تمارس بها الفنون المختلفة وهي الإبداعية المتقنة ،وعلى الرغم من أن الشعر يجاوز ما هو معروف والشعر ليس عملاً اعتباطياً ولا أمراً تعسفياً في تناوله الموجودات بل هو تنوير أساسه مبني على الثقة والالتزام، ويرى الناقد أن الحادثة الملهمة إنما هي تجربة شديدة التأثير تنبع من خلال الهوية فما دامت اللغة عبر تآلفاتها الكتابية الخاصة هي الذخيرة لتفسير العمل الشعري المنجز فهي تزودنا بمنظور ينظر من خلاله إلى تجربته وكيفية تنظيم سلوكه ووضوحه ويراه الناقد في الشاعر محمد بنيس ،ومحمود درويش وسعدي يوسف ، وأدونيس وشوقي بزيع وغيرهم ،ومن هنا يلحظ الناقد الزغريت بأن اللغة امكانية أساسية للشعر وانتمائه إلى المشاعر الإنسانية وهي وجهة نظر النقد عنده ،وتشكل أساسأً لتحليل القصيدة حيث يرى أن اللغة هي مقر الوجود ولم تكن في يوم صورة مجازية خالصة بل تكونت بتطبيق الصور التي تنازع تفكيرنا وتدفعنا للوصول إلى النهاية. [/SIZE]flwr2
النقد هو وجود مع الآخرين :rose:
وهو عنصر أساسي في تكوين المفاهيم الإنسانية
الأستاذ: خالد زغريت أهرامات السراب
بقلم الناقد :علي الصيرفي:coffee: flwr2
من الممكن إثبات أن النقد هو وجود مع الآخرين ،وهو عنصر أساسي في تكوين المفاهيم الإنسانية بطرق مباشرة من حيث هو أصلي وأساسي في العالم وفي مرآة الآخر ،ولا ينبغي علينا أن نستمده بوصفه نتيجة من الوجود مترتبة عليه ، بل علينا أن ندعه بنفسه وتكون له استقلاليته ، حيث لايمكن أن يكون نقد (دون الآخر ) ولو تأملنا معنى النقد لوجدنا أنه يشير إلى فكرة الموجود الفاعل ،وإن المنعزل ليس إلا وهماً ،والناقد خالد زغريت في كتابه أهرامات السراب ،يعترف ضمنياً بالمعرفية الفكرية (بال- أنت) التي تميز نفسها ويقبل أن تكون هناك (أنا) وواقع حتمي يجعل الذات شيئاً ممكناً .flwr3
إن الاعتبارات التي تدعم فكرة قيامة النقد تكون خاصتين أساسيتين هما الجنسية ،والخاصة اللغوية- عند الناقد خالد زغريت ،ونراهما بشيء من التفصيل الواضح، وهو يرى بأن كلاً من الجنس واللغة فكرة تتضمن الفرد الإنساني الذي لا يكتمل بدون الآخرين ،وإن الاهتمام الذي يمكن التعبير عنه هو أن نزيح الصور بعيداً بدلاً من أن نستخدمها ،وبالتناظر فإن الانشغال بالآخر لا يمكن أن يكون إيجابياً دائماً ،بل يمكن أن يكون على شكل تجاهل أو حقد لكن الناقد الزغريت ،ظل متمسكاً بهذه المواقف تحت تلك المظلة التي أسميناها الآخر، والانشغال معه. وربما كان الاستمرار في قلق الناقد الزغريت حالة من حالات الخروج فهو سرعان ما يهتم بالأعمال الأدبية، ويقف وظهره إلى الحائط، ويحاول أن يسند هذا الحطام والإخفاق في النص العربي وما آل إليه من هبوط وإسفاف ،فالبرهنة عنده ليست معرفة موضوعية فقط بل هي الموقف الذاتي ، والعلاقة البينية مع الآخر ،ومع ذلك فهو يوضح الرموز التي تحدد مسارات السقوط في القصيدة العربية .
(تزداد صورة القصيدة الحديثة شحوباً واغتراباً لارتيادها مجاهل خارج الشعرية ومن هذه المجاهل الاستغراق الموميائي بالذهنية والتجريد مما جعل هذه القصيدة أشبه بمجموعة دمدمات باردة مجردة لا حياة فيها تعيش هياماً ذهنياً بفقدها أية حيلة مع مظاهر الحياة وأية علائق مع مشاعر روح المتلقي ) أهرامات السراب ص40:happy:flwr3
لقد درس الناقد الزغريت المأزق العدمي للقصيدة العربية رغم أن هناك مواقف فّلّسفتّها القصيدة العربية، واتجهت من خلالها نحو بروزات فكرية شكلت تأثيراتها في الاهتمام بمشكلة الوجود، وهو اهتمام استمده الشعر من الاشتغال باللغة التي يعزوها إلى الأيام الماضية .
وليس غريباً في ظل هذه المواقف ،أن يرفض الكاتب خالد زغريت المنطلق الذي انطلقت منه القصيدة العربية الحديثة، وأن يتبرأ منها، ويقوي هذا الانطباع ثوريته التي يقدمها في عملية النقد وامتلاكه الأدوات الناجعة التي تنير ظلمة المسارات التي تسلكها عمائية اهتمام وتأليف وانتصار على الأزمنة المتغيرة عبر انطواءات الفكر وتغير المسارات ، والدخول في عوالم القصيدة عنده،و يحمل كل أجهزة الدقة والتحكم ،فهو لا يترك الأمور تفلت من يده حيث أن الرؤيوية عنده تشكل العلاقات بين الشعر والأشخاص وبين النقد والشعر ،وإن التركيز على البناء الشعري هو مشكلة العلاقة مع الإنسان والعالم ،فالشعر عند الناقد ليس لوناً من الوجود وإنما هو الوجود ،وهو القوة التي يندفع من خلالها المجتمع ، ويرى أن الشعر هو الحرية التي تصنع نفسها والتي تكتشف موهبتها ،كما أن الشعر عنده هو الذات الفردية الواعية والتي تظل تستعيض عن حالتها الخاصة بذاتيتها ،أي أن الإنسان يوجد بمعنى أبعد من أنه جزء من جميع الموجودات ،بل يرى الناقد بأن الإنسان هو الوحيد الذي يدرك ويعي من هو أو ما هو وماذا سيكون ؟،فعالم اليوم ليس هو الموجود الوحيد الذي يدرك وعي من هو أو ما هو وماذا سيكون ،فعالم اليوم ليس هو الموجود الوحيد الذي نقضي فيه أوقاتنا بل يمكن أن نعود إلى الماضي عن طريق التواصل والدخول في عمق العلاقات ،وتلك هي اللحظات الخارقة التي يراها الناقد ،وإن كان من المرجح أن هذه العوالم تبنى على أساس التفهم للعلم والخيال الفني والرؤية التي تحملها مجمل الأعمال الأدبية وفي مقدمتها القصيدة العربية .
(لا ريب في أن التفاقم وراء الكلمات المرصوصة بلا روابط خلف بعضها يجمد روح النص ويشله مما يجعله ركاماً كلامياً مغلقاً فاقداً بحيوية انبلاجاته الدلالية والمعنوية وتقحمنا هذه الظاهرة بشكل مباشر في قضية الإيهام والغموض التي رفعت رايتها القصيدة الحديثة لهوية ابداعية محملين ذلك على شجب الجدة)ص45 أهرامات السراب إملاءات المطر
فالقصيدة العربية محصنة بالانغلاق والتكثبف ، والخاصية الأولى للقصيدة هي طابعها الهلامي الانبثاقي المتعالي المندفع نحو الآخر بعاصفة ممعنة في الانعزالية والهلوسة ،وإذا كانت معظم القصائد يمكن أن توصف بصفات محددة وثابتة فإن النقد لا يمكن أن يحدد بالمجموعة نفسها من الصفات ،لأن النقد كما يراه الناقد استمرار للممكنات في الوجود والتواجد ،أما الغموض الذي تستر به القصيدة عورتها ،ما هو إلا غابات من الطحالب والفطور تجردها حقها من الإبداع والارتقاء ،والقصيدة التي يدافع عنها الشعراء هي عدم تقصيرهم في حالات الوجد كحالة الكشف الصوفي ، والنشوة الروحية ،فالشاعر من مرآته الذاتية إنسان متعالي في شعريته ،وعندما يعالج قضايا إنسانية لا يعني سوى الإشارة إلى الحقيقة بأن الإنسان ليس إلا ما هو عليه في اللحظة ذاتها مما أدى إلى نشوء تكسير حدود الجنس الكتابي والريبة التي قذفت بمصداقية القصيدة ،ولماذا يصر الكثيرون على أن ما يكتب هو شعر حيث يرى الناقد بأن وصف الشعر مجرد ظاهرة إيديولوجية لا يمكن فهمها إلا من خلال استبطانية تنفذ إلى معناها (تنظير سياسة طوائف) حتى صارت القصيدة (قصة أو مسرحية) خلطات عجيبة عجائبية وربما طلسمية تصلح أن تكون رقية ،أو تميمة ،فانفراط عقد الشعرية ومصداقية الكتابة ، وهذه التجاوزات يراها الناقد بأنها انعكاسات ذاتية قادرة على التموضع والوقوف منفصلة عن القصيدة وحيوية الشعر وتطور مثل هذه المواقف ليس إلا نمواً من الخارج يشكل جسماً سرطانياً يقتل روح الشاعرية في القصيدة هنا يتساءل الناقد هل القصيدة شعر ،يبدو أن للقصيدة طبيعة واحدة تجعلها ضرباً من الاعتراف وإن الشعراء يعرفون أن القصيدة تحمل روح الثورة والاندفاع نحو الأفضل إلا أن الإصرار على الخروج عن سلطة الشعر خرق حدود العقل أضل القصيدة عن مسارها وحطم قوى الشعر ومواهبه ،فصارت القصيدة مخرقة لا مخترقة ،ففي استطاعة الشاعر أن يتأمل العلاقة لكن الواضح هو أن العلاقة مع الشعر ليست هي نفسها مع القصيدة وربما أفضل طريقة لهذا التوضيح هي أن نستعرض بعض المقدمات التي قدمها الناقد خالد زغريت ،والتي طور فيها منهجيته في مجموعة مقالاته التي تحدثت عن القصيدة والشعر ،ومعرفة الشعرية حيث يرى الكاتب أن الإبداع هو الميزة للشعر وهو ضرب من الدخول بحيوية ورؤية في جوهر البنية للقصيدة ،أما العمل الإجهاضي النازف فهو لمعة عاصفية تخترقها ريح صرصر تجعل القصيدة هشيماً تذروه الرياح ،فمن الكتابات الميتة الذكر قصائد كثيرة عانت من ميوعة التأليف ورصفيته ،حيث كان بعض الشعراء المبدعين ضحية تجارب بعض هؤلاء الشعراء الهابطين يقول الناقد خالد زغريت:
(أنسي الحاج الذي استطاع بما يملك من موهبة كتابية منفتحة على التجديد المبدع والمغاير والقادر على التمييز الايجابي أن ينتج نموذجاً كتابياً يقوم بشعرية أخرى أممت لها فرادتها وعمق رؤاها الإبداعية صورة مشروعة إنها كتابة لها نكهتها الخاصة) ص53
لقد انتظمت التعاليم اللاهوتية وتجلياتها في عمق الرؤية التي رسمها الشاعر أنسي الحاج فظل برسالته وفهمه للموجود دون حرج ،هكذا يرى الناقد أن الضرورة الملحة لم تغب عند خلق الأسفار المسيحية بل استغرق في التأملات وركز على لحظة النهاية بوصفها لحظة القرار والتوبة والانتقال من الشكلية إلى الطاعة الجذرية ،لذلك كانت القصيدة في حريق خريف يعرضها على نار ثقافته ومعرفيته فالشاعر الناهض يفبرك بقصد شكلانية القصيدة إزاء الانبهار بالمعرفية والمثاقفة ،لذلك انفلقت القصيدة بالنسبة للآخر الذي يمتلك الشيء الذي نسميه المشاعر ،ولهذا السبب تنشأ عدم طواعية القصيدة بفعل ذلك السخاء والإسراف في فعل المثاقفة ،فالناقد الزغريت يقول إلى شيء مختلف وأكثر شمولية من مجرد واقعية القصيدة ،فالحضور الشعري يتوقف على خروج الشاعر عن ذاته أو تجاوزه لتلك الذات تجاه الآخر .flwr3 وعندما تموت النصوص وتصبح خارج طقوسها وتحمل القصيدة العربية ذنب الهبوط والترهل تكون النصوص قد تحولت إلى تجاذبات مرضية لا قيمة لها تميل إلى الرتابة والملل وانعدام التفكير، بحيث أن الخصائص المميزة للشعر تنحو نحو الاختفاء ،والقصيدة تتجه نحو الرتابة ،ويعلو اهتمام الشاعر تلك اللحظات التي يجب أن تكون خلاقة إلا أنها تعمق الهوة وتزيد المسافة اتساعاً بين القصيدة الحديثة والشعر إن صورة القصيدة التي مسخت الشعرية دون إيلائها أية أهمية للشعر تصف المشاعر المختلفة للوهلة الأولى بأنها كل الاهتمامات إلا أنها لا تتيح لنا رؤية القصيدة على نحو ما هي عليه في ذاتها رغم أن هناك أساليب كثيرة في الفن وطرقاً متعددة يفهمها الشعراء والناقد خالد زغريت يعتقد أن هناك طريقة واحدة لوصف الأساليب التي تمارس بها الفنون المختلفة وهي الإبداعية المتقنة ،وعلى الرغم من أن الشعر يجاوز ما هو معروف والشعر ليس عملاً اعتباطياً ولا أمراً تعسفياً في تناوله الموجودات بل هو تنوير أساسه مبني على الثقة والالتزام، ويرى الناقد أن الحادثة الملهمة إنما هي تجربة شديدة التأثير تنبع من خلال الهوية فما دامت اللغة عبر تآلفاتها الكتابية الخاصة هي الذخيرة لتفسير العمل الشعري المنجز فهي تزودنا بمنظور ينظر من خلاله إلى تجربته وكيفية تنظيم سلوكه ووضوحه ويراه الناقد في الشاعر محمد بنيس ،ومحمود درويش وسعدي يوسف ، وأدونيس وشوقي بزيع وغيرهم ،ومن هنا يلحظ الناقد الزغريت بأن اللغة امكانية أساسية للشعر وانتمائه إلى المشاعر الإنسانية وهي وجهة نظر النقد عنده ،وتشكل أساسأً لتحليل القصيدة حيث يرى أن اللغة هي مقر الوجود ولم تكن في يوم صورة مجازية خالصة بل تكونت بتطبيق الصور التي تنازع تفكيرنا وتدفعنا للوصول إلى النهاية. [/SIZE]flwr2