المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية لديوان طيور الضباب


علي الصيرفي
01/06/2009, 02:45 PM
طيور الضباب
تحويل المشاعر إلى معانٍ تتعامل مع الوقائع بكل جدية flwr2
الأديبة ليلى مقدسي:rose:
بقلم الناقد :علي الصيرفي:coffee::kisses:

ليس الشعر حرية مطلقة لأنه محاط بسياج من الغموض لا حصر له، ولقد عَرفَ الشعر طرائق مختلفة نراها صداماً بين طموحات الحرية وإبداع الشاعر بين النظام الاجتماعي والكتابة التي هي أكثر قوة ودفعاً للإنسان ، ويعتبر الشعر التقدم جزءاً لا ينفصل عن معنى الإنسانية ، ولقد جاءت الشاعرة ليلى مقدسي حاملة كل هذه الأفكار بمزيد من التمعن لفهمها للأمل والوجود البشري ونقل صورة هذا الوجود بكل ما تعنيه الكلمة من التمسك بالشفافية والوقائع، فهي تريد أن تشير إلى الحالات الموضوعية ومراقبتها وأن تحدد الوعي الداخلي للفرد كواحد من هذا المجتمع الكبير جامعة كل ما توصلت إليه تطلعاتها ورؤيتها في ديوانها طيور الضباب .
2- إن اللغة التي أرادتها الشاعرة تتدافع في إطار الفهم والاحتجاج على معتقدات تريد تعريتها فالحقيقة تضمن سير الدفق النابض في عمق شعور الأديبة ، فهي لا تنظر إلى المشكلات على أنها أمور شخصية يمكن أن تتناولها بمفردها ، بل هي أمور داخلية لها أثرها الفلسفي الظاهر في ثنايا التكوين الكبير لمجتمعها ، فالحقيقة تتحد مع الحياة الشخصية في هوية واحدة يمكن أن تكون يقيناً مع دفع قوي نحو التحدي والخطر، وقد عبّرت الأديبة عن ذلك بالكثير من مقاطع شعرها :
أيها الزمن الهارب
لأهدب دمعي
شوقي
ولهفتي flwr3
على قناديل جدراني
وأنت أيها المتفرد
عزلتك اللازوردية
نبض طفولتي
وفرحتي ودهشتي
طويلا (ص6-7)إملاءات المطر
وتواصل الشاعرة دراسة الموضوعات التي سقطت فوق بحيرات حلمها وشموع لياليها من خلال الجانب العقلي والمعرفي مؤكدة أهمية العلاقة التي تقترب فيها الحقائق وتلتمس معرفتها أو الوصول إليها ،وهذه الأمور ليست جاهزة عندها ،بل تبحث بجد عن كل الضغوط والترهلات التي تفشت على جسد المجتمع الذي تقرح مع مرور الزمن ، فالشعرية بنظرتها تميل إلى التفكير لذلك تجد الشاعرة نفسها مرة أخرى على خلاف مع معظم الموروث والمفاهيم الموجودة ، إنها تريد أن تخضع كل ذلك للفكر والبحث لأنها ترى أن التفكير و وجودها هما شيء واحد يمشيان عبر نفق منظم ينطلق من ذاتية الأديبة .
انضوى الظل
والشمس الناعسة حرقت
لون غيابك على صدري
فانتفض خريفي المقتول
وتفاهة المعنى بين مراسي الخضرة
تهذي وحدها حزينة
غادرتني
فيعبق الحنين ( ص43 )
2-
إن الحوارات الهامسة والتي تدخل مفردات الأدبية وتحرق أعناق ورودها الناهضة نحو الأعلى تستنبت من حوارات الصمت، والقلب الحنون الذي يندفع كلون الشفق المتأرجح نحو الزوال ويمتلئ قلبها بالذكريات الدامية والأحلام المتدلية كعناقيد الحروف المكونة لعناوين الجروح النازفة ، والحب المكبوح ببحة القهر والتسلط حيث لا مجرى سوى الدمع والوحدة وحزن الطيور وشموع الليل الباكية، فهي تعرف دائما لماذا هي قلقة وتشير إلى مواقع المنشأ لهذا الهاجس المتوطن في عمق الزمن الأنثوي في ربوعها ، وتبدو الشاعرة محاطة بالهم وذلك من خلال ازدواج معنى الألفاظ التي تستعملها في إنشاء قصيدتها ، فالشعرية المجرحة تحتاج إلى لغة ازدواج غامضة تزجّ بمفرداتها كل المآخذ التي تتعثر بها الشاعرة على مساحات الكتابة التي أتقنتها :
يقاسمني خد ر الشحوب
خبز حرفي
صرنا في تنور الوصل
شهب احتراق
تغسلنا طيوب البجع
بنبرات الروح حبا
أو دمعا
أو شوقا
نغدو ونروح ( ص64-65)


3- لم يكن الشعر إلا فلسفة للمشاعر وهو العامل المهم لتنسيق هذه المشاعر وتحويلها إلى معان تتعامل مع الوقائع بكل جدية ودقة ، ولقد عرفت الأديبة ليلى مقدسي أن العقل والانفعالات والإرادة إنما هي قوى متعددة متباعدة ومنفصلة عن النفس وتعمل ضمن التجربة الكبرى عند الإنسان، فمحطات المرء علاقات تفسرها الكلمات ، وتجعلها حارقة أكثر من الجمر المكلف بإزكاء الحرائق ، إنها أبجدية العمل الدؤوب والتنقل عبر الأزمنة ، كحلقات السراب ويبقى عند الأديبة الإنسان هو الإنسان، يتنقل بين شبق الرغبات وقوة المتحولات ، لذلك نراها تغرق بدموعها وتطهر جسدها الناحل خارجة من عتمة الطرقات وخوابي الحزن، فهي تعرف ذاتها وتقدر معرفتها وتأملاتها فعلاقاتها تنبئ عن وجدان ناهض بكل ما فيه من قدسية ومعان مجبولة بالمشاعر والأهداب المبللة بالدموع ، فالخريف المقيت، لا يقدر أن يحرمها لذة الربيع، والسفن لا تقدر أن تجرب أشرعتها المرصودة للسفر والعشق ،لأنها تدرك بأن النهار يسبح معها في نهر الأيام ، ويرسل لها رسائل العشق ، و يبرعم أغصان عمرها بالزهور، فهي لا تؤمن برحيل الأمل فالبحر يحمل معه قصيدة الإنسان الذي تجرأ وعبر كل المحيطات إنها ترحل ضمن كتاباتها تسبح في بحيرات الشعر ويلامس جسدها ثلج الأرض ليحيي في أعماقها همّ الكائن الأول عشقا على براءة الطين حيث تصدح أنغام السكينه مع الكون الأزلي المتكون من رحيق الكلمات ، فتحترق الشاعرة وجداً مع نجوم الليل الساجية بخشوع ، وتتناول كأس خمرتها الأبدي في غفلة من الخدر حين تترمد جذوتها الأنثوية في باقة من نار مزمزمة مع حلولها الشعري الذي ضمد جراحها في فيض من الإيمان والحلول في هذا الوجد الإلهي المضيء .flwr2
إنها تجليات التيقظ والصفاء فالأدبية ناسكة تتجول في حقول الأنبياء ومعابدهم ، وتغزو عالم الإنسان برؤية وسيولة تكبر فيها مفاهيم التجلي والخوارق ، وترتاد كل الأمكنة بجرع كبيرة من الحزن والخوف ، فهي ترى ما لا يمكن أن يراه غيرها ، ترى بغداد وأم قصر ونخيل العراق يذبح وتأكله النيران . فالمدن العراقية مذبوحة من الوريد إلى الوريد و العنقاء تنهض شامخة في كربلاء و البصرة و المدن المبقورة البطون تقتل أجنتها دون أن يقطع الحبل السري للمرأة الفلسطينية في جنين وطولكرم ورفح ، فبغداد تتعرى بجسدها العربي الرائع الجمال ، و الغزاة يتمتعون بمفاتنها ( جسور بغداد
و من خلف
قضبان الطغاة
ـسأعيد لعينيك الحزينتين
و ريف النخل
أنت من أعماق التكوين
منبت الحضارات ) .

تكاد الأديبة أن تتحول إلى رسالة نبوية تجرحت صفحاتها في غيبة الوجدان الإنساني العالمي فالحقوق مبتذلة ومنتهكة والعيون باكية والقلوب ممزقة ، فالغزو يجرجر الغزو الموت ينهش الأجساد وعروق الكون والشعوب تصرخ، ولا مجيب فكيف ستجد للسلام رايات تُرفع ، أيموت الضمير وتنمو خيبات الأمل وتتشقق السماء لترسل صواعق الرحمة على ما تبقى من بني البشر ...إنها الفوضى فوضى الغزاة وقتل الحب والإنسان .:rose:إملاءات المطر

سودة الكنوي
02/06/2009, 10:07 PM
دراسة وافية أستاذ علي الصيرفي..
حقيقة أنا لم أقرأ ديوان الشاعرة ليلى مقدسي
رغم أنني حاولت اقتناءه لكنني لمّا..
الاقتباسات و الشةاهد مواطن الدراسة
تشي بأن الديوان شيق ذا لغة ثرية..
نريد أن تزودنا بقراءات إنطباعية أخي الأديب الأريب
فأنا أعشق هذا المجال جداً فهو من وجهة نظري يجلّي روائع النص و يكشف صور
و معانٍ لم تكن ظاهرة من خلال النص و يفتح للتأمل آفاق لا تعرف الحدود
و لا تعترف بالمدى..

شكرا على تدفقك الفكري و الثقافي الغني..