المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : -] فضيلة الموت [-


عبد الله العُتَيِّق
03/06/2009, 04:30 AM
فضيلة الموت
مدخلٌ :
قَد قُلْتُ إذْ مَدحوا الحياةَ فأكثروا
للموتِ ألفُ فضيلةٍ لا تُعرَفُ
ابن الرومي
الموت انقطاع الروح عن الوجود في الحياة الدنيا , وليس فناؤها , وهو نهايةٌ مبدئية لرحلة الحياة , ونهاية نهائية لمرحلة من الحياة , وهو أليم مُوْجع , لإبعاده المتقاربين والمتعاشرين عن بعضهم , فيكره الناس الموت لذلك, ويسبونه , ويلعنونه .
على العكس ؛ هناك مَنْ يحب الموت , ومَنْ يرغبه , اختلفت الوسائل إليه واتفقت المقاصد عليه , فمدحوه وأثنوا عليه , وفرحوا لمن مات , وطربوا لحظوته بالرحيل .
ألم الموت ووجعه وفجعته أنْسَتْهم إياها رغبتهم به , وملاحظتهم جمالياته , إما لأذى الحياة , وقذر الحيين , وسلوك البشر, فلا يكره الحياة عاقلٌ إلا إذا انطمست معالم الحياة فيها , وصارت بالموت أشبه , فعندها تكون الرغبةُ بالأصل أولى من الفرع , لأن الفرع ناقص , والنقص وَقص .
سبك المحبون للموت فضائل الموت بأجمل معنى , وأحسن مبنى , فَحَكَت مشاعرهم على ألسنتهم , ونطقت أفواههم بما في قلوبهم , وأبلغ الكلام صدقاً ما نطق به اللا وعي , ونُطْقُ القلب غير مُدْرَك إلا بتعبير اللسان وتدبير العقل , ويخالجهما عجزٌ وعِيٌ ولا يخالج القلب شيءٌ.
فضائل الموت في السلامة مِنْ حيف الحياة , وجور البشر , إذ هناك في اللا حياة انعدام ذلك, والسلامة مغنم العاقل , تحيف الحياة بالناس, وتوجعهم , وتهلكهم , ولا ترحمهم أبداً , فهي ظرف الأقدار , والأقدار صفاءٌ وأكدار , والأذواق تحكم كيفما نشأت عليه , فقد يفقد الإطاقة فتنعدم الطاقة فلا صبر يواتي , ولا فأل يجمُلُ , فتذهب بهجة الدنيا , وتزول محاسن الحياة , فليس إلا الموت أمنية .
مِنْ حيف الحياة جَوْرُ بني الإنسان , إذ هم مطبوعون على الظلم , ومَنْ لم يظلم فلعلةٍ لا يظلم , والشريف لا يقبل الضيم , فلا يقبله على نفسه من غيره , ولا يقبله من نفسه على غيره , والاحتمال له حد ينتهي إليه, وما كل ببالغه , فـيهرع إلى ملاذٍ آمنٍ من الجور , فيكون الموت خياراً .
أحوال الحياة السوداء التي تضرب في النفوس تجعل الناس يكادون لا يطيقون صبراً , هم يحبون حياتهم , ويتفانون في العيش فيها , ولكن حين يكون الحكم للأقوى , والأقوى جائر , والقدر غادر , والحيلة ضعيفة, فليس هناك إلا أن يتمنوا الموت , ولن يتمنى الموت المكروه المبغوض إلا أحمق , فكان مدحه وخلق فضائله , حيث الفضائل دفاعةٌ للإقدام , وما أقدَمَتْ نفس على شيء إلا وله فضيلة عندها , ومعايير الفضائل متباينة .
تلك أمانيهم , وما كل الأماني صادقة , فحال الحشرجة حرجة , ولكنها منبعثة عن حالٍ صادقة , فأثر الحياة في نكس الموازين أعظم من أثر المعارف في كنس العقول, فينقلب عاشق الحياة إلى عاشق الموت , وتكون عنده صناعة الموت أربح من صناعة الحياة . ملجأ الموت , والرغبة في الهروب إليه , ردة فعلٍ من ألمٍ عاد بالضرر على النفس , فهو قد لا يعدو أن يكون برَّ أمانٍ , وليس كل ملجأ مُلجيء , فربما "مِنْ مأمنه يؤتى الحذر" , حال اللبيب العاقل في قلب المثالب إلى مناقب , والمقابح إلى محاسن , وإمرار المرار , ومغالبة الأنكاد , فقبيحٌ بعاقلٍ أن يغلبه ظرفٌ مارٌّ , أو حالٌ عارٌّ , والأحوال لا تبقى , والأعمال تبقى , وما غلب عملٌ حالٌ إلا بعزمةِ عقل .
مخرجٌ :
ألا موتٌ يُباعُ فأشترِيْهِ
فهذا العيشُ ما لا خيرَ فيه

سودة الكنوي
03/06/2009, 11:26 AM
و مع كلّ ما سبق فيجب أن نكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
متأدبين بهديه عليه السلام فنقول كما قال معلماً أمته مرشداً لها داعيا لها
لما يحييها و ينزل السكينة عليها بأبي هو و أمي:
عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)متفق عليه .

وقد نص العلماء على جواز تمني الموت في الحالات الآتية:

1. إذا اشترط أن يكون الموت خيراً له كما جاء في الحديث السابق.

2. إذا خاف الفتنة في الدين.

3. عند حضور أسباب الشهادة، لأن الله قد وعدهم وعد صدق بحياة أخرى يحيونها (بل أحياء عند ربهم)
و من أوفى بعهده من الله!

4. لمن وثق عمله وأشتاق لقاء ربه.


و لعل الرضا بالقضاء و الصبر على الابتلاء و على مكاره الحياة خير للمرء و تطهير..
(فلا تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا)
و كلنا تحت رحمة الله و في جوده و كرمه طامعون..

العتيق ..
شكراً لك على طرق هذا الباب و فتح المجال للحوار
و ما زلنا ننهل من معين فكرك و نتباهى برقي حرفك..

جهاد خالد
03/06/2009, 03:02 PM
حرفٌ بهيّ ولغة رصينة وطرح يستفزّ الأقلام ..

للموت فضائله ولاشك كما للحياة فضائلها
وفي كل ضدان فضائل
ولو لم يكن لما انقسم الناس في الميل بين الأضاد باختلاف تقديراتهم لفضائلها

وعنّي ..
فأرى الفضل فيما يجعل للوجود معنى
ويُحقق في الإنسان غرض خلقه
فالحياة بكدرها وشقائها هي ملاذه ومنجاه إذا ما تحققت له فيها العبودية الحقة
وأدّى فيها ما لله عليه وكان موته انقطاع عمله الموصل إلى الغاية الكبرى
والموت بغصته وضيقه ومُصابه يكون ملاذه ومنجاته وسبيله كذلك إذا ما تحققت العبودية له فيه فهو لا يُقدم على الموت إلا إرخاصاً لحياته المُحبّبة إلى نفسه لله جل وعلا وهو لا يتمنى إنهاء الحياة الأولى إلا لشوقه لما عند العظيم وجواره في الحياة الآخرة

هذا مقياس الفضل في الحياة والموت وما يجب أن يكون من قلب خُلق لله فرضيه ربّا

... تحايا تليق بسمو الطرحْ

ابتسام آل سليمان
03/06/2009, 03:47 PM
للموت فضيلة حين نحيا كالأموات ... !
عندها لا فرق بين ميت وحي..
كنت رائعا بثبات