المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في شبكة العنكبوت دراسة نقدية للمجموعة


علي الصيرفي
15/06/2009, 09:37 PM
في شبكة العنكبوت
عندما تكوّن الأحاسيس الحدث
فينتقل القص من الواقع المقيت
إلى الحلم المنشود
أكرم إبراهيم
بقلم الناقد: علي الصيرفي:rose:

في كل الحالات الحساسة ، يكون القص هو المكان الذي يخلق الفرصة المناسبة للكتابة ويجعل بوصلة القص، تنطلق في مسالك تختلط بكل أنواع العقبات والقضايا الصعبة ، المتعرجة بطرائق اندماجها مع المجتمع فالمشكلات التي يهتم بتناولها غالباً ما تناهض المألوف من الأمور داخلة في أدق التفاصيل وأصعبها على الإطلاق ، والدخول عبر قنوات تجعل من الوقائع مفكرات سردية ، توضح الأفق أمام الأديب وتفتح بوابات العلاقات المفككة بين الأفراد ، لتشكل العقدة التي يحاول الكاتب أن يصنع حدثه منها فيحول المشاعر إلى قدرات فكرية وكتابية تصور حجم المشكلة ومساحتها الاجتماعية ،ثم يبدأ بالصراع مع المخلفات القاسية لهذا التجمع البشري الذي ينتمي إليه الكاتب ، عندها تصبح البيانات الأساسية للمفاهيم الاجتماعية في وضع مربك ، ومضلل يتغلغل في البنية الأساسية لحياة الأفراد مخرباً العلاقة بين القيم وهموم الفرد ، فيصبح المجتمع ملطخاً ببقع مرضية تدل على مدى تفاقم الوضع الاجتماعي السيئ ، وانكشافه أمام الكاتب ، ويتحول الواقع المخرب أمامه إلى محطات ، يقبع فيها شخوص مزيفون يعمقون الجرح في النسيج العام لهموم الأفراد ، فيبدو الوجه المأساوي للكثير من الحالات الخاصة بالأفراد عن طريق تبدل المقامات الهرمية والقدرة على فرض السيطرة ، وبطرائق مختلفة ، فهناك من الأفراد المتمترسين في المفاصل الأساسية لمهام السلطة يمارسون أبشع أنواع القمع والتسلط متناسين الهدف الذي رسم لهم فيفقدهم ثقل هذه المهمة توازنهم فيغرقون في مستنقع الفساد وتزايد تلك المعضلة ، ومنهم من ينزلق في مفاسد المرحلة حتى أذنيه فلا يرى ولا يسمع إلا رنين المال وبريق الجواهر والأجساد الناعمة حيث يركع الجميع أمام الأجساد العاجية شهوة وشبقاً إلى حد الغرق لذلك كان على الكاتب المبدع أكرم إبراهيم ، أن يدخل الهيكل المقدس المطلي بدماء الفقراء والمحرومين ليضع الفأس برأس الصنم الأكبر في ذاك الهيكل الجامع لكل ألوان الفساد ، ومن خلال تلك المعطيات يشكل الكاتب شخوص حدثه ليبني قصاً يرسم الموقف المتفهم لإشكاليات توتر المواقف ودفعها إلى الواجهة الفكرية متمسكاً بسلطة المعرفة والثقافة ، وهذا يتلألأ في مجموعته القصصية الرائعة (في شبكة العنكبوت ) الصادرة عن دار التوحيدي ، فيأتي القص مفسراً لكل الوقائع ، وموضحاً الجهود التي يدفع بها وجود هؤلاء الفاسدين في كل مفاصل السلطة ، ويعود ذلك لقدرة الكاتب على الدخول في كل الأماكن الممنوع الدخول إليها ، والعوم في الحوض الأكثر اتساعاً لجمع الحد الأعظم من مشكلات المجتمع المحطم وترسيب البقايا والهموم والمخلفات الصعبة التحليل ، ومع ذلك يواصل الكاتب إبحاره وسط هذه المخلفات الشديدة السمية ، ليعرض رؤيته الجدية رغم كثرة التحديات التي تخترق حصون مجتمعه ، فيحاول الانطلاق من زاوية ، حادة تحدد له القدرة على تجاوز كل المنعطف القذر الذي يحيط بجوانب تحركاته ، فينطلق من مقدمات ، تقول بأن تغيير الأساليب المعيشية يدفع بالحياة نحو التقدم والتطور ،وهذا ما يصبو له الأديب .
( - أوراقك ناقصة ، مئة مرة قلت لك سلم معاملتك لأحد العارفين .
كان المراجع يبدو حانقاً مصراً على أن لا يقدم نفسه حياً وجبة لأحد ، وفي زاوية المكتب خلف المراجع على الطاولة الأخرى ، كانت وليمة الشاي والخبز المحمر للوسطاء ) ص22
1- ما يريد الكاتب قوله :إن شباك العنكبوت موجودة في كل الأماكن والكائنات الطفيلية تتزاحم متواجدة في كل المساحات المسموح لها أن تتواجد فيها أو عكس ذلك فالفساد منتشر ، والعقلية المتشنجة المترعة بالأفكار البيروقراطية ،تلعب دوراً يتمركز في كل مفاصل السلطة، وفي أغلب المؤسسات الرسمية حيث يلعن المواطن آخر قدراته الفكرية والخلقية في أسلاك تلك الشباك المتقنة الغزل والتصنيع ، فالعلاقات المشبوهة والرهانات وأساليب الابتزاز ، وعضلات المهربين وما يترتب على ذلك من مخاطر على الوطن والمواطن .flwr2
( قال كلاهما : مسكين يا رجل ، لولا اللقمة الصعبة لما أصبح المهرب ولا الشرطي هكذا ،قلت : من الذي يرتشي من أجل اللقمة ؟ إنها مسوغ يبدأ الإنسان به نعم صحيح ، يقول أول الأمر هل أقل من أن يأكل الإنسان ؟ ثم هل أقل من الضروريات ؟) ص27
لقد بين الكاتب الحجج الواهية التي يتبناها الكثيرون من الموظفين من أجل تبرير الرشوة والأعمال غير القانونية ، مبيناً بطلان كل هذه الادعاءات ، ومؤكداً أن الفساد هو نفسه الفساد لا شرعية له مهما تنوعت عملية تشريعه ، لقد تأكد الكاتب بأن المشكلة الرئيسة تكمن بذلك الإنسان المتحكم بكل المفاصل الاجتماعية مع مجموعته الفاسدة التي تقوم بتسهيل المخالفات والتعتيم عليها ، وتجنب الطرق الصحيحة التي تدفع بالمجتمع إلى الأمام فتعكس بهذه الممارسات وحشية المواقف ، واستبداد المتحمسين لتلك الفوضى ، ومحاولة ربط هذه العلاقات بأطر من الشرعية والقانونية ، مستبعدين الإساءات التي تتأتي من تلك المواقف .flwr3
( الآن جاء وقت أصبح فيه تجار الرقيق الأبيض والعاهرات تقدميين بحكم مصالحهم ، خذوا هذا بعين الاعتبار عند صياغة برامجكم هم لا خوف عليهم إنهم قادرون على تطويقه سيقضي فقط على الفئة الهامشية ) ص37-38
2- من خلال ذلك يؤكد الكاتب بأن السلطة العفنة تحدد صفات الأشخاص وتحدد من هو عميل وانهزامي ، وخاصة أولئك الذين يسيرون بعكس ، ما تريده تلك السلطة الطحلبية ، فالمستفيدون ، في دهاليزها هم تجار المخدرات وتجار الرقيق الأبيض ،وهم الذين يقررون من هو تقدمي ومن هو رجعي وعفن بحسب المعايير التي تناسبهم ،وتناسب أذواقهم ،فالفرد عند الكاتب يظل على الدوام يظهر ويتحرك بالمقارنة لما هو فيه ، وفي أي لحظة بعينها ، أي أن حركة الفرد المستمرة تنقله من موضع إلى آخر ، فالمشكلات التي تلوح تجعل بعض المواقف غامضة من قبل بعض الأفراد الذين يتحايلون على المجتمع بكل شرائحه ، ويمررون مصالحهم ويخربون مصلحة المجتمع ، لذلك يتحتم على الأديب أن يُقدِمَ على الصدام مع هذه الشريحة القميئة ، مبيناً القلق الذي يساوره مؤكداً على أن الحرية ، يمكنها أن تجد الكثير من الحلول ذات الفائدة المطلوبة للدفع بالمجتمع والأفراد إلى الأمام .
(كان الجهد الذي بذلته حتى الآن منهكاً لي جسدياً ونفسياً ، كانت معركة أعصاب وعض على الأصابع ، لكنني اكتشفت أنني كنت أسبح باتجاه الدوار ، وعلي الآن أن أقرر إما العودة من حيث أتيت فأتخلى عن حقي ، أو أستجيب للتحدي فأتابع ما بدأت به وإنه لخيار بين أمرين أحلاهم مر) ص 54- 55 :coffee:
3- ولم يغب عن ذهن الكاتب الطفولة وما فيها من معطيات خاصة تدل على أهمية تلك المرحلة العمرية ، مبيناً رأي الصغار بمجتمع الكبار ، ولم يغب عن ذهن الأديب الموازين التي يلحظها الطفل ويقدر من خلالها دقة معلوماته ،فالكاتب يمقت كل الضغوط التي تمارس ضد الطفولة من قبل الكبار ، ويرى في هذه الوجوه البريئة حيا ة خصيبة بالآمال والتطلعات السليمة .
( اليوم سمعت طفلاً في الخامسة يقول على الشاشة : لا تقولوا أنكم تحبوننا أيها الكبار ، نحن لا نشعر بالأمان بسببكم أنتم .
( فاجأني هذا الطفل ،فأنا كثيراً ما سألت إن كان الكبار يحبون أطفالهم ) ص56
لقد تمرغت حياة الكبار بوحل الهزائم والتخريب النفسي الداخلي وهذا بدوره انعكس على حياة الصغار وخرق بنصله مهجهم الرقيقة ، وترك بهم الحروق التي تخلفها نيران الكبار فتلتهم أحلامهم ، وتبدد الأمل الذي يلاعب مشاعرهم ، وبذلك تنهار كل الآمال التي تدعم فكرة تواجدهم ، فتموت الأحلام وتتحول الرياض إلى مستنقعات للمرض والآفات فلو ترك الأطفال يمارسون طفولتهم لعاشوا حياة هانئة .
ويتابع الكاتب تطلعاته المتيقظة فيرى العفونة تتبرعم فوق مساحات واسعة من العلاقات ،فعبد الرحمن تلك الشخصية المهزوزة يتفاخر ويبذر بكلامه حول زميلة له في العمل حيث يؤكد الكاتب فكرة الريبة والشك ، فالناس لا يقدرون على كبح جماح شهواتهم وما يطلبه عبد الرحمن يفوق الواقع فهو يريد من صاحبه أن يكون قواداً فهو يشك بأن العلاقة بينهما بريئة وسليمة .
لكن اعتقاداً آخر أضنى عبد الرحمن " يريدني قواداً " الديوث أنا أصبح قواداً ؟ لماذا لمجرد أن عظمي هش ؟ أنا أذكره بعلاقتي الطيبة بها لأتجنب تلميحاته ، وهو يتيس ويلج في تلميحاته أكيد يريدني قواداً لها ) ص61
لقد لاحظ الكاتب مدى فساد العلاقات الاجتماعية وتحولها عن مسارها الطبيعي ، وأراد مواجهة تلك العلل القاتلة التي إذا ما استشرت في جسد المجتمع فستؤدي إلى تخريب كل العلاقات السليمة بين الأفراد ، لقد وصلت المواقف إلى حد الاستهتار بالقيم والأخلاق وبصورة علنية تدل على قوة الخلل في مجمل المحمول الاجتماعي فالرئيس يريد من موظفه أن يسرق وبأمر منه ويمهد الطريق له للدخول وبقوة إلى هذا الحقل لقد وضعه معزولاً في ذلك المستودع القريب من سور الشركة ، وعندما يحاول الموظف أن يجد لنفسه مخرجاً يقول له أحد أصحابه عليك أن تهرب من هذا المكان فقبلك (حسن) لقد جن وصار يركض في شوارع المدينة مسلوب العقل والإرادة .
لقد عرف الكاتب بأن العمل الفردي لا يؤدي إلى النتائج المطلوبة فكان لابد أن ينتقل العمل الفردي إلى التنظيم الأكبر إلى الحزب الذي ينتمي إليه هذا الموظف ، ولتصبح قضيته قضية الحزب إذا حصل له أي مكروه تلك لفتة سليمة أراد الكاتب قولها بأن العمل الجماعي في مثل هذا الظرف هو العمل الأكثر تأثيراً وفعالية ، ولايبتعد الأديب كثيراً عما يجري في هذا العالم المتحضر من تسفيه لكل القيم التي قاتل الناس كرمى لها وضحوا بأرواحهم في سبيل المبادئ ومع ذلك يرى كيف أن بعض الشعوب تنتخب أرزالها ليكونوا زعماء عليهم ، فتنقلب المعايير لقد سقطت الايدولوجيا سقوطاً مدوياً تمزق الإتحاد السوفيتي وتمزقت الكتلة الاشتراكية وتمترست قوة القطب الواحد بكل حماقة هذا القطب وجنونه لقد ربط الأديب المشكلات ببعضها في كل العالم ، مؤكداً على أن الظلم مصدره واحد في كل العالم .
لقد أراد أكرم إبراهيم أن يؤول الزمان ما يستطيع أن يتلمسه في تجربته الكتابية معتمداً على ذلك الكم من المعطيات وأراد أن يقول مهما اتسعت مساحات القهر فلا بد للعدالة أن تشرق على كل المظلومين في هذا العالم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته flwr2