المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمبراطـــور ... قصة قصيرة


عبدالرحمن خالد الديب
27/06/2009, 11:28 PM
الإمبراطور

ظلامٌ دامس لم يجرؤ شيءٌ على ان يضايقه سوى شعاع ضوءٍ ينساب من ثقب أوجده الزمان فى أحد جدران الغرفة ، سكونٌ مطبق لا يقطعه سوى صوت ارتطام قطرات الماء المتساقطة من صنبور مياه انتهى عمره منذ زمن سحيق ، وهناك فى أحد الأركان على الأرضية الصلبة يجلس آدمى ساندا ظهره الى الحائط ، يداه متشابكتان خلف رأسه فى محاولةٍ لتخفيف قسوة الحجر على رأسه ، تضاريس وجهه تحكى ألف ألف قصة ، و وميض عينيه الخافت ينبئ أن صاحبه ليس كباقى البشر ، كان نظره معلق بالسقف وكأن هناك حبلا خفيا تدلى من سقف الغرفة حتى رأسه فأجبره على هذه الوضعية الثابتة التى لا تتغير ، الا ان الأمر لم يكن كذلك ، فقد كان يشاهد فى سقف الغرفة أياما خلت ، وذكريات مرت ، كان ينظر الى ذاك السقف الخالى فيرى فيه صور حياته قبل أن يرمى به الزمان الى هنا .
بدأ حياته وهو لا يملك قرشا واحدا ، إلا انه صار بعد عشر سنوات أغنى رجل فى البلاد ، كان رجل أعمال ذائع الصيت ، حياته كانت شديدة المثالية ، ثروة لا تقدر ، زوجة فائقة الجمال ، أبناء شديدوا النجابة ، طائرة ٌخاصة تقله من بلد الى آخر ، و منصب سياسى جعله فى طليعة الكوادر ، كان يصاحبه دوما ًفى تحركاته موكب كبير من رجاله ، المرور يتوقف حتى يمر موكبه ، طلباته كلها مجابة ، باختصار كان ملكا متوجا فى بلده .
الأيام تمر وثروته فى اتساع ، آلاف من البشر يتملقونه ، الكل يرجو رضاه ، كان يسمع فى اليوم الواحد ملايين عبارات الثناء والمديح والتعظيم والتبجيل ، أينما حل يتسابق رجاله فى خدمته ، فالكل يتمنى قربه ، زوجته تعشقه بجنون ، كانت تعيش حياتها لإرضائه ، فهى تعلم انه كلما رضى كلما استمرت عطاياه وهداياه ...
" آتشووووو " عطسة خرجت منه فأوفقت شريط الذكريات لحظات ، تسربت ضحكة حسرة رغما عنه ، فقد تذكر عندما كان يلقى كلمة فى أحد الاجتماعات الكبرى لشركاته ، وعطس ، فإذا بأكثر من ألف رجل فى وقت واحد يصيحون " يرحمكم الله " ، يومها انتفض من ردة فعلهم و وترك الاجتماع وغادر ، فى اليوم التالى وجد على مكتبه رسالة اعتذار من مدراء الشركات وموظفيها على الجرم الذى اقترفوه فى حق سيادته فى الاجتماع ، وتمنيات بأن يغفر لهم هذه الهفوة التى لن تتكرر ...
ثم بدأ فى تذكر ما أوصله الى ماهو فيه ، ظهرت صورتها واضحة أمام عينيه ، كانت فاتنة متفجرة الجمال ، أرادها ، لم يكن يبالى بأنه متزوج ، ولم يكن يكترث لفكرة الحلال والحرام ، كان يؤمن بأنه إذا أراد شيئا فلا بد أن يحصل عليه ، هكذا علمته الثروة ، المال يشترى أى شيء ، حتى انه يشترى من صنعه ، بدأ فى التنفيذ على الفور ، لم يكن يعلم أن الأمور ستتخذ هذا المنحنى ، اعترضت ، فكانت صدمته شديدة ، أ هبلت هذه المرأة ؟ّ! ألا تعلم من أنا ؟! فى حياته لم يسمع كلمة "لا" من أحد ، لم يجرؤ إنسان قبلها أن يقولها فى وجهه ، كان على يقين بأنها ستعود الى رشدها فى يوم من الأيام وستوافق ، الا انه لم ينل منها إلا لاءاتٍ جديدة ، فاستشاط غضبا وثورة ، وببساطة أرسل أحد رجاله ليقتلها ، نعم هى تستحق القتل ، لقد اجترأت على ان تقول لا فى وجهى ، انها تستحق ان تقتل ألف مرة .
لم يكترث كثيرا عندما علم بان القاتل سقط فى يد الشرطة ، هو يعلم انه أحد رجاله الأوفياء ، ويوقن بأنه لن يفضحه أبدا ، وحتى لو فعل " من يجرؤ على المساس بى ؟! ، من يستطيع أن يتهمنى ؟! الكل يعلم من أنا ، والكل يدرك عاقبة إغضابى . انا الامبراطور ، والكل تحت قدمى ، لقد اعترضت فقتلتها ، لم آخذ أكثر من حقى ... "
كانت كلها كلمات تدور فى عقله حينها ، لم يكن يدرك أنه سيعيد ترديدها حرفيا وهم يقتادونه مكبلا ، كان كالدجاجة المذبوحة تنتفض بعنف ، رموه بهذه الغرفة اللعينة ، وهو يصيح بوجوههم ، كان على يقين بأنهم سيدفعون ثمن فعلتهم غاليا ، ولم يكن لديه أدنى شك أن ما يحدث ليس إلا خطئا سيتداركه مخطئوه ، كانت الجرائد تصل اليها فى زنزانته ، فيقرؤها وهو يشتعل غضبا ، من كانوا يكتبون فيه قصائد الشعر بالأمس ، صاروا الآن يقطعون فى لحمه هجاءا و سبا ، هؤلاء الملاعين سأريهم عندما أخرج ، لن يفلتوا من قبضتى ، وسيدفعون الثمن غاليا ...
كان يتعجب كل يوم يمر عليه لم لم يخرج حتى الآن ، لا بد أن فى الأمر خطئا ، دخل عليه الحارس فى يوم من الأيام واخبره بأنه سيخرج من زنزانته غدا ، تهللت أساريره ،" نعم كنت أعلم ذلك "، الا ان الحارس أسكته بغلظة ليخبره بانه سيخرج لأنه سيذهب الى المحكمة ، فى قاعة المحكمة جماهير غفيرة تحتشد ، تستمر المداولات ، وتكشف الفضائح المخزية ، يجلس فى القفص يعلم أن كل هذا سينتهى قريبا ، سيعلمون خطئهم قريبا ، أيامٌ تمر وتمر ، نطق القاضى بالقرار " تحال أوراقه للمفتى " ، هههههه ، من داخله كان يضحك سخرية من هذا القاضى الأحمق ، يظن نفسه قادرا على الحكم على بالاعدام ، يالسذاجته ، المفتى يؤيد الحكم ، تزداد سخريته الداخلية ، المفتى أكثر حمقا من القاضى ، حكم القاضى بالاعدام ، ينظر الى القاضى ، ومن داخله يتوعد بأنه سيقضى عليه ، فقط عندما ينتهى من هذه اللعبة السخيفة التى طالت قليلا ، لكنها افتربت على الانتهاء ، هو يدرك ذلك ، كان من المفترض أها انتهت أصلا ، لا ضير فليصبر قليلا .
صوت جلبة شديدة قطع حبل أفكاره ، واوقف شريط ذكرياته ، ارتباك شديد على وجوه الحراس ، هو يعلم ان اليوم هو اليوم الذى قرر القاضى اعدامه فيه ، لكنه يعلم انها تمثيلية ، لا أحد يجرؤ على الاقدام على هذا ، فـُتِـحَ باب الزنزانة ، دخل الحراس ، امسكوه من ذراعيه واقتادوه ، كان يصيح فى وجوههم " أيها الأغبياء الصعاليك ، الى اين تأخذونى " دخلوا به الى غرفة ضيقة ، حبل يتدلى من السقف ، الا انه هذه المرة لم يكن خفيا، صعدوا به السُلـَّم المؤدى الى الحبل
- " ماذا ، أنتم لا تفهمون شيئا ، أتدركون ماتفعلونه ، لن اترككم ، عندما أخرج ساقضى عليكم واحدا واحدا ، سأجعلكم تعضون أصابعكم ندما ، ايها المجانين انها لعبة ، نعم لعبة ، القاضى يقول ما يقول هو أحمق ، المفتى يقضى بما يقضى هو أحمق آخر فى قافلة الحمقى ، لكن لا أحد يقدر على المساس بى أنا الامبراطور ، أنا الملك ، انا من أستطيع أن أسحقكم بلحظة واحدة ، انا أَقتـُـل لكن لا أُقتَـل "
الحبل يلتف على رقبته ، الظابط يعطى الأمر بالتنفيذ ، الملك لا يتوقف عن الصياح والوعيد والتهديد ، و ....
" سقط الامبراطور "

سعد الحمري
28/06/2009, 12:00 AM
و ....سقط الامبراطور




الفاضل عبد الرحمن

هل يعنى سقوط الامبراطور نهاية الامر...
سقط الامبراطور هشام الان فى مصر اثر قضية قتل الفنانة سوزان ..

لكننى ادرى انه بسقوط الامبراطور ...خرج امبراطور آخر وثانى وثالث

اما لهذا الليل من نهاية

اعجبنى نصك المتزن الذى يبحث على اينه

شكرا لقلمك الفذ

كلمات الشكر تعجز ان تفيك حقك

شكر من القلب بعدد سكان الصين الشعبيه

جهاد خالد
28/06/2009, 02:24 AM
أعجبتني البداية كثيرا
فالوصف الدقيق وضعني في المشهد تماما

والجميل
أن لك في السرد أسلوبا خفيفا محببا

هطول ماتِع
.... بي ظمأ للمزيد

عبدالرحمن خالد الديب
28/06/2009, 04:24 AM
الأستاذ الكريم سعد
لا يهم كم امبراطورا سيخرج ، المهم ان تسقط فكرة الامبراطور امام اعيننا
فى فيلم " 300 " الشهير ، كان رمز الشر متجسدا فى رجل يدعى الالوهية واستطاع ان يوهم الناس انه غير قابل للمس أو الايذاء ، والكل يعبده ، فى آخر الفيلم وجه البطل حربته نحو هذا " الامبراطور " صحيح ان الحربة لم تقتله ، الا انها جرحته ونزف دما ، الشاهد ان فكرة الامبراطور سقطت امام جموع البشر ، هذا انتصار فى حد ذاته ....
********
شكرا لمرورك الكريم أستاذنا
دمت بخيرات

عبدالرحمن خالد الديب
28/06/2009, 04:26 AM
أستاذتى جهاد...
شكرا لاطرائك ...
منك أتعلم أختى ...
دمتِ مبدعة ...

ابتسام آل سليمان
28/06/2009, 12:18 PM
سلاما ومرحبا بك
و ما زال جنون العظمة مرضا يستشري و قافلته تسير ...!
أمتعتني القصة و آمل أن تعير بالا للإملاء خصوصا همزات القطع والضمير ...!
وقيتم السوء

عبدالرحمن خالد الديب
28/06/2009, 11:35 PM
الفاضلة وحى
جزيتِ خيرا على النصيحة ، المشكلة أنى أؤلف مباشرة على الحاسب ، فتقع منى معظم الهمزات لسرعة الكتابة ، سأحاول جاهدا أن أتعود كتابتها ، جزاكم الله خيرا
مرورك زادنا شرفا
دمتِ بخيرات

إيمان بنت عبد الله
29/06/2009, 12:21 AM
أهلا عبد الرحمن



لابُّد لليلِ الظالمِ من انتهاء !




سرد ٌ واقعي ،،



تحيتي




/



إيمَان

عبدالرحمن خالد الديب
29/06/2009, 02:27 AM
الفاضلة إيمان ...
مرورٌ طيب كأنتِ ...
فى خير أتمنى أن تكونى ..

سوسن ادكيدك
29/06/2009, 11:04 PM
استخدام ناجح للرمزية في سرد القصة
رغم تشابه أحداثها مع بعض قصص الأفلام
إلا أنك استطعت أن تلتزم أسلوبا خاصا بك
وحجزت لنفسك مكانا خاصا للبوح
شكرا لك

عبدالرحمن خالد الديب
30/06/2009, 08:05 PM
الطيبة سوسن
بل الشكر لكِ أنت
دمتِ بخير