جهاد خالد
14/07/2009, 04:28 PM
ذهبنا إلى ذلك المسرح وكلنا شغف ولهفة ، وكانت قد وصلتنا دعوة مغرية للغاية من صديقتنا (س) وصفت فيها روعة العرض وتميزه وفتنة العارضة التي لا تضاهيها فتنة.
وصلنا إلى المكان بسهولة ، فقد كان مشهورا لدرجة أن سائق السيارة التي استقللناها أوصلنا إلى بوابته رغم أننا وصفنا له أحد المعالم القريبة من المكان وليس المكان نفسه ، وكأنه عرف من لهفة أعيننا وألق ملابسنا وجهتنا الفاتنة.
وقد كانت فاتنة بحق ، فالبناء يرتفع بروعة معماره مزدانا بالزخارف والتصاميم الراقية التي سُلّطت عليها أضواء بتوزيع فني بديع أضاف إلى روعتها أضعافا من الروعة.
لم يكن البناء الخارجي بجماله إلا دليلاً إلى الترف بالداخل، فالدرجات والجدران وبوابات القاعات والممرات التي افترشتها البسط الثمينة وحتى التفاصيل الجانبية الصغيرة ، كلها كانت تبث في النفس شيئاً من الترف المُتخيّل حين تذكر الجنة!.
ظننا أن بهرجة المبنى والمداخل والطرقات هي ذلك التأثير الخلاب للألباب الذي يعمد إليه المصممون لنقش الاتطباعات الأولى بحرفية في نفوس الزوار، لكن الأمر لم يتوقف عند الانطباعات الأولى كما بدا لنا ، فما إن ولجنا إلى القاعة المنشودة حتى سُلبت عقولنا عن الحضور والتحيات والتسليمات إلى ذلك الزخرف الباذخ في كل مكان، حتى أنه خُيّل إلي مشهد دخولنا وكأن نفراً من القرون الحجرية هبطوا بأرض خُلقت من النعيم لملوك الترف وأرباب العز وأصحاب السمو ، فهم في أسر حال الدهشة والعجب لا يُخلصهم منه شيء ولو كان بوق نفير!.
بصعوبة أدركنا مقاعدنا وأنظارنا مازالت معلقة بالفتن الألقة هنا وهناك ، حيث مكثنا ننتظر بدء العرض.
نصف ساعة حتى بداية العرض قضيناها كلحظات معدودة تبادلنا فيها البسمات والضحكات وانتثرت فيها بين العيون لآلء الفرح والابتهاج.
دقت المزامير دقاً قُرعت له القلوب وتسارعت له الأنفاس وتعلقت معه الأنظار بذلك الستار الفخم لتمر لحظات كما السنون من شدة التوق واللهف، حتى يؤذن للعيون أن تتمتع وللأسماع أن تطرب وللقلوب أن تهيم في ملكوت الفتنة ، ويُرفع الستار عما يُشبه اللؤلؤة.
لؤلؤة لها جسم ورسم امراة فاتنة ، يكسو جسدها بياض ألِقٌ ما أظنه صُنع من حرير الأرض ولا ذهبها ، وما أظنه إلا حُلة حاكتها أنامل ملائكة الرقة تحت إشراف ملائكة الجمال!.
ولها وجه وضّاء كالقمر ، طُبعت على جانبيه هالتان من حمرة الورد النضر الندي تحصران بينهما فصّي توت أحمر ، يعلوهما نصل سيف ملكي مصغّر ، وعلى هذه الفتن الثلاث ألقت فتنة رابعة ظلها سالبة اللحظ إلى مصدرها حيث رمش المها يحدد صفحات بليغات من حديث متلفت ينثر القصائد فتنة تسلب الألباب قبل الألحاظ والأسماع!.
سَرَت تتهادى وتتبختر نحو عرشها كملكة أرض الفتن في حفل تتويج باهر.
كانت الألحان الترحيبية تبعث في الجو شيئا من السحر الأسطوري الذي لفّ الزمان والمكان بكل لحظة وتفصيلة وتخلق في النفس مع استنشاق الذرات المسحورة شعورا بالوجود بين مشاهد تلك الأسطورة.
انتهت المعزوفة الترحيبية ليبدأ العرض بألحان ومشاهد مختلفة ، وبدأت معه الإحساسات بالاختلاف كذلك.
وكأنني كنت عجِبة مشدوهة من الفزع لا من الانبهار وأدركت فجأة حقيقة المصيبة المفزعة ، شعرت بقلبي ينتفض بشدة ، كان يضرب أضلاعي بقوة مؤلمة دفعت ملامحي للتقلص بشكل مخيف ، أخذ نبضي يتسارع أكثر فأكثر ، أصبحت أنفاسي سريعة قصيرة ، أشعر بالاختناق ، شيء ما يغص في حلقي ، ربّاه ! ماذا يحدث ، وفجأة انفجرت الغصة الخانقة سيلاً غزيرا من الدمع الملتهب . نبض عنيف وملامح تحكي مأساة يغطيها سيل من نار. بكاء وتأوه ونحيب. لم اكن أسمع بوضوح تلك الأصوات المتعالية حولي ، انغام متسارعة وتصفيق وصفير وخيالات أصوات تصيح بي:
(مابك!) .. (هوني عليكِ) .. ( اصبري قليلاً ) .. (لا تفسدي الأمر)
أصوات تعلو مرات وتتلاشى أخرى بين اللحون الصاعدة النازلة والصخب المتعالي والانفاس المسلوبة انبهارا.
شيء ما انفجر من فمي صارخا:
(أخرجوني من هنـــــا) .. (أبعدوني)
صوت يحاول التخفيف عني:
( انتظري قليلا ، ربما يتغير الوضع )
صرخت أعلى:
(يتغير!!! وماذا تبقى كي يُحدث التغيير فرقا )
صوت خائف:
(حسنا كما شئتِ ، ولكن هل سترحلين دون تحيتها والحاضرين؟!)
وكأن نارا اشتعلت في جسدي : (أحييها!!!! أحييها!!! ، علامَ أحييها؟!!)
دارت الدنيا من حولي فجأة ، وأخذت صور الحضور تدور بسرعة بسرعة وتتحول شيئا فشيئاًَ إلى اللون الأحمر!.
دماء .. دماء غطت المكان ، والمصابيح التي كانت تبعث النور مبهجا ، صارت تنفث دخانا كريها أسود!!
من هؤلاء؟!! أين الحضور؟!!
ملامح مُخيفة وأنياب تسيل منها دماء طهر مذبوح ، وقهقهات تسخر من العفة الراكعة المتهتكة تحت الأقدام ، وأركان التحفت بها أجنحة كسيرة خضبت بالدماء ، وصوت أنين ملائكي يحاول طلب العون لكن الصيحات الإبليسية المستعرة تخقنه!!.
لم أدرِ بنفسي إلا وأنا أُسرع الخطو نحو الباب، أهرول .. أركض ، والانتحاب يكاد يهوي بي ضعفا، تجاوزت الباب ، والباب الذي يليه والذي يليه ، حتى تجاوزت بوابة المبنى حيث نال الإنهاك مني وألقاني أرضا،
شعرت بروحي تُسفك على الأرض حسرة ، وسمعت صوتي يتلاشى رويداً رويداً :
رباه رحمة..رباه رحمة .. رباه رحمة !
ولفظت أنفاسي الأخيرة مع بقايا صورة كنا نتلو فيها سوياً ( واذكر في الكتاب مريم! ).
وصلنا إلى المكان بسهولة ، فقد كان مشهورا لدرجة أن سائق السيارة التي استقللناها أوصلنا إلى بوابته رغم أننا وصفنا له أحد المعالم القريبة من المكان وليس المكان نفسه ، وكأنه عرف من لهفة أعيننا وألق ملابسنا وجهتنا الفاتنة.
وقد كانت فاتنة بحق ، فالبناء يرتفع بروعة معماره مزدانا بالزخارف والتصاميم الراقية التي سُلّطت عليها أضواء بتوزيع فني بديع أضاف إلى روعتها أضعافا من الروعة.
لم يكن البناء الخارجي بجماله إلا دليلاً إلى الترف بالداخل، فالدرجات والجدران وبوابات القاعات والممرات التي افترشتها البسط الثمينة وحتى التفاصيل الجانبية الصغيرة ، كلها كانت تبث في النفس شيئاً من الترف المُتخيّل حين تذكر الجنة!.
ظننا أن بهرجة المبنى والمداخل والطرقات هي ذلك التأثير الخلاب للألباب الذي يعمد إليه المصممون لنقش الاتطباعات الأولى بحرفية في نفوس الزوار، لكن الأمر لم يتوقف عند الانطباعات الأولى كما بدا لنا ، فما إن ولجنا إلى القاعة المنشودة حتى سُلبت عقولنا عن الحضور والتحيات والتسليمات إلى ذلك الزخرف الباذخ في كل مكان، حتى أنه خُيّل إلي مشهد دخولنا وكأن نفراً من القرون الحجرية هبطوا بأرض خُلقت من النعيم لملوك الترف وأرباب العز وأصحاب السمو ، فهم في أسر حال الدهشة والعجب لا يُخلصهم منه شيء ولو كان بوق نفير!.
بصعوبة أدركنا مقاعدنا وأنظارنا مازالت معلقة بالفتن الألقة هنا وهناك ، حيث مكثنا ننتظر بدء العرض.
نصف ساعة حتى بداية العرض قضيناها كلحظات معدودة تبادلنا فيها البسمات والضحكات وانتثرت فيها بين العيون لآلء الفرح والابتهاج.
دقت المزامير دقاً قُرعت له القلوب وتسارعت له الأنفاس وتعلقت معه الأنظار بذلك الستار الفخم لتمر لحظات كما السنون من شدة التوق واللهف، حتى يؤذن للعيون أن تتمتع وللأسماع أن تطرب وللقلوب أن تهيم في ملكوت الفتنة ، ويُرفع الستار عما يُشبه اللؤلؤة.
لؤلؤة لها جسم ورسم امراة فاتنة ، يكسو جسدها بياض ألِقٌ ما أظنه صُنع من حرير الأرض ولا ذهبها ، وما أظنه إلا حُلة حاكتها أنامل ملائكة الرقة تحت إشراف ملائكة الجمال!.
ولها وجه وضّاء كالقمر ، طُبعت على جانبيه هالتان من حمرة الورد النضر الندي تحصران بينهما فصّي توت أحمر ، يعلوهما نصل سيف ملكي مصغّر ، وعلى هذه الفتن الثلاث ألقت فتنة رابعة ظلها سالبة اللحظ إلى مصدرها حيث رمش المها يحدد صفحات بليغات من حديث متلفت ينثر القصائد فتنة تسلب الألباب قبل الألحاظ والأسماع!.
سَرَت تتهادى وتتبختر نحو عرشها كملكة أرض الفتن في حفل تتويج باهر.
كانت الألحان الترحيبية تبعث في الجو شيئا من السحر الأسطوري الذي لفّ الزمان والمكان بكل لحظة وتفصيلة وتخلق في النفس مع استنشاق الذرات المسحورة شعورا بالوجود بين مشاهد تلك الأسطورة.
انتهت المعزوفة الترحيبية ليبدأ العرض بألحان ومشاهد مختلفة ، وبدأت معه الإحساسات بالاختلاف كذلك.
وكأنني كنت عجِبة مشدوهة من الفزع لا من الانبهار وأدركت فجأة حقيقة المصيبة المفزعة ، شعرت بقلبي ينتفض بشدة ، كان يضرب أضلاعي بقوة مؤلمة دفعت ملامحي للتقلص بشكل مخيف ، أخذ نبضي يتسارع أكثر فأكثر ، أصبحت أنفاسي سريعة قصيرة ، أشعر بالاختناق ، شيء ما يغص في حلقي ، ربّاه ! ماذا يحدث ، وفجأة انفجرت الغصة الخانقة سيلاً غزيرا من الدمع الملتهب . نبض عنيف وملامح تحكي مأساة يغطيها سيل من نار. بكاء وتأوه ونحيب. لم اكن أسمع بوضوح تلك الأصوات المتعالية حولي ، انغام متسارعة وتصفيق وصفير وخيالات أصوات تصيح بي:
(مابك!) .. (هوني عليكِ) .. ( اصبري قليلاً ) .. (لا تفسدي الأمر)
أصوات تعلو مرات وتتلاشى أخرى بين اللحون الصاعدة النازلة والصخب المتعالي والانفاس المسلوبة انبهارا.
شيء ما انفجر من فمي صارخا:
(أخرجوني من هنـــــا) .. (أبعدوني)
صوت يحاول التخفيف عني:
( انتظري قليلا ، ربما يتغير الوضع )
صرخت أعلى:
(يتغير!!! وماذا تبقى كي يُحدث التغيير فرقا )
صوت خائف:
(حسنا كما شئتِ ، ولكن هل سترحلين دون تحيتها والحاضرين؟!)
وكأن نارا اشتعلت في جسدي : (أحييها!!!! أحييها!!! ، علامَ أحييها؟!!)
دارت الدنيا من حولي فجأة ، وأخذت صور الحضور تدور بسرعة بسرعة وتتحول شيئا فشيئاًَ إلى اللون الأحمر!.
دماء .. دماء غطت المكان ، والمصابيح التي كانت تبعث النور مبهجا ، صارت تنفث دخانا كريها أسود!!
من هؤلاء؟!! أين الحضور؟!!
ملامح مُخيفة وأنياب تسيل منها دماء طهر مذبوح ، وقهقهات تسخر من العفة الراكعة المتهتكة تحت الأقدام ، وأركان التحفت بها أجنحة كسيرة خضبت بالدماء ، وصوت أنين ملائكي يحاول طلب العون لكن الصيحات الإبليسية المستعرة تخقنه!!.
لم أدرِ بنفسي إلا وأنا أُسرع الخطو نحو الباب، أهرول .. أركض ، والانتحاب يكاد يهوي بي ضعفا، تجاوزت الباب ، والباب الذي يليه والذي يليه ، حتى تجاوزت بوابة المبنى حيث نال الإنهاك مني وألقاني أرضا،
شعرت بروحي تُسفك على الأرض حسرة ، وسمعت صوتي يتلاشى رويداً رويداً :
رباه رحمة..رباه رحمة .. رباه رحمة !
ولفظت أنفاسي الأخيرة مع بقايا صورة كنا نتلو فيها سوياً ( واذكر في الكتاب مريم! ).