عزيز العرباوي
03/08/2009, 06:14 PM
العنف داخل المؤسسة التربوية والبحث عن الحلول :
العنف ليس مجرد وصف أو تعبير عن الوقائع والأحداث الدامية التي تقع بمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية المغربية، بل إنه ثقافة قد وجدت ذاتها داخل الفضاء التعليمي بعد تجذرها من خلال الاحتكاك بالعديد من الأحداث ومن الفئات ومن الثقافات التي كانت قبل عقود من القيم المحظورة داخل المجتمع. فربما يأخذ العنف اليوم معنى أكثر تحديدا مادام قد وجد نفسه في المؤسسة التعليمية وقد فقا الحد. إن العنف غالبا ما يكون مبنيا على أسس نفسية وثقافية واجتماعية وذاتية عند الفرد حتى يتوغل داخل فئة من الفئات المجتمعية، ولذلك فكل فرد يلجأ إليه يحرص دائما أن يظهر نفسه على أنه لا يحتمل النقد والمواجهة والتقليل من شأنه وذاته.
إن العنف في المؤسسات التعليمية أصبح اليوم ظاهرة خطيرة على المجتمع، والخطير في الأمر هو غياب الاهتمام به نظريا وعلميا والبحث في مسبباته ودواعي انتشاره الخطير. فالعلاقات الاجتماعية أصبحت مهددة داخل المؤسسة التعليمية وأصبح التفاعل الاجتماعي بين مكونات المؤسسة التربوية تفاعلا يميل إلى تغليب العنف والمواجهة عوض الحوار والتعاون، مما يؤثر في الحالة النفسية للفرد عضو جماعة المؤسسة، ومن ثم استجاباته لمختلف المواقف التي تجنح نحو العنف. فشخصية الفرد تتشكل من خلال علاقاته الاجتماعية بدءا من السرة ثم باقرانه وبأساتذته داخل المؤسسة التعليمية ويبني قدرة بديعة على التواصل مع أقرانه، وإذا ما اهتزت هذه العلاقات فإنها ستقود إلى فقدان السلم المجتمعي والتربوي.
إن ازدياد العنف وازدياد ثقافة التشبع به داخل المدرسة عموما، إضافة إلى ضعف الرؤى الفكرية والعلمية والنظرية لمواجهته، سيؤدي كل هذا لا محالة إلى إنتاج مجتمع عنيف لا يؤمن بالحوار والتعاون والتكافل مستقبلا. ومن خلال هذا الأمر فإننا سنعيش مستقبلا خاضعا للعديد من الهزات المجتمعية التي نحن في غنى عنها.
يجد التلميذ المغربي نفسه وحيدا في كل شيء انطلاقا من تواجده داخل بيت عائلته التي غالبا ما يجد أفرادها منشغلين عنه بأمور الحياة لا يستمعون إليه أو يهتمون لأمره وبشؤونه، ثم ينتقل إلى الشارع الذي يمتليء بالكثير من رفقاء السوء وبالكثير من الإغراءات التي تقوده إلى فقدان السيطرة على شخصيته وذاته وبالتالي الانجرار نحو كل أشكال الانحراف والضياع، وعوض أن يجد السبيل إلى المدرسة مفروشا بالورد والحب فإنه يصطدم هناك أيضا بالعديد من أشكال اللامبالاة والفراغ. وبالتالي فإنه يفقد الثقة في كل الأمكنة وفي كل الآخرين الذين من المفروض الاستماع إليه والاهتمام بشؤونه فينقاد إلى الضياع الذي يعتبر الخطوة الأولى التي تقوده إلى العنف.
والحقيقة أنه لا توجد إجابات مباشرة ودقيقة عن كل أشكال العنف التي تقع داخل مؤسساتنا التي يكون أبطالها بصفة عامة هم التلاميذ والطلبة، ولذلك فقصور المعرفة النظرية والعلمية عند أغلب الفاعلين التربويين هو الذي ساهم في ازدياد حدة العنف، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال. فكيف لفاعل تربوي لا يفقه شيئا في العلاقات الاجتماعية ولا يعلم شيئا في علم النفس ويفتقد إلى ثقافة محترمة تساعده على مواجهة كل أشكال العنف والتوتر داخل المؤسسة أن يقلل من حدة العنف داخل الفضاء الذي يشتغل به ؟ .
وفي راينا أن مشكلة العنف المدرسي – إن صح التعبير- في هذا الزمن الخطير الذي يعرف تدهورا واضحا للمنظومة التربوية والذي يعرف ايضا تراجعا واضحا في المردودية التعليمية لهي أخطر ما يعانيه مجتمعنا المغربي. ونحن إذ ننطلق من هذه المسلمات للدعوة إلى تبني رؤية تربوية وتعليمية واضحة المعالم لإنقاذ مدرستنا المغربية من هذا الانزلاق الخطير الذي تعيشه. وهذا الأمر يخص جميع الأطراف دون إقصاء أي أحد لأن التعليم يخص الجميع ويجب على هذه الأطراف أن تبادر إلى الاتفاق على رؤية واعية بهذه المخاطر لمحاولة إيقافها عند حدها قبل أن تستفحل وتقضي على مستقبل المدرسة وعلى مستقبل التماسك الاجتماعي والمجتمعي.
وتحضرني هنا اقتراحات أحد أساتذة علم الاجتماع في برنامج تلفزيوني خاص بهذه الظاهرة دافع فيه عن تبني رؤية تربوية واجتماعية وثقافية لبناء مجتمع لا يؤمن بالعنف وبالتالي بناء مدرسة قادرة على غرس ثقافة الحوار والتعاون والتكافل بين مكوناتها المتعددة، ودعا الأستاذ عبد الغني منديب إلى البحث عن أسباب ظهور العنف الاجتماعية والنفسية عند تلاميذ المدارس المغربية دون أن يؤخذ رأيه بعين الاعتبار اللازم. بل ذهب البرنامج ذاته إلى سلخ رجل القسم وتحميله مسؤولية ظهور العنف وتفشيه داخل فضاء المؤسسة التربوية وهذا ما لا يمكن القبول به. فبدل تشخيص الداء والبحث في أسبابه ومحاولة علاج السلبي في المنظومة التربوية ارتأى بعض المسؤولين في القطاع إلى البحث عن شماعة يعلقون عليها فشلهم في تدبيره والحد من النزيف التربوي الحاصل فيه فلم يجدوا أحسن من رجل التعليم لتحميله مسؤولية كل المشاكل في القطاع وكل الفشل الحاصل في المنظومة التربوية أيضا.
نقول هذا الكلام لأن في هذه المسألة بالذات نجد أن الهيمنة على وسائل الإعلام من طرف المسؤولين دون إعطاء الحق للفاعل التربوي ورجل التعليم بالخصوص للرد على كل الادعاءات والأحكام الجاهزة ضده تدفع الكثيرين من الشعب المغربي إلى مشاركة المسؤولين هذه الرؤية التي تجرم رجل التعليم الذي يحمي المجتمع من الجهل والأمية، ولذلك فالواجب هو تكريمه لا جلده ليل نهار في وسائل الإعلام.
وفي هذا السياق نتمنى من القناة الثانية التي تخصصت في محاكمة رجل التعليم دون عدل ومنطق أن تغير من سياستها الإعلامية هذه. فرجل التعليم هو أيضا من الناس الذين يساهمون في استمرارية هذه القناة على أرض الواقع وذلك من عرق جبينه ومن جيبه المخروم أصلا لتأتي هي في النهاية لجلده والمساهمة في محاكمته ظلما وعدوانا....
عزيز العرباوي
كاتب
Azizelarbaoui017@gmail.com
العنف ليس مجرد وصف أو تعبير عن الوقائع والأحداث الدامية التي تقع بمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية المغربية، بل إنه ثقافة قد وجدت ذاتها داخل الفضاء التعليمي بعد تجذرها من خلال الاحتكاك بالعديد من الأحداث ومن الفئات ومن الثقافات التي كانت قبل عقود من القيم المحظورة داخل المجتمع. فربما يأخذ العنف اليوم معنى أكثر تحديدا مادام قد وجد نفسه في المؤسسة التعليمية وقد فقا الحد. إن العنف غالبا ما يكون مبنيا على أسس نفسية وثقافية واجتماعية وذاتية عند الفرد حتى يتوغل داخل فئة من الفئات المجتمعية، ولذلك فكل فرد يلجأ إليه يحرص دائما أن يظهر نفسه على أنه لا يحتمل النقد والمواجهة والتقليل من شأنه وذاته.
إن العنف في المؤسسات التعليمية أصبح اليوم ظاهرة خطيرة على المجتمع، والخطير في الأمر هو غياب الاهتمام به نظريا وعلميا والبحث في مسبباته ودواعي انتشاره الخطير. فالعلاقات الاجتماعية أصبحت مهددة داخل المؤسسة التعليمية وأصبح التفاعل الاجتماعي بين مكونات المؤسسة التربوية تفاعلا يميل إلى تغليب العنف والمواجهة عوض الحوار والتعاون، مما يؤثر في الحالة النفسية للفرد عضو جماعة المؤسسة، ومن ثم استجاباته لمختلف المواقف التي تجنح نحو العنف. فشخصية الفرد تتشكل من خلال علاقاته الاجتماعية بدءا من السرة ثم باقرانه وبأساتذته داخل المؤسسة التعليمية ويبني قدرة بديعة على التواصل مع أقرانه، وإذا ما اهتزت هذه العلاقات فإنها ستقود إلى فقدان السلم المجتمعي والتربوي.
إن ازدياد العنف وازدياد ثقافة التشبع به داخل المدرسة عموما، إضافة إلى ضعف الرؤى الفكرية والعلمية والنظرية لمواجهته، سيؤدي كل هذا لا محالة إلى إنتاج مجتمع عنيف لا يؤمن بالحوار والتعاون والتكافل مستقبلا. ومن خلال هذا الأمر فإننا سنعيش مستقبلا خاضعا للعديد من الهزات المجتمعية التي نحن في غنى عنها.
يجد التلميذ المغربي نفسه وحيدا في كل شيء انطلاقا من تواجده داخل بيت عائلته التي غالبا ما يجد أفرادها منشغلين عنه بأمور الحياة لا يستمعون إليه أو يهتمون لأمره وبشؤونه، ثم ينتقل إلى الشارع الذي يمتليء بالكثير من رفقاء السوء وبالكثير من الإغراءات التي تقوده إلى فقدان السيطرة على شخصيته وذاته وبالتالي الانجرار نحو كل أشكال الانحراف والضياع، وعوض أن يجد السبيل إلى المدرسة مفروشا بالورد والحب فإنه يصطدم هناك أيضا بالعديد من أشكال اللامبالاة والفراغ. وبالتالي فإنه يفقد الثقة في كل الأمكنة وفي كل الآخرين الذين من المفروض الاستماع إليه والاهتمام بشؤونه فينقاد إلى الضياع الذي يعتبر الخطوة الأولى التي تقوده إلى العنف.
والحقيقة أنه لا توجد إجابات مباشرة ودقيقة عن كل أشكال العنف التي تقع داخل مؤسساتنا التي يكون أبطالها بصفة عامة هم التلاميذ والطلبة، ولذلك فقصور المعرفة النظرية والعلمية عند أغلب الفاعلين التربويين هو الذي ساهم في ازدياد حدة العنف، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال. فكيف لفاعل تربوي لا يفقه شيئا في العلاقات الاجتماعية ولا يعلم شيئا في علم النفس ويفتقد إلى ثقافة محترمة تساعده على مواجهة كل أشكال العنف والتوتر داخل المؤسسة أن يقلل من حدة العنف داخل الفضاء الذي يشتغل به ؟ .
وفي راينا أن مشكلة العنف المدرسي – إن صح التعبير- في هذا الزمن الخطير الذي يعرف تدهورا واضحا للمنظومة التربوية والذي يعرف ايضا تراجعا واضحا في المردودية التعليمية لهي أخطر ما يعانيه مجتمعنا المغربي. ونحن إذ ننطلق من هذه المسلمات للدعوة إلى تبني رؤية تربوية وتعليمية واضحة المعالم لإنقاذ مدرستنا المغربية من هذا الانزلاق الخطير الذي تعيشه. وهذا الأمر يخص جميع الأطراف دون إقصاء أي أحد لأن التعليم يخص الجميع ويجب على هذه الأطراف أن تبادر إلى الاتفاق على رؤية واعية بهذه المخاطر لمحاولة إيقافها عند حدها قبل أن تستفحل وتقضي على مستقبل المدرسة وعلى مستقبل التماسك الاجتماعي والمجتمعي.
وتحضرني هنا اقتراحات أحد أساتذة علم الاجتماع في برنامج تلفزيوني خاص بهذه الظاهرة دافع فيه عن تبني رؤية تربوية واجتماعية وثقافية لبناء مجتمع لا يؤمن بالعنف وبالتالي بناء مدرسة قادرة على غرس ثقافة الحوار والتعاون والتكافل بين مكوناتها المتعددة، ودعا الأستاذ عبد الغني منديب إلى البحث عن أسباب ظهور العنف الاجتماعية والنفسية عند تلاميذ المدارس المغربية دون أن يؤخذ رأيه بعين الاعتبار اللازم. بل ذهب البرنامج ذاته إلى سلخ رجل القسم وتحميله مسؤولية ظهور العنف وتفشيه داخل فضاء المؤسسة التربوية وهذا ما لا يمكن القبول به. فبدل تشخيص الداء والبحث في أسبابه ومحاولة علاج السلبي في المنظومة التربوية ارتأى بعض المسؤولين في القطاع إلى البحث عن شماعة يعلقون عليها فشلهم في تدبيره والحد من النزيف التربوي الحاصل فيه فلم يجدوا أحسن من رجل التعليم لتحميله مسؤولية كل المشاكل في القطاع وكل الفشل الحاصل في المنظومة التربوية أيضا.
نقول هذا الكلام لأن في هذه المسألة بالذات نجد أن الهيمنة على وسائل الإعلام من طرف المسؤولين دون إعطاء الحق للفاعل التربوي ورجل التعليم بالخصوص للرد على كل الادعاءات والأحكام الجاهزة ضده تدفع الكثيرين من الشعب المغربي إلى مشاركة المسؤولين هذه الرؤية التي تجرم رجل التعليم الذي يحمي المجتمع من الجهل والأمية، ولذلك فالواجب هو تكريمه لا جلده ليل نهار في وسائل الإعلام.
وفي هذا السياق نتمنى من القناة الثانية التي تخصصت في محاكمة رجل التعليم دون عدل ومنطق أن تغير من سياستها الإعلامية هذه. فرجل التعليم هو أيضا من الناس الذين يساهمون في استمرارية هذه القناة على أرض الواقع وذلك من عرق جبينه ومن جيبه المخروم أصلا لتأتي هي في النهاية لجلده والمساهمة في محاكمته ظلما وعدوانا....
عزيز العرباوي
كاتب
Azizelarbaoui017@gmail.com