علي الصيرفي
14/10/2009, 12:46 AM
أغنية ضد الحرب
بعض النصوص الشعرية مكتوبة لتعيش:rose:
في حين أن بعضها الآخر لا يمكنه الصمود :coffee:
الشاعر حكمت النوايسة flwr2
بقلم الناقد: علي الصيرفي:rose:
من الطبيعي تماماً أن يكون مفهوم الشعر مهمة معقدة ، وليست خالية من المشكلات، فهناك قضايا تتعلق بكيفية اختبارها ، وثمة توجهات شائعة عند الشعراء، تتخذ بكل ما فيها من وعي سياسي حاد ومعطيات معقدة، حيث لم تكن أفعال الكتابة الشعرية إلا محصلة لما يدور على الساحة الأدبية، حيث أن هذه المهمة تصنف المقولات المفروضة، والمرسومة على الواقع الجمعي، لذا لم تكن مستقلة عن المآسي التي تحاول أن تسحق ما تبقى من أمل أمام الجماهير ، فسلطة الخطاب الشعري، ينطلق من عدة مستويات، فيحدد الخطاب أقواله ويقصي ما هو غير لازم للقول، فيكون الشعر قد خنق نفسه في دائرة القبول وليس التحرك العالي الوتيرة ، وقد وجد الشاعر حكمت النوايسة نفسه مقابلاً لتلك المعوقات محاولاً تجاوزها وعدم الوقوف عندها لأنه يجد في نفسه رؤية تخالف هذه المشكلات ، وقد وضح ذلك في ديوانه ( أغنية ضد الحرب )
1-
إن الكتابة الشعرية عند الأديب حكمت النوايسة، تؤكد الكيفية التي يقيم عليها المرء الأعمال الأدبية ،المرتبطة بعمق مع أحكام تتعلق بطبيعة العلاقات والمجتمع ،وعملية تشريح الوقائع الاجتماعية ، فبعض النصوص الشعرية مكتوبة لتعيش، في حين أن بعضها الآخر لا يمكنه الصمود لأن نصوصه لا تخرج عن التفكير وعن حلول للحياة التي هي عظيمة الأهمية، والتي أسست علاقات ثقافية متنامية، فهل يمكن للشعر أن يتمكن من رد مفاعيل الفكر المتسلط القاتل ورسائل سطوته ؟.
( سوف أدعو الذئب
أخطف صوته
وألم أحلاماً أضعت
أحيلها غنماً ورائي تستبيح الأرض
آن أقول أحببت عيبي يا نجوم مواقعي
عيبي وقوفي ناظراً للغيم أبحث ) ( ص10 )
وتتعالى صرخة الأديب، حيث يرى أن من حوله ذئاب، تأكل أحلامه، وتجعلها ضحايا في أرض مستباحة .
إنها نظرة تتعامل مع الحقيقة المرة في جماعية التفسير، فهو يرى أن متابعة الموضوعات تتشكل من خلال روابط العلاقات الاجتماعية، التي تؤكد المفاهيم والعادات، وتشكل سعي الشاعر إلى بلوغ الحقائق الموضوعية، فالجانب المعرفي يتلاقى مع رؤيته الفلسفية للحياة، لأنه يؤكد الأهمية العلمية التي تقترب من فهم الحقيقة ومعرفتها ، فالشعر بنظره هو التفكير الذي يجد فيه قيمة، وهو تراث كبير، يحدد الفكر والواقع لأنه يرى أن التفكير والوجود الشعري هما شيء واحد ، فكل ماهو بنظره واقعي، فهو عقلي وهو فكر يدرك من ذاته ، وهو يعمل من مقولة أن الواقع يفجر التفكير ، لذلك فإن الشعر ينحصر على وجه الدقة، في أن الفكر يجمعنا بالواقع ، وإن الشعر ليس إلا العالم الموجود والحقيقي ، فالشاعر يتحدث بصراحة وهو يبعد نظرية هجوم الفكر على تطورات الشعر وتقدمه، فالشعر يتجلى بالوجدان والإرادة ،وإن التيار الأساسي للشعر يسير في اتجاه التماهي مع الفكر، لهذا يرى أن للشعر أشكالاً متعددة ،فالشعر يحقق أغراضه ،لأنه يسعى إلى نمط من الواقع، يدعمه وجوده الفعلي ،فلا تكون مشكلة الشعر في كونه فكراً مجرداً ، بل هو تطور جدلي يطور نفسه من خلال المفارقات وذلك لأن المفارقات، ليست تناقضاً صريحاً، يمكن أن يحول إلى رفض الفكرة الشعرية، بل هو يرى أن المفارقات توحد بين المتناقضات لا بإذابتها في بنية عقلية مبهمة، بل يترك العقل والمفارقة يتصالحا ن شعراً فالشعر والمفارقة، يقفان الواحد أمام الآخر عندما يتنحى العقل، ويترك مكانه لتظهر المفارقة واضحة و رغم ذلك فإننا نرى أن الشاعر حكمت النوايسة، يقترب كثيراً من العقلانية في تقبل ردود الأفعال الذي حرص كثيرا ًمن خلالها على احترام مطالب العقل والتفكير فيهما ، فالعقل هو قبل كل شيء عامل أساسي في تكوين المعطى الشعري ، والشعر في كثير من الأحيان يطغى على العقل لشفافيته ووجدانيته :
( لا أشتهي .... لحم ابن عمي ..
.لا أسوغ دم الصديق ...
أحبهم ولسوف أخلعهم إليك
ولي قصائد ...
كنت أجمعها لنار تلمسي درباً إليك ...
وسوف تكفي ..
.كي تضيء توحدي بك...
آخر الأ ثلات ...
أتعبني الرحيل مفتشاً عنك الحروف أنا الكثيب إلى حنانك ) ص18-19 :happy:إملاءات المطر
2-
ومن خلال ما أراد الشاعر تقديمه من هم وقلق، يجعل التراكم ينشأ من معطيات قاسية تخرب العلاقات الاجتماعية، التي تعمق القلق وتزيد من تلاشي الأشياء الرائعة، لذلك نرى الأديب يواجه تلك المصائب مباشرة ،وهذا يتطلب منه أن يهدئ نفسه، وأن يقذف بكل المجتمع في أمان زائف، يجعله يشعر بالاضطراب ،لأن القلق يوقظه من أوهامه، ويبين صعوبة الأماني ، ويجعله يواجه مسؤولياته ، ويدفعه الإدراك، أن يصف الظواهر التي تمر أمامه بدقة، وجعله يبتعد عن ازدواجية المعنى للألفاظ فهو يؤكد ما يراه بتقاطعات حقيقية، تفضح المفاهيم الخاطئة، التي تخرق صفيح المجتمع، وتظهر عيوبه وبما أن الشعر يعتبر- الإمكان- هو الأعلى للفكر الاجتماعي، فهو يصعد في مواجهة الأشياء جميعها ، لأن التوتر بين العلاقات والشعر في بعض الأحيان، ينزلق إلى آخر المتاهة ، وتخفق مظاهر الارتباط كما يدركها الشاعر بين ( أنا – وهو ) وهذا ما يتفرد به الأديب ويحاول أن يظهر المتناقضات، والعمل على الاستحواذ المنغلق، لذلك تنشأ علاقة عدم التواصل والمحافظة وهو ما يدفع إلى ظهور تجاوز الشعر للناس الذين يقطعون على أنفسهم مواثيق من فعل بشري، يدل على الانحدار، لذلك يريد الشاعر أن يعتمد على الجماعة المتقدمة في بناء العلاقات وتصفية الأفكار :
( كلما عرفت غابة جديدة ....
تتنفس الصحراء ....
لست قلقاً على شيء ...
شبعت قلقاً ...
لست نادماً على شيء ...
الشوارع التي أحببتها والناس ...
فقئوا عينيّ منذ زمن ...
وأسكنتهم المخيلة ...
لن أتأذى من منظر الدمار ..
لن أراه) ( ص61 ):kisses:إملاءات المطر
3 –
ويتخوف الشاعر من الحروب ومآسيها ، فالحرب ليست عصيراً نسميه ( بارداً - وساخناً ) والأمة تتحول إلى هلام ، يتوضع فوق مساحات من الوهن والضعف ، فكل شيء بنظر الشاعر يؤول إلى حالة ، فالناس ترابٌ ، والشعر أصواتٌ في الفراغ، كما أنه لا يتلمس أعذاراً فصباحاته غائمة ، وهناك أشعارلم يقرأْها أحد ، والتردد والتلعثم محا ولات للقول بلسان يفهمه الآخرون ، ومع بعد السماء والمسافات يرصد الشاعر هذا الحزن القادم من طبول أفريقية ، وكيف تتردد وتتلعثم في حنجرته الكلمات التي يحاول أن يقولها بالشكل الذي لا يتناسب مع رؤيته :
( أتلعثم كلما حاولت أن أقول بغير لساني ....
وأنسحب مثل خيط في الهواء ...
ورائي أهل ...
وأمامي أهل ....
لكن السماء بعيدة
والأرض بعيدة .... ) ( ص66)
ولم يبتعد الشاعر عن التقليد والقصيدة الموزونة فاتصل بالبحور الخليلية وعمل على ترسيخها في قصائد أحيطت بالهم والحزن والأزمنة الفاقدة للشرعية والأخلاق ، وتلك الأربعون سنة التي مرت من عمره تكاد أن تغلق عليه أبواب الفرح والبهجة، فهو يترنح بين العلاقات البائسة والأغصان التي جفت سواقيها .
أرجي ابتساماً ونبع الروح راعفة فيه المطاعن ملحاً يدعي تيهاً
الأربعون ندى ضاعت طلاوته وجف غصن الهوى جفت سواقيها ص74
تلك هي رؤية الشاعر التي ظللتها غمامة من الحزن والقلق ، والظنون والتمني فيرى صورة الحبيبة ،تلامس بيدها يداه ، فيهتز العالم وتتحول الكواكب كرنفالاً من جنون وحنان هذه الحبيبة ، إنها الوحيدة التي تنتهك عالمه، وتبحر ضمن أسراره ، ويرى مدينة عمّان، وكأنها رداء يلف جسدها عمارات فخمة وهي عصفور تراوغ ، وقلبه تحول إلى كهف والحياة سفينة تقذفها رياح عاتية، ويرى شظف العيش المفروض على بني مجتمعه، وكأن الآخر ينوي عودته إلى خيمة وغيمة وناقة ، وإلى الوحدة والانعزال ، ويجعله متخماً بالشوق والبكاء، فيلجأ إلى العشق الذي ينسل من أربعين سنة هي عمر الشاعر ، فيلتهب حباً وحناناً ،ويزخر قلبه بالالتباس المفجع فلا يستطيع الإفصاح أو السكوت :
( ما هذا البياض الكثير الذي يداهم وجهي .....
لا يستأذن ...
ولا يقبل المهادنة ...
ما هذه الأشياء الكثيرة التي تتزاحم على لساني ...
. فتلبس علي الكلام ...
فلا أنا بالعيي
ولا أنا بالمفصح ...
ما هاتان العينان ...
عينان تطاردان في سمائي
كلما خلوت إلى نفسي ) ( ص84 )
ويعيش قلب الشاعر خافقاً في فيض الوجد وتنامي العشق فالحياة عامرة بالأركان العظيمة والشاعر لا يبتعد عن هذه الرموز فهو يرى الفناء البشري وتنازع الفكر وتراكم المواقف فهو لا ينزع من صدره شغاف الإيمان والقدرة على التلاقي فالكون تزينه الأنوار وتشق حجبه الشموس
flwr2إملاءات المطر
بعض النصوص الشعرية مكتوبة لتعيش:rose:
في حين أن بعضها الآخر لا يمكنه الصمود :coffee:
الشاعر حكمت النوايسة flwr2
بقلم الناقد: علي الصيرفي:rose:
من الطبيعي تماماً أن يكون مفهوم الشعر مهمة معقدة ، وليست خالية من المشكلات، فهناك قضايا تتعلق بكيفية اختبارها ، وثمة توجهات شائعة عند الشعراء، تتخذ بكل ما فيها من وعي سياسي حاد ومعطيات معقدة، حيث لم تكن أفعال الكتابة الشعرية إلا محصلة لما يدور على الساحة الأدبية، حيث أن هذه المهمة تصنف المقولات المفروضة، والمرسومة على الواقع الجمعي، لذا لم تكن مستقلة عن المآسي التي تحاول أن تسحق ما تبقى من أمل أمام الجماهير ، فسلطة الخطاب الشعري، ينطلق من عدة مستويات، فيحدد الخطاب أقواله ويقصي ما هو غير لازم للقول، فيكون الشعر قد خنق نفسه في دائرة القبول وليس التحرك العالي الوتيرة ، وقد وجد الشاعر حكمت النوايسة نفسه مقابلاً لتلك المعوقات محاولاً تجاوزها وعدم الوقوف عندها لأنه يجد في نفسه رؤية تخالف هذه المشكلات ، وقد وضح ذلك في ديوانه ( أغنية ضد الحرب )
1-
إن الكتابة الشعرية عند الأديب حكمت النوايسة، تؤكد الكيفية التي يقيم عليها المرء الأعمال الأدبية ،المرتبطة بعمق مع أحكام تتعلق بطبيعة العلاقات والمجتمع ،وعملية تشريح الوقائع الاجتماعية ، فبعض النصوص الشعرية مكتوبة لتعيش، في حين أن بعضها الآخر لا يمكنه الصمود لأن نصوصه لا تخرج عن التفكير وعن حلول للحياة التي هي عظيمة الأهمية، والتي أسست علاقات ثقافية متنامية، فهل يمكن للشعر أن يتمكن من رد مفاعيل الفكر المتسلط القاتل ورسائل سطوته ؟.
( سوف أدعو الذئب
أخطف صوته
وألم أحلاماً أضعت
أحيلها غنماً ورائي تستبيح الأرض
آن أقول أحببت عيبي يا نجوم مواقعي
عيبي وقوفي ناظراً للغيم أبحث ) ( ص10 )
وتتعالى صرخة الأديب، حيث يرى أن من حوله ذئاب، تأكل أحلامه، وتجعلها ضحايا في أرض مستباحة .
إنها نظرة تتعامل مع الحقيقة المرة في جماعية التفسير، فهو يرى أن متابعة الموضوعات تتشكل من خلال روابط العلاقات الاجتماعية، التي تؤكد المفاهيم والعادات، وتشكل سعي الشاعر إلى بلوغ الحقائق الموضوعية، فالجانب المعرفي يتلاقى مع رؤيته الفلسفية للحياة، لأنه يؤكد الأهمية العلمية التي تقترب من فهم الحقيقة ومعرفتها ، فالشعر بنظره هو التفكير الذي يجد فيه قيمة، وهو تراث كبير، يحدد الفكر والواقع لأنه يرى أن التفكير والوجود الشعري هما شيء واحد ، فكل ماهو بنظره واقعي، فهو عقلي وهو فكر يدرك من ذاته ، وهو يعمل من مقولة أن الواقع يفجر التفكير ، لذلك فإن الشعر ينحصر على وجه الدقة، في أن الفكر يجمعنا بالواقع ، وإن الشعر ليس إلا العالم الموجود والحقيقي ، فالشاعر يتحدث بصراحة وهو يبعد نظرية هجوم الفكر على تطورات الشعر وتقدمه، فالشعر يتجلى بالوجدان والإرادة ،وإن التيار الأساسي للشعر يسير في اتجاه التماهي مع الفكر، لهذا يرى أن للشعر أشكالاً متعددة ،فالشعر يحقق أغراضه ،لأنه يسعى إلى نمط من الواقع، يدعمه وجوده الفعلي ،فلا تكون مشكلة الشعر في كونه فكراً مجرداً ، بل هو تطور جدلي يطور نفسه من خلال المفارقات وذلك لأن المفارقات، ليست تناقضاً صريحاً، يمكن أن يحول إلى رفض الفكرة الشعرية، بل هو يرى أن المفارقات توحد بين المتناقضات لا بإذابتها في بنية عقلية مبهمة، بل يترك العقل والمفارقة يتصالحا ن شعراً فالشعر والمفارقة، يقفان الواحد أمام الآخر عندما يتنحى العقل، ويترك مكانه لتظهر المفارقة واضحة و رغم ذلك فإننا نرى أن الشاعر حكمت النوايسة، يقترب كثيراً من العقلانية في تقبل ردود الأفعال الذي حرص كثيرا ًمن خلالها على احترام مطالب العقل والتفكير فيهما ، فالعقل هو قبل كل شيء عامل أساسي في تكوين المعطى الشعري ، والشعر في كثير من الأحيان يطغى على العقل لشفافيته ووجدانيته :
( لا أشتهي .... لحم ابن عمي ..
.لا أسوغ دم الصديق ...
أحبهم ولسوف أخلعهم إليك
ولي قصائد ...
كنت أجمعها لنار تلمسي درباً إليك ...
وسوف تكفي ..
.كي تضيء توحدي بك...
آخر الأ ثلات ...
أتعبني الرحيل مفتشاً عنك الحروف أنا الكثيب إلى حنانك ) ص18-19 :happy:إملاءات المطر
2-
ومن خلال ما أراد الشاعر تقديمه من هم وقلق، يجعل التراكم ينشأ من معطيات قاسية تخرب العلاقات الاجتماعية، التي تعمق القلق وتزيد من تلاشي الأشياء الرائعة، لذلك نرى الأديب يواجه تلك المصائب مباشرة ،وهذا يتطلب منه أن يهدئ نفسه، وأن يقذف بكل المجتمع في أمان زائف، يجعله يشعر بالاضطراب ،لأن القلق يوقظه من أوهامه، ويبين صعوبة الأماني ، ويجعله يواجه مسؤولياته ، ويدفعه الإدراك، أن يصف الظواهر التي تمر أمامه بدقة، وجعله يبتعد عن ازدواجية المعنى للألفاظ فهو يؤكد ما يراه بتقاطعات حقيقية، تفضح المفاهيم الخاطئة، التي تخرق صفيح المجتمع، وتظهر عيوبه وبما أن الشعر يعتبر- الإمكان- هو الأعلى للفكر الاجتماعي، فهو يصعد في مواجهة الأشياء جميعها ، لأن التوتر بين العلاقات والشعر في بعض الأحيان، ينزلق إلى آخر المتاهة ، وتخفق مظاهر الارتباط كما يدركها الشاعر بين ( أنا – وهو ) وهذا ما يتفرد به الأديب ويحاول أن يظهر المتناقضات، والعمل على الاستحواذ المنغلق، لذلك تنشأ علاقة عدم التواصل والمحافظة وهو ما يدفع إلى ظهور تجاوز الشعر للناس الذين يقطعون على أنفسهم مواثيق من فعل بشري، يدل على الانحدار، لذلك يريد الشاعر أن يعتمد على الجماعة المتقدمة في بناء العلاقات وتصفية الأفكار :
( كلما عرفت غابة جديدة ....
تتنفس الصحراء ....
لست قلقاً على شيء ...
شبعت قلقاً ...
لست نادماً على شيء ...
الشوارع التي أحببتها والناس ...
فقئوا عينيّ منذ زمن ...
وأسكنتهم المخيلة ...
لن أتأذى من منظر الدمار ..
لن أراه) ( ص61 ):kisses:إملاءات المطر
3 –
ويتخوف الشاعر من الحروب ومآسيها ، فالحرب ليست عصيراً نسميه ( بارداً - وساخناً ) والأمة تتحول إلى هلام ، يتوضع فوق مساحات من الوهن والضعف ، فكل شيء بنظر الشاعر يؤول إلى حالة ، فالناس ترابٌ ، والشعر أصواتٌ في الفراغ، كما أنه لا يتلمس أعذاراً فصباحاته غائمة ، وهناك أشعارلم يقرأْها أحد ، والتردد والتلعثم محا ولات للقول بلسان يفهمه الآخرون ، ومع بعد السماء والمسافات يرصد الشاعر هذا الحزن القادم من طبول أفريقية ، وكيف تتردد وتتلعثم في حنجرته الكلمات التي يحاول أن يقولها بالشكل الذي لا يتناسب مع رؤيته :
( أتلعثم كلما حاولت أن أقول بغير لساني ....
وأنسحب مثل خيط في الهواء ...
ورائي أهل ...
وأمامي أهل ....
لكن السماء بعيدة
والأرض بعيدة .... ) ( ص66)
ولم يبتعد الشاعر عن التقليد والقصيدة الموزونة فاتصل بالبحور الخليلية وعمل على ترسيخها في قصائد أحيطت بالهم والحزن والأزمنة الفاقدة للشرعية والأخلاق ، وتلك الأربعون سنة التي مرت من عمره تكاد أن تغلق عليه أبواب الفرح والبهجة، فهو يترنح بين العلاقات البائسة والأغصان التي جفت سواقيها .
أرجي ابتساماً ونبع الروح راعفة فيه المطاعن ملحاً يدعي تيهاً
الأربعون ندى ضاعت طلاوته وجف غصن الهوى جفت سواقيها ص74
تلك هي رؤية الشاعر التي ظللتها غمامة من الحزن والقلق ، والظنون والتمني فيرى صورة الحبيبة ،تلامس بيدها يداه ، فيهتز العالم وتتحول الكواكب كرنفالاً من جنون وحنان هذه الحبيبة ، إنها الوحيدة التي تنتهك عالمه، وتبحر ضمن أسراره ، ويرى مدينة عمّان، وكأنها رداء يلف جسدها عمارات فخمة وهي عصفور تراوغ ، وقلبه تحول إلى كهف والحياة سفينة تقذفها رياح عاتية، ويرى شظف العيش المفروض على بني مجتمعه، وكأن الآخر ينوي عودته إلى خيمة وغيمة وناقة ، وإلى الوحدة والانعزال ، ويجعله متخماً بالشوق والبكاء، فيلجأ إلى العشق الذي ينسل من أربعين سنة هي عمر الشاعر ، فيلتهب حباً وحناناً ،ويزخر قلبه بالالتباس المفجع فلا يستطيع الإفصاح أو السكوت :
( ما هذا البياض الكثير الذي يداهم وجهي .....
لا يستأذن ...
ولا يقبل المهادنة ...
ما هذه الأشياء الكثيرة التي تتزاحم على لساني ...
. فتلبس علي الكلام ...
فلا أنا بالعيي
ولا أنا بالمفصح ...
ما هاتان العينان ...
عينان تطاردان في سمائي
كلما خلوت إلى نفسي ) ( ص84 )
ويعيش قلب الشاعر خافقاً في فيض الوجد وتنامي العشق فالحياة عامرة بالأركان العظيمة والشاعر لا يبتعد عن هذه الرموز فهو يرى الفناء البشري وتنازع الفكر وتراكم المواقف فهو لا ينزع من صدره شغاف الإيمان والقدرة على التلاقي فالكون تزينه الأنوار وتشق حجبه الشموس
flwr2إملاءات المطر