المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية للمجموعة عشرة على عشرة القصصية


علي الصيرفي
19/10/2009, 12:10 AM
"عشرة على عشرة ":rose:
الصورة القصصية هي قدرة فنية
يعمل الحدث عليها
للقاص السوري وجيه حسن flwr2
بقلم الناقد: علي الصيرفيflwr3






مجموعة قصصية للقاص وجيه حسن يلج فيها عوالم تكاد تلامس القلب والأمنيات فالكل في دوحة القص ، إشارات وكلمات ، تتمايل لتجد من يرقى بها نحو المدخل وإلى جزر التأليف والجمال، ومجموعة "عشرة على عشرة" القصصية تجدد اللحن المعزوف من نايات حملت في سمفونيتها الألم والتطلع ، والتفاني فهناك المواقف التي جاءت تدفع بالحدث نحو التموج بين القلب وطعنات الواقع كالريح التي تحمل معها كل المتبقيات على رمل الصحراء ، فالموقف منسلخ عن حدث فيه الكثير من المعاناة والتواصل ، فالألم عند الكاتب يلازمه ويلاحق كل فصول أحداثه ، فهو لم يتردد في التعمق في أغلب المتغيرات وتعامل معها على أنها مشكلته التي تحتل اهتمامه فنراه يداري وجدانية الفعل الأدبي بدقة وتبصر، فالمهارة أن تصل إلى مناجاة تخلق عندك المتوالية الحسابية لكتابة القصة ، فالقصة ليست كلاماً مكروراً يدخل في عوالم الصمت، وتتجول بين جدرانه من الإسمنت والباطون ، بل هي أحاسيس ومشاعر تتجاوز حدود الأمكنة وتحلق فوق الأزمنة والمسافات ، وانتقال الكاتب بين هذه الموضوعات جعله يقرأ حركة الحدث بتقنية عالية ، خلقت لديه نقاط ارتكاز تهدف إلى اشتباك السرد مع تقنية الصورة واستعمالها بالشكل الصحيح ، فهو يعلم بأن الصورة هي الجملة الفاعلة في بناء القص وتكوينه، لذلك نراه يعمل من خلال هذه التجربة ( تنفست الصعداء قالت في سرها يا رب من عندك جاء الفرج ،مندهشاً كان الرجل وهي تخلع من أسفل ساقها خلخالها الذهبي الذي اشترته أمس من حصيلة عملها في مؤسسة دار العجزة .. قائلة له بغنج تعرفه معظم النساء ) ص 16
أهمية الصورة السردية في خلق الحدث وإبرازه ::happy:إملاءات المطر
لقد أكد القاص وجيه حسن بأن الصورة القصصية هي قدرة فنية يعمل الحدث عليها وترافقه في كل جوانب البحث مع الموجودات فالصورة هي الطريقة الوحيدة لوصف الأساليب المتباينة التي يخلقها الواقع فيظهرها القص بشكلها الفني، ويتناول جوانبها الرائدة فالقص يفتح أمامنا أعماقاً جديدة للعالم تتجاوز الأمكنة والأزمنة التي نعرفها فتدخلنا في أكثر المناطق حساسية وقوة وجمالاً ، وفي تصور الأديب الوجداني يكمن الموقف الكتابي في اتساق مع الخط الحدثي للصورة، فتبدو الجوانب الباهتة منها واضحة ومضاءة فالقص لن يترك الجوانب الهامة حتى لو كانت في مكان ما إلا ّ وسيأتي بها القص، لتدخل في تكوين المحكي، والبناء الأساسي للقصة ،وهذا يجعلنا نرى أن الأديب يتناول العالم المكتوب من خلال التزامه وثقته بكل ما يجري، فتجربته تتخذ عنده الأساس لتفسير أكثر الصور وربطها بما يدور، فهو لن يخرج عن المنظور الأساسي الذي تقوم بموجبه الأحداث المتعددة التي بناها وعيه الجمعي طوال مرحلة القص ، بل نجد أن العالم أصبح في كثير من الأحيان ملهماً للموضوعات المباشرة التي تتوجه نحو العقل والفكر ، ويبقى الأديب متوجهاً نحو أخلاقيات المجتمع التي يريدها أن تكون متجددة تتطلع إلى الإنسان القادم نحو المستقبل رغم المرارة والإحباط الذي يدخل من نوافذ المجتمع وثقوبه ، فهو لا يستطيع الهروب من الكم المتكدس أمامه ، لأنه يعلم نتيجة هذا الهروب ، وما يلحق به من دمار وخراب وتعذيب للنفوس
( أسعف الجاني الوليد في الحال ودونما إبطاء بعد جملة من المعاينات الطبية المختلفة وبعد صور بالأشعة تبين أن يده اليمنى انكسرت ومن أنحاء عدة ) ص32
صورة الأمل السردية المنكسرة وصفاً :coffee:
الولادة تعني الحياة ، والتجدد ،والظهور المتكرر للإنسان ، فهذا الكائن المتواجد باستمرار في هذا العالم بأشكاله التي نعرفها ، ولادة ، طفولة ، شباب ، كهولة ، موت ومن خلال هذه الرؤية تتكرر ملحمة العذاب ولادة طفل لا يلبث منذ اللحظة الأولى أن يسقط من يد الطبيب ، وكأن القاص المبدع يقول بأن المرء في مجتمعنا منكسر منذ اللحظة الأولى ، ومتورم ، ومحاط بكل أنواع المحبطات فالحياة رغم بزوغ الشعاع الأول منها لهذا الوليد نجده دخل متاهاتها منذ اللحظة الأولى وضاع في أزقتها المتعرجة والمظلمة حيث الألم والتسلط ، وهناك تأويلات كثيرة لتلك الحالة ، فالعلاقات التي يسلط الكاتب عليها الضوء تحدد الكثير من المشكلات التي يتمنى أن يجد لها حلولاً تحقق المطلوب من وجودنا في هذا الكون.
الوجدان وعلاقته بخلق الحس الإنساني :
يظل القلق والترقب يحيطان بالقاص وكأنه نمر جريح ومحاصر بحراب الصيادين الذين سددوا سهامهم نحوه يريدون اصطياده حياً ولكن بعد أن يدمى جسده بالجراح فيستسلم رغماً عن أنفه ، فالمكان هو امتداد للقلق وواحد من أركانه فعندما يزج الكائن في عالم يتملكه الخوف والترقب سيجد نفسه مضطرباً حتى ولو كان أشجع الشجعان، فالكثير من المصائب تأتي عن طريق الغير حيث يؤثرون على غيرهم بجبنهم وترددهم وعدم تحملهم المسؤولية التي تدفع عنهم شرور الغير فنرى الأديب حسن يتلمس هذا الحالة بالكثير من الحيطة والحذر فيرى المدير الذي يحبط موظفيه بتردده وقلقه وعدم توازنه فهو الأكثر فراغاً ورهبة من كل الناس فحتى لو حييته سيجد لهذه التحية موضعاً يدخل فيه الشك والارتياب إنها الحالة الوجدانية المضطربة التي تشكل مرضاً نفسياً ينعكس على العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ،وخاصة في موقع العمل الوظيفي ( يا صاحبي إن جمعك الزمن يوماً بمدير مبتلى بعقد نفسية وبنقص في الحنان التربوي والثقافي والفكري ، فانتظر الكثير من رمي الأوجاع ، ورجم القهر ، وأنت المستلب الذي لا حول لك ولا قوة ) ص44
ويعمل الكاتب بجدية تدل على تمسكه بالمجتمع الذي ينتمي إليه ، وبأنه ملتحم بهؤلاء الناس فهم كيانه المتوضع فوق كل النزعات الفردية والانعزالية ، فهو يحاول دائماً أن يثبت أن الجماعة تمثل عنصراً جوهرياً وأصيلاً في تكوين العلاقات الإنسانية ، ويتحول بسرعة متوترة إلى منظر يدخل ضمن الإيديولوجيا السياسية محاولاً أن يجدد نقاط التجاذب وسلبيات الواقع محاولاً الدخول في عملية تغيير يمكن أن تؤدي إلى الثورة على ما هو قائم .( الوجع هو الوجع ، وأنت تحمله في مغارة صدرك أينما كنت ، هو حكة جلدية تثير كوامن الشجن ، حتى لو كنا في جلسة حميمية كهذه ، أو كنا في أحضان الطبيعة نروح عن النفس ربما ننسى قليلاً أو نتناسى ، ولكن الحكة اللعينة ما تفتأ تؤذي صاحبها ) ص46
السرد في خدمة الحدث وصناعة القص flwr3
لعل أهم المتغيرات التي استفاد منها القاص وجيه حسن من تواجدها كيفية التمسك بسرد الحدث والتعامل مع جملة معرفية تحمل صدق المعاناة التي حصرها في قصه فجاء السرد منضبطاً يخدم الحدث بكل أبعاده ، فلا شطط ولا ترهل في التواصل مع الأمكنة والبؤرة المعرفية وحركة الجملة الكتابية فهو استدرك فصول العمل الكتابي بشكل يجعل المحكي سلساً محاطاً بلذة الكتابة ورغبتها فيسير الناقد بكل حرية مع حدثه ويتابع توتره بشكل جميل ودقيق ، فالقاص يرسم لنا حكاية غلام في بداية المراهقة يجد هاتفاً جوالاً على أرض الحديقة ، وكيف أسرع الغلام بالتقاط ، الهاتف الجوال ووضعه في جيبه ، ثم محادثته لأخيه بأنه وجد موبايل ، بشاشة ملونة فرح معي سأتصل بك فيما بعد )ص131 ويتحول الحديث إلى حوار بين الوالد وابنه وما يتوجب على الولد من أمور تجاه هذا الهاتف الجوال فالغلام يردد قول أمه : ألم تقولي ياماما دائماً ما تجده في الأرض هو حلال لك ؟ )ص132 .
ربما كانت المقولة خاطئة لأن ما نجده على الأرض ليس حلال لنا ، بل علينا أن نتحرى عن صاحبه وتلك هي نظرية الأب الذي رفض أن يمتلك ابنه جوالاً ليس من حقه بل عليه أن يعيده ، ولم يستمر الموقف حتى رن الموبايل ورد أيمن الصغير وكان صوت صاحب الجوال يقول له عدة كلمات يشكره فيها ويطلب لقاءه كي يستعيد حقه ، إن الموضوع الدقيق في الحدث هو إعادة الجوال لصاحبه والوعد بمكافأة سيقدمها للغلام على أمانته .... ولكن الأمور سارت بعكس ما تصوره الغلام أيمن فالرجل نسي الموضوع تماماً وغاب به الزمن وتنكر لأيمن بعد أن وعده بهدية قيمة بل عنفه عندما اتصل به يذكره بنفسه ، لقد غاب الضمير الحي وظل الشبيه الذي يحلل المحظورات ويهدر كرامات الناس فالصدمة كانت قوية والغلام خاب أمله بهؤلاء الكبار وتصرفاتهم ، لعلنا نجد تأويلاًَ لهذا الكلام بأن القاص يريد أن يؤكد مقولة بأن الصدق معيار لا يمكن التلاعب به أو التنازل عنه فالعلاقات تبنى على الصدق والتمسك به .
ويتابع وجيه حسن محاولنه في ترك السرد يحدد الحدث ويخلق تحركاته حينما شبه بحة الصوت وذاك المرض الذي يغلق أفواه الكثيرين من المحرومين والمظلومين ، فيمتد الصوت الناقد لكل ما يجري متعمقاً بالرؤية التي أرادها أن تصل رغماً عن كل من أراد لها أن تختنق وتموت .
( وأردفت بلهجة التطمين : جارتنا أم سليم قالت لي : إن قريباً لهم اسمه نعيم كان يسعل مثل سعالك ، ذهب إلى العاصمة وفي مستشفى الشفاء أجروا له العملية ، واليوم ما شاء الله ، حنجرته مثل حنجرة حصان . توكل على الله يا رجل ) ص145
ربط التأويل بالحدث :
إن العملية التي ستجري وكأنها جراحة لحنجرة أبو نعسان ولكنها ليست إلا محاولة لإجلاء الكبت الملاحق للكثير من الشخوص وإقصاء أصواتهم كي لا تسمع وتظل المظالم هي التي تسود وتغلق أبواب الحرية وتقفل الأفواه وتمنع التحدث بما يجري كي لا تسمع الحقيقة وتموت لكن الأديب وجيه حسن لم يستطع أن يترك الأمور على مزاج من أرادها صامتة بل جعلها تنطق من جديد وتتحرر من شبكات المرض والإساءة لتسطع حرية الكلمة. flwr2

علي الصيرفي

ابتسام آل سليمان
26/10/2009, 01:04 PM
سلاما والتحايا
وجيه حسن :
علم قصة ممعن في فلسفة أوجاع المجتمع!
ممتنة لهكذا انتقاء ودراسة !

مريم الخالد
27/10/2009, 02:33 PM
أخذتنا في جولة ممتعة دارت رحاها خلف كواليس القصة
وقرأت لنا قراءة ً عميقة لما بين السطور
راق لي ما سطرت
وأنتظر دراستك الجديدة