عزيز العرباوي
02/12/2009, 03:17 PM
الجودة في قطاع التعليم : غموض المفهوم وتسليع التعليم :
إن الهدف من الإصلاحات التعليمية التي نسمع عنها كل مرة هو تجميع القطاع التربوي بصفة عامة وصولا إلى غاية توحيد التوجهات والقرارات التربوية الصادرة في حينها، كل هذا جيد كما يأتي غالبا على ألسنة المسؤولين على القطاع التعليمي ببلادنا، بل يصل إلى السمو والارتقاء بشرط أن تكون النيات صادقة وقادرة على فتح الطريق للأمام نحو تجاوز الاختلالات في القطاع دون حسيب أو رقيب .
عندما نسمع شعار المرحلة على لسان القائمين على قطاع التعليم نجد أن المصطلحات المستعملة في هذا الشعار فضفاضة وغامضة كل الغموض لا يفهم منها شيء. وهذا الشعار الذي يهدف إلى تحقيق الجودة في التعليم والتربية بعد مرور سنوات كثيرة على تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين دون أن نحقق تقدما تعليميا منشودا. ولو كنا في بلاد أخرى تحترم التعليم وتجعله في المراتب الأولى من أولوياتها السياسية والاجتماعية، لكان هذا القطاع قد حقق أهداف الإصلاح المزعوم منذ زمان ليس بالقصير. أليس من اللامسؤولية أن تمر مدة طويلة عرفت استهتارا في الإصلاح والتغيير ولازلنا نتحدث عن الدخول في شعار الجودة؟ ألم يكن من الأولى أن نضع الجودة في أولى أولويات الإصلاح لكي نكون جادين شيئا ما وتكون المقاربة الإصلاحية عموما صادقة ؟ .
سيقول قائل بأن الجودة لا يمكنها أن تنجح إلا بوجود بنيات أساسية وظروف ملائمة لتحقيقها. وقد نكون متفقين معا في هذه النقطة بالذات، ولكن ماذا كنا نفعل منذ أربعين سنة أو أكثر؟ ألم تكن هذه المدة كافية لتكون عندنا بنية تحتية قادرة على فتح الطريق نحو تحقيق الجودة ولو جزئيا؟ .
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل البدء في ادعاء الإصلاح وتبنيه، كانت الشعارات والإشاعات تقول بأن بنيتنا التعليمية بخير وستكون منطلقا نحوتنفيذ الإصلاح بكل جدية ويسر، ثم مرت السنة الأولى وتبعتها سنوات تالية دون أن نلمس ورشا أو عملا على تحسين الجودة، بل كانت الطامة الكبرى هي خلق برامج ومقررات تعددية لكنها لا تخدم مصلحة المتعلم المغربي الذي أصبح متخبطا من سنة إلى أخرى في تغيير البرامج والمقررات دون أن يتوصل إلى شيء، وكأنني بهم قد وضعوه في جزيرة مغمورة وأعطوه وسائل التكنولوجيا والمعرفة وطلبوا منه أن يبدع لهم برنامجا معلوماتيا، وبناء على هذه التعليمات وبساطة التفكير عند الطفل داخل الجزيرة قام بكسر وتمزيق هذه الوسائل على أنها أدوات لعب ليس إلا .
وقد أوضح العديد من نقاد الإصلاح أن المرحلة التي وضعت ضمن شعارها موضوع التغيير والتجديد للقطاع التربوي لم تكن واضحة المعالم، ولم تكن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ملائمة للانطلاق نحو الأمام في هذا الإصلاح، فالظروف السياسية مزرية وقد تكون في طريقها إلى السكتة القلبية بوجود أحزاب بلا برامج وطاقات بشرية قادرة على القيادة والتأطير، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية لا توجد في المكان المناسب للفعل والتفعيل داخل هذا القطاع الحيوي مع قطاعات حيوية وبنائية كقطاع التربية والتعليم. أما الأحوال الاقتصادية فحدث ولا حرج، وتتلخص مشاكل الاقتصاد المغربي في اقتصاد الريع والمحسوبية والزبونية وانتشار الرشوة التي تنخر القطاع الاقتصادي المهتريء، فكيف سنخلق مواطنا صالحا متخرجا بشهادات عليا والأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من حوله مزرية وهالكة لا محالة إن هي واصلت على نفس الوتيرة ؟ .
ولا شك أن هذه المشاكل والظروف المزرية، كانت وماتزال عقبة مانعة نحو التقدم إلى الأمام في البحث عن وسيلة أخرى نحو التجديد والإصلاح. فهذا الإصلاح الذي نحن بصدده، ونقولها صراحة، أنه ليس في الطريق الواضح من أجل خلق تعليم جديد ينجب رجالا مستقبليين قادرين على تسيير دواليب الدولة ورسم طريق سليم لتقدم بلادنا وشق طريقها لقيادة تكتلات استراتيجية في المستقبل. فالمستقبل الزاهر التقدمي هو الذي نرومه، وليس إصلاحا لقطاع التربية والتعليم منغلق على ذاته كما نحس به الآن نحن الفاعلون داخله .
وعلى الرغم من التيه الذي ترسمه المرحلة التي نحن بصددها، ورغم المصطلحات والنظريات المتعمقة في بنود الإصلاح، إلا أنه وجود نيات صادقة داخل القطاع ومن خارجه أيضا تكشف هذا التخبط والغموض، وترفع شعار الدفاع عن المدرسة العمومية والحفاظ على القيم المغربية والحضارة الوطنية الموغلة في تاريخ الإنسانية، فتشير إلى أن الاستمرار في هذا التيه الممنهج والمقصود ضرب من الجنون والفشل التعليمي ببلادنا .
ويظهر الآن أن مفهوم الجودة الذي صار بقدرة قادر شعارا لتعليم يتخبط في التيه واللاجدوى، مجردا صعب التحديد والتفسير البسيط، يلبس قناع الابتعاد عن التفعيل والتحسين الممنهج، وعلى ضوء هذه المقاربة ظهرت الجودة كمفهوم بعيد عن تحديد حاجياته ومتطلباته الاجتماعية والاقتصادية مع الوعي بوضع هذا المفهوم داخل محيط تنموي يخص شعارات وآليات ممكنة الوصول إلى بناء الجودة المنشودة المرتبطة بالمردودية العامة .
فعلاقة الجودة بعالم الاقتصاد وثقافة المقاولة في المقاربة التعليمية برمتها تجعل أن المدرسة في طريق الانقراض من حيث تعميم المعرفة العارية من الأسلوب الاقتصادي والمقاولاتي، وإلا فإننا سنقع في مفهوم "تسليع التعليم"، أي جعله سلعة كباقي السلع والبضائع في السوق الاستهلاكي، وإذا حاولنا تتبع مقاربة الجودة عبر مراحل تطور التعليم عبر تاريخ المغرب، فإننا نجد أنها كانت هما إنسانيا من المرحلة الثانية مقارنة مع هموم أخرى أقل بساطة، فمحاولة تمرير الجودة من مجال الاقتصاد إلى قطاع التعليم والتربية بدون برمجتها هو سقوط في وضع أكثر خطورة وصعوبة، مثل الس قوطفي شراك" تسليع التعليم" وتسويقه.
وأخيرا فإن مطلب الجودة ضروري ضرورة الماء والطعام، بل أكثر من ذلك في قطاعنا التعليمي والتربوي، وارتباطها الوثيق بالمجال يكون من الأولويات بمكان لحماية تعليمنا المغربي من مخاطر الانغلاق والتخلف .
عزيز العرباوي
كاتب
إن الهدف من الإصلاحات التعليمية التي نسمع عنها كل مرة هو تجميع القطاع التربوي بصفة عامة وصولا إلى غاية توحيد التوجهات والقرارات التربوية الصادرة في حينها، كل هذا جيد كما يأتي غالبا على ألسنة المسؤولين على القطاع التعليمي ببلادنا، بل يصل إلى السمو والارتقاء بشرط أن تكون النيات صادقة وقادرة على فتح الطريق للأمام نحو تجاوز الاختلالات في القطاع دون حسيب أو رقيب .
عندما نسمع شعار المرحلة على لسان القائمين على قطاع التعليم نجد أن المصطلحات المستعملة في هذا الشعار فضفاضة وغامضة كل الغموض لا يفهم منها شيء. وهذا الشعار الذي يهدف إلى تحقيق الجودة في التعليم والتربية بعد مرور سنوات كثيرة على تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين دون أن نحقق تقدما تعليميا منشودا. ولو كنا في بلاد أخرى تحترم التعليم وتجعله في المراتب الأولى من أولوياتها السياسية والاجتماعية، لكان هذا القطاع قد حقق أهداف الإصلاح المزعوم منذ زمان ليس بالقصير. أليس من اللامسؤولية أن تمر مدة طويلة عرفت استهتارا في الإصلاح والتغيير ولازلنا نتحدث عن الدخول في شعار الجودة؟ ألم يكن من الأولى أن نضع الجودة في أولى أولويات الإصلاح لكي نكون جادين شيئا ما وتكون المقاربة الإصلاحية عموما صادقة ؟ .
سيقول قائل بأن الجودة لا يمكنها أن تنجح إلا بوجود بنيات أساسية وظروف ملائمة لتحقيقها. وقد نكون متفقين معا في هذه النقطة بالذات، ولكن ماذا كنا نفعل منذ أربعين سنة أو أكثر؟ ألم تكن هذه المدة كافية لتكون عندنا بنية تحتية قادرة على فتح الطريق نحو تحقيق الجودة ولو جزئيا؟ .
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل البدء في ادعاء الإصلاح وتبنيه، كانت الشعارات والإشاعات تقول بأن بنيتنا التعليمية بخير وستكون منطلقا نحوتنفيذ الإصلاح بكل جدية ويسر، ثم مرت السنة الأولى وتبعتها سنوات تالية دون أن نلمس ورشا أو عملا على تحسين الجودة، بل كانت الطامة الكبرى هي خلق برامج ومقررات تعددية لكنها لا تخدم مصلحة المتعلم المغربي الذي أصبح متخبطا من سنة إلى أخرى في تغيير البرامج والمقررات دون أن يتوصل إلى شيء، وكأنني بهم قد وضعوه في جزيرة مغمورة وأعطوه وسائل التكنولوجيا والمعرفة وطلبوا منه أن يبدع لهم برنامجا معلوماتيا، وبناء على هذه التعليمات وبساطة التفكير عند الطفل داخل الجزيرة قام بكسر وتمزيق هذه الوسائل على أنها أدوات لعب ليس إلا .
وقد أوضح العديد من نقاد الإصلاح أن المرحلة التي وضعت ضمن شعارها موضوع التغيير والتجديد للقطاع التربوي لم تكن واضحة المعالم، ولم تكن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ملائمة للانطلاق نحو الأمام في هذا الإصلاح، فالظروف السياسية مزرية وقد تكون في طريقها إلى السكتة القلبية بوجود أحزاب بلا برامج وطاقات بشرية قادرة على القيادة والتأطير، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية لا توجد في المكان المناسب للفعل والتفعيل داخل هذا القطاع الحيوي مع قطاعات حيوية وبنائية كقطاع التربية والتعليم. أما الأحوال الاقتصادية فحدث ولا حرج، وتتلخص مشاكل الاقتصاد المغربي في اقتصاد الريع والمحسوبية والزبونية وانتشار الرشوة التي تنخر القطاع الاقتصادي المهتريء، فكيف سنخلق مواطنا صالحا متخرجا بشهادات عليا والأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من حوله مزرية وهالكة لا محالة إن هي واصلت على نفس الوتيرة ؟ .
ولا شك أن هذه المشاكل والظروف المزرية، كانت وماتزال عقبة مانعة نحو التقدم إلى الأمام في البحث عن وسيلة أخرى نحو التجديد والإصلاح. فهذا الإصلاح الذي نحن بصدده، ونقولها صراحة، أنه ليس في الطريق الواضح من أجل خلق تعليم جديد ينجب رجالا مستقبليين قادرين على تسيير دواليب الدولة ورسم طريق سليم لتقدم بلادنا وشق طريقها لقيادة تكتلات استراتيجية في المستقبل. فالمستقبل الزاهر التقدمي هو الذي نرومه، وليس إصلاحا لقطاع التربية والتعليم منغلق على ذاته كما نحس به الآن نحن الفاعلون داخله .
وعلى الرغم من التيه الذي ترسمه المرحلة التي نحن بصددها، ورغم المصطلحات والنظريات المتعمقة في بنود الإصلاح، إلا أنه وجود نيات صادقة داخل القطاع ومن خارجه أيضا تكشف هذا التخبط والغموض، وترفع شعار الدفاع عن المدرسة العمومية والحفاظ على القيم المغربية والحضارة الوطنية الموغلة في تاريخ الإنسانية، فتشير إلى أن الاستمرار في هذا التيه الممنهج والمقصود ضرب من الجنون والفشل التعليمي ببلادنا .
ويظهر الآن أن مفهوم الجودة الذي صار بقدرة قادر شعارا لتعليم يتخبط في التيه واللاجدوى، مجردا صعب التحديد والتفسير البسيط، يلبس قناع الابتعاد عن التفعيل والتحسين الممنهج، وعلى ضوء هذه المقاربة ظهرت الجودة كمفهوم بعيد عن تحديد حاجياته ومتطلباته الاجتماعية والاقتصادية مع الوعي بوضع هذا المفهوم داخل محيط تنموي يخص شعارات وآليات ممكنة الوصول إلى بناء الجودة المنشودة المرتبطة بالمردودية العامة .
فعلاقة الجودة بعالم الاقتصاد وثقافة المقاولة في المقاربة التعليمية برمتها تجعل أن المدرسة في طريق الانقراض من حيث تعميم المعرفة العارية من الأسلوب الاقتصادي والمقاولاتي، وإلا فإننا سنقع في مفهوم "تسليع التعليم"، أي جعله سلعة كباقي السلع والبضائع في السوق الاستهلاكي، وإذا حاولنا تتبع مقاربة الجودة عبر مراحل تطور التعليم عبر تاريخ المغرب، فإننا نجد أنها كانت هما إنسانيا من المرحلة الثانية مقارنة مع هموم أخرى أقل بساطة، فمحاولة تمرير الجودة من مجال الاقتصاد إلى قطاع التعليم والتربية بدون برمجتها هو سقوط في وضع أكثر خطورة وصعوبة، مثل الس قوطفي شراك" تسليع التعليم" وتسويقه.
وأخيرا فإن مطلب الجودة ضروري ضرورة الماء والطعام، بل أكثر من ذلك في قطاعنا التعليمي والتربوي، وارتباطها الوثيق بالمجال يكون من الأولويات بمكان لحماية تعليمنا المغربي من مخاطر الانغلاق والتخلف .
عزيز العرباوي
كاتب