ريم محمد
22/02/2010, 04:17 PM
http://www.emlaat.com/vb/uploaded/65_1241214761.gif
بدأ الصبح يتنفس من بين أضلاع الليل .. البرد يكتنف المدينة .. ندف الثلج تتساقط .. أنفاسي تضطرب في صدري .. أحاول أن أوقد نارا .. فلا أجد قطعة من حطب .. أطفالي نائمون .. يلفحهم الزمهرير .. فلا يستطيعون أن يخفوا أقدامهم في "غطاء" .. الشتاء لا يرحم .. و أنا أتعثر فلا أرحمهم .. والدهم قتل .. بعد أن اندلعت فتنة القتل .. قتل لأن اسمه يدل على مذهبه .. وجدته في الطب العدلي ..بعد أن طلبوا قطاع الطرق فدية تقدر بالملايين ..
لم يكن معي المال .. توسلت بهم و لهم أن يتركوه ليس لي في هذه الدنيا سواه .. كان والدي و زوجي و أخي .. و كل شيء ..صمت المتحدث .. و أعطى السماعة لزوجي .. كان صوته يرتجف .. كنت أشعر بذلك .. زوجي لم يكن شريرا أبدا .. كنت أقول له و أنا أبكي بشدة " سأجمع الفدية" لا تهتم لذلك .. حينما أراد أن يقول شيئا ..أخذوا منه الهاتف .. و حادثني رجل آخر .."سنقتله .. لا أسهل من ذلك .."
-الشرطة .. القانون ..؟
- هه .. يعيش القانون ..!
أغلق الهاتف .. و بعد يومين فقط .. أتصل بي رجل بأن آتي لأخذ الجثة .. أغلقت الدنيا في وجهي أبوابها .. و بدأت .. أشعر بهوان الأرملة .. و بمرارة اليتم ..أطفالي الثلاثة .. أصبحوا يتوسلون بي .. أشعر بذلك في نظرات أعينهم .. الصغيرة .. حتى الرضيع .. أشعر به يصرخ بي " أمي لا تتركيني أموت جوعا.." .. صرت رجلا .. هكذا صرت .. يوما نجد لقمة .. نسد بها جوع بطوننا .. و يوما .. لا نجد غير الخيبة .. يوما نمرض .. فلا نجد دواء .. و يوما ..تتمزق ملابسنا البالية أصلا ..فلا نجد من يسترنا ..
يوما .. كنت أجلس بطفلي الرضيع .. أتوسل أمام أحد المساجد .. التقط ما قد تجود به النفوس .. اقترب مني رجل ما و قال و هو ينظر لطفلي .." ما أجمله .. غير أن العوز ظاهر على محياه .."
- والده شهيد .. و لا عائل لنا ..
و حين أردت أن أكمل حديثي .. همس لي " من الأجدر بك .. أن تبحثي عن من يرعاه ..!!"
الدنيا تدور في عيني .. " ماذا ..؟!"
أخرج ورقة فيها أرقام .. و مدها إلي .." أشتريه .. و أعطيك ما يجعلك ملكة للأبد ..و تستطيعي أن تربي أخوته .."
نهضت .. بطفلي .. و سقطت الدراهم أرضا ..تلمست بكفي رأسه الصغير .. و أضلعه البارزة ..و نظرت لعينيه الشاحبتين .. أيعقل أن أتخلى عنك و عن أخوتك ..؟!
اللعنة على لحظات الفقر .. اللعنة على تلك الحاجة .. التي تجعلني أقف منحنية إلى جانب جدار و أمد يدي.. الموت لأولئك الذين ينعمون بالنعيم الدنيوي .. و يدور بهم الكرسي .. من مكان إلى أعلى منه ..
لم أشعر بنفسي إلا أمام .. جارتي في البيت و الفقر .. كانت تبحث في النفايات .. عن علب مشروبات .. أو أي شيء قد يباع ..
-ماذا هناك ..؟ أراك تسيرين شاردة ..
- لا شيء .. غير أن هناك من يريد شراء طفلي ..! و بسعر غال جدا ..
شدهت جارتي .. حين سمعت ما أقول ظننتها .. ستقول لي "يا مجنونة ..!" لكنها كانت تتفقد أطفالها الذين تكوموا في كومة النفايات ..!
ما زالت الورقة في جيبي .. و ما زال ابني .. يبكي من الجوع .. و كذلك أخوته .. خرجت به بحثا .. عن طعام .. عن راحم يرحمنا .. الحياة ليست سهلة .. الألم أكثر من الأمل فيها .. حياة أحدنا.. حياة كريمة أفضل من يموت فقرا .. و جوعا .. و عوزا ..
أن يحمل القدر أحدهم .. إلى مكان جميل و أبوين بديلين .. و يتعلم .. و يدرس .. خير من أن يموت في السجن مثلا .. بعد أن يسير في الدرب الخاطئ ..
ليس مهما كم من الدموع سأذرف .. المهم أن تبقى روحي التي وهبتها هذا الصغير حية ..سأتألم .. لكن سأشفى .. بعد أن أشعر بأني قد اخترت له حياته ..
كانت الورقة تهتز بين يدي .. و أنا أنتظر الرجل .. الذي سيأتي .. انتهزت الثواني .. بضم صغير و شم شعره .. و جسده .. كنت أوصيه أن لا ينساني أبدا .. "أنا لا أكرهك يا طفلي .. لكني أهبك الحياة .. لا أريد أ تموت بين يدي جوعا .. سامحني يا طفلي .. سامحني .. لكني أمك فلا تنسى ذلك .. حينما تكبر .. تعال لتراني .. أو لتذهب لقبري .. صدقني إني أحبك .. أحبك .."
لم أر الرجل .. الذي جاء و معه امرأة خمسينية .. كانت عيناي مملؤة بكم كبير من الدموع .. و بصوت شهقاتي .. المرتفعة ..
لم يكونا ليواسياني .. بل رميا .. المال في وجهي .. وطلبا مني توقيع ورقة صفراء .. كنت أوقع و أنا مذهولة لا أعي ..هل أنا فعلا أنا ..؟!
التقطوا طفلي من بين يدي .. لم ينتظراني .. بل اختفيا .. اختفيا بين الجموع ..كنت أهذي .."انتظرا ..طفلي .. جائع .. إنه يريد حليبي .. انتظرا ..!"
بدأ الصبح يتنفس من بين أضلاع الليل .. البرد يكتنف المدينة .. ندف الثلج تتساقط .. أنفاسي تضطرب في صدري .. أحاول أن أوقد نارا .. فلا أجد قطعة من حطب .. أطفالي نائمون .. يلفحهم الزمهرير .. فلا يستطيعون أن يخفوا أقدامهم في "غطاء" .. الشتاء لا يرحم .. و أنا أتعثر فلا أرحمهم .. والدهم قتل .. بعد أن اندلعت فتنة القتل .. قتل لأن اسمه يدل على مذهبه .. وجدته في الطب العدلي ..بعد أن طلبوا قطاع الطرق فدية تقدر بالملايين ..
لم يكن معي المال .. توسلت بهم و لهم أن يتركوه ليس لي في هذه الدنيا سواه .. كان والدي و زوجي و أخي .. و كل شيء ..صمت المتحدث .. و أعطى السماعة لزوجي .. كان صوته يرتجف .. كنت أشعر بذلك .. زوجي لم يكن شريرا أبدا .. كنت أقول له و أنا أبكي بشدة " سأجمع الفدية" لا تهتم لذلك .. حينما أراد أن يقول شيئا ..أخذوا منه الهاتف .. و حادثني رجل آخر .."سنقتله .. لا أسهل من ذلك .."
-الشرطة .. القانون ..؟
- هه .. يعيش القانون ..!
أغلق الهاتف .. و بعد يومين فقط .. أتصل بي رجل بأن آتي لأخذ الجثة .. أغلقت الدنيا في وجهي أبوابها .. و بدأت .. أشعر بهوان الأرملة .. و بمرارة اليتم ..أطفالي الثلاثة .. أصبحوا يتوسلون بي .. أشعر بذلك في نظرات أعينهم .. الصغيرة .. حتى الرضيع .. أشعر به يصرخ بي " أمي لا تتركيني أموت جوعا.." .. صرت رجلا .. هكذا صرت .. يوما نجد لقمة .. نسد بها جوع بطوننا .. و يوما .. لا نجد غير الخيبة .. يوما نمرض .. فلا نجد دواء .. و يوما ..تتمزق ملابسنا البالية أصلا ..فلا نجد من يسترنا ..
يوما .. كنت أجلس بطفلي الرضيع .. أتوسل أمام أحد المساجد .. التقط ما قد تجود به النفوس .. اقترب مني رجل ما و قال و هو ينظر لطفلي .." ما أجمله .. غير أن العوز ظاهر على محياه .."
- والده شهيد .. و لا عائل لنا ..
و حين أردت أن أكمل حديثي .. همس لي " من الأجدر بك .. أن تبحثي عن من يرعاه ..!!"
الدنيا تدور في عيني .. " ماذا ..؟!"
أخرج ورقة فيها أرقام .. و مدها إلي .." أشتريه .. و أعطيك ما يجعلك ملكة للأبد ..و تستطيعي أن تربي أخوته .."
نهضت .. بطفلي .. و سقطت الدراهم أرضا ..تلمست بكفي رأسه الصغير .. و أضلعه البارزة ..و نظرت لعينيه الشاحبتين .. أيعقل أن أتخلى عنك و عن أخوتك ..؟!
اللعنة على لحظات الفقر .. اللعنة على تلك الحاجة .. التي تجعلني أقف منحنية إلى جانب جدار و أمد يدي.. الموت لأولئك الذين ينعمون بالنعيم الدنيوي .. و يدور بهم الكرسي .. من مكان إلى أعلى منه ..
لم أشعر بنفسي إلا أمام .. جارتي في البيت و الفقر .. كانت تبحث في النفايات .. عن علب مشروبات .. أو أي شيء قد يباع ..
-ماذا هناك ..؟ أراك تسيرين شاردة ..
- لا شيء .. غير أن هناك من يريد شراء طفلي ..! و بسعر غال جدا ..
شدهت جارتي .. حين سمعت ما أقول ظننتها .. ستقول لي "يا مجنونة ..!" لكنها كانت تتفقد أطفالها الذين تكوموا في كومة النفايات ..!
ما زالت الورقة في جيبي .. و ما زال ابني .. يبكي من الجوع .. و كذلك أخوته .. خرجت به بحثا .. عن طعام .. عن راحم يرحمنا .. الحياة ليست سهلة .. الألم أكثر من الأمل فيها .. حياة أحدنا.. حياة كريمة أفضل من يموت فقرا .. و جوعا .. و عوزا ..
أن يحمل القدر أحدهم .. إلى مكان جميل و أبوين بديلين .. و يتعلم .. و يدرس .. خير من أن يموت في السجن مثلا .. بعد أن يسير في الدرب الخاطئ ..
ليس مهما كم من الدموع سأذرف .. المهم أن تبقى روحي التي وهبتها هذا الصغير حية ..سأتألم .. لكن سأشفى .. بعد أن أشعر بأني قد اخترت له حياته ..
كانت الورقة تهتز بين يدي .. و أنا أنتظر الرجل .. الذي سيأتي .. انتهزت الثواني .. بضم صغير و شم شعره .. و جسده .. كنت أوصيه أن لا ينساني أبدا .. "أنا لا أكرهك يا طفلي .. لكني أهبك الحياة .. لا أريد أ تموت بين يدي جوعا .. سامحني يا طفلي .. سامحني .. لكني أمك فلا تنسى ذلك .. حينما تكبر .. تعال لتراني .. أو لتذهب لقبري .. صدقني إني أحبك .. أحبك .."
لم أر الرجل .. الذي جاء و معه امرأة خمسينية .. كانت عيناي مملؤة بكم كبير من الدموع .. و بصوت شهقاتي .. المرتفعة ..
لم يكونا ليواسياني .. بل رميا .. المال في وجهي .. وطلبا مني توقيع ورقة صفراء .. كنت أوقع و أنا مذهولة لا أعي ..هل أنا فعلا أنا ..؟!
التقطوا طفلي من بين يدي .. لم ينتظراني .. بل اختفيا .. اختفيا بين الجموع ..كنت أهذي .."انتظرا ..طفلي .. جائع .. إنه يريد حليبي .. انتظرا ..!"