محمد السالم
06/03/2010, 11:40 PM
..
..
..
..
للوهلة الأولى يبدو لك أنه شخصٌ لا يعرف للجد سبيلاً.
لكثرة ضحكه ومزاحه مع الآخرين .
لا يعرف أحد متى يكتئب أو متى يفرح أو متى يغضب أو متى يرضى .
البعض يغبطه ؛ والبعض الآخر منه على حياد . تجده في حفلة زواج ضاحكًا
وتجده في مأتم عزاء ضاحكًا كذلك. لا يمكنك معرفة كنهه . ينجز أي عملٍ
كلف به وكأنه لم يكلف أصلا . لا يمكنك معرفة ميوله لأي شيء كان .
لا تعلم متى يبدأ العمل أو متى يخرج .
حينما تبدأ العمل تجده قد سبقك. وكذلك تخرج في نهاية الدوام
وهو لا يزال خلفك.
لم يحدث أن قد طلبه أحد على الهاتف من خارج الدائرة
أو أن أحدًا قد طرق باب الدائرة يسأل عنه.
لا تجد أنك تحبه أو تكرهه.
لا يبدأ معك حديثا. ولا ينهي لكَ حديثا .
لا يحضّر لنفسه فنجانًا من القهوة إلا وصنع لمن معه في المكتب مثله.
حينما تتعالى الضحكات من أحد المكاتب المجاورة ؛ يملؤك اليقين أن سامرا
قد زاره . بالرغم من كثرة ضحكه وضجيجه في الدائرة . إلا أن لسانه لا يهفو بقول.
عيناه البراقتان؛ وابتسامته الحاضرة. لا تمنحك مجالا لقراءة ما خلفهما .
يتراءى لك طفلا في رجل . إلا أن ألمعيته تنسخ تلك النظرة نحوه .
فهو لماح أسرع مما تتصور . لا تمر كلمة عابرة إلا ويدرك مغزاها.
مع أنه قد يبادلها بضحكة كعادته. أو يتشاغل بعمل جانبي .
كثيرا ما يسخر من نفسه أو من عمل قام به .
حينما يحتد النقاش بين زملاء العمل فإنه قادر على تحويله إلى استراحة من الضحك.
لا تعلم هل هو يجاملك أو أنه مقتنع بما تقول. مهما كان قولك.
لا تكتنز له رؤية؛ إلا ويظهر لك خطأ رؤيتك نحوه.
حدث وأن تأخرت في أحد الأيام على غير العادة بالخروج من المكتب.
فوجدته في حمّة الظهيرة واقفا على الرصيف ينتظر سيارة أجرة .
فحملته معي و ما إن تجاوزنا ثلاثة شوارع حتى طلب مني أن أتوقف.
ترجل من السيارة ملوحًا بيده ؛ شاكرا وكعادته ضاحكا.
تأخرتُ في أحد الأيام في الحضور بفعل زحمة الطريق
وقد كان بداية أسبوع عمل . ولم يلفت انتباهي أي شيء غير معتاد .
إلا أني بعد ما دخلت مكتبي وقمت بإضاءته وتمثلت مكاني خلف الطاولة.
كانت المكاتب المجاورة شبه ساكنة إلا من صوت آلات الطباعة. وبعض أزيز الأبواب.
لم أكترث للوهلة الأولى ؛ حتى تنامى إلى سمعي أصوات الهواتف التي تدق أجراسها
فلا يرد أحد. رفعت سماعة الهاتف . واتصلت بمديري المباشر .
لم يرد المدير على اتصالي . نهضت وتوجهت مباشرة إلى مكتب رئيس القسم .
وحينما ولجتُ الباب فإذا بالمدير جالس عنده. ما إن رأوني حتى قالوا بصوت واحد
" أحسن الله عزاكم يالقسم الفني "
فصحت فيهما – في من ؟
- في سامر .
- سامر توفي في حادثة دهس سيارة مسرعة في ليلة الخميس الفائت .
لم أتمالك نفسي إلا وأنا أفتح باب مكتب سامر.
تطوف ضحكته بمسامعي تتراءى لي ابتسامته
ألمح بريق عينيه .
أشتم رائحة أعواد الند التي يشعلها كل صباح في زوايا الإدارة
ولم يقطع كل هذا إلا صوت آلة الطباعة في المكتب المجاور.
يخرج أحد الزملاء من مكتبه ويتقدم مني ويقدم التعزية في سامر
و يتقاطر باقي الزملاء ويقومون بنفس ما قام به الزميل السابق.
الكل في الدائرة يبث لي حزنه وعزاه. في سامر . كأني فرد من أسرته .
هو اليوم الأول الذي من قدمت إلى هذه الإدارة لا أجد به إلا السكون .
قد لا يكون السكون دوما محمودا. ففي بعض الأحيان يصبح السكون. مدعاة
التأمل في أمر محزن ولا يجنح خيالك أو حقيقتك إلا ناحية من فرض السكون.
أحسست بواجبي نحو أسرة سامر . وما يجب علي القيام به من واجب العزاء .
ذهبت إلى قسم شؤون الموظفين . في الدائرة وطلبت منهم معلومات سامر .
وبينت لهم السبب في ذلك . لم أجد في ملفه الوظيفي إلا اسمه الثلاثي
( سامر عمر علي ) وصورة من شهادة الثانوية العامة .
بحثتُ عن رقم هاتف أو عنوان سكن ولكن لم أجد عدا ما سلف
قال : لي زميل في الأرشيف - قد يفيدك في ذلك أبو خالد مدير الدائرة العامة.
توجهت من فوري إلى مكتب المدير العام . وبعد السلام ؛ أخبرته بحاجتي
لتقديم العزاء لأسرة سامر .
نظر إلي لبرهة ثم أخرج تنهيدة أظنها كادت أن تشق صدره .
وأنشأ يقول : - هل تعلم أن سامر لم يقم في جنازته ولم يصلِ عليه
إلا أربعة نفر ! . اثنان عاملا المقبرة واثنان عاملا البلدية.
دهشت لقول الرجل . وقلت وما ذاك يا أبا خالد ؟!
فأخرج ملفا قد كتب عليه التوظيف من قبل إدارة الشؤون الاجتماعية. ولم يفتحه .
وقال متأوها: لم يكن سامر إلا غلطة ارتكبها اثنان ولم يلتفتا إليها.
أحسست ببرود يتسلق أكتافي . وقلت ماذا تقصد بهذا القول ؟.
فصمت برهة ثم قال :
..
( سامر من مجهولي النسب )
..
..
..
للوهلة الأولى يبدو لك أنه شخصٌ لا يعرف للجد سبيلاً.
لكثرة ضحكه ومزاحه مع الآخرين .
لا يعرف أحد متى يكتئب أو متى يفرح أو متى يغضب أو متى يرضى .
البعض يغبطه ؛ والبعض الآخر منه على حياد . تجده في حفلة زواج ضاحكًا
وتجده في مأتم عزاء ضاحكًا كذلك. لا يمكنك معرفة كنهه . ينجز أي عملٍ
كلف به وكأنه لم يكلف أصلا . لا يمكنك معرفة ميوله لأي شيء كان .
لا تعلم متى يبدأ العمل أو متى يخرج .
حينما تبدأ العمل تجده قد سبقك. وكذلك تخرج في نهاية الدوام
وهو لا يزال خلفك.
لم يحدث أن قد طلبه أحد على الهاتف من خارج الدائرة
أو أن أحدًا قد طرق باب الدائرة يسأل عنه.
لا تجد أنك تحبه أو تكرهه.
لا يبدأ معك حديثا. ولا ينهي لكَ حديثا .
لا يحضّر لنفسه فنجانًا من القهوة إلا وصنع لمن معه في المكتب مثله.
حينما تتعالى الضحكات من أحد المكاتب المجاورة ؛ يملؤك اليقين أن سامرا
قد زاره . بالرغم من كثرة ضحكه وضجيجه في الدائرة . إلا أن لسانه لا يهفو بقول.
عيناه البراقتان؛ وابتسامته الحاضرة. لا تمنحك مجالا لقراءة ما خلفهما .
يتراءى لك طفلا في رجل . إلا أن ألمعيته تنسخ تلك النظرة نحوه .
فهو لماح أسرع مما تتصور . لا تمر كلمة عابرة إلا ويدرك مغزاها.
مع أنه قد يبادلها بضحكة كعادته. أو يتشاغل بعمل جانبي .
كثيرا ما يسخر من نفسه أو من عمل قام به .
حينما يحتد النقاش بين زملاء العمل فإنه قادر على تحويله إلى استراحة من الضحك.
لا تعلم هل هو يجاملك أو أنه مقتنع بما تقول. مهما كان قولك.
لا تكتنز له رؤية؛ إلا ويظهر لك خطأ رؤيتك نحوه.
حدث وأن تأخرت في أحد الأيام على غير العادة بالخروج من المكتب.
فوجدته في حمّة الظهيرة واقفا على الرصيف ينتظر سيارة أجرة .
فحملته معي و ما إن تجاوزنا ثلاثة شوارع حتى طلب مني أن أتوقف.
ترجل من السيارة ملوحًا بيده ؛ شاكرا وكعادته ضاحكا.
تأخرتُ في أحد الأيام في الحضور بفعل زحمة الطريق
وقد كان بداية أسبوع عمل . ولم يلفت انتباهي أي شيء غير معتاد .
إلا أني بعد ما دخلت مكتبي وقمت بإضاءته وتمثلت مكاني خلف الطاولة.
كانت المكاتب المجاورة شبه ساكنة إلا من صوت آلات الطباعة. وبعض أزيز الأبواب.
لم أكترث للوهلة الأولى ؛ حتى تنامى إلى سمعي أصوات الهواتف التي تدق أجراسها
فلا يرد أحد. رفعت سماعة الهاتف . واتصلت بمديري المباشر .
لم يرد المدير على اتصالي . نهضت وتوجهت مباشرة إلى مكتب رئيس القسم .
وحينما ولجتُ الباب فإذا بالمدير جالس عنده. ما إن رأوني حتى قالوا بصوت واحد
" أحسن الله عزاكم يالقسم الفني "
فصحت فيهما – في من ؟
- في سامر .
- سامر توفي في حادثة دهس سيارة مسرعة في ليلة الخميس الفائت .
لم أتمالك نفسي إلا وأنا أفتح باب مكتب سامر.
تطوف ضحكته بمسامعي تتراءى لي ابتسامته
ألمح بريق عينيه .
أشتم رائحة أعواد الند التي يشعلها كل صباح في زوايا الإدارة
ولم يقطع كل هذا إلا صوت آلة الطباعة في المكتب المجاور.
يخرج أحد الزملاء من مكتبه ويتقدم مني ويقدم التعزية في سامر
و يتقاطر باقي الزملاء ويقومون بنفس ما قام به الزميل السابق.
الكل في الدائرة يبث لي حزنه وعزاه. في سامر . كأني فرد من أسرته .
هو اليوم الأول الذي من قدمت إلى هذه الإدارة لا أجد به إلا السكون .
قد لا يكون السكون دوما محمودا. ففي بعض الأحيان يصبح السكون. مدعاة
التأمل في أمر محزن ولا يجنح خيالك أو حقيقتك إلا ناحية من فرض السكون.
أحسست بواجبي نحو أسرة سامر . وما يجب علي القيام به من واجب العزاء .
ذهبت إلى قسم شؤون الموظفين . في الدائرة وطلبت منهم معلومات سامر .
وبينت لهم السبب في ذلك . لم أجد في ملفه الوظيفي إلا اسمه الثلاثي
( سامر عمر علي ) وصورة من شهادة الثانوية العامة .
بحثتُ عن رقم هاتف أو عنوان سكن ولكن لم أجد عدا ما سلف
قال : لي زميل في الأرشيف - قد يفيدك في ذلك أبو خالد مدير الدائرة العامة.
توجهت من فوري إلى مكتب المدير العام . وبعد السلام ؛ أخبرته بحاجتي
لتقديم العزاء لأسرة سامر .
نظر إلي لبرهة ثم أخرج تنهيدة أظنها كادت أن تشق صدره .
وأنشأ يقول : - هل تعلم أن سامر لم يقم في جنازته ولم يصلِ عليه
إلا أربعة نفر ! . اثنان عاملا المقبرة واثنان عاملا البلدية.
دهشت لقول الرجل . وقلت وما ذاك يا أبا خالد ؟!
فأخرج ملفا قد كتب عليه التوظيف من قبل إدارة الشؤون الاجتماعية. ولم يفتحه .
وقال متأوها: لم يكن سامر إلا غلطة ارتكبها اثنان ولم يلتفتا إليها.
أحسست ببرود يتسلق أكتافي . وقلت ماذا تقصد بهذا القول ؟.
فصمت برهة ثم قال :
..
( سامر من مجهولي النسب )