مشعل الذايدي
21/03/2010, 01:12 AM
البرغراف الاول :
لم تكوني امرأةً عاشقةً تتسلل الي من خلف الأبواب الموصدة انما كنتِ الفجر الذي نسجت خيوطه من عتمتي أهازيج الصباح وألوان العيد وطهارات المطر كنتُ قبلك ألوك الهم آهاتاً تدوي في جدران مغاراتي وأعزف الحزن للأشياء من حولي لتبدو لي وكأنها أوتار تهزُ نواقيس الليل معلنة دورة جديدة من دورات الشجن البائس الذي سكن أطرافي .. كنتُ كمصباح علاء الدين وحبك المارد الذي تقوقع به .. علمتني كيف يولد الفجر من العتمه وكيف تتعانق الشمس مع الأمطار لتنسج اللوحة القوسية بألوانها السبعة .. لم أكن قبلك إلا أشلاءاًً نُثرت على قارعة الطريق تلعق التراب عطشا فأتيتِ بنور يديك لتجمعيه حفنةً .. حفنة .. لتعيدي تشكيلي قطعا متناسقه رصت على جدران العشق لوحة من الفسيفساء .
أنتِ فوق مفاهيم العشق وأغاني العشاق .. أنتِ المعضلة التي ورطت العشق ليعيد تشكيل أبجدياته .. لم أعد أتخيل أن هناك من يقدر أن يعجن الأحزان بهجة ً .. ويسكب الأجاج فراتاً الا أنتِ .. كنت أحضنك بين أناملي كقلم أخط به مقاديري و أكتب به ابتهالاتي الليلية .. أتوق إليك كطير مهاجر يلعن الشتاء الذي نفاه عن موطنه ويسرق الريح جناحاته ليبللها بدمع عانق ريشه .. لازلت أشحذك من الشبابيك و أتوسل للطرقات أن تظفر بك .. لازلت أغني معك فيروز ومراسيلها وأحتفظ برسائلك وعطرك وشالك الأسود .. أتمتمهاكصلوات الرّهاب في عتمات صومعتي البارده كأطرافي .. آه كم وددت لو أن لي كفا ثالثه صافحتك في أروقة المطار لأضمها إلى أشيائي
واقبلها كل صباح وأشم بها عطرك لأغسل به رئتي .. لم تزل تلك الدموع في عينيك نجوما بارقة أهتدي بها في ظلامي الدامس حلاكاً .. تسألينني وأنت تمسحين ما عبر من دموعك قسراً على وجنتيكِ .. فهد هل نسيت شيئا لم تأخذه معك ؟ كنت أود ان أصرخ حينها بردهات المطار ( وهل معي شيء وانت هنا ؟ ) ....
أحتاجك جداً هنا حيث لايوجد الا صفير الأشجار وأنين الشوارع ليلٌ موحش يلفني هنا.. وأغتراب نفسي ووجعٌ روحي.
لا يمكن ان يكون ذلك الجاثم على صدري الا الفقد ولكن بابشع صوره يعجنني البرد ليشعل بداخلي ذكريات أضحت هي الجمر الذي يوقد رماد الذاكرة حتى وسادتي أشعر أنها تلفظني دونك والمرايا لاتريد أن تراني دون أن تلمحك في عيني تصوري أن الشرفات والتي كانت ماوانا ذات زمن استوحشتني ورمت بي الى المدى هناك خلف الظلام لم تعد تداعبني بنسماتها وتثيرني بفناجينها السوداء لم تحضن من أوراقي إلا الفراق ومن حنيني إلا البكاء حتى الورود التي غرسناها سوياً أبت أن تستطعم الماء الا من يديكِ ، عاث بها الصفار واستحلها الخريف في زمن الخضره ، أكاد أشعر بأنفاسها الأخيره متمتمة لي ( أين هي ؟) أريدها مرةً واحده وأعدك بعدها أن لا أطلبك إياها ... يااااااااااااه عندها يا مريم انحنت زنابقك مطأطأةً رأسها وانا سقطت من كلي لا أقوى على الحراك أو قول شيء الا تنهيدةً أطلقتها كالسيف الذي أسُْتل من خاصرتي ليستقرفي حنجرتي ... لا أجد نفسي موجوداً الا بك أصبحت مدمنا صورك خاصة تلك التي تضعين يديك بها حول عنقي اه يا تلك الصوره أتذكرينها عندما التقطناها على شواطئ الكويت .. قبلناها سوياً أتذكرين ما قلت لك حينها وأنا ممسكا يديك : مريم أخشى أن أقبلها لوحدي ؟ ابتسمتي لي هامسةًً : فهد ليس هنا في الكويت من هو أكثر منك تشاؤما واردفت غامزةً لي ولا أكثر عشقاً منك أيضاً ؟ وها أنا أقبلها الان وحدي دونك يامريم وكلاً منا يمارس بُكاءه بعيون الاخر .. بكيتك يا مريم عندما شممت شالك، ونزفتك آهاتاً بين رسائلك المتناثرة ـمامي، حتى قنينة عطرك الزرقاء لاتفارق حقيبتي أضمها الى صدري قبل النوم واحضنها بين أضلعي كلما سئمت الحياة ..لم يبقى منها الا القليل الربع يامريم فقط!! وانا اتوحد معها عمراً وكأننا سننتهي سوياً .. تخيلي يا باعثتي انني لا اتجرأ أن المسها الا بحذر أخاف أن أجرح ماتبقى من بصمات أصابعك عليها كلما جُن الليل أذهب الى أسطع نورٍ في صومعتي لأضع القنينة تحت وهجه متأملا رسوم أصابعك وأقبلها برفق وأناجيها بكل اللغات العشقية
هذه نعم أصابع مريم وهذه بصمات ابهامها لالا ؟! بل سبابتها أجل تلك هي بصمة ابهامها وهكذا يا مريم مناجاة ليلية لا تنتهي الا مع آخر ماءٍ ينزل من أحداقي .. جمعت البارحة كل الأشياء التي تعنيك شالك رسائلك قنينة عطرك وحتى آخر كوب شربنا منه سويا في آخرِ لقاء لنا .. كانت حفلة من قلق ضيوفها الغصات الحلقية .. والتناهيد الجوفية .. لا أعرف ماذا كنت أفعل وقتها في تلك الليلة كنت كالمعتوه بل كالتائه الذي يتنقل من عنوان الى اخر كما اتنقل انا من شالك الى قنينتك مارا بكوبك الشفاف احضن الشال واشم العطر واقرا الرسائل اصابتني قشعريرة وقتها ارتعشت أطرافي وسُدتْ حُنجرتي وأحتبس الهواء في صدري واغرورقت عيناي ، خشيت أن أموت حينها دون أن أشبع من أشياءك صرخت دون أن أشعر ( مريم هل أنتِ هنا ؟) بكيت بعدها بشكل هستيري وأنا دافنا رأسي بين خيوط شالك .
يالـ هذا العشق الذي حملتيني إياه يامريم ، إنها اللعنة التي أصابتني ، أتذكرك عندما كنّا نتناقش عن اللعنات والتي تصيب المنقبين عن أسرار الفراعنة وما حلّ بهم ، وأنت كنتِ تُشككين بتلك الأسطورة وتقولين أن اللعنات لاتصيب الا المذنبين بحق الرب انها ذاتها تلك اللعنة التي تنكرينها سابقاً هي من حلت بي وكأنك نفرتيتي و أنا من يبحث عن أسرارها عشقا ً .. كل المُدن يا مريم والتي مررت بها أستأذنها فتهجرني ، وكأنّها لاتود أن تراني وحيداً دونك لاتهديني الا حزن الأماكن ، وغربة الفنادق ، لم يعد يغريني التحليق في الجو كسابق عهدي أشعر أني كطائرٍ أعيته المنافي وألبسته السحب سوادها ،لاسرب له فيأوي إليه ولا رأس جبلٍ يقبله ضيفاً،حتى الأودية لا تقبلني في مواسم المطر رغم انشغالها بعواء الماء أصبحت كالريشة والهواء موطني . في باريس والتي حطّت بها رحلتي كان الشتاء يلُفها والثلج يتلبسها بياضاً لمحت يامريم معطفك الفرو الأبيض والذي أهديته لك ذات لقاء ترتدية امرأةً تحمل من ملامحك الشئ الكثير، هربت اليها متلهفاً ، ويتردد السؤال مع أنفاسي المتسارعه ( مريم ؟ ربما مريم!! يارب اجعلها هي ) رغماً عني صرخت بها: مريم فالتفتت لي مستغربة وعندما أقتربت منها عرفت ان القدر يلعب بي فصافحتها خجلاً وأنا أحمل حقائبي ولم أعرف ماذا أقول لها سوى أنني اعتذرت : آسف ياسيدتي كنت أخالك امراة أعرفها،أبتسمت لي بهدوء : لا ياسيدي فالمطارات كما تعلم لها ايحاءاتها الخاصة !!! جملتها تلك لم تفارق مخيلتي أبداً، وكانت كالناقوس الذي يدقُ بين جنبات أضلعي ،لأعي بعدها أن للإيحاءات لعبتها ونحن الأوراق التي تستبدلها متى أرادت . كنت في باريس لا أفارق الفندق الا قليلاً وأمضي أغلب وقتي في "اللوبي " أقرأك هناك كما يقرأ البوذي صلاواته أتخيلك أنك معي لدرجة انني أطلب كوبين من القهوة التي تفضلينها، أثرت كثيراً أستغراب الجرسون الذي يأخذ فنجانك وهو بارد لم تمسه شفاهك ، نفس المكان الذي كنت تفضلين الجلوس به في زاوية " اللوبي " لازلت أقدسه وأستغرق على شموعه وأنا أتخيل صوتك وهو يقرأ لي ( الحب في زمن الكوليرا ) أتذكر عندما اتصلتي بي متسائلةً : فهد أنا في المكتبة الان أريد أن تساعدني في أختيار رواية . ضحكت وقتها منتصراً : هل اقتنعتي أخيراً ان تقرأي رواية ؟ قلتي لي حينها : نعم ولكن بشرط ان أقراها انا لك ، أريدك ان تقرأها بصوتي ! حينها قبلت سماعة الهاتف وبخجل نهرتيني ماهذا وددت وقتها ان اقول لك انني اقبل صوتك يامريم وليقرأ بعدها لي ماشاء من أسفار العشق ، أستدركت كل ذلك لاقول لك ... الحب في زمن الكوليرا يا مريم لم أقراها بعد بالرغم من فنيتها العالية .. هاهي الرواية بين يدي الان وتلك خطوط أناملك على غلافها الثاني نقشت الاهداء ( الى من أصبح بدونه خرافة .. وبه حقيقةً لا تقبل التأويل .. أهديك اول رواية أقراها لك ) ياااااااه يا مريم كم تحسست خطك بأصابعي ووضعت كفي عليه طويلا متخيلا أنك أمامي، وكم وددت أن تقرأيها لي ثانيةً وأعيش معك حزن أبطالها (فلورنتينو اريثا) الذي يعشق (فيرمينا اديثا) .. أتذكر ذلك المقطع من الرواية والذي حييّنا به فلورنتينو وصرخنا سوياً : بطل يا اريثا هكذا تختطف اللقاءات ! عندما أراد ان يتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق .. ليتني استطيع الان ان اعلن يامريم وباءاً على وجه الارض وليس على سفينة اريثا فقط حتى لايبقى على البسيطة سوانا انا وانت ، يكفيني يوم واحد فقط اريد ان أبكي على صدرك اريد ان اتلحف بشعرك اريد ان أموت بين يديك وبعده يا مريم افعلي ماشئت، اذهبي اليه ونامي بين احضانه وأستوطنيه ، فقط أريد ان أرى أخر ما أرى من أشياء الكون عينيك التي طالما سكنتُها وسكنتني أتراها تذكرني الان؟! هل تستطيع الأماكن ان تمحو زوارها ؟ هذه المعضله والتي ألقيت بها علي ذات امسيه فاجبتك حينها : الأماكن لاتمحو الزوار ولكن هم من يمحون الاماكن !! أتراك نسيت الاماكن التي ضمتّنا وزواياها الحميمية ، هل محوتيها في عينيه وقتلتيها بين احضانه ؟ هل استطاع يامريم ان ينسيك الفصول الاربعة ليبقيك فصلا خامساً يشكله كيفما يشاء .. كم وددت ان أفقأ عينيه كي لايجرح عوراتك ،وأبتر يديه حتى لا يشوه بشرتك ، وأن أخصيه كما يخصى العبيد ليبقى حارساً لك على بابك دون أن ينتهكك أو يستحلك في غيابي .
أشيائك هي ملكي وتقاسيمك هي أوطاني، وحديثك هو متعتي لا أريده ان يسمع لتغتك أو يعبث بشعرك .. لا تنظري اليه يامريم لا تجعليه يخدش اسراري بنظراته .. لا تمكنيه من يديك فلم أزل أستطعمهما بين أصابعي كتوت بري أبى الا ان يزهر في راحتي .. امنعيه .. حاربيه بكل اساليب المرأة .. لا اريده أن يقتلني بك.. أن حاول يامريم ان يستحلك قولي له أنك بستاني ورمانتيك لا تحل الا لي . . وددت لو أن عجلة الفصول توقفت عند ذلك الصيف الذي جمعني بك تحت انوار الابراج هناك لمحتك حينها وكأن القدر وضعك خلسة امامي ليجتث كل نساء العالم ويصلبها على رموشك وكأنك كوكبا خرج عن مداره عنوة ليحط في مساري أتيت بكامل دفئك لتذيبي به صقيع بردي الذي أستعمرني دون أن يجد قبلك امراة تجرأ أن تحاربه بجمر شفتيها سواك أنتِ . عندما سقطت عيناكِ في عيني شعرت أن الكون يهوي بي والأرض تهتز من تحت أقدامي والسماء تكاد أن تلامس هامتي .. تسارعت ضربات قلبي و ارتجت أطرافي كنت أود أن أصرخ بك حينها ضاربا كل الأعراف بعرض الحب
- أين أنت منذ زمن لما تاخرتِ ؟
شعرت في ذلك المساء أنني أعرفك منذ عقود وكأننا التقينا وعشقنا بعضنا وتهامسنا طويلا في عالم آخر غير هذا العالم .. شهقت عندما وجدتك .
- يا الله
سألني خالد والذي كان معي ساعة زلزالك
- فهد أتعرفها ؟
- والله أعرفها يا خالد كما أعرفك و أكثر
- من تكون ؟
- إنها اللعنة التي ستصيبني بالجنون إن لم أرتكبها !!
- فهد أية لعنة تتكلم عنها هل تعرفها من قبل ؟
- لا ولكنني والله التقيتها .. في أحلامي ربما ! أو في عالم آخر .. لا أدري ؟
- اذن عشق آخر جديد ؟! حلقة أخرى من نزواتك
ليتها نزوه .. ليتها نزوة .. يا خالد ها أنا ذا أُصاب بلعنتها
وأتجرع جمرها حمما بركانية لا تعرف التوقف عن الفوران .
تبعتك كأرضٍ قاحلة يتوسدها الجفاف وكنتِ العنان الذي بُعث الي ليصب مقاديره الربيعية في اوديتي وينتشلني من كفر الأحقاف أتيتِ لتطهريني من كل الأثام التي ارتكبتها قبلك.. لتمنحيني طمأنينة اليقين و تتلي علي ابتهالات العشاق في ليلةٍ اندلسية .. تعلمت منك أن التفاحة لم تكن من حماقات حواء بل كان العشق من أسقطها في فمها .. عرفت معك أن الذنوب تخترعها الشياطين ويستثمرها العشاق يا مريم .
حادثتك في مساء كان يلفني به الضيق بعد أن عزت لقاءاتنا كنت وقتها أتوسد صخرة على شاطئ البحر أنتظر مجيئك و أراقب الأسماك وهي تتقافز من الماء بعد كل حجر اأرمي به الموج وكأنها تتلهف مثلي لرؤياك ... جاء صوتك حزينا مريضاً وكأنه سرق منك دون أن تشعري
- فهد .. أما زلت هناك ؟
- ما بك صوتك لم أعتاده هكذا !
- لا يافهد إنما.. ممم.. لا أدري ما أقول لك ؟
- اعتذار آخر يامريم ؟!
- فهد .. أقسم بالله أن الجميع هنا يشكون في أمري
- سأنتظرك يامريم ولو بعد ألف عام
- فهد لا تجلس وحدك لا أريد أن أشعر بالذنب تجاهك أرجوك
- مريم والله لن أسعد أحدا يراني ..
- غدا ربما أستطيع
- ليس لي الا الغد يامريم .. سأنتظرك
مر اكثر من شهر على هذه المكالمة ولم أرك بها حتى صوتك الذي اقتات به لم يعد سانحاً لي .. آتي كل مساء محملا بأمل اللقاء .. ورماد اللهفة يتطاير من أحداقي ليترك غباره الحزين على جبيني .. أضحى قلبي وكأنه أُرجوحة تعانق السماء تارة وتقبل الأرض تارة أخرى لاتكل من الدوران القوسي وكأنها تبتزني في غيابك .. أمواج الشاطيء تأتي لتلامس أطراف أصابعي وتعود محملة برائحتك وهكذا كلما غسل البحر عطرك أتت لتأخذ من عبقه بتقبيل أناملي .. وحتى النجوم والتي كنت أتاملها وأنا معك هنا لم تعد كما كانت فوانيس تزين السماء بل أصبحت بعدك يامريم وكانها الثقوب التي تشوه منظر الأفق ليتخللها الظلام ويتسلل منها الألم والبؤس الليلي الذي أتذوقه كطعم لوز مر سقط من أفرعه قبل أوانه .. هذه هي ضريبة العشق يامريم فكل الفضلاء يطالبون بثمن فضيلتهم .. حتى أهلك الذين استلبوك مني يطالبونك بثمن الحب كم وددت أن أقف بينهم ثائراً متوعداً إياهم بما جاء به نيتشه على لسان زرادشت
" إن القتل أخف جرما من جنايتكم علي فقد سلبتموني ما لا قبل لي بالاستعاضه عنه بشئ ذلك ما أقوله لكم أيها الأعداء " نعم لقد سلبوني يامريم في غيابك عني وكأنهم أرسلوا إلي كل الأشباح السماوية وهي تحمل بين قرونها سلاسل من جهنم كبلوني بها كأضحية في ليلة الاحاد وأرادوا صلبي على أجذعة الزقوم ... كل الكائنات الإلهية هربت معك وتركتني وحيداً خائفا ً لا أقوى على شئ إلا الألتهاج باسمك على أرصفة الأشقياء .
لم تكوني امرأةً عاشقةً تتسلل الي من خلف الأبواب الموصدة انما كنتِ الفجر الذي نسجت خيوطه من عتمتي أهازيج الصباح وألوان العيد وطهارات المطر كنتُ قبلك ألوك الهم آهاتاً تدوي في جدران مغاراتي وأعزف الحزن للأشياء من حولي لتبدو لي وكأنها أوتار تهزُ نواقيس الليل معلنة دورة جديدة من دورات الشجن البائس الذي سكن أطرافي .. كنتُ كمصباح علاء الدين وحبك المارد الذي تقوقع به .. علمتني كيف يولد الفجر من العتمه وكيف تتعانق الشمس مع الأمطار لتنسج اللوحة القوسية بألوانها السبعة .. لم أكن قبلك إلا أشلاءاًً نُثرت على قارعة الطريق تلعق التراب عطشا فأتيتِ بنور يديك لتجمعيه حفنةً .. حفنة .. لتعيدي تشكيلي قطعا متناسقه رصت على جدران العشق لوحة من الفسيفساء .
أنتِ فوق مفاهيم العشق وأغاني العشاق .. أنتِ المعضلة التي ورطت العشق ليعيد تشكيل أبجدياته .. لم أعد أتخيل أن هناك من يقدر أن يعجن الأحزان بهجة ً .. ويسكب الأجاج فراتاً الا أنتِ .. كنت أحضنك بين أناملي كقلم أخط به مقاديري و أكتب به ابتهالاتي الليلية .. أتوق إليك كطير مهاجر يلعن الشتاء الذي نفاه عن موطنه ويسرق الريح جناحاته ليبللها بدمع عانق ريشه .. لازلت أشحذك من الشبابيك و أتوسل للطرقات أن تظفر بك .. لازلت أغني معك فيروز ومراسيلها وأحتفظ برسائلك وعطرك وشالك الأسود .. أتمتمهاكصلوات الرّهاب في عتمات صومعتي البارده كأطرافي .. آه كم وددت لو أن لي كفا ثالثه صافحتك في أروقة المطار لأضمها إلى أشيائي
واقبلها كل صباح وأشم بها عطرك لأغسل به رئتي .. لم تزل تلك الدموع في عينيك نجوما بارقة أهتدي بها في ظلامي الدامس حلاكاً .. تسألينني وأنت تمسحين ما عبر من دموعك قسراً على وجنتيكِ .. فهد هل نسيت شيئا لم تأخذه معك ؟ كنت أود ان أصرخ حينها بردهات المطار ( وهل معي شيء وانت هنا ؟ ) ....
أحتاجك جداً هنا حيث لايوجد الا صفير الأشجار وأنين الشوارع ليلٌ موحش يلفني هنا.. وأغتراب نفسي ووجعٌ روحي.
لا يمكن ان يكون ذلك الجاثم على صدري الا الفقد ولكن بابشع صوره يعجنني البرد ليشعل بداخلي ذكريات أضحت هي الجمر الذي يوقد رماد الذاكرة حتى وسادتي أشعر أنها تلفظني دونك والمرايا لاتريد أن تراني دون أن تلمحك في عيني تصوري أن الشرفات والتي كانت ماوانا ذات زمن استوحشتني ورمت بي الى المدى هناك خلف الظلام لم تعد تداعبني بنسماتها وتثيرني بفناجينها السوداء لم تحضن من أوراقي إلا الفراق ومن حنيني إلا البكاء حتى الورود التي غرسناها سوياً أبت أن تستطعم الماء الا من يديكِ ، عاث بها الصفار واستحلها الخريف في زمن الخضره ، أكاد أشعر بأنفاسها الأخيره متمتمة لي ( أين هي ؟) أريدها مرةً واحده وأعدك بعدها أن لا أطلبك إياها ... يااااااااااااه عندها يا مريم انحنت زنابقك مطأطأةً رأسها وانا سقطت من كلي لا أقوى على الحراك أو قول شيء الا تنهيدةً أطلقتها كالسيف الذي أسُْتل من خاصرتي ليستقرفي حنجرتي ... لا أجد نفسي موجوداً الا بك أصبحت مدمنا صورك خاصة تلك التي تضعين يديك بها حول عنقي اه يا تلك الصوره أتذكرينها عندما التقطناها على شواطئ الكويت .. قبلناها سوياً أتذكرين ما قلت لك حينها وأنا ممسكا يديك : مريم أخشى أن أقبلها لوحدي ؟ ابتسمتي لي هامسةًً : فهد ليس هنا في الكويت من هو أكثر منك تشاؤما واردفت غامزةً لي ولا أكثر عشقاً منك أيضاً ؟ وها أنا أقبلها الان وحدي دونك يامريم وكلاً منا يمارس بُكاءه بعيون الاخر .. بكيتك يا مريم عندما شممت شالك، ونزفتك آهاتاً بين رسائلك المتناثرة ـمامي، حتى قنينة عطرك الزرقاء لاتفارق حقيبتي أضمها الى صدري قبل النوم واحضنها بين أضلعي كلما سئمت الحياة ..لم يبقى منها الا القليل الربع يامريم فقط!! وانا اتوحد معها عمراً وكأننا سننتهي سوياً .. تخيلي يا باعثتي انني لا اتجرأ أن المسها الا بحذر أخاف أن أجرح ماتبقى من بصمات أصابعك عليها كلما جُن الليل أذهب الى أسطع نورٍ في صومعتي لأضع القنينة تحت وهجه متأملا رسوم أصابعك وأقبلها برفق وأناجيها بكل اللغات العشقية
هذه نعم أصابع مريم وهذه بصمات ابهامها لالا ؟! بل سبابتها أجل تلك هي بصمة ابهامها وهكذا يا مريم مناجاة ليلية لا تنتهي الا مع آخر ماءٍ ينزل من أحداقي .. جمعت البارحة كل الأشياء التي تعنيك شالك رسائلك قنينة عطرك وحتى آخر كوب شربنا منه سويا في آخرِ لقاء لنا .. كانت حفلة من قلق ضيوفها الغصات الحلقية .. والتناهيد الجوفية .. لا أعرف ماذا كنت أفعل وقتها في تلك الليلة كنت كالمعتوه بل كالتائه الذي يتنقل من عنوان الى اخر كما اتنقل انا من شالك الى قنينتك مارا بكوبك الشفاف احضن الشال واشم العطر واقرا الرسائل اصابتني قشعريرة وقتها ارتعشت أطرافي وسُدتْ حُنجرتي وأحتبس الهواء في صدري واغرورقت عيناي ، خشيت أن أموت حينها دون أن أشبع من أشياءك صرخت دون أن أشعر ( مريم هل أنتِ هنا ؟) بكيت بعدها بشكل هستيري وأنا دافنا رأسي بين خيوط شالك .
يالـ هذا العشق الذي حملتيني إياه يامريم ، إنها اللعنة التي أصابتني ، أتذكرك عندما كنّا نتناقش عن اللعنات والتي تصيب المنقبين عن أسرار الفراعنة وما حلّ بهم ، وأنت كنتِ تُشككين بتلك الأسطورة وتقولين أن اللعنات لاتصيب الا المذنبين بحق الرب انها ذاتها تلك اللعنة التي تنكرينها سابقاً هي من حلت بي وكأنك نفرتيتي و أنا من يبحث عن أسرارها عشقا ً .. كل المُدن يا مريم والتي مررت بها أستأذنها فتهجرني ، وكأنّها لاتود أن تراني وحيداً دونك لاتهديني الا حزن الأماكن ، وغربة الفنادق ، لم يعد يغريني التحليق في الجو كسابق عهدي أشعر أني كطائرٍ أعيته المنافي وألبسته السحب سوادها ،لاسرب له فيأوي إليه ولا رأس جبلٍ يقبله ضيفاً،حتى الأودية لا تقبلني في مواسم المطر رغم انشغالها بعواء الماء أصبحت كالريشة والهواء موطني . في باريس والتي حطّت بها رحلتي كان الشتاء يلُفها والثلج يتلبسها بياضاً لمحت يامريم معطفك الفرو الأبيض والذي أهديته لك ذات لقاء ترتدية امرأةً تحمل من ملامحك الشئ الكثير، هربت اليها متلهفاً ، ويتردد السؤال مع أنفاسي المتسارعه ( مريم ؟ ربما مريم!! يارب اجعلها هي ) رغماً عني صرخت بها: مريم فالتفتت لي مستغربة وعندما أقتربت منها عرفت ان القدر يلعب بي فصافحتها خجلاً وأنا أحمل حقائبي ولم أعرف ماذا أقول لها سوى أنني اعتذرت : آسف ياسيدتي كنت أخالك امراة أعرفها،أبتسمت لي بهدوء : لا ياسيدي فالمطارات كما تعلم لها ايحاءاتها الخاصة !!! جملتها تلك لم تفارق مخيلتي أبداً، وكانت كالناقوس الذي يدقُ بين جنبات أضلعي ،لأعي بعدها أن للإيحاءات لعبتها ونحن الأوراق التي تستبدلها متى أرادت . كنت في باريس لا أفارق الفندق الا قليلاً وأمضي أغلب وقتي في "اللوبي " أقرأك هناك كما يقرأ البوذي صلاواته أتخيلك أنك معي لدرجة انني أطلب كوبين من القهوة التي تفضلينها، أثرت كثيراً أستغراب الجرسون الذي يأخذ فنجانك وهو بارد لم تمسه شفاهك ، نفس المكان الذي كنت تفضلين الجلوس به في زاوية " اللوبي " لازلت أقدسه وأستغرق على شموعه وأنا أتخيل صوتك وهو يقرأ لي ( الحب في زمن الكوليرا ) أتذكر عندما اتصلتي بي متسائلةً : فهد أنا في المكتبة الان أريد أن تساعدني في أختيار رواية . ضحكت وقتها منتصراً : هل اقتنعتي أخيراً ان تقرأي رواية ؟ قلتي لي حينها : نعم ولكن بشرط ان أقراها انا لك ، أريدك ان تقرأها بصوتي ! حينها قبلت سماعة الهاتف وبخجل نهرتيني ماهذا وددت وقتها ان اقول لك انني اقبل صوتك يامريم وليقرأ بعدها لي ماشاء من أسفار العشق ، أستدركت كل ذلك لاقول لك ... الحب في زمن الكوليرا يا مريم لم أقراها بعد بالرغم من فنيتها العالية .. هاهي الرواية بين يدي الان وتلك خطوط أناملك على غلافها الثاني نقشت الاهداء ( الى من أصبح بدونه خرافة .. وبه حقيقةً لا تقبل التأويل .. أهديك اول رواية أقراها لك ) ياااااااه يا مريم كم تحسست خطك بأصابعي ووضعت كفي عليه طويلا متخيلا أنك أمامي، وكم وددت أن تقرأيها لي ثانيةً وأعيش معك حزن أبطالها (فلورنتينو اريثا) الذي يعشق (فيرمينا اديثا) .. أتذكر ذلك المقطع من الرواية والذي حييّنا به فلورنتينو وصرخنا سوياً : بطل يا اريثا هكذا تختطف اللقاءات ! عندما أراد ان يتخلص من المسافرين الآخرين بخدعة أن السفينة عليها وباء الكوليرا لكي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق .. ليتني استطيع الان ان اعلن يامريم وباءاً على وجه الارض وليس على سفينة اريثا فقط حتى لايبقى على البسيطة سوانا انا وانت ، يكفيني يوم واحد فقط اريد ان أبكي على صدرك اريد ان اتلحف بشعرك اريد ان أموت بين يديك وبعده يا مريم افعلي ماشئت، اذهبي اليه ونامي بين احضانه وأستوطنيه ، فقط أريد ان أرى أخر ما أرى من أشياء الكون عينيك التي طالما سكنتُها وسكنتني أتراها تذكرني الان؟! هل تستطيع الأماكن ان تمحو زوارها ؟ هذه المعضله والتي ألقيت بها علي ذات امسيه فاجبتك حينها : الأماكن لاتمحو الزوار ولكن هم من يمحون الاماكن !! أتراك نسيت الاماكن التي ضمتّنا وزواياها الحميمية ، هل محوتيها في عينيه وقتلتيها بين احضانه ؟ هل استطاع يامريم ان ينسيك الفصول الاربعة ليبقيك فصلا خامساً يشكله كيفما يشاء .. كم وددت ان أفقأ عينيه كي لايجرح عوراتك ،وأبتر يديه حتى لا يشوه بشرتك ، وأن أخصيه كما يخصى العبيد ليبقى حارساً لك على بابك دون أن ينتهكك أو يستحلك في غيابي .
أشيائك هي ملكي وتقاسيمك هي أوطاني، وحديثك هو متعتي لا أريده ان يسمع لتغتك أو يعبث بشعرك .. لا تنظري اليه يامريم لا تجعليه يخدش اسراري بنظراته .. لا تمكنيه من يديك فلم أزل أستطعمهما بين أصابعي كتوت بري أبى الا ان يزهر في راحتي .. امنعيه .. حاربيه بكل اساليب المرأة .. لا اريده أن يقتلني بك.. أن حاول يامريم ان يستحلك قولي له أنك بستاني ورمانتيك لا تحل الا لي . . وددت لو أن عجلة الفصول توقفت عند ذلك الصيف الذي جمعني بك تحت انوار الابراج هناك لمحتك حينها وكأن القدر وضعك خلسة امامي ليجتث كل نساء العالم ويصلبها على رموشك وكأنك كوكبا خرج عن مداره عنوة ليحط في مساري أتيت بكامل دفئك لتذيبي به صقيع بردي الذي أستعمرني دون أن يجد قبلك امراة تجرأ أن تحاربه بجمر شفتيها سواك أنتِ . عندما سقطت عيناكِ في عيني شعرت أن الكون يهوي بي والأرض تهتز من تحت أقدامي والسماء تكاد أن تلامس هامتي .. تسارعت ضربات قلبي و ارتجت أطرافي كنت أود أن أصرخ بك حينها ضاربا كل الأعراف بعرض الحب
- أين أنت منذ زمن لما تاخرتِ ؟
شعرت في ذلك المساء أنني أعرفك منذ عقود وكأننا التقينا وعشقنا بعضنا وتهامسنا طويلا في عالم آخر غير هذا العالم .. شهقت عندما وجدتك .
- يا الله
سألني خالد والذي كان معي ساعة زلزالك
- فهد أتعرفها ؟
- والله أعرفها يا خالد كما أعرفك و أكثر
- من تكون ؟
- إنها اللعنة التي ستصيبني بالجنون إن لم أرتكبها !!
- فهد أية لعنة تتكلم عنها هل تعرفها من قبل ؟
- لا ولكنني والله التقيتها .. في أحلامي ربما ! أو في عالم آخر .. لا أدري ؟
- اذن عشق آخر جديد ؟! حلقة أخرى من نزواتك
ليتها نزوه .. ليتها نزوة .. يا خالد ها أنا ذا أُصاب بلعنتها
وأتجرع جمرها حمما بركانية لا تعرف التوقف عن الفوران .
تبعتك كأرضٍ قاحلة يتوسدها الجفاف وكنتِ العنان الذي بُعث الي ليصب مقاديره الربيعية في اوديتي وينتشلني من كفر الأحقاف أتيتِ لتطهريني من كل الأثام التي ارتكبتها قبلك.. لتمنحيني طمأنينة اليقين و تتلي علي ابتهالات العشاق في ليلةٍ اندلسية .. تعلمت منك أن التفاحة لم تكن من حماقات حواء بل كان العشق من أسقطها في فمها .. عرفت معك أن الذنوب تخترعها الشياطين ويستثمرها العشاق يا مريم .
حادثتك في مساء كان يلفني به الضيق بعد أن عزت لقاءاتنا كنت وقتها أتوسد صخرة على شاطئ البحر أنتظر مجيئك و أراقب الأسماك وهي تتقافز من الماء بعد كل حجر اأرمي به الموج وكأنها تتلهف مثلي لرؤياك ... جاء صوتك حزينا مريضاً وكأنه سرق منك دون أن تشعري
- فهد .. أما زلت هناك ؟
- ما بك صوتك لم أعتاده هكذا !
- لا يافهد إنما.. ممم.. لا أدري ما أقول لك ؟
- اعتذار آخر يامريم ؟!
- فهد .. أقسم بالله أن الجميع هنا يشكون في أمري
- سأنتظرك يامريم ولو بعد ألف عام
- فهد لا تجلس وحدك لا أريد أن أشعر بالذنب تجاهك أرجوك
- مريم والله لن أسعد أحدا يراني ..
- غدا ربما أستطيع
- ليس لي الا الغد يامريم .. سأنتظرك
مر اكثر من شهر على هذه المكالمة ولم أرك بها حتى صوتك الذي اقتات به لم يعد سانحاً لي .. آتي كل مساء محملا بأمل اللقاء .. ورماد اللهفة يتطاير من أحداقي ليترك غباره الحزين على جبيني .. أضحى قلبي وكأنه أُرجوحة تعانق السماء تارة وتقبل الأرض تارة أخرى لاتكل من الدوران القوسي وكأنها تبتزني في غيابك .. أمواج الشاطيء تأتي لتلامس أطراف أصابعي وتعود محملة برائحتك وهكذا كلما غسل البحر عطرك أتت لتأخذ من عبقه بتقبيل أناملي .. وحتى النجوم والتي كنت أتاملها وأنا معك هنا لم تعد كما كانت فوانيس تزين السماء بل أصبحت بعدك يامريم وكانها الثقوب التي تشوه منظر الأفق ليتخللها الظلام ويتسلل منها الألم والبؤس الليلي الذي أتذوقه كطعم لوز مر سقط من أفرعه قبل أوانه .. هذه هي ضريبة العشق يامريم فكل الفضلاء يطالبون بثمن فضيلتهم .. حتى أهلك الذين استلبوك مني يطالبونك بثمن الحب كم وددت أن أقف بينهم ثائراً متوعداً إياهم بما جاء به نيتشه على لسان زرادشت
" إن القتل أخف جرما من جنايتكم علي فقد سلبتموني ما لا قبل لي بالاستعاضه عنه بشئ ذلك ما أقوله لكم أيها الأعداء " نعم لقد سلبوني يامريم في غيابك عني وكأنهم أرسلوا إلي كل الأشباح السماوية وهي تحمل بين قرونها سلاسل من جهنم كبلوني بها كأضحية في ليلة الاحاد وأرادوا صلبي على أجذعة الزقوم ... كل الكائنات الإلهية هربت معك وتركتني وحيداً خائفا ً لا أقوى على شئ إلا الألتهاج باسمك على أرصفة الأشقياء .