مشاهدة النسخة كاملة : دعوني وشأني ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:29 AM
الأطفالُ الذينَ أعرفهم ..
الذينَ ألعبُ معهم تحديداً ..
كانوا يركضونَ خلفَ الشمس ..
هكذا ؛ شمسٌ عارية ٌ تبللُ وجوههم ..
رغمَ أنها لا تـُمطر ..!
الأطفالُ كانوا يركضونَ خلفَ الشمس ..
وأنا كنتُ أبتسمُ وحيداً على مقعدِ الحديقة ..
عندما تكوّمتُ جانباً ..
وأخرجتُ الشمسَ من جيبي ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:31 AM
في طفولتي ..
كانَ [ الليلُ ] يزورُ أحدَ أصدقائي ..
وحينَ تعرفتُ عليه قاطعنا سوياً ..
ذاتَ مرةٍ أحسستُ بـ حركةٍ في [ الليل ] ..
وإذ بـ صديقي هذا يبكي قربَ الموقد ..
كانَ الميتمُ كبيراً كـ سفينة ..
ذا برجين ِ هائلين ..
كـ قرنـَي ماعز ٍيحملُ الكرة َ الأرضية ..!
وكانَ يبكي ..
حينها اقتربتُ وبدأتُ أتأسف ..
صرخَ في وجهي :
أنتَ سببُ ابتعادِ الليل ؛ أكرهك ..!
بعدَ ليلتين من تلكَ الحادثة ..
سمعتُ حركة ً في [ الليل ] ..
وإذ بـ صديقي يبكي قربَ الموقد ..
أخبرني أنني لستُ السببَ في ابتعادِ الليل ..
حينها نظرتُ لـ أعلى ..
كانَ الميتمُ صغيراً ..
ضيقاً كـ حضن صبي ٍ صغير ..
كانَ الميتمُ لا يتسعُ لـ [ ثلاثة ] ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:34 AM
كنتُ أرى في نفسي رجلاً ..
- هذا على الأقلّ ما كنتُ أراه -
وفي مرةٍ كنتُ ألعبُ بـ طائر ٍ ورقيّ ..
أتذكرُ جيداً عينيهِ التي رسمتها بـ قلم ٍ أزرق ..
وذيلهُ الذي كانَ مقطوعاً ..
الذي أمسكَ بهِ ابنُ الحيّ لـ يأخذهُ مني ..
فـ شددتهُ بـ قوة ..
وحينما هربَ أحسستُ بـ أنني رجل ..
تلكَ اللحظة ..
والتي كنتُ فيها أقفز ُ من رصيفٍ إلى رصيف ..
اصطدمتُ بـ امرأةٍ [ حاملْ ] ..
كنتُ أنظرُ إلى التكوّر المخيفِ أمامها ..
وسألتها :
ما هذا ..؟
انحنت قليلاً بـ ألم ٍ وقالت :
هذا رجلٌ جديد ..!
حينها امتعضتُ وتجعّدَ الطيرُ في يدي :
رجلٌ غيري وغيرَ أبي ..؟
ابتسمت :
نعم ؛ رجلٌ غيركَ وغيرَ أبيك ..!
مضيتُ لا ألوي على شيء ..
فـ هيَ تكبرني سناً وجسماً ..
وإلا لـ أبرحتـُها ضرباً ..!
- هذا على الأقلّ ما كنتُ أشعرُ به -
لكنني ..
وحينَ عدتُ إلى الميتم بعدَ عام ..
وبّختني المشرفة ُ كثيراً ..
وهدّدتْ بـ حبسي ..!
لكنني :
كنتُ أنظرُ بـ دهشةٍ إلى التكوّر المخيف أمامها ..
وأتساءل :
هذهِ المشرفة ُ الخبيثة ُ حبست ذلكَ الرجلَ ..
لـ أنهُ خرجَ في نزهةٍ معَ تلكَ المرأة ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:36 AM
كانوا مقيّدينَ بـ إقامةٍ جبرية ..
لا أحدَ يراهم ..
لكنهم في منزل ٍ فخم ..
لا يخرجونَ منه ..!
وعندما يُنادى لـ صلاةِ العيد ..
أرى نوافذ َ المنزل جميعها مشرعة ..
اللافتة ُ على سور ِ المنزل كانت تقول :
المرأة ُ نصفها أخرس ..!
لم أكن أعلمُ ماذا تعني ..
ولم أكن أفكرُ بها كثيراً ..
بعدَ صلاةِ العيد ..
كنتُ أمسكُ بـ يدِ رجل ٍ لا أعرفُ من هوَ ..
لكنهُ رجلٌ اختارَ اثنين ِ من الميتم ..
أنا وصديقي ..
بعدَ أن وقـّعَ على أوراق كثيرة ..
احتفظت ليَ المشرفة ُ بـ نسخةٍ منها ؛ وقالت :
عندما تكبر سـ تأخذ هذه ..!
في قلبي كنتُ أتمنى أن أرى أنفها طويلاً ذاتَ يوم ..
أو أن تتمددَ أذنيها حتى تضطر لـ إخفائهما بـ قبعة ..!
كنتُ أسيرُ مع الرجل ِ الأبيض ِ هذا ..
والذي مرّ بنا قربَ المنزل ..
سألتُ بـ براءةٍ بعدَ مباشرةِ إزالتي لـ غلافِ الحلوى :
ماذا تعني هذهِ العبارة ..؟
ضحكَ كثيراً ؛ قائلاً :
أنتَ عفريت ..!
في اليوم التالي ..
ارتديتُ غطاءَ سريري الأبيض ..
وسرتُ في أرجاءِ الميتم ..
وحينَ رأتني المشرفة ُ تطايرَ الغضبُ من عينيها ..
وحملتني بـ يدٍ واحدةٍ وسارت ..
كنتُ أرى الأشياءَ في الميتم ِ وهيَ تبتعد ..
في حين ِ أنها تسيرُ إلى الأمام ..
ولم أعلم متى ينتهي هذا ..!
سارت مسافة ً طويلة ً إلى الأعلى ..
ثمّ أودعتني في حجرةٍ أعلى البرج ..
وأغلقت الباب ..
أولُ شيءٍ فعلتـُهُ هوَ إحضارُ صندوق ٍ :
ووضعتهُ أسفلَ النافذة ..
وحينَ نظرتُ تفاجأتُ وسقطت ..!
كانت النافذة ُ تطلّ على منزل المقيدين ..
وفهمتُ جيداً ما تعنيهِ عبارة ُ :
المرأة ُ نصفها أخرس ..!
كانوا مقيّدينَ بـ إقامةٍ جبرية ..
لا أحدَ يراهم ..
لكنهم في منزل ٍ فخم ..
لا يخرجونَ منه ..
لكنّ أحدهم تمكّنَ منَ الفرار ..
خرجَ من ذلكَ المنزل ..
لكنّ خروجهُ كانَ :
خبرَ موتٍ في الجريدة ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:37 AM
الحريقُ يُخرجُ دخانهُ من رأسي ..
والرجلُ القريبُ مني :
يسكبُ دلوَ ماءٍ كامل ٍ فوقي ..
وحيثُ أني لا أنطفئ :
يُخرجُ سيجارة ً ويُشعلها من عيني اليُمنى ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:37 AM
السيجارة ُ التي أدخنها ..
تمتزجُ جيداً بـ طعم ِ الطفولةِ في ذاكرتي ..
حينما كنتُ طفلاً في السادسة ..
كنتُ أراقبُ أولئكَ الذينَ يُشعلونَ سجائرهم ..
ثمّ ينفثونَ الدخانَ بـ أشكالَ مختلفة ..
أحدهم قوسَ شفتيهِ وأخرجَ دائرة ..
والآخر حركَ رأسهُ يميناً ويساراً ..
فـ خرجت امرأة ٌ ترقص ..
وأنا ..
أرى امرأة ً تغوي الليلَ في عينيّ ..
وأسحبُ رأسي إلى الخلفِ وأنفثُ الدخان ..
وأتمنى أن يخرجَ في شكل ِ رمح ٍ لـ أقتلها ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:38 AM
في الميتم ِ لم نكُن نقرأ ..
فـ في السنةِ التي تعلمتُ فيها القراءة ..
كانَ صديقي قد غادرَ معَ الرجل الأبيض ..
وأنا ؛ نسيتُ القراءة َ تدريجياً ..
لـ سببين :
أحدهما أنني لم أقرأ منذ زمن ..
والآخرُ أنني دُهشتُ حينَ عرفتُ معنى :
[ المرأة ُ نصفها أخرس ] ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:42 AM
بعد سنتين ونصف جاءَ صديقي إليّ ..
كانَ يحملُ حقيبة ً مملوءة ً بـ الطعام والحلوى ..
وكانَ حينَ يُخرجُ أحدها يهمسُ لي بـ اسمه ..
في مرةٍ وقبلَ أن يُخرجَ إحدى الحلوى ..
قالَ :
ما رأيكَ في طعم ِ الفراولة ..؟
كنتُ في التاسعةِ حينها ..
وتخيلتُ - وأنا أمسحُ بقايا الشوكولا - شكلَ الفراولة ..
أو طعمها ..
بـ نظرةٍ تشبهُ النعسانَ دارت قصصٌ كثيرة ٌ بـ رأسي ..
منها رجلٌ أعرجٌ كانَ يحملُ تفاحة ً قديمة ..
وكانَ يأكلُ بعضها ..
ويقضمُ البعضَ الآخر - المتعفن - ثمّ يلفظهُ خارجاً ..
صِحتُ :
لا أحبّ طعمَ الفراولة ..
ضحكَ صديقي متسائلاً عن السبب ..
فـ أخبرتهُ عن طعمها ..!
حينها أمسكَ بـ يدي ..
ووضعَ شيئاً أحمرَ بها ..
لـ الوهلةِ الأولى تذكرتُ بطلَ قصةٍ اسمهُ " زيس " ..
وتذكرتُ " عينَ " التنين الحمراء التي اقتلعها ..
ثمّ تذكرتُ أنّ الفراولة َ حلوى تؤكل ..
لكنها لا " ترى " شيئاً ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:44 AM
مرّت سنتان ِ منذ ذلك الوقت ..
ولم أرَ صديقي ..!
لكنني في تلكَ الأثناء كنتُ أحاولُ جاهداً التخلصَ منَ الميتم ..
المشرفة ُ باتت عجوزاً ..
وكانت تحملُ طفلاً معها ..
وأنا أتذكرُ كلما كبرتُ ذلكَ الرجلُ المحبوس ..
وكيفَ أنها حبستهُ طويلاً :
حتى أصبحَ صغيراً ..!
علمت المشرفة ُ حكايتي معَ الرجل ..
وصارت تهددني إن لم أنم ..
بـ أنها سوفَ تحبسني ..
أحياناً في [ الليل ] أفتحُ عينيّ ..
وأتفقدُ جسمي ..
وأعرفُ طولَ ساقي تماماً ..
وأقيسهُ كلّ [ ليلتين ِ ] أو أكثر ..
ذاتَ مرةٍ وأنا أقيس ساقي ..
أحسستُ بـ حركةٍ قربَ الموقد ..
وإذ بـ الليل ِ يبكي ..
حينها ترنحتُ وسقطتُ من خيبةِ الأمل :
المشرفة ُ حبست [ الليلَ ] في الميتم ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 01:45 AM
تعرّفتُ على صبيةٍ في الحيّ القريب ..
وكنتُ أركضُ مع أحدهم ..
كانَ [ أبرصاً ] ..
وكانَ الأطفالُ يتهامسونَ إذا مشيتُ قربهم ..
وذاتَ مرةٍ استوقفتُ صديقي وسألتهُ عن هذا البرص ..
قالَ إنهُ حينما كانَ صغيراً جداً ..
أحضرَ أباهُ [ شمساً ] كبيرة ً إلى المنزل ..
ووضعها على الطاولة ..
وكيفَ أنهُ جيئة ً وذهاباً كانَ يقضمُ من هذهِ الشمس ..
وفجأة ً أخذهُ أبوهُ إلى الطبيب ..
وكانَ ساخناً لـ أنهُ أكل [ الشمس ] ..
حينها ؛ وبعدَ أيام قليلة ..
بدأ جلدهُ [ يُشرق ] ..!
اعتذرتُ لـ صديقي ..
وأخبرتهُ بـ ضرورةِ عودتي إلى الميتم ..
وفي طريق ِ العودةِ :
استدرتُ عندَ حاويةِ نفايةٍ في زاويةِ الحيّ ..
وأخرجتُ الشمسَ من جيبي ..
وألقيتها في الحاويةِ وركضت ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 02:06 AM
[ الليلُ ] كانَ غاضباً مني ..
غاضبٌ لـ أنني ألقيتُ الشمسَ في حاوية ..
وأخذ يوبّخني طوال [ الليل ] ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 02:08 AM
استندتُ على سور ِ الحديقة ..
بعدَ أن ركضتُ طويلاً هارباً من الميتم ..
استغليتُ فرصة َ غيابِ المشرفة ..
- كانت غائبة ً لـ ما يُقارب الأسبوع -
وفي غيابها عطفَتْ عليّ امرأة ٌ شابة ..
كانت تغسلني بـ ماءٍ دافئ ..
ولا تهددني بـ حبسي مثلما حُبسَ الرجل ..!
ذاتَ مساءٍ ودعتني ..
وقالت أنّ المشرفة َ سـ تعود ..
وأنها سـ تشتاقُ إليّ ..!
لا أتذكر إن كنتُ بكيتُ أو لا ..
لكنني ودّعتُ [ الليلَ ] قربَ الموقد ..
- بعدَ فشلي في إقناعهِ بـ الهرب -
وركضتُ كثيراً ..
وبعدَ كلّ مسافةٍ أقطعها ..
أنظرُ إلى الميتم ..
وأراهُ صغيراً ؛ وأسأل :
كيفَ كانَ يتسعُ لي ولـ من كانوا معي ..؟
استندتُ على سور الحديقة ..
بعدَ أن ركضتُ كثيراً هارباً من الميتم ..
حينها توقفتْ عربة ُ أحدهم ..
وترجّلت امرأة ٌ يُشبهُ صوتها صوتَ المشرفة :
ماذا تفعلُ هنا هذهِ الساعة ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 02:09 AM
الصندوقُ كـ ما هوَ [ أسفلُ النافذة ] ..
والحُجرة ُ في أعلى البرج ِ كانت باردة ..
لم أعرفْ بعدُ ما هوَ المطر ..
فـ في الميتم النوافذ ُ عالية ٌ جداً ..
لا نرى منها سوى [ الشمس ] ..!
وأتذكرُ كيفَ كانَ الصبية ُ في الصباح ِ يهزؤونَ مني ..
حينَ يقولونَ من أينَ [ نزلَ ] المطر ..؟
فـ أقولُ لهم :
من هنا ؛ وأنا أشيرُ إلى أعلى بنايةٍ في المدينة ..!
في هذهِ الأثناء تعجبتُ من النافذة ..
وكيفَ أنها كانت تبكي ..
ويقطرُ [ الماءُ ] منها ..
فـ صرختُ :
النافذة ُ تبكي ؛ النافذة ُ تبكي ..!
وسمعتُ صوتَ المشرفةِ تقول :
سـ أحبسكَ أيها الـ .. ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 02:16 AM
صديقي أرسلَ لي بريداً ..
فتحتهُ المشرفة ُ في غيابي ..
عندما عدتُ أعطتني ورقة ً مجعدة ..
كنتُ أقرؤها بـ شيءٍ من الصعوبة ..
ومنها عرفتُ أنّ صديقي كـ ما يقول :
قد التحقَ بـ مدرسةٍ نموذجية ..
كنتُ أسألُ المشرفة َ عن بعض الكلمات ..
والتي كانت تجيبني بـ استهزاء ..
وأحياناً تصرخُ ولا تجيبني ..
لكنني رغمَ هذا :
أكْمِلُ قراءتي متمدداً على صدري ..
وساقيّ تتطايرانَ في الهواء ..!
في نهايةِ الرسالةِ قالَ صديقي :
" أرجوا أن يُعجبكَ الملبّس "
- ها أنا ذا أعودُ لـ قصصي القديمة -
وأتخيلُ شكلَ الملبّس ..
لكنني لم أتخيلهُ " عارياً " مثلاً ..!
لم أتخيلْ شكلهُ أبداً رغمَ المحاولات ..
حينها سألتُ المشرفة َ عن الملبّس خاصتي ..
حذرتني بـ أنهُ إن لم أكفّ عن تهيؤاتي سـ تحبسني ..!
وضعتُ الرسالة َ في جيبي الأيسر ..
خوفاً من أن تـُشرقَ إن وضعتها في الأيمن ..!
ونمتُ حتى الصباح ..
وعندما استفقتُ تذكرتُ [ الليل ] ..
وكيفَ أني لم أسألهُ عن شكل الملبّس ..
قمتُ مسرعاً إلى خزانةِ ثيابي ..
والتي لم تكُن في العليةِ كـ الروايات الحزينة ..
كانت خزانة ُ ثيابي حقيبة ً لـ أحد أفراد الجيش ..
والذي أودِعَ ابنهُ في الميتم بعدَ وفاته ..
وحينَ انتهيتُ من ارتداءِ الثياب ..
خرجتُ إلى الفناءِ الخلفيّ ..
وبدأتُ ألعبُ في أرجوحةٍ صنعها أطفالٌ :
لم أرَهم في الميتم من قبل ..
لكنني كنتُ أسمعُ عنهم بعضَ القصص من المشرفة ..
حينها انتبهتُ لـ الطفل الذي يرافقها يقول :
" لقد أضعتُ آخرَ قطعةٍ من الملبّس "
حزنتُ كثيراً يا صديقي ..
حزنتُ كثيراً لـ أنني لم أتعرف على شكله ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 02:23 AM
الأربعاءُ الأكثرُ حزناً ..
كانَ المنزلُ الفخمُ أمامنا يعجّ بـ الناس ..
وكانَ صوتٌ مزعجٌ يصدرُ عن إحدى العربات ..
منعتني صاحبة ُ الأنفِ الطويل من الخروج ..
وكانت تختلسُ النظرَ من شقّ الباب ..
وأمامها الطفلُ الذي يرافقها دائماً ..
والذي كانَ مدللاً جداً ..
لم أفهم لمَ كانت تفضلهُ عليّ ..
- الحياة ُ مليئة ٌ بـ الأشياءِ التي لا أفهمها -
منها الصوتُ المزعج ..
والأربعاء الأكثرُ حزناً ..
والمنزلُ الفخم ..
الذي اشتراهُ رجلٌ ثريٌ يُدعى " زيس " ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:28 AM
الكلماتُ التي أنطقها ..
لم تعد بـ الشكل الذي أريد ..
مرة ً وحينَ كنتُ أسقي الشجرة َ في الحديقةِ الخلفية ..
شعرتُ بـ هواءٍ يتجمعُ داخلي ..
وشعرتُ أني سـ أستفرغ ..
لكنني لم أستفرغ ..
تجشأتُ كـ طفل ٍ لا يعلمُ لـ هذا الفعل ِ اسماً ..!
وحينَ كانت هذهِ أولَ مرة ..
فـ قد أغمضتُ عينيّ ..
وأحسستُ بـ مخاض ِ رئتيّ َ وجوفي ..
لكنني فتحتُ عينيّ مجدداً ..
ووجدتُ سنجاباً ..!
دُهشتُ كثيراً ..
فـ المشرفة ُ تكرهُ السناجب ..
كنتُ أفكرُ دائماً أنّ أنفها سـ يُصبحُ أطول ..
لـ ذلكَ هيَ لا تريدُ لـ سنجابٍ أن يعيشَ داخله ..!
لكنني اكتشفتُ أنها تكرهُ السناجبَ لـ سببٍ آخر ..
هوَ ذاتُ السببِ الذي جعل المرأة َ في المنزل المجاور :
نصفها أخرس ..!
في تلكَ الأثناء سمعتُ الطفلَ الذي يُرافقُ المشرفة َ يبكي ..
ويتمتمُ بـ أشياءَ لم أتبيّنها ..
لكنني انتبهتُ لـ اسمي بينَ كلماته ..
وحالاً بدأتُ أركضُ إلى أقصى طرفٍ في الحديقةِ الخلفية ..
إلى أن تعثرتُ بـ غصن ٍ مائل ٍ من أعلى شجرةٍ عجوز ..
ولـ أنني بريءٌ كـ ما قالتْ لي الشابة ُ التي :
اعتنت بي في غيابِ المشرفةِ منذ بضعةِ أسابيع ..
فـ قد كلمتني الشجرة ..
وتحققت كلماتُ الشابة اللطيفة :
سـ تكلمكَ عجوزٌ لم يلدها رحمٌ ؛ لكنها خرجت بـ أيادٍ كثيرة ..!
لم أفزع حينما كلمتني الشجرة ُ المهملة ..
لكنني حزنتُ لـ أنّ صديقي ليسَ معي ..
ولم يعرف [ شكلَ ] الشجرةِ التي تتكلم ..!
قالت : حذار ِ من الركض بـ هذهِ الطريقة ..
وحينَ تكلمت مرة ً أخرى :
غبتُ عن الوعي ..
وأفقتُ بعد مدةٍ يعلوني وجهُ امرأةٍ أمقتها ..
وجهُ امرأةٍ لم يُصبح أنفها طويلاً بعد ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:31 AM
أصبحَ الثلجُ يملأ المكان ..
كانَ الخروجُ في الشتاءِ صعباً ..
لا أملكُ حذاءً مرتفعاً كـ ما يملكهُ طفلُ المشرفة ..
- الآنَ فقط عرفتُ من هوَ -
الشتاءُ كانَ جميلاً بـ النسبةِ لي ..
فـ حينما أتكلمُ أشعرُ وكـ أني تنينٌ بارد ..
يُخرجُ الدخانَ من صدرهِ تلقائياً ..
لكنني كنتُ أخشى أن يحترقَ داخلي ..
وكانَ الأمرُ غريباً تلكَ الأيام ..
فـ في الصيفِ وحينَ كانت الشمسُ تبللُ وجوهَ الأطفال ..
لم يكن لزاماً عليّ الاستحمامُ يومياً ..
بـ الرغم من أنّ المشرفة َ كانت تقول :
" الماءُ الذي تسكبهُ عليكَ تشربهُ قدماك ..
لكنكَ كـ شجرةٍ متعفنةٍ لا تنضجُ ولا تكبر " ..!
وفي الشتاءِ كنتُ أجتهدُ يومياً لـ أخذِ حمام ٍ دافئ ..
هذا على الأقلّ ما كانَ يُنسيني وجبة َ الغداءِ الناقصة ..
وفي يوم ٍ ارتفعتْ حرارتي ..
وأيقنتُ أنني أحترق ..
وكنتُ أتمنى ألا [ أ ُشرقَ ] كـ صبيّ الحيّ ..
وبّختني المشرفة ُ كثيراً ..
فـ هيَ لا تريدُ أن تسهرَ في الميتم ..
ولا أعرفُ لـ ماذا أيضاً ..
الذي يهمني الآنَ :
هوَ ألا أ ُشرقَ كـ صبيّ الحي ..
أو أن يتهامسَ الأطفالُ عليّ إذا مررتُ من أمامهم ..
بعدَ أيام ٍ أصبحتُ طبيعياً ..
وكـ العادةِ بدأتُ أقيسُ طولَ ساقيّ ..
وأجربُ صوتي في غناء :
لا لا ؛ لا لا لا لااااااااااااا ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:32 AM
" زيس " ؛ الرجلُ الذي اشترى المنزلَ المجاور ..
كانَ يُقيمُ عدة َ حفلاتٍ أسبوعياً ..
منذ ذلكَ الوقت أصبحُ الطعامُ يملأ الميتم ..
كانَ شهياً وغريباً ..
وكنتُ أكرهُ الشيءَ الأبيض الذي بـ داخلهِ مشط ..!
مرة ً ابتلعتُ أحدَ هذهِ الأسنان ..
وأتذكرُ جيداً أنني صرختُ وركضتْ ..
حتى ضجرت مني المشرفة ..
الآنَ هي عجوز ٌ تضجرُ دائماً لـ أقلّ شيء ..
أمسكت بي ..
وبدأتْ تلقمني ملاعقَ من الخلّ ..
كنتُ أبكي كثيراً ..
لكن ؛ وسرعانَ ما زالَ سنّ المشط من داخلي ..
لـ أول ِ مرةٍ تحتضنني المشرفة ..
لـ أول ِ مرةٍ ألمسُ ذلكَ الكائن الهائل ..
ولـ أول ِ مرةٍ أيضاً تمنيتُ أن تحبسني ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:34 AM
اليومُ الذي تلى العيد كنتُ أسيرُ وحيداً ..
بعدَ أن اتسخت ملابسي بـ ماءٍ تطايرَ من عربةٍ مسرعة ..
الأمرُ يُربكني ..
فـ حينَ أعودُ سـ أضطرُ لـ غسل ملابسي ..
الأمرُ الذي يجعلني عارياً مدة َ مساءٍ كامل ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:34 AM
ذلكَ الصغيرُ الذي يُسمى [ حزن ] ..
انسلخَ من جسدي ذاتَ ليلةٍ ..
واشتهر ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:35 AM
الأحدُ [ أصغرُ ] الأيام ..
لـ ذلكَ أعفوهُ عن العمل ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:37 AM
قبلَ سنينَ من الآن ..
أوقفتني امرأة ٌ في الطريق ِ المؤدي إلى الوادي ..
وقالت لا تبكـِ ؛ سـ تشعرُ بـ وخز ٍ بسيط ..
ثمّ رفعتْ ذراعي قليلاً ومسحتهُ بـ منديل ٍ مبلول ..
وحقنتني ..!
الجرحُ كانَ ضئيلاً ..
كانَ صغيراً لـ درجةِ أنني انتظرتُ خروجَ نملةٍ منه ..!
في المساءِ انتفخَ ذلكَ الجزءُ من يدي ..
وتذكرتُ كلامَ المشرفة :
" الماءُ الذي تسكبهُ عليكَ تشربهُ قدماك ..
لكنكَ كـ شجرةٍ متعفنةٍ لا تنضجُ ولا تكبر "
وقلتُ :
الآنَ عرفتُ لمَ تضخمَ الجرح ..!
كنتُ أنتظرُ أياماً كثيرة ً لـ تطولَ ذراعي ..
وكنتُ أقيسها يومياً بـ خطٍ مرسوم ٍ على الجدار :
أقفُ على يديّ مُعَلِقاً في الهواءِ جسدي ..
وأنظرُ إلى الخط ّ وذراعي ..
لم تطل يدي أبداً ..!
ولـ ذلكَ قررتُ أن أبحثَ عن المرأة قربَ الوادي ..
انتظرتها طويلاً حتى غابت الشمس ..
وندمتُ على رميي الشمسَ في الحاوية ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:37 AM
كانَ النهارُ هادئاً ..
والعصفورُ الذي أستفيقُ على صوتهِ لم يأتِ ..
لـ ذلكَ نمتُ طويلاً ..
طويلاً جداً ؛ مدة ً تكفي :
لـ قطع المسافةِ حولَ رأسي مرتين ..!
ماجد عبد الرحمن
03/04/2010, 06:42 AM
امتلكتُ صندوقاً موسيقياً ..
أرسلهُ لي صديقي ..
كنتُ لا أستطيعُ فتحهُ كلّ الوقت ..
فـ قد كانَ يُزعجُ طفلَ الممرضة ..
والذي حاولَ كثيراً أن يكسره ..
الجميلُ فيهِ أنهُ صغيرٌ لـ درجةِ وضعهِ في جيبي ..
كانت الموسيقى التي تخرجُ منهُ رائعة ..
أشعرُ معها بـ طعم ٍ لـ كلّ شيء :
الهواءُ " منديلٌ معطر " ..
الماءُ " شابة ٌ لطيفة ٌ كانت تعتني بي " ..
البردُ " هواءٌ خائفٌ حتى أصبحَ أزرقاً " ..
المدينة ُ بـ رمّتها " حصانٌ نائم " ..
وأعرفُ [ طعمَ الحصان ] ..!
مرة ً كادَ يدهسني حصانٌ بـ حافريهِ الأماميين ..
وحينَ سقطتُ ..
وكانَ هوُ " منتصراً " يركضُ في الهواء ..
رجعَ إلى الوراء ..
وجعلَ ينظرُ لي بـ عينيهِ الكبيرتين ..
في بادئ الأمر ِ ظننتُ عينيهِ :
زيتونتان ِ أهملهما مزارعٌ فـ جعلتْ تكبرُ وتكبر ..
لـ ذلكَ لعقتُ عينهُ فـ اهتز رأسهُ قليلاً ..
حينها أدركتُ أنّ الحصانَ طعمهُ " عنيد " ..!
كلّ الأشياءِ كنتُ أعرفُ طعمها ..
وحينَ أسمعُ الموسيقى ..
أعرفُ شكلها أيضاً ..
إلا الملبّس ..
فـ الموسيقى يا صديقي :
لا تعرفُ أيضاً شكلَ الملبّس ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 12:36 AM
أستخدمُ عقلي الصغير جداً لـ أتذكرَ الحروف ..
وأتذكرُ الكلماتِ التي كنتُ أقرؤها ..
في صغري كانت الكلماتُ أسهل ..
إذ حينما لا أنطقها بـ الشكل الصحيح ِ :
لا يحدثُ شيء ..!
لكنني كبرتُ الآن ..
وأصبحَ ما أنطقهُ خطأ ً هوَ سببٌ وجيهٌ لـ " العلية " ..
وعرفتُ ذلكَ حينما أخطأتُ وقرأتُ :
الـ " ورد " " قرد " ..
وظنت المشرفة ُ أنني أهزأ بـ اسم طفلها ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 12:38 AM
كانَ في وُسعي قضاءُ [ الليل ِ ] هكذا ..
الكلماتُ التي أتمتمُ بها لـ [ الليل ] لم تعد مهمة ..
كانَ صديقي الجديد هذا قربَ الموقدِ دائماً ..
لم يعُد يتحدثُ معي ..
مرة ً شكوتُ ما يحدثُ لـ الشجرةِ العجوز ..
أخبرتني أنني كبرت ..
وتغيّرت لغتي ..
أريدُ أن أعودَ صبياً صغيراً ..
أريدُ أن أتحدثَ مع الأشياء ..
فكرة ُ حبس نفسي داخلَ المشرفةِ لم تجدِ ..
فـ حينما شاغبتُ وشاغبتُ وشاغبت ..
ظننتُ أنها سـ تحبسني ..
لكنني اكتشفتُ أنها لم تعد قادرة ً على ذلك ..
أو لم تستطع إلا مرة ً واحدة ً معَ الرجل ..
خابَ ظني كثيراً ..
وأصبتُ بـ إحباطٍ جعلني عازفاً عن الأكل ..
قميصي الأحمرُ اتسخَ كثيراً ..
لم يعُد يُهمني أن أكونَ عارياً بعد ..
أن أغسلَ ملابسي لـ نهار ٍ كامل ..
أو لـ مساءٍ ناقص ..
[ الليلُ ] ؛ والذي لم يعُد يتحدثُ معي ..
غادرَ الميتم ..
وبقيتُ وحيداً والموقدُ القديم ..
الأشياءُ حينما تكبرُ تفقدُ قيمتها ..
تفقدُ قدرتها على التحدثِ معك ..
الموسيقى حينما كبرت ..
صارت تـُعطيني طعماً مختلفاً عما كنتُ أعرف ..
ذاكرة ُ الموسيقى اهترأت ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 12:39 AM
طفولتي كانت بسيطة ..
لـ درجةٍ تعجزُ معها ذاكرتي :
أن تأتي بـ تشبيهٍ بلاغي ٍ واحد ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 12:40 AM
هذا [ اليومُ ] الجاثمُ على صدري ..
وَ [ الغدُ ] المحذوفُ من الحكاية ..
هذا [ المساءُ ] الأحمق ..
[ الجرحُ ] الغائر ..
[ الوترُ ] المقطوع ..
هذا يا صديقي ما أجدهُ دائماً ..
الميتمُ [ لعنة ٌ ] قامَ بها إنسانٌ غبيّ ..
سجنُ أطفال ٍ بـ مسمّىً بريء ..
يا صديقي ؛ فـ انتشلني من هنا ..
المشرفة ُ ؛ دودة ٌ تنخرُ قواي ..
المشرفة ُ ؛ أمٌ لا تمارسُ وظيفتها بـ عدل ..
الميتمُ ليسَ مبنىً ذا برجين ..
بل [ حمارٌ ] واقفٌ بـ أذنيهِ الطويلتين ..
هذا الصوتُ الخارجُ من الموقد ..
والهمسُ الذي يلجُ العلية َ :
من هواءٍ ضلّ الطريقَ إلى رئتيّ ..
هذا كلهُ يجعلني أتكلمُ وحيداً ..
وأرسمُ طفلاً بـ أسنانَ حادة على الحائط ..
وأنا أرى فكّ أحدهم موشوماً على ذراعي ..
أنا أذوي يا صديقي ..
وأضعفُ تدريجياً ..
وحينَ أريدُ أن ألهو قليلاً :
أضعُ كلتا يديّ في كم ٍ واحد ..
وأصافحُ اليدَ الأخرى في الهواء ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 06:56 AM
اليومُ الأولُ خارجاً بعدَ ثلاثةِ أسابيعَ من " العلية " ..
الهواءُ رطبٌ جداً ..
والمكانُ لم يتغير ..
عرفُ الديكِ كـ ما أعرفهُ منتصباً ..
كنتُ أتعجبُ من أنّ الديكَ لا يصيحُ خلالَ الظهر ..
وحينَ ألحقُ وراءهُ لا يعرفني ..
بل يهربُ مختبئاً عني في أماكنَ ضيقة ..
مشيتهُ التي يسبقهُ فيها رأسهُ مضحكة ..
لكنهُ لطيفٌ رغمَ هذا ..
مرة ً أوشكتُ على الإمساكِ به ..
وحينَ اقتربتُ كثيراً سقطتُ ..
فـ جاءَ واعتلى ظهري ..
وأخذ يصيح ..
خرجت المشرفة ُ على صياحهِ الذي أزعجها ..
فـ وجدتني ملقىً على الأرض بـ جرح ٍ في ساقي اليُسرى ..
أخذتني المشرفة ُ ووبّختني طويلاً ..
وبعدَ أن نزفَ الجرحُ لـ فترةٍ ترضيها ..
ضمّدتهُ بـ انزعاج ..
وأنا أنظرُ بـ تمعن ٍ لـ يديها المرتجفتين ..
الدمُ الخارجُ مني لم يكن أخضراً ..
أو أحمرُ جداً ..
كانَ دمٌ بريءٌ لـ درجةِ أنني تخيلتُ :
أنهُ سـ يرفعُ يديهِ في السماء استسلاماً ..!
الديكُ الذي أخبرَ المشرفة َ عن جرحي ..
الذي نبّهها عن طفل ٍ لا أمّ له ..
لا أبٌ يحملهُ على كتفيهِ ويركض ..
لا أخوة ٌ يتشاقى معهم ..
ويتفقُ معهم على سرقةِ تفاحةٍ من بابِ دكان ٍ مُغلق ..
ذلكَ الديك ..
كانَ وفياً جداً ..
لـ درجةِ أنهُ صارَ يوقظني بدلاً من العصفور ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 06:57 AM
الأيامُ لا تمضي سريعاً ..
بينما المشرفة ُ تكبرُ في السنّ ..
وباتَ يصدرُ صريرٌ حينما تتحرك ..
أو حينما تتحدث ..
كـ أنّ فمها بابٌ خشبيّ قديم ..
وكـ أنّ مفاصلهُ اهترأت ..
" وأنا تعبتُ كثيراً من ترديد : أنفها لم يُصبح طويلاً "
قالت بـ صوتٍ هادئ :
يوماً ما سـ تكونُ حُراً ؛ لكنّ ذلكَ اليوم بعيد ..
ليسَ وأنا هنا ..!
امتعضتُ كثيراً ..
وقطبتُ جبيني بـ قوة ..
أغمضتُ عينيّ وصرخت :
أنتِ امرأة ٌ حلـّت عليها لعنة ٌ قديمة ..!
حينها ؛ وبـ برودٍ شديدٍ صفعتني ..
صفعتني لـ أستفيق من " تخيلاتي " ..!
ماجد عبد الرحمن
04/04/2010, 06:59 AM
المنظرُ من سقفِ الميتم ِ جميل ..
هذا مخبأ ٌ لا يعرفهُ أحد ..
هذا مخبأ ٌ لم يعرفهُ أحدٌ بعد ..
إلا صديقي القديم ..
أووه ؛ لم أخبركم بـ اسمهِ من قبل ..
ولكن قبلَ هذا سـ أخبركم شيئاً :
السماءُ التي تمطرُ بـ هدوءٍ هيَ عيناه ..
ويدهُ الصغيرة ُ جداً ؛ كانت تحملُ أضعافَ حجمها من الألم ..
حينَ يدفنُ يديهِ في الثلج ..
أسمعُ أنيناً لـ الأرض ..
أسمعُ حركة ً في القشرةِ السفلى ..
وحركة ً في آخر المدينة ..
كانَ وفياً كـ مواعيدِ الشتاء ..
وفياً كـ هجرةِ طيور ..
ودافئاً كـ كوبِ شاي ..!
لن أخبركم عن صديقي ..
سوى ما يعرفهُ [ الليلُ ] عنه ..!
ماجد عبد الرحمن
05/04/2010, 12:34 AM
من قالَ أنّ التاريخَ يُعيدُ نفسه ..؟
إن كانَ هذا صحيحاً :
فـ من أينَ جاءَ الميتم ..
لم يكن في التاريخ ِ ميتمٌ من قبل ..
لم يكُن هناكَ ملبّسٌ مسروق ..
ولا امرأة ٌ نصفُ خرساء ..!
اللونُ الأخضرُ يُعجبني ..
حينَ مررتُ على بائع ِ خضار ٍ في السوق ..
أ ُعجبْتُ بـ أصابعَ خضراءَ جميلة ..
وقفتُ مندهشاً من لينها ..
ومن دقةِ أطرافها كـ إبرةِ عملاق ..!
وقلتُ :
أصابعُ من هذه ..؟
ضحكَ البائعُ الذي أعطاني واحدة ً منها ؛ وقال :
فقط ضعها في الماءِ حتى تنضج ..!
لم أصدق نفسي ..
الهدايا لم أعرفها منذ زمن ..
منذ سنتين ِ ونصف من زيارةِ صاحبي القديم ..
ذهبتُ إلى الميتم ..
وأنا أخبئُ أصبعَ أحدهم في جيبي ..
كنتُ مطمئناً ؛ فـ لا توجدُ أناملٌ في هذا العالم [ تـُشرق ] ..!
وصلتُ وفتحتُ البابَ وخلعتُ نعليّ وغسلتُ وجهي ..
يا الله ؛ كلّ هذهِ الأفعالُ دفعة ً واحدة ؛ أمرٌ مؤسف ..
وحينَ انتهيتُ من هذا كله ..
أخرجتُ الأصبعَ وربطتهُ في يدي ..
في بدايةِ الأمر احترت :
فـ هوَ أطولُ من جميع ِ أصابعي لو رصَصْتها فوقَ بعضها ..!
لكنني اخترتُ المكانَ المناسبَ لهُ تماماً ..
أعلى الوريد في ظهر كفي الأيمن ..
كانَ جميلاً ..
أصبعٌ لا يتحدثُ بـ [ أظافرَ ] أطول من اللازم ..!
فجأة ً ؛ تذكرتُ ما قالهُ البائع ..
وذهبتُ لـ إحضار ِ دلو ماء ..
ووضعتُ يدي فيهِ لـ نهار ٍ كامل ..
وحينَ تعبت ..
أغمضتُ عينيّ ..
" أنا لا أريدُ أن أرى فروعاً تخرجُ من يدي " ..
ولا أريدُ أن تطولَ يدي أكثر ..
أنا أوبّخُ نفسي حينَ تذكرتُ كلامَ البائع ِ وَ نسيتُ كلامَ المشرفة :
" الماءُ الذي تسكبهُ عليكَ تشربهُ قدماك
لكنكَ كـ شجرةٍ متعفنةٍ لا تنضجُ ولا تكبر "
وأهجسُ :
ماذا لو فشلتْ قدميّ في شربِ الماء ..
ونجحتْ في ذلكَ يدي ..!
ماجد عبد الرحمن
05/04/2010, 08:54 PM
سـ أصومُ هذا اليوم ..!
- قالت المشرفة ُ ذلك -
وأنا التقتّ ُ بـ سرعةٍ لـ كلمةٍ جديدة :
أصوم ..!
ماذا تعني بـحديثها ..؟
في الغالبِ كانَ ما تقولهُ المشرفة ُ يعني أمرين ِ فقط :
التوبيخُ أو الحبس ..!
وحيثُ أنها لا تستطيعُ حبسي كـ رجل ٍ جديد ..
فـ إنها تستمرّ في توبيخي كثيراً ..
الأمرُ الذي دفعني إلى تجاهل ما تفعلهُ بي ..
لكني لا زلتُ أفكرُ في هذهِ الكلمة الجديدة ..
لم يُجدِ التفكيرُ بها طوالَ النهار ..
فـ نمتُ ممتعضاً ..
لكنني حلمتُ بـ المشرفةِ تقول :
[ أصوم ] ..!
كانت تقتربُ من وجهي في المنام ..
كانت تقتربُ حتى أصبحَ رأسي كاملاً في إحدى عينيها ..
وفمها الذي يحملُ سناً واحداً ..
سنٌ رُسِمَ عليهِ ملامحُ قديس ٍ قديم ..
قمتُ فزعاً ..
قمتُ أركضُ طويلاً ..
حينها ..
رأيتُ المشرفة َ في فناءِ الميتم ..
كانت تبكي ..
وتقولُ سامحني يا .... ..
لـ ماذا أسامحُ امرأة ً سـ يكبرُ أنفها ..
ويعيشُ بهِ سنجاب ..!
ماجد عبد الرحمن
06/04/2010, 02:55 AM
أيامي باتت أقصر من المعتاد ..
فـ النومُ الإجباريّ مبكراً ..
صارَ عقاباً جديداً لي ..
لم أكن أهتمّ كثيراً لـ هذا ..
لكنني أحتاجُ وقتاً أطولَ كلّ يوم ..
لـ ينمو أصبعي الجديد ..!
ماجد عبد الرحمن
06/04/2010, 02:56 AM
لو كانَ لـ الصوتِ [ لونٌ ] :
لـ عرفنا وجهَ الريح ..!
ماجد عبد الرحمن
06/04/2010, 03:16 AM
الطفلُ النائمُ قربي جديدٌ على هذا المكان ..
أتذكرُ كيفَ أتى مساءً ..
وكيفَ استقبلتهُ المشرفة ُ بـ ابتسامةٍ وأخذت تلاعبه ..
وأنا في نفسي أقول :
سـ تتمنى أيها الجديدُ أن يُصبحَ أنفها طويلاً ..!
والمرأة ُ التي أحضرتهُ كانت غريبة ..
فـ كلماتها لم تتعدى كلماتِ رجل ٍ يُسلمُ بضاعة :
هذا هوَ ..!
كيفَ " هذا هوَ " ..؟
في اليوم التالي عندما أفقنا ..
أخذتُ أرتبُ غطائي القصير ..
وما زالَ الولدُ نائماً ..
كنتُ أريدُ إيقاظهُ لكني قلتُ في نفسي :
دعهُ يأخذ ُ درساً ولا يحتاجُ بعدها إليّ ..!
ولم يُكملْ ضميري - الذي لا يريدُ أن يؤذى هذا الصغيرُ - كلامهُ :
حتى أتت المشرفة ُ بـ قش التنظيف ..
الذي سقط َ عامودياً على رأسه ..!
فز ذلكَ الطفلُ خائفاً ..
وأشارتْ إليهِ بـ يدٍ ثابتةٍ كـ فزاعةِ حقل ..
هذا يعني إلى الحمّام ..!
عوّضتُ صديقي الجديدَ عن هذا الألم ..
ورتبتُ عنهُ غطاءه ..
لكنّ هذا الأمر لم يُعجب المشرفة ..
فـ قالت :
لا وجبة َ إفطار ٍ لكَ هذا اليوم ..!
لا يهمّ ..
فـ أنا منذ ثلاثةِ أسابيعَ لم أتناولْ وجبة َ الإفطار ..!
خرجتُ الآنَ إلى الفناء الأماميّ ..
هذا الفناءُ الذي سقط َ بهِ رجلٌ أسود ..
كانَ يضربهُ ربّ عملهِ بـ قسوة ..
ولم يتجرأ أحدٌ على إفلاتهِ منه ..
فـ الأمرُ طبيعيّ في هذهِ الأنحاء ..!
صديقي ليسَ أسوداً ..
وإلا لـ ما أتى إلى الميتم ..
هذا الأمرُ الوحيدُ الذي يُفرحني ..!
شعرتُ بـ صوتِ أحدهم خلفي ..
وحينَ التفتّ ُ وجدتُ الطفلَ وبـ يدهِ قطعة ُ خبز ..
كنتُ حليقَ الشعر ِ حينها ..
أما هوَ :
فـ شعرهُ كثيفٌ كـ [ مشروع ِ غوريلا ] فاشل ..!
ضحكتُ كثيراً عندما رأيته ..
لكنهُ مدّ بـ يدهِ التي تحملُ الخبز ؛ وقال :
هذا لـ إفطاركْ ..
حينها دُهشت ..
صوتهُ يشبهُ تماماً صوتَ [ الفراولة ] ..!
ماجد عبد الرحمن
07/04/2010, 12:20 AM
ماذا سـ يفعلُ المتهم ..؟
يُوكّلُ محامياً ..
وبعدَ زمن ٍ يُرافعُ عن نفسه ..
وبعدَ ذلكَ يُصبحُ مستمعاً ..
ثمّ شاهداً ..
ثمّ ضحية ً ..
ثمّ طليقاً ..
ثمّ يُوكّلُ محامياً آخرَ يُعوَضهُ عن عمرهِ عندما كانَ طليقاً ..
فـ صارَ فجأة ً ضحية َ أحدهم ..
بعدَ أنْ كانَ شاهداً [ يستمع ] ..
ثمّ يُرافعُ عن نفسهِ فترة ً قبلَ أن يُوكّلَ محام ٍ ..
لـ يؤولَ بهِ الأمرُ إلى متهم ..!
ماجد عبد الرحمن
07/04/2010, 12:21 AM
في طريقهِ إلى الخارج ِ ؛ قالَ صديقي :
ماذا حلّ بـ الشجرةِ العجوز ..؟
قلتُ أتعرفها ..؟
قالَ لا ؛ لكني سمعتُ عنها ..
تعجّبتُ كثيراً وصمتُ ..
وتداركتُ صمتي بـ الركض ِ إلى الشجرةِ العجوز ..
قربَ الشجرةِ توجدُ حفرة ٌ عميقة ..
مدخلها بـ حجم ِ قبضةِ يدِ أحدهم ..
في بادئ ِ الأمر ِ ظننتها فماً تتنفسُ منهُ العجوز ..
وبعدَ مدةٍ قلتُ عنها أنها عينٌ فقأها العطش ..!
ثمّ انتهيتُ إلى خلاصةٍ تقولُ :
أنّ الحفرة َ هيَ منزلُ ابنُ الشجرةِ الذي خبّـأتـُهُ فيهِ ..
خوفاً عليهِ من المشرفة ..!
ماجد عبد الرحمن
08/04/2010, 02:14 AM
المرأة ُ التي أحضرت صديقي الجديد :
كانت تترددُ على المكان ِ بـ شكل ٍ متفاوت ..
وحينما تحضرُ كانت تضعُ قبعة ً دائرية ً كبيرة ..
فـ تشبهُ " زحلَ " في السماء ..
إلا أنها لا تدورُ حولَ الميتم ..
بل تقفُ على مسافةٍ تكفي لـ تفرّس ملامح ِ أحدهم ..
المرأة ُ التي أحضرتْ صديقي الجديد ..
كانت تعرفُ أنني اكتشفتُ من هي ..
لـ ذلكَ أحضرتْ لي قطعة َ حلوى ..
وأوصتني أن أعتني بـ الطفل ..
منذ هذا الوقت ..
وأنا أشي إليها بـ أخباره ..
وما أن علَمَتْ بـ ذلكَ المشرفة ..
حملتني إلى العلية ..
ووضعتِ الصغيرَ الآخرَ في القبو ..
بعدَ مدةٍ أخرجتنا وصرنا نتجاذبُ حديثنا ..
أخبرني عن الفئران ..
فـ ذهبتُ بـ خيالي لـ أعرفَ شكلَ الفأر ..
لكني نسيتُ كيفَ أعرف شكلَ الأشياء ..
فـ أعدتُ الذاكرة َ منذ بدايتها :
" فراولة
ملبّس
طعمُ الحصان
أصبعٌ أخضر"
وفجأة ً اكتشفتُ شكلَ الفأرَ :
حينَ وجدتُ الجرحَ الغائرَ في يدِ صديقي ..
حينها أدركتُ أنّ الفأرَ يأخذ شكلاً " جائعاً " ..
يأخذ ُ شكلاً يُتقنُ اقتناصَ اللقمة ..!
ماجد عبد الرحمن
09/04/2010, 04:42 AM
ماتت المشرفة ..!
يا إلهي لا أصدق ..
خبرٌ نزلَ كـ صاعقةِ ليل ..
فـ ركضتُ إلى أعلى الميتم ..
وأخذتُ أصرخُ كـ ذئبٍ يعوي :
ماتت المشرفة ..!
لم يُشعلْ أحدهم مصباحهُ في ذلك الليل ..
يبدو أنّ المشرفة َ لا تحظى بـ شعبيةٍ في الحيّ ..
ولا يكترثُ لها أحد ..
ماتت المشرفة ..
وأنا أخذتُ في اللهو طوال [ الليل ] ..
ولم أفكر مطلقاً في شكل الموت ..
أو طعمهِ الغامض ..
كنتُ أعلمُ مسبقاً بعدَ موتها ..
أنهُ حامضٌ لـ درجةِ الاختناق ..
جثة ُ المشرفةِ اختفت ..
حملها أحدُ المسافرينَ ذو الوشاح ِ الأسود ..
وسارَ يجرّها خلفهُ بـ حصانه ..
المشرفة ُ التي لـ طالما وبّختني ..
التي احتضنتني مرة ً واحدة ..
وبكت لـ أسامحها مرة ً واحدة ..
ماتت ..
لـ ذلكَ شددْتُ صديقي من يده ..
وتزلجنا بـ أمانيّ كثيرة ..
أهمها أن أرى أبي ..
ويرى أمه ..
وأقلها أن يرتدي ثوباً دافئاً ..
وأن أعرفَ أنا شكلَ الملبّس ..!
آآه ؛ ما أقسى الأيام ..
ماتت المشرفة ..
هذا خبرٌ أتمنى لو سمعتهُ حقاً ..!
ماجد عبد الرحمن
10/04/2010, 02:05 AM
زيادة ُ الطول ِ تشبهُ كثيراً فكرة َ :
إفلاتُ رأسكَ وكتفيكَ من الجاذبية ..!
ماجد عبد الرحمن
10/04/2010, 02:07 AM
صديقيّ الذين ِ مرّا على ذاكرتي يوماً ..
أحدثا ثقباً هائلاً فيها ..
هناكَ من يأتي كـ هدهدٍ ينخرُ جذعَ ذاكرتكـَ لـ يستوطنَ بها ..
وهناكَ من يكتفي بـ الجلوس ِ في الطرفِ القصيّ ..
أما صاحبيّ ..
فـ أخذا جميعَ معاول ِ الذكرى ..
وشقـّـا طريقهما إلى الفصّ الأخير من الدماغ ..
وهبطا إليّ كلّ منهم يشغلُ مساحة ً تزاحمُ الأخرى ..
هبطا إليّ كـ فجر ٍ هائل ٍ يبدأ من منتصف السماء ..
وهبطا أخيراً إلى ذاكرتي :
بعضهم لـ بعض ٍ عدوّ ..!
ماجد عبد الرحمن
10/04/2010, 02:08 AM
الأشكالُ التي ترسخُ في الذاكرةِ لا تـُمحى ..
حتى معَ نسيانها الضروريّ أحياناً ..
تعودُ إليكَ في شكل ِ " صُدفة " ..!
إلا شكلاً واحداً لا أتذكرهُ :
وجهُ أبي ..!
ماجد عبد الرحمن
10/04/2010, 10:48 PM
لـ المرةِ الأولى حاولتُ الكتابة ..
حملتُ غصناً قديماً لـ شجرةٍ ناضجة ..
وكتبتُ على طين ٍ زحفَ إلى بابِ الميتم ..
- طينٌ حاولتُ جاهداً ألا يقعَ في يدِ المشرفة -
وكتبتُ :
أبي ؛ حروفكَ الثلاثة ٌ تأخذ ُ نفـَساً كاملاً ..
تأخذ ُ شهيقاً يدفعُ بـ رئتيّ إلى الأرض ..
وتغمسُ قدميّ في سؤال ٍ جارف :
كيفَ أعرفُ وجهك ..؟
ماجد عبد الرحمن
11/04/2010, 02:59 AM
بحثتُ عن شخص ٍ سوايَ يعرفُ أنّ :
لـ الميناءِ حنجرة ٌ نُصدِرُ صوتها عنها ..
كـ أنْ يُتمتمَ المرءُ بـ كلماتٍ غير مفهومة ..
ليسَ لـ أنهُ يبكي ..
ذلكَ لـ أنّ لغة َ الميناءِ مُبهمة ..!
ماجد عبد الرحمن
11/04/2010, 03:01 AM
اليتيمُ الذي أحملهُ في داخلي ..
الضميرُ الذي لم ينضجْ بعدُ لـ يؤنبني ..
والعقلُ الباطنُ الذي لم يمتلئْ بعدُ بـ أشياءَ كثيرة ..
كلّ هذا الجوفُ الفارغ ..
والصدرُ الممتلئ ..
كلّ تلكَ الأشياء ؛ والتي أُخرجها من فمي :
مبعثرة ً على الأرض ..
لـ أرتبها من جديد ..
وأغسلُ ما اتسخَ منها ..
وأبتلعهُ لـ يعودَ تلقائياً كـ ما كان ..!
كلّ تلكَ الأشياءِ التي تتسخُ وأُخرجها ..
حينما تخرجُ أصبحُ شخصاً آخر ..
أصبحُ صبياً لا يحملُ هماً ..
ولا يُوَبّـَخْ ويُحبَسُ في العلية ..
أصبحُ " طفلَ المشرقة " ..!
ماجد عبد الرحمن
11/04/2010, 04:48 PM
في القبو نزلتُ أنا وصديقي ..
كنتُ أريدُ الثأرَ من الفأر الجائع ..
لكنّ صديقي حذرني قائلاً :
إنّ أسنانهُ حادة ٌ كـ مزاج ِ المشرفة ..!
لكنني طمأنتهُ بـ أني معتادٌ على أمور ٍ كـ هذه ..
أخذنا في السير قـُدُماً نحوَ الباب ..
يا الله ؛ كم كانَ صوتُ البابِ موجعاً ..
وكُوّتـُهُ تئنّ ..!
وكـ أنّ صوتاً خلفَ البابِ يَصدُرُ من القبو ..
سرنا على رؤوس ِ أصابعنا ..
كـ من يحملهم عملاقٌ :
ولا تلمسُ الأرضَ إلا أصابعَ أقدامهم ..!
وهناكَ تجلى الشيءُ الضخم ..
الذي اعتدلَ واقفاً ..
يملأ الفروُ جسدَهُ تماماً ..
وأخذ يقرضُ آذاننا بـ كلماته :
من أنتم ..؟
في الحقيقةِ لم أكن خائفاً من ضخامته ..
بل كنتُ خائفاً من صوتهِ فقط ..
صوتهُ يتدحرجُ من حنجرة الجوع ..
صوتهُ كـ أحمق ٍ يحملُ سكيناً ؛ لا بدّ أن تخاف ..!
أجبتُ الفأرَ الجائع :
لـ ماذا عضَضْتَ يدَ صديقي ..؟
فـ قهقهَ كثيراً ؛ وارتمى أرضاً من شدةِ الضحك ..
حينها لم أتمالك نفسي ..
وأخرجتُ أصبعي الأخضرَ ورحتُ أطعنهُ في قلبه ..
أطعنهُ في رئته ..
وبـ لمح ِ البصر وجدتـُني أطيرُ في الهواء ..
صفعتهُ مؤلمة ..!
كانَ صديقي يبكي كثيراً ..
ويصرخُ لـ الفأر :
سـ تقتلكَ أمي ؛ سـ تقتلكَ أمي ..
لم يكترث الفأرُ لـ ما قالَ الصبيّ ..
وانحنى - فاتحاً فكّيْهِ - نحوي ..
في تلكَ الأثناء ؛ كـ أنّ يداً :
كـ يدِ امرأةٍ اعتنت بي في غيابِ المشرفةِ سحبتني ..
ثمّ صديقي كـ ذلكَ تِباعاً سُحِبْ ..
فتحتُ عينيّ فـ وَجدْتـُني قربَ الشجرةِ العجوز ..
كانت تهتزّ ..
تهتزّ كثيراً أمامنا ..
وكـ أنّ جذورها تتحركُ في الأرض ..
وكانت تنقبضُ إلى الأعلى ..
وتندفعُ إلى الأسفل ..
ويصدرُ صوتٌ مزعجٌ جرّاءَ ذلك ..
الشجرة ُ العجوزُ تلد ..!
- هذا ما قالهُ صديقي -
لكنني قلتُ :
الشجرة ُ العجوزُ تقاتل ..
وما أن أنهيتُ حديثي ..
حتى سكنت الشجرة ُ عن الحراك ..
وارتختْ إلى الأمام ..
وظهرَ الدمُ من حفرةٍ قربَ الشجرة ..
ومعهُ فروٌ قليل ..!
ماجد عبد الرحمن
12/04/2010, 06:35 PM
الرياحُ تشتدّ في هذا الفصل ..
كم من المؤلم ِ أن يمرّ الشتاءُ عليكَ :
وأنتَ في كامل ِ عُريكـِ من الأشياء ..!
كنتُ أشاركُ صديقي اللحافَ الوحيد الذي تبقى ..
بعدَ أن كنا نلعبُ صباحاً في الفناءِ الأماميّ بـ ألحفتنا ..
فـ هبّ الهواءُ وحملَ معهُ لحافَ صديقي ..
بكى كثيراً ..
لكني طمأنتهُ تماماً :
اللحافُ يُصبحُ أطولَ يا صديقي في ليل الشتاء ..!
اللحافُ لا يكفينا يا أبي ..
وهوَ الذي يضعُ أصبعهُ في فمهِ تارة ً ..
وتارة ً يضمّ ذراعيهِ إليهِ هذا الصديق ..
رائحة ُ شعرهِ صادقة ..
فـ هيَ تخبركَ بـ الضبطِ كيفَ عانى طويلاً ..!
وإغفاءتهُ العميقة ؛ لم تكن تدعُ مجالاً لـ تشكّ :
في أنّ التعبَ يبحثُ عن الأطفال ِ في كلّ المنازل ..!
اللحافُ لا يكفينا ..
والكوبُ الدافئُ لم يعُد دافئاً ..
فـ الحراكُ يُوقظ ُ صديقي ..
وأنا انتظرتُ حتى نامَ تماماً ..
وشربت ما بـ الكوبِ بارداً كـ يدِ عجوز ..!
الرياحُ تشتدّ هذا المساء ..
وصريرُ النوافذِ العاليةِ لا يهدأ ..
نحنُ وحيدان ِ في ميتم ٍ كبير ..
ميتمٌ يبتلعُ أحلامنا ..
يُخبّـؤنا داخله ..
يحبسنا فيه ..
يمضغُ أصواتنا ..
ويُوقدُ الأمنية َ بـ حطب الإحباط :
أينَ أنتَ يا أبي ..؟
ماجد عبد الرحمن
13/04/2010, 03:38 AM
لا زالت الأمكنة ُ تحملُ ذاتَ الصوت ..
إلا أنّ شكلها يتغير ..
الشارعُ الضيقُ يُفضي إلى مائدةِ الحيّ ..
- هكذا كنا نسمي النافورة الكبيرة أنا وصديقي -
مائدة ُ الحيّ متسعة ٌ جداً ..
فـ هيَ تكفي لـ أنْ يسبحَ بها الفأرُ الجائع ..
رغمَ حجمهِ الهائل ..
وتكفي لـ أنْ يشربَ منها الحصانُ العنيد ..
لكنها لا تكفي لـ يكبرَ أصبعي الأخضر ..!
مائدة ُ الحيّ يومياً تلملمُ ما في جيوب المارّة ..
طلبها مُجاب ..
فـ ما إنْ تمدّ لسانَ مائها ؛ حتى يُصغي لها الجميع ..
ويُشيرونَ إليها ..
بعدَ فترةٍ ليست قصيرة ..
كسرَ أحدهم فمَ المائدة ..
صارَ لسانها يخرجُ بـ شكل ٍ عشوائيّ ..
أصبحتْ كلماتها تطولُ المارّة َ والمتجولين ..
- أغلقوها -
هذا ما هتفَ بهِ أحدهم ..
لكنها حزنت كثيراً ..
وأخذت تلملمُ لسانها الطويل ..
حتى اختفى ..!
مائدة ُ الحيّ متسعة ٌ كثيراً ..
لكنها خالية ٌ مما يجعلها على قيدِ الحياة ..!
ماجد عبد الرحمن
14/04/2010, 03:49 AM
كم أشعرُ بـ الألم الآن ..
الطرقاتُ فارغة ٌ تماماً هذا الفجر ..
الفجرُ الذي خرجتُ فيهِ وحيداً من الميتم ِ على غير العادة ..
حملتُ معي أصبعي الميتُ جراءَ قتال الفأر ..
ورحتُ أجوبُ المدينة َ الهامدة ..
الليلُ مُتعَبٌ جداً ..
لـ ذلكَ قرّر إنزالَ سترتهِ من كتفيه ..
فـ أرى صدرهُ الأبيض ..!
أشعرُ بـ ألم ٍ كـ قبضةِ أحدهم داخلَ الحنجرة ..
وغصة ٌ في القلبِ كـ من يلمسَ بـ أنملهِ داخلي ..!
الطرقاتُ فارغة ٌ تماماً ..
إلا من صديقي الذي لحقَ بي كثيراً ..
حتى تعبت قدماهُ ونامَ قربَ مائدةِ الحيّ ..
فـ حملتهُ إلى الميتم ..
يا صديقي الهادئ :
أمكَ لم تحملكَ بـ يديها ..
وأبوكَ لم يفعل ..
فـ اعذرني إن تجرأتُ على ذلكْ ..!
ماجد عبد الرحمن
14/04/2010, 09:46 PM
لم أقترب من الموقدِ كثيراً ..
بضعُ خطواتٍ تفصلني عن الاحتراق ..
النارُ لا تتحدثُ إلا بـ ألغاز ٍ غير مفهومة ..
الحطبُ لا يُعَذَّبُ في النار ..
الحطبُ لا ينطفئُ سُدى ..
فـ الرمادُ الذي يُخلفهُ يُصبحُ مهرجاناً في اليوم التالي ..
أخذتُ أنا وصديقي بعضاً منهُ ورسمنا على وجوهنا :
شاربَيْ قطٍ ؛ وقرناً على أنفٍ صغير ..
لم نكن نتناطحُ بـ الطبع ..
لكننا اختبأنا كلٌ في مكان ٍ يتسعُ له ..
خرجَ صديقي بعدَ فترةٍ يبحثُ عني ..
وأنا أختبئُ في حاويةِ تفاح ٍ خشبية ..
كانت أسطوانية ً منتفخة ً من المنتصف ..
ورائحة ُ التفاح ِ تملؤها ..
" آآهِ يا امرأة ً اعتنت بي في غياب المشرفة ..
صوتكـِ الآنَ يضمّ اختفائي ..
ودفئكـِ يلمني من أطرافِ الأرض .. "
كانَ صديقي قصيراً لا يستطيعُ النظرَ داخلَ الحاوية ..
فـ فضلتُ المكوثَ قليلاً حتى مضى ..
وبـ التالي بكيت ..!
ماجد عبد الرحمن
14/04/2010, 09:48 PM
في اليوم الأول من المدرسةِ حضرتُ متأخراً ..
أمسكني المدرّسُ من يدي اليُمنى ..
وسارَ بي إلى المدير ..
فوجئتُ بـ السيدِ " زيس " جالساً خلفَ مكتبٍ كبير ..
مكتبٌ كـ مائدةِ الحيّ إلا أنهُ طويل ..!
فـ خفضتُ رأسي أسفلَ المكتب ..
أبحثُ عن لسان ٍ لـ هذا الشيء ..!
زيسُ الثريّ جداً ابتسمَ لي قائلاً :
لم أركَ في نافذةِ العليةِ منذ زمن ..؟
وهنا ركضتُ خلفَ المدرّس واختبأت قائلاً :
أنا لم أركَ من نافذةِ العليةِ منذ أن اشتريتَ المنزل ..؟
ابتسمَ زيس ؛ وقدّمَ طبقاً مليئاً بـ الحلوى ..
لم آخذ قطعة ً منه ..
انتظرتهُ أن يُخبرني عن اسم الحلوى كـ صديقي القديم ..
صرختُ :
أريدُ فراولة ..
قهقهَ زيس ..
وكدتُ أ ُخرجُ أصبعي الأخضر لـ أطعنه ..
لكنني لم ألحظ فرواً على جسده ..
أخبرني الثريّ العجوز أنني أعجبه ..
لـ ذلكَ قرّرَ أن يُهديني ثوباً جديداً ..
وحقيبة ً جديدة ..
آآه يا زيس ..
أريدُ صديقي القديم ..
وذكرياتي القديمة ..
أريدُ المرأة َ التي اعتنت بي في غيابِ المشرفة ..!
ماجد عبد الرحمن
15/04/2010, 03:53 AM
وأريدُ أن أحزن ..
كـ ما يحزنُ الأطفالُ عادة ً على أيّ شيء ..
أريدُ أن يختفي شِقّ شفتي العلويةِ في السفلية ..
وأن أنظرَ بـ رأس ٍ منخفض ٍ إلى الأعلى ..
أريدُ أن أبكي ..
فـ البكاءُ حقّ مشروعٌ لي كـ طفل ٍ ناضج ٍ لـ سببٍ ساذج ..!
وأريدُ أن " أريد " ..
لا حقّ لي في هذا الميتم الباهت ..
الأشياءُ العالية ُ عالية ً هكذا ..
دونَ سببٍ واضح ..
والأشياءُ السفلية ُ سفلية ..
وأنا " أنا " ..
وصديقي هوَ أيضاً طفلٌ مثلي تماماً ..
لا أريد حلماً أحلمُ به ..
أريدُ حلماً يتحقق ..
هكذا تمتدّ إليهِ أصابعي حتى تلمسهُ وتـُثلج ..!
أريدُ أن أحزن ..
فـ الحزنُ مشروعٌ في هذا العالم ..
والفرحُ إن جاءَ فـ لا بأس ..
أما الحزنُ فـ هذا حقي الأولُ في تركةِ أبي ..
ووفاة ُ أمي ..
وذلّ المشرفة ..!
ماجد عبد الرحمن
19/04/2010, 03:31 AM
وأنا متعبٌ يا أمي ..
مجهدٌ كثيراً من وطأةِ الأيام ..
وقلِـقٌ عما سـ يؤولُ إليهِ مصيري ..
أريدُ أن أبكي ..
كي أتنفسَ أكثر ..
فـ الغصّة ُ تملأ قلبي إلى فمهِ النازف ..
وحلقي جافٌ كـ صحراء خامدةٍ في الداخل ..!
أنا متعبٌ يا أمي ..
أنظرُ إليّ بـ وجهٍ لا أعرفهُ في المرآة ..
وأنا بـ خير ..
بـ خير ٍ إلا من ذاكرة ..
الأشياءُ البسيطة ُ يا أمي باتت أصعب ..
والصعبة ُ انقضى زمنها منذ أمدٍ ليسَ بـ بعيد ..
ولم أخبركـِ يا أمي عن ألمي ..
وعن الليل الذي لا أنامُ بهِ دونَ أن أتذكر ..
قدري أن أمتلكَ ذاكرة ً لا تـُمحى ..
وقلباً يئنّ كـ مُقعَدٍ تماماً ..
أمي ؛ يا وجهَ السماءِ في شكلها الأول ..
يا صوتَ المرأةِ الأولى لديّ ..
المرأة ُ الكاملة التي لا تنقصُ كلما أخذتُ منها ..
والتي لا تزيدُ كلما أثقلتُ عليها بـ همومي ..
أمي ؛ من أيّ ترابٍ يأتيني الوجع ..
أيّ طيني ٍ أنا أو أيّ مائيّ ..؟
وحلقي جافٌ كـ جرادةٍ ميتة ..
متحطبٌ كـ شجرةٍ سقطتْ منذ ألفِ عام ..
أخافُ أن أشربَ ماءً فـ تخضرّ ..
وأنا لا أشعرُ بـ الهدوء ..
ولا أشعرُ بـ الطمأنينة ..
أريدُ أن أنام ..
ولو في ثلاجةِ موتىً باردة ..
أريدُ أن أغفو بـ لا ذاكرة ..
بـ لا وجع ٍ بـ لا ألم ٍ بـ لا جفاف ..
أريدُ أن يتبخرَ حزني من جلدي لـ تنخفضَ حرارتي ..
أن ينبضَ قلبي دونَ إحباط ..
رأسي ممتلئٌ بـ حكايا اليتامى والمشردين ..
بـ قاطعي طريق ٍ مظلم ..
ممتلئٌ بـ كلّ خطأ ٍ تشجبهُ الإنسانية ..
أنا أتألمُ يا أمي ولا يظهرُ ذلكَ في عيني ..
ولا أستفرغُ شيئاً منهُ على طاولةِ حديثنا ..
أخشى أن أضمكـِ فـ تلمسي هذا الخوف داخلي ..
أخشى أن أضمكـِ فـ تـُفجعي بـ مقدار التعب ..
أن أكونَ ثقيلاً بينَ يديكـِ كـ صخرةِ كِلس ..
أنا مجهدٌ ومرهقٌ ومنهك ..
وصوتكـِ الذي يتخللُ أوردتي فـ يمشطها من الحزن ..
ويستوطنُ داخلي ليلاً كاملاً كـ جندي ٍ نبيل ..!
أخشى عليكـِ مني ؛ ومنكـِ عليّ ..
أخشى على كلينا منا ..!
ماذا حلّ بي ..؟
ماجد عبد الرحمن
21/04/2010, 03:05 AM
في المدرسةِ تعرّفتُ على صديق ٍ جديد ..
لم يكن حميماً كـ ما أردت ..
لكنهُ صادقٌ على الأقل ..
في الاستراحةِ الأولى لـ ثالثِ درس ٍ أخذناه :
ذهبتُ معهُ لـ نتسلقَ شجرة ً في الفناء ..
أنا صديقُ الأشجار وهوَ لا ..
لـ ذلكَ وقعَ وجُرحتْ ساقهُ بـ بشاعة ..
حملني المدرّسُ مرة ً أخرى إلى " زيس " ..
والذي قدّمَ لي طبقاً مليئاً بـ الحلوى ..
وأنا أنظرُ تحت المكتبِ إلى لسان ٍ رأيتهُ أخيراً ..
أخبرني " زيس " الدافئ أنهُ لا يريدُ مني تسلقَ الشجرة ..
وإن فعلتُ ذلكَ سـ يقومُ بـ توبيخي ..
لا أكترثُ لـ توبيخ ِ زيس / المشرفة / طفلها / الفأر الجائع ..
لا أكثرتُ لـ توبيخ ِ أحد ..
أنا رجل ؛ أقلهُ هذا ما اعتقدته ..
وحينَ تطورت الأمور من تسلق ِ شجرةٍ ..
إلى قفز ٍ بينَ الأشجار ..
أوقفني " زيس " يوماً كاملاً على قدم ٍ واحدة ..
لـ ذلكَ عدتُ إلى الميتم بـ القدم ِ الأخرى ..!
هنالكَ قابلتُ الشجرة َ العجوز ..
والتي كانت غاضبة ً مني كثيراً ..
أخبرتني أنّ أبناءها غاضبون ..
وأنني آذيتهم عندما كانوا يرعونَ الصبية َ في المدرسة ..
اعتذرتُ لـ الشجرةِ الأمّ ..
وانحنيتُ لها ..
ووقفتُ على قدم ٍ واحدةٍ ويدين ِ في الهواء ..
وتمايلتُ تمايلتُ تمايلت ..
حتى سقطتْ مني تفاحة ..!
ماجد عبد الرحمن
21/04/2010, 11:24 PM
الذي يفيضُ مني خارجاً ..
ليسَ بـ الضرورةِ أحمرُ اللون ..!
ماجد عبد الرحمن
23/04/2010, 05:10 AM
أوردتي صدأة ٌ بـ حزن ٍ قديم ..!
ماجد عبد الرحمن
23/04/2010, 05:12 AM
يقولونَ أني بـ خير ..!
كنتُ على غيمةٍ بيضاء ..
لكنّ الوريدَ الخارجَ مني :
يمتدّ طويلاً إلى قلبٍ يَقـْطرُ تلقائياً ..!
ولـ أني لستُ نائماً أو في حالةِ إفاقة ..
فـ قد كنتُ أسمعُ أصواتهم من بعيد ..
رغمَ قربِ المسافةِ بيني وبينهم ..
كـ أنْ تشعرَ بـ ألم ِ أحدهم وهوَ بعيدٌ عنك ..!
الوريدُ يهتز ..
طرفهُ دقيقٌ جداً كـ مسألةٍ شائكة ..
وطرفهُ الآخرُ ينتفخُ كـ بالون ِ العيد ..
أنا ملقىً لـ تأكلَ مني الأرض ..
وتـُنبتني السماءُ على مهل ..!
قالوا أني بـ خير ..
رغمَ ذلكَ لم أشعرْ بـ ما قالوا ..
ولم أشعرْ بـ سوئي أيضاً ..
حالتي تسمحُ بـ شيءٍ واحدٍ فقط :
النسيان ..!
وفي النسيان ِ ما يجعلكَ قادراً على التركيز ..
كـ أنْ تنسى جلوسكَ بينَ أربعةِ أشخاص ..
وتركزَ على شخص ٍ خامس ٍ ليسَ معكم :
تـُرى كيفَ هوَ الآن ..؟
النسيانُ أولُ حاسةٍ لا تـُلمسُ بـ اليد ..
يليها الخوفُ والشكّ والفرح ..
الحزنُ يتجسدُ دمعاً ..
الفرحُ يحبسُ أنفاسك ..
أما الخوفُ فـ لا ..
الخوفُ ما بينَ هذين ِ الإثنين ..
فـ هوَ يتجسدُ كـ رعشة ..
ويُحبسُ فيكَ كاملاً إلا وجهك ..
لـ ذلكَ تبدو شاحباً لـ من يراك ..!
vBulletin® v3.8.8 Beta 1, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.