جمعة الفاخري
16/05/2007, 09:59 PM
ـ أخيراً وصلتِ الرِّوَايَةُ مُنْتَهَاهَا .. تكامَلَتْ كلُّ خيوطِهَا .. لم تَبْقَ غيرُ نهايَتِهَا .. عليَّ أن اختارَ لبطلِهَا العظيمِ نهايَةً تَليقُ بِهِ .. أَنْ أُميتَهُ مِيْتَةً رائعَةً لم يَسْبُقْ لعظيمٍ قبلَهُ أَنْ حظيَ بها .. مِيْتَةً كما يشتهي بطلٌ في مثلِ مكانَتِهِ .. أريدُها مِيْتَةً تُحْيِيْهِ ؛ فموتُ العظمَاءِ حيَاةٌ طويلَةٌ خَالِدَةٌ ..
*****
لقد وعدْتُهَا أَنْ تكونَ روايةً باهرَةً ، لسببينِ اثنينِ : لأنَّها ترصدُ حياةَ رجلٍ عظيمٍ ؛ أعني موتَهُ المثيرَ الذي غدا حياةً ، ولأَنَّني سَأُهْدِيْهَا لزوجتي في عيدِ زواجِنَا الثلاثينِ ..
إنَّها مشروعُ عملٍ أدبيٍّ كبيرٍ سَيُؤهِّلُني لنيلِ جائزَةِ نوبلَ في الروايَةِ .. سيجعلُني المرشَّحَ الأبرزَ والأكثرَ حَظاً للظفرِ بها .. يمكنني الآنَ أن أهنِّئَ نفسيَ بالفوزِ المأمولِ منذُ الآنِ .. فيا لَلْموتِ الذي يَهِبُ الخلودَ ..!
*****
لكن كيف سَأَصِفُ للقرَّاءِ مشهدَ موتِهِ المهيبَ .. !؟
سَأَجْعلُهُ يُسلمُ جسدَهُ الطاهرَ للموتِ في طمأنينَةٍ .. سَأُغْمِضُ عينيهِ ، وأُبْقِي على مُحَيَّاهُ البسَّامِ ابتسَامَةَ رِضَا ساحِرَةً تَلِيْقُ ببطلِ روايَةٍ منتصرٍ .. بطلٍ سَيُثيرُ القرَّاءَ على مَسَاحَةِ خمسِ مئةِ صفحَةٍ كبيرَةٍ ، وعلى امتدادِ عشرةِ فصولٍ كاملَةٍ .. سيسْتعبدُ قلوبَهم فيظلُّون متعلِّقِيْنَ بِهِ طوالَ ستينَ عاماً وستةِ أشهرٍ وتسعةِ أيامٍ ..!
*****
سَأَرُشُّ حولَهُ عطراً .. سَأَنْثُرُ في الكونِ تاريخَهُ الْمُشْرِقَ .. وَأُؤْثِّثُ الدنيا بِأَقْوَالِهِ التَّارِيْخِيَّةِ الْخَالِدَةِ .. ستكونُ مِيْتَتُهُ الْمِيْتَةُ الْمُثْلَى الْمُبْتَغَاةُ .. هكذا يكونُ موتُ العظمَاءِ مُثِيْراً مِثلَ حياتِهِم ..!
*****
لم تَبْقَ غيرُ بضعِ صفحاتٍ .. مجردِ أسطرٍ قليلةٍ .. هيَ كلماتٌ معدودةٌ لكنَّها حَاسِمَةٌ .. إنَّها سَاعَةُ الموتِ الرهيبِ ..!
اقتربَتْ الآنَ سَاعَةُ الصِّفْرِ .. دَنَتِ اللحظَةُ المهيبَةُ .. سَأَجْعَلُهُ يُقَاوِمُ الموتَ بابتسامَتِهِ .. سَتتمدَّدُ أطرافُهُ مثلَ ميِّتٍ .. أقصدُ مِثْلَ حَيٍّ مَنْتَصِرٍ .. فَجْأَةً يَتَسَلَّلُ الموتُ الجميلُ إلى عروقِهِ .. يَسْرِي عبرَ شرايينِهِ .. يَمْضِي هادَئِاً داخلَ أوصالِهِ .. تتصلَّبُ أطرافُهُ .. يصلُ الموتُ هَادِئاً إلى قلبِهِ النابِضِ بالحياةِ .. يزفرُ في دِعَةٍ ورضا .. يَشْهَقُ بهدوءِ المطمئنِّ .. تَهْدَأُ أطرافُهُ .. تخرجُ روحُهُ .. تَسكنُ .. يتوقَّفُ قلبُهُ عنِ النبضِ تماماً مثلَ ساعَةٍ عتيقَةٍ .. يُسْلِمُ للموتِ أمنياتِهِ الكبارَ .. تَضُجُّ الحيَاةُ من حولِهِ .. يُشْعِلُ موتُهُ الدنيا .. يُقِيْمُهَا .. يُحِيْلُهَا إلى مَنَاحَةٍ صَاخِبَةٍ .. تَضْطَرِبُ الْجُمُوْعُ الْمُتَرَقِّبَةُ من حولِهِ دونَ أَنْ يَعْبَأَ بِهَا .. لَقَدْ طَلَّقَ الْحَيَاةََ إِلَى الأَبَدِ مُتَفَرِّغاً لموتِهِ العظيمِ .. لعالمِهِ الجديدِ .. رِضَاهُ بواقعِهِ ، وقناعتُهُ بمصيرِهِ سِرٌّ من أسرارِ نجاحِهِ .. " ألم يكنْ يقولُ دائماً : " علينا أَنْ نجتهدَ لنصنعَ مصائرَنَا بأيدِيْنَا ، فإنْ عاندَتْنَا الأقدارُ فلنقتَنِعْ ـ صابرينَ ـ أَنَّ هذا هوَ المصيرُ الحتميُّ المقَدَّرُ الذي ترسُمُهُ الأقدارُ لَنا رغماً عنَّا .."
العظماءُ يعيشونَ كما يَشَاؤُوْنَ .. يُطَوِّعُوْنَ الظروفَ لمشيئَتِهِم ..!!
*****
مَاتَ ..!؟ توقَّفَ قلبُهُ عنِ النبضِ تماماً .. تعطَّلَ كلُّ شيءٌ .. بما فيها حياتُهُ نفسُهَا ..!
أخيراً صارَ السَّطرُ الأخيرُ في حياتِهِ المثيرةِ آيلاً للكتابَةِ .. مُتَأهِّباً للتربُّعِ بزهوٍ فوقَ الورقِ .. فيما تنتظرُ الكلمَةُ الأخيْرَةُ في تاريْخِهِ جَرَّةً من قَلَمِي الْقَاصِرِ ..!؟
" رحمَهُ اللهُ " .. قالَ الناسُ .. رَثتْهُ القلوبُ بنبضَاتٍ مذعورَةٍ .. أبَّنَتْهُ الألْسُنُ بكلماتٍ محترقةٍ .. أعداؤهُ أَدْلُوا بشهاداتٍ مزوَّرَةٍ حولَهُ .. شهاداتٍ فيها شيءٌ منَ الحقيقةِ ، لكنَّهم اقترفوا زورَهُم وبهتانَهُم ذاكَ لأنَّهُم أرادوا أَنْ يرفعوا أنفسَهم إلى نفسِ منزلَتِهِ .. خَسِئَ الجبناءُ والمنحطُّونُ .. فالبطولَةُ لا تَوْأَمَ لَهَا .. والأبطالُ يولدونَ مَرَّةً واحدَةً ولا يتكرَّرونَ أبداً ..!
*****
سَمَّتِ النساءُ أولادَهُنَّ باسمِهِ .. فبدأتْ حيَواتٌ أخرى تُضَافُ لحياتِهِ الزاخرةِ .. حياةٌ مكرَّرَةٌ في بعضِ تفاصيلِهَا .. عاشَ مجدَّداً في نفوسِ الملايينَ الذينَ أحبُّوهُ .. والذينَ تَسَمُّوا باسمِهِ العظيمِ .. ومعَ هذا لم يكنْ غيرَ واحدٍ .. وهو هو .. هذا البطلُ الذي يُسْلِمُ روحَهُ بين يديَّ في هدوءٍ قنوعٍ .. يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرَةَ عبرَ سَيَلانِ مِدَادِي .. مُسْتَسْلِماً لموتِهِ تحتَ رحمَةِ قلمي .. يَتَسَرَّبُ الموتُ إليهِ من خلالِ صريرِهِ المفزعِ .. يكتمُ أنفاسَهُ بصهيلِهِ على الورقِ الخشنِ الرخيصِ .. يؤبِّنُهُ قلميَ المرتَعِشُ بحبرٍ رديءٍ .. يا لَلْفضيحةِ ..!؟
*****
لكن هذا ليسَ موتاً يليقُ بعظيمٍ مثلِهِ .. الدنيا لم تُشَيِّعْهُ كما ينبغي .. الضجَّةُ لم تكنْ كما يَشْتَهِي البطلُ .. إِنَّهم يَحْتَفِلُوْنَ بِهِ أكثرَ حينَ كانَ حيّاً .. على قلمي المتلكِّئِ أَنْ يُتْقِنَ التعبيرَ .. أَنْ يُحْسِنَ مراسمَ موتِهِ وتشييعِهِ .. أنْ يُبْدِعَ نَسْجَ مَرْثيَّتِهِ .. فهذهِ ليست نَهَايَةً تَلِيْقُ ببطلٍ أسطوريٍّ مُبَجَّلٍ .. ما أكثرَ جحودي .. وما أقلَّ وفائي ..!
بطلٌ استثنائيٌّ مثلَهُ عاشَ معي عشرينَ عاماً منَ القلقِ والفرحِ ، والعذابِ والصمودِ ، عشرينَ عاماً منَ المغامراتِ والنجاحِ والخيباتِ .. عشرينَ عاماً وهو يُقَاسِمُنِي عمري .. يَنَامُ ويَصحو معي .. يُشَارِكُنِي فراشي وأحلامي ، يأكلُ معي ويغسلُ يديهِ معي ، بل ويستعملُ أشيائي وأدواتي الخاصَّةِ .. يسكنُ أعماقي .. أحملُهُ في جوانحي .. أحضنُهُ كما تحضِنُ أمٌّ رؤومٌ وحيدَهَا المدلَّلَ .. نعم ، لقد كنتُ أدلِّلُهُ مثلَ أمٌّ .. كان يُضَاحِكُني ويُلاعِبني ويُبكيني .. كان يفرضُ عليَّ تلبيَةَ طَلَبَاتِهِ العظامَ .. كانَ يُمْلِي عليَّ سِيْرَتَهَ النَّاصِعَةَ .. ومع هذا كلِّهِ فَأَنا مُدَانٌ لَهُ بالشيءِ الكثيرِ ؛ فقدِ اختارَنِي من بينِ ملايينِ الكتَّابِ لأكتبَ سِيْرَتَهُ الرائعَةَ .. وأسردَ حياتَهُ وموتَهُ العظيمينِ .. لقد منحَ قلمي فرصةَ النبوغِ ، وأتاحَ لاسمي وثبَةَ الخلودِ المثلى ؛ فعليَّ أَنْ أُحْسِنَ خاتمتَهَ .. هو لم يقترحْ عليَّ نهايَةً بعينِهَا .. تَرَكَ لي حريَّةَ اختيارِ نهايَةٍ تَلِيْقُ ببطلٍ مثلِهِ .. لقد أحرجَ قلمي .. وضعَ خياليَ العقيمَ ، ومخيلتي العاقِرَ في مَوقفٍ حرجٍ جدَّاً ..!
لكنِّي سَأَنْجَحُ .. سَأُمِيْتُهُ مِيْتَةً مدهشَةً عظيمَةً .. أجل .. مِيْتَةً كما يَشْتَهِيْهَا .. كما يَتَمنَّاهَا العظمَاءُ .. العظمَاءُ فقط ..!
*****
أنا لم أجرِّبِ الموتَ .. بل ليسَ ثمَّةَ حيٌّ جرَّبَ الموتَ قبلَ أن يموتَ .. فالموتُ هوَ الشيءُ الوحيدُ الذي يجرِّبُهُ المرءُ مَرّةً واحِدَةً دونَ أن يكونَ بِوِسْعِِهِ أنْ ينقلَ مَشَاهِدِهِ للآخرينَ ..!!
لكن عليَّ أَنْ أفعلَ .. البطولَةُ تحتِّمُ عليَّ خوضَ هذهِ التجربَةِ المتفرِّدَةِ .. فالبطلُ العظيمُ يُلِحُّ على بَرَاعَتِي أَنْ تَبْتَكِرَ لَهُ مَوْتاً عَبْقَريّاً يليقُ بعظمَتِهِ وجبروتِهِ .. ليس ثمَّةَ حَلٌّ آخَرُ غيرَ أن أموتَ .. ولمَا لا ..!؟ سأموتُ .. ثمَّ أعودُ لأنقلَ مشهدَ الموتِ وأَخْلَعَهُ على بطليَ العظيمِ .. سأموتُ بتجربَةٍ حقيقيَّةٍ لِلموتِ .. سأختارُ يوماً عظيماً .. ليس أنسبَ من يومِ الحبِّ .. فالناسُ ستبتهجُ بذلكَ .. سيرتدونَ اللونَ الأحمرَ .. لونَ بطليَ المفضَّلَ .. لونَ الحبِّ .. كما أَنَّ للأحمرِ لونَ الدمِ ورائحةَ الموتِ ..؟ سيتبادلُ الناسُ الزهورَ الحمراءَ .. لن يُنْفِقَ أحدٌ درهماً واحداً من أجلي .. أقصدُ من أجلِ بطلي .. سَيَضَعُوْنَ على جُثْمَاني زهورَهمُ الحمراءَ المعطَّرَةِ بالقبلاتِ الحرَّى .. فالحبُّ عندَهم يومٌ واحدٌ .. إمَّا عندَهُ فالعمرُ كلُّهُ حبٌّ ، هكذا كان يوشوشُنِي بذلكَ ..
سَأحْمِلُ معي حبيبتي لتشهدَ مراسمَ الموتِ .. لترى بعينيْهَا الخطواتِ الأولى على دربِ المجدِ العظيمِ .. الطريقَ إلى نوبلِ والشهرةِ .. سأقتحمُ جموعَ المبتهجينَ بعيدِ الحبِّ .. سَأَرْقُصُ معهم ، وأحتسي النبيذَ المعتَّقَ مَعَهُمْ .. ثم فجأةً وفي غفلةٍ من عيونِ الجميعِ .. في عنفوانِ الفرحِ .. وقمَّةِ السكرِ أسقطُ في حَلْبَةِ الرقصِ صريعاً.. سَتَتَعَكُّرُ أجواؤهمُ الاحتفاليَّةُ قليلاً ، لكنَّها دواعي البطولةِ ، وضروراتُ المجدِ ، سَيُدركونَ ذلكَ لاحقاً .. سَيَحملونَنِي إلى المستشفى فاقداً للوعي .. لتبدأَ بعدَهَا مراسمُ موتي الاحتفاليِّ البهيجِ .. مَوْتٌ في عيدِ الحبِّ .. ما أجملَهُ من موتٍ ..!
إنَّها أوَّلُ مراحلِ الموتِ .. سقطةٌ مدهشَةٌ .. غيبوبَةٌ مثيرَةٌ .. الناسُ يزدحمونَ من حولي .. فرحُهُم يتحوَّلُ إلى حزنٍ مَشْدُوْهٍ ، لقد أصيبوا بالذهولِ وهم يتابعونَ الفصلَ الأوَّلَ من مراسمِ موتي .. توقَّفَتِ القلوبُ هلعاً .. الجبناءُ يخشونَ الموتَ .. ألم تبصرْ عيونُهُمُ العميَاءُ ابتسَامةَ الرضا على شفتيَّ .. أمَّا العظماءُ فَيَسْخَرونَ منَ الخوفِ .. فلا شيءَ يخيفُهُم .. حتى الموتُ نفسُهُ ..!
*****
ها هم يحملونَنِي إلى المستشفى .. سيَّارةُ الإسعافِ تُفْسِحُ بصراخِها المجنونِ طريقاً سالكةً لمرورِ عجلاتِهَا المتسارعة .. تُفْتَحُ الأبوابُ أمامَهَا .. السيَّاراتُ تتركُ لهَا الطريقَ لتنهبَهَا بشرَاهَةٍ .. العيونُ الفضولِيَّةُ تتعلَّقُ بها .. بينما يغزو عواؤُهَا المسعورُ كلَّ الآذانِ .. إنَّه موتُ بطلٍ .. فليسَ أعظمَ من ذلكَ ولا أدهشَ .. !
هكذا كانت أعماقي تترجمُ لي الضجَّةَ الهائِلَةَ التي تكتنفُ موتيَ المثيرَ ..!
أبوابُ المستشفى تُشْرَعُ لموتي .. لاستقبالِ جِثْمَاني .. الغرفةُ البيضَاءُ الغاصَّةُ بالأجهزةِ تستقبلُنِي .. يتكدَّسُ من حولي ذوو الملابسِ البيضاءِ .. تَحُفُّني الملائكةُ بأجنحةِ رحمتِها .. الأطبَّاءُ يَجسُّونَ نبضي .. ينظرونَ إلى بعضِهم بعيونٍ قلقةٍ .. الملائكةُ تذرفُ دموعاً صامتَةً إشفاقاً واسترحاماً .. خارجَ غرفَةِ موتي تَتَنَاقَلُ وسائلُ الإعلامِ المختلفَةُ خبرَ موتي العاجلَ .. تنمُّ لبعضِهَا بالسَّبَقِ الشهيِّ .. سيعيشونَ بموتي .. إِنَّهُ عظيمٌ .. نجاحٌ آخرُ لبطلي ..!
*****
نبضي يعلو .. لا أستجيبُ لضغطاتِ يدي البروفيسور .. أطلقُ شهقةً هائلةً .. حارَّةًَ كأنفاسِ بركانٍ .. أسلمُ روحيَ للقادمِ المهيبِ .. أستسلمُ طائِعاً للموتِ .. تدورُ العيونُ في محاجرِها .. تنقلُ نظراتِهَا المشفقَةَ نحوَ بعضِهَا .. تتفوَّهُ بكلامٍ مُفْزعٍ في لحظاتٍ .. نبضاتُ قلبِي تَتَبَاطَأُ على نحوٍ مفاجئٍ .. أنفاسي تهدأُ .. أطرافي تسكنُ .. تبردُ .. تموو..... !؟
لماذا لم أكملْها .. هل جُبْنْتُ .. هل تسرَّبَ الخوفُ الذميمُ إلى أعماقي.. تبَّاً لي فأنا أتقمَّصُ روحَ بطلٍ عظيمِ .. وأمثِّلُ مشهدَ غيابِهِ الرهيبِ ...!؟ تبَّاً لي ألفَ مرَّةٍ .. خطواتٌ كسيرةٌ تنسحبُ للوراءِ .. دموعٌ تختزلُهَا العيونُ المترقِّبَةُ .. مشاهدُ كثيرةٌ الآنَ ترتسمُ بأعماقي .. تحومُ على ذهني كفراشاتِ النارِ .. الروايَةُ .. عيدُ الحبِّ .. حبيبتي التي سَأُهْدِي لها الروايَةَ .. وسائلُ الإعلامِ المتربِّصَةُ بخبرِ موتي .. مشروعي الحلمُ .. جائزةُ نوبلٍ المشتهاةُ ..!؟
*****
أيدي الأطبَّاء تضغطُ على صدري .. تجسُّ نبضيَ للمرَّةِ الأخيرةِ .. لحظةَ أسلمتُ فيها روحي كانَ صحفيٌّ مغمورٌ يَنْدَسُ بينَ الأطبَّاءِ راصِداً الحدثَ الاستثنائيَّ ، مُسَجِّلاً الوقائعَ المثيرَةَ التي كُنْتُ أُجَرِّبُ الموتَ لرصدِهَا ..!
طرابلس 30/ 9 / 2006
alfakhrey@yahoo.com
*****
لقد وعدْتُهَا أَنْ تكونَ روايةً باهرَةً ، لسببينِ اثنينِ : لأنَّها ترصدُ حياةَ رجلٍ عظيمٍ ؛ أعني موتَهُ المثيرَ الذي غدا حياةً ، ولأَنَّني سَأُهْدِيْهَا لزوجتي في عيدِ زواجِنَا الثلاثينِ ..
إنَّها مشروعُ عملٍ أدبيٍّ كبيرٍ سَيُؤهِّلُني لنيلِ جائزَةِ نوبلَ في الروايَةِ .. سيجعلُني المرشَّحَ الأبرزَ والأكثرَ حَظاً للظفرِ بها .. يمكنني الآنَ أن أهنِّئَ نفسيَ بالفوزِ المأمولِ منذُ الآنِ .. فيا لَلْموتِ الذي يَهِبُ الخلودَ ..!
*****
لكن كيف سَأَصِفُ للقرَّاءِ مشهدَ موتِهِ المهيبَ .. !؟
سَأَجْعلُهُ يُسلمُ جسدَهُ الطاهرَ للموتِ في طمأنينَةٍ .. سَأُغْمِضُ عينيهِ ، وأُبْقِي على مُحَيَّاهُ البسَّامِ ابتسَامَةَ رِضَا ساحِرَةً تَلِيْقُ ببطلِ روايَةٍ منتصرٍ .. بطلٍ سَيُثيرُ القرَّاءَ على مَسَاحَةِ خمسِ مئةِ صفحَةٍ كبيرَةٍ ، وعلى امتدادِ عشرةِ فصولٍ كاملَةٍ .. سيسْتعبدُ قلوبَهم فيظلُّون متعلِّقِيْنَ بِهِ طوالَ ستينَ عاماً وستةِ أشهرٍ وتسعةِ أيامٍ ..!
*****
سَأَرُشُّ حولَهُ عطراً .. سَأَنْثُرُ في الكونِ تاريخَهُ الْمُشْرِقَ .. وَأُؤْثِّثُ الدنيا بِأَقْوَالِهِ التَّارِيْخِيَّةِ الْخَالِدَةِ .. ستكونُ مِيْتَتُهُ الْمِيْتَةُ الْمُثْلَى الْمُبْتَغَاةُ .. هكذا يكونُ موتُ العظمَاءِ مُثِيْراً مِثلَ حياتِهِم ..!
*****
لم تَبْقَ غيرُ بضعِ صفحاتٍ .. مجردِ أسطرٍ قليلةٍ .. هيَ كلماتٌ معدودةٌ لكنَّها حَاسِمَةٌ .. إنَّها سَاعَةُ الموتِ الرهيبِ ..!
اقتربَتْ الآنَ سَاعَةُ الصِّفْرِ .. دَنَتِ اللحظَةُ المهيبَةُ .. سَأَجْعَلُهُ يُقَاوِمُ الموتَ بابتسامَتِهِ .. سَتتمدَّدُ أطرافُهُ مثلَ ميِّتٍ .. أقصدُ مِثْلَ حَيٍّ مَنْتَصِرٍ .. فَجْأَةً يَتَسَلَّلُ الموتُ الجميلُ إلى عروقِهِ .. يَسْرِي عبرَ شرايينِهِ .. يَمْضِي هادَئِاً داخلَ أوصالِهِ .. تتصلَّبُ أطرافُهُ .. يصلُ الموتُ هَادِئاً إلى قلبِهِ النابِضِ بالحياةِ .. يزفرُ في دِعَةٍ ورضا .. يَشْهَقُ بهدوءِ المطمئنِّ .. تَهْدَأُ أطرافُهُ .. تخرجُ روحُهُ .. تَسكنُ .. يتوقَّفُ قلبُهُ عنِ النبضِ تماماً مثلَ ساعَةٍ عتيقَةٍ .. يُسْلِمُ للموتِ أمنياتِهِ الكبارَ .. تَضُجُّ الحيَاةُ من حولِهِ .. يُشْعِلُ موتُهُ الدنيا .. يُقِيْمُهَا .. يُحِيْلُهَا إلى مَنَاحَةٍ صَاخِبَةٍ .. تَضْطَرِبُ الْجُمُوْعُ الْمُتَرَقِّبَةُ من حولِهِ دونَ أَنْ يَعْبَأَ بِهَا .. لَقَدْ طَلَّقَ الْحَيَاةََ إِلَى الأَبَدِ مُتَفَرِّغاً لموتِهِ العظيمِ .. لعالمِهِ الجديدِ .. رِضَاهُ بواقعِهِ ، وقناعتُهُ بمصيرِهِ سِرٌّ من أسرارِ نجاحِهِ .. " ألم يكنْ يقولُ دائماً : " علينا أَنْ نجتهدَ لنصنعَ مصائرَنَا بأيدِيْنَا ، فإنْ عاندَتْنَا الأقدارُ فلنقتَنِعْ ـ صابرينَ ـ أَنَّ هذا هوَ المصيرُ الحتميُّ المقَدَّرُ الذي ترسُمُهُ الأقدارُ لَنا رغماً عنَّا .."
العظماءُ يعيشونَ كما يَشَاؤُوْنَ .. يُطَوِّعُوْنَ الظروفَ لمشيئَتِهِم ..!!
*****
مَاتَ ..!؟ توقَّفَ قلبُهُ عنِ النبضِ تماماً .. تعطَّلَ كلُّ شيءٌ .. بما فيها حياتُهُ نفسُهَا ..!
أخيراً صارَ السَّطرُ الأخيرُ في حياتِهِ المثيرةِ آيلاً للكتابَةِ .. مُتَأهِّباً للتربُّعِ بزهوٍ فوقَ الورقِ .. فيما تنتظرُ الكلمَةُ الأخيْرَةُ في تاريْخِهِ جَرَّةً من قَلَمِي الْقَاصِرِ ..!؟
" رحمَهُ اللهُ " .. قالَ الناسُ .. رَثتْهُ القلوبُ بنبضَاتٍ مذعورَةٍ .. أبَّنَتْهُ الألْسُنُ بكلماتٍ محترقةٍ .. أعداؤهُ أَدْلُوا بشهاداتٍ مزوَّرَةٍ حولَهُ .. شهاداتٍ فيها شيءٌ منَ الحقيقةِ ، لكنَّهم اقترفوا زورَهُم وبهتانَهُم ذاكَ لأنَّهُم أرادوا أَنْ يرفعوا أنفسَهم إلى نفسِ منزلَتِهِ .. خَسِئَ الجبناءُ والمنحطُّونُ .. فالبطولَةُ لا تَوْأَمَ لَهَا .. والأبطالُ يولدونَ مَرَّةً واحدَةً ولا يتكرَّرونَ أبداً ..!
*****
سَمَّتِ النساءُ أولادَهُنَّ باسمِهِ .. فبدأتْ حيَواتٌ أخرى تُضَافُ لحياتِهِ الزاخرةِ .. حياةٌ مكرَّرَةٌ في بعضِ تفاصيلِهَا .. عاشَ مجدَّداً في نفوسِ الملايينَ الذينَ أحبُّوهُ .. والذينَ تَسَمُّوا باسمِهِ العظيمِ .. ومعَ هذا لم يكنْ غيرَ واحدٍ .. وهو هو .. هذا البطلُ الذي يُسْلِمُ روحَهُ بين يديَّ في هدوءٍ قنوعٍ .. يلفظُ أنفاسَهُ الأخيرَةَ عبرَ سَيَلانِ مِدَادِي .. مُسْتَسْلِماً لموتِهِ تحتَ رحمَةِ قلمي .. يَتَسَرَّبُ الموتُ إليهِ من خلالِ صريرِهِ المفزعِ .. يكتمُ أنفاسَهُ بصهيلِهِ على الورقِ الخشنِ الرخيصِ .. يؤبِّنُهُ قلميَ المرتَعِشُ بحبرٍ رديءٍ .. يا لَلْفضيحةِ ..!؟
*****
لكن هذا ليسَ موتاً يليقُ بعظيمٍ مثلِهِ .. الدنيا لم تُشَيِّعْهُ كما ينبغي .. الضجَّةُ لم تكنْ كما يَشْتَهِي البطلُ .. إِنَّهم يَحْتَفِلُوْنَ بِهِ أكثرَ حينَ كانَ حيّاً .. على قلمي المتلكِّئِ أَنْ يُتْقِنَ التعبيرَ .. أَنْ يُحْسِنَ مراسمَ موتِهِ وتشييعِهِ .. أنْ يُبْدِعَ نَسْجَ مَرْثيَّتِهِ .. فهذهِ ليست نَهَايَةً تَلِيْقُ ببطلٍ أسطوريٍّ مُبَجَّلٍ .. ما أكثرَ جحودي .. وما أقلَّ وفائي ..!
بطلٌ استثنائيٌّ مثلَهُ عاشَ معي عشرينَ عاماً منَ القلقِ والفرحِ ، والعذابِ والصمودِ ، عشرينَ عاماً منَ المغامراتِ والنجاحِ والخيباتِ .. عشرينَ عاماً وهو يُقَاسِمُنِي عمري .. يَنَامُ ويَصحو معي .. يُشَارِكُنِي فراشي وأحلامي ، يأكلُ معي ويغسلُ يديهِ معي ، بل ويستعملُ أشيائي وأدواتي الخاصَّةِ .. يسكنُ أعماقي .. أحملُهُ في جوانحي .. أحضنُهُ كما تحضِنُ أمٌّ رؤومٌ وحيدَهَا المدلَّلَ .. نعم ، لقد كنتُ أدلِّلُهُ مثلَ أمٌّ .. كان يُضَاحِكُني ويُلاعِبني ويُبكيني .. كان يفرضُ عليَّ تلبيَةَ طَلَبَاتِهِ العظامَ .. كانَ يُمْلِي عليَّ سِيْرَتَهَ النَّاصِعَةَ .. ومع هذا كلِّهِ فَأَنا مُدَانٌ لَهُ بالشيءِ الكثيرِ ؛ فقدِ اختارَنِي من بينِ ملايينِ الكتَّابِ لأكتبَ سِيْرَتَهُ الرائعَةَ .. وأسردَ حياتَهُ وموتَهُ العظيمينِ .. لقد منحَ قلمي فرصةَ النبوغِ ، وأتاحَ لاسمي وثبَةَ الخلودِ المثلى ؛ فعليَّ أَنْ أُحْسِنَ خاتمتَهَ .. هو لم يقترحْ عليَّ نهايَةً بعينِهَا .. تَرَكَ لي حريَّةَ اختيارِ نهايَةٍ تَلِيْقُ ببطلٍ مثلِهِ .. لقد أحرجَ قلمي .. وضعَ خياليَ العقيمَ ، ومخيلتي العاقِرَ في مَوقفٍ حرجٍ جدَّاً ..!
لكنِّي سَأَنْجَحُ .. سَأُمِيْتُهُ مِيْتَةً مدهشَةً عظيمَةً .. أجل .. مِيْتَةً كما يَشْتَهِيْهَا .. كما يَتَمنَّاهَا العظمَاءُ .. العظمَاءُ فقط ..!
*****
أنا لم أجرِّبِ الموتَ .. بل ليسَ ثمَّةَ حيٌّ جرَّبَ الموتَ قبلَ أن يموتَ .. فالموتُ هوَ الشيءُ الوحيدُ الذي يجرِّبُهُ المرءُ مَرّةً واحِدَةً دونَ أن يكونَ بِوِسْعِِهِ أنْ ينقلَ مَشَاهِدِهِ للآخرينَ ..!!
لكن عليَّ أَنْ أفعلَ .. البطولَةُ تحتِّمُ عليَّ خوضَ هذهِ التجربَةِ المتفرِّدَةِ .. فالبطلُ العظيمُ يُلِحُّ على بَرَاعَتِي أَنْ تَبْتَكِرَ لَهُ مَوْتاً عَبْقَريّاً يليقُ بعظمَتِهِ وجبروتِهِ .. ليس ثمَّةَ حَلٌّ آخَرُ غيرَ أن أموتَ .. ولمَا لا ..!؟ سأموتُ .. ثمَّ أعودُ لأنقلَ مشهدَ الموتِ وأَخْلَعَهُ على بطليَ العظيمِ .. سأموتُ بتجربَةٍ حقيقيَّةٍ لِلموتِ .. سأختارُ يوماً عظيماً .. ليس أنسبَ من يومِ الحبِّ .. فالناسُ ستبتهجُ بذلكَ .. سيرتدونَ اللونَ الأحمرَ .. لونَ بطليَ المفضَّلَ .. لونَ الحبِّ .. كما أَنَّ للأحمرِ لونَ الدمِ ورائحةَ الموتِ ..؟ سيتبادلُ الناسُ الزهورَ الحمراءَ .. لن يُنْفِقَ أحدٌ درهماً واحداً من أجلي .. أقصدُ من أجلِ بطلي .. سَيَضَعُوْنَ على جُثْمَاني زهورَهمُ الحمراءَ المعطَّرَةِ بالقبلاتِ الحرَّى .. فالحبُّ عندَهم يومٌ واحدٌ .. إمَّا عندَهُ فالعمرُ كلُّهُ حبٌّ ، هكذا كان يوشوشُنِي بذلكَ ..
سَأحْمِلُ معي حبيبتي لتشهدَ مراسمَ الموتِ .. لترى بعينيْهَا الخطواتِ الأولى على دربِ المجدِ العظيمِ .. الطريقَ إلى نوبلِ والشهرةِ .. سأقتحمُ جموعَ المبتهجينَ بعيدِ الحبِّ .. سَأَرْقُصُ معهم ، وأحتسي النبيذَ المعتَّقَ مَعَهُمْ .. ثم فجأةً وفي غفلةٍ من عيونِ الجميعِ .. في عنفوانِ الفرحِ .. وقمَّةِ السكرِ أسقطُ في حَلْبَةِ الرقصِ صريعاً.. سَتَتَعَكُّرُ أجواؤهمُ الاحتفاليَّةُ قليلاً ، لكنَّها دواعي البطولةِ ، وضروراتُ المجدِ ، سَيُدركونَ ذلكَ لاحقاً .. سَيَحملونَنِي إلى المستشفى فاقداً للوعي .. لتبدأَ بعدَهَا مراسمُ موتي الاحتفاليِّ البهيجِ .. مَوْتٌ في عيدِ الحبِّ .. ما أجملَهُ من موتٍ ..!
إنَّها أوَّلُ مراحلِ الموتِ .. سقطةٌ مدهشَةٌ .. غيبوبَةٌ مثيرَةٌ .. الناسُ يزدحمونَ من حولي .. فرحُهُم يتحوَّلُ إلى حزنٍ مَشْدُوْهٍ ، لقد أصيبوا بالذهولِ وهم يتابعونَ الفصلَ الأوَّلَ من مراسمِ موتي .. توقَّفَتِ القلوبُ هلعاً .. الجبناءُ يخشونَ الموتَ .. ألم تبصرْ عيونُهُمُ العميَاءُ ابتسَامةَ الرضا على شفتيَّ .. أمَّا العظماءُ فَيَسْخَرونَ منَ الخوفِ .. فلا شيءَ يخيفُهُم .. حتى الموتُ نفسُهُ ..!
*****
ها هم يحملونَنِي إلى المستشفى .. سيَّارةُ الإسعافِ تُفْسِحُ بصراخِها المجنونِ طريقاً سالكةً لمرورِ عجلاتِهَا المتسارعة .. تُفْتَحُ الأبوابُ أمامَهَا .. السيَّاراتُ تتركُ لهَا الطريقَ لتنهبَهَا بشرَاهَةٍ .. العيونُ الفضولِيَّةُ تتعلَّقُ بها .. بينما يغزو عواؤُهَا المسعورُ كلَّ الآذانِ .. إنَّه موتُ بطلٍ .. فليسَ أعظمَ من ذلكَ ولا أدهشَ .. !
هكذا كانت أعماقي تترجمُ لي الضجَّةَ الهائِلَةَ التي تكتنفُ موتيَ المثيرَ ..!
أبوابُ المستشفى تُشْرَعُ لموتي .. لاستقبالِ جِثْمَاني .. الغرفةُ البيضَاءُ الغاصَّةُ بالأجهزةِ تستقبلُنِي .. يتكدَّسُ من حولي ذوو الملابسِ البيضاءِ .. تَحُفُّني الملائكةُ بأجنحةِ رحمتِها .. الأطبَّاءُ يَجسُّونَ نبضي .. ينظرونَ إلى بعضِهم بعيونٍ قلقةٍ .. الملائكةُ تذرفُ دموعاً صامتَةً إشفاقاً واسترحاماً .. خارجَ غرفَةِ موتي تَتَنَاقَلُ وسائلُ الإعلامِ المختلفَةُ خبرَ موتي العاجلَ .. تنمُّ لبعضِهَا بالسَّبَقِ الشهيِّ .. سيعيشونَ بموتي .. إِنَّهُ عظيمٌ .. نجاحٌ آخرُ لبطلي ..!
*****
نبضي يعلو .. لا أستجيبُ لضغطاتِ يدي البروفيسور .. أطلقُ شهقةً هائلةً .. حارَّةًَ كأنفاسِ بركانٍ .. أسلمُ روحيَ للقادمِ المهيبِ .. أستسلمُ طائِعاً للموتِ .. تدورُ العيونُ في محاجرِها .. تنقلُ نظراتِهَا المشفقَةَ نحوَ بعضِهَا .. تتفوَّهُ بكلامٍ مُفْزعٍ في لحظاتٍ .. نبضاتُ قلبِي تَتَبَاطَأُ على نحوٍ مفاجئٍ .. أنفاسي تهدأُ .. أطرافي تسكنُ .. تبردُ .. تموو..... !؟
لماذا لم أكملْها .. هل جُبْنْتُ .. هل تسرَّبَ الخوفُ الذميمُ إلى أعماقي.. تبَّاً لي فأنا أتقمَّصُ روحَ بطلٍ عظيمِ .. وأمثِّلُ مشهدَ غيابِهِ الرهيبِ ...!؟ تبَّاً لي ألفَ مرَّةٍ .. خطواتٌ كسيرةٌ تنسحبُ للوراءِ .. دموعٌ تختزلُهَا العيونُ المترقِّبَةُ .. مشاهدُ كثيرةٌ الآنَ ترتسمُ بأعماقي .. تحومُ على ذهني كفراشاتِ النارِ .. الروايَةُ .. عيدُ الحبِّ .. حبيبتي التي سَأُهْدِي لها الروايَةَ .. وسائلُ الإعلامِ المتربِّصَةُ بخبرِ موتي .. مشروعي الحلمُ .. جائزةُ نوبلٍ المشتهاةُ ..!؟
*****
أيدي الأطبَّاء تضغطُ على صدري .. تجسُّ نبضيَ للمرَّةِ الأخيرةِ .. لحظةَ أسلمتُ فيها روحي كانَ صحفيٌّ مغمورٌ يَنْدَسُ بينَ الأطبَّاءِ راصِداً الحدثَ الاستثنائيَّ ، مُسَجِّلاً الوقائعَ المثيرَةَ التي كُنْتُ أُجَرِّبُ الموتَ لرصدِهَا ..!
طرابلس 30/ 9 / 2006
alfakhrey@yahoo.com