مضاوي الروقي
25/06/2010, 06:15 PM
مدخل :
يقول اللغوي العظيم ابن جني : " اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم "
* * *
كانت تجذبه إليها بشدة ،، تأسر فؤاده ،، و تسري في كيانه رعشة دافئة كلما حدّق إليها،،، أراد أن يمتلكها،، تردد كثيرا على ذلك المقهى الصغير الذي تقيم فيه،، كان يلتهمها بعينيه كلما جلس يحتسي قهوته المرة ،، كان يحس بضياع أنيق حينما تمتزج نظراته بنظراتها،،
عشق تلك الدقائق التي يقضيها هناك بقربها ، قرر أخيرا أن يقتنيها ،، أن يزين بها غرفته الدافئة الألوان، لتمنحها حياة نابضة،، لتضفي شيئا من بهائها على أجواء بيته الباردة ..
* * *
في أحد المساءات الوادعة من مساءات أبريل،، بالغ في تأنقه ، ورسم ابتسامة ماكرة على شفتيه ، و توجه ناحية المقهى الصغير ..
جلس على طاولته المعتادة بالقرب من الموقد ، و أخذ يحدق إليها ، خفق قلبه حينما التقت نظراتهما ،، و لوهلة ظن أنه توقف عن الخفقان !!
نهض قبل أن يحتسي مشروبه ،، توجه ناحية صاحب المقهى ، ابتسم له بعذوبة ، وطلب منه ذلك التمثال من الرخام الذي يعتلي الموقد .. بعد قليل من عناء استجاب صاحب المقهى لطلبه!
لم يصدق نفسه ! ها قد حانت ساعة اللقاء بها ..! وحينما هم صاحب المقهى بتغليف التمثال ووضعه في علبة من الزجاج ،، صاح به ! لا يريد أن يحبسه في صندوق ، إنما يريد حمله بين يديه ،، ووضعه تحت معطفه ، ليخفيه عن أدنى هبة نسيم ، قد تجرحه وتؤذي رقته المتناهية !!!
* * *
فتاة في مقتبل العشرين ،، فاتنة ،، نابضة بالحياة ، مكتملة النضج و الأنوثة ، لها سحر آسر ظل يقتات روحه منذ شهور ثلاث .. لم يهدأ حتى استحوذ على التمثال ووضعه في غرفته يزين مكتبه ،، يراه قبل نومه ، وحين استيقاظه ، ومع كل التفاتة منه ، يحيط به سحره وجلاله ، وفتنته ، قضى معظم الليل على مكتبه ، يتأمل هذا التمثال و تفاصيله الدقيقة الناطقة بكل معاني الحياة والجمال والحرية !!!
أخذ قلما وورقة بيضاء ،، و جعل يرسم خطوطا مبعثرة على الصفحة ،، رسم شعرها المموج في خصلات رقيقة بندقية اللون حريرية ، هكذا تخيل شعرها ،، رسم عينين رائعتي الجمال تحدقان في البعيد ، تحملان نظرة عميقة باردة لا مبالية ، عينان بلون الفيروز تشعان سحرا لا أبعاد تحده ! رسم فما متوردا دافئا و ساخرا بعض الشيء ..!
* * *
حينما استيقظ صباحا صنع فنجانين من القهوة وتوجه نحو مكتبه و جلس أمام عشقه ـ تمثالها ـ ،، وضع أحدهما أمامها وبدأ يحتسي الآخر ! حينما نظر إلى التمثال شعر و كأن ابتسامة عذبة ارتسمت على قسماته ...!!
تطلع إلى الرسم أمامه فلاحظ اختفاء الابتسامة الصغيرة الساخرة ،، بينما أشرقت مكانها ابتسامة عذبة دافئة ندية ،، كتلك التي على شفتيها !
انتفاضة فرح تسربت إلى كيانه ،، بدا و كأن التمثال والرسم كلاهما يعكس روحه ،، ويخالط شفافيتها ونقاءها ،، بدا و كأن روحه انتشرت في المكان وتسربت إلى ذلك التجويف البارد في قلب التمثال ،، انسابت مع ألوان الورق لتنشر قليلا من تفاصيله على قسمات الصفحة !
ارتعشت أنامله ،، وتشتت نظراته في المكان حين أحس بالدفء يغمر الغرفة ،، وبرودة قاتلة تسكن جسده !
نظرة فارغة باهتة بدأت تغزو عينيه ، توهم أنه لمح فنجانها منتصفا ،، حين التفت نحوه التفاتة بلا هدف ،،! كان الفراغ يلف المكان ،، نسمات باردة ارتعشت لها أهداب التمثال ، وطرفت عيناه ، بياض متواصل يصيطر على المكان ، يتراقص أثاث غرفته أمام عينيه ، ثم اختفى !
* * *
تناثرت أزهار الأوركيد في كل مكان ،، مساحات بلا نهاية منها ،، لا يرى سواها على مد بصره ، حمل التمثال بعيدا ، ووضعه بين أوراق الورد ، أنوثة دافئة صبغت ألوان التمثال ، تلك النظرة المتمردة في عينيها تزرع في شفتيه معاني ساحرة ، وفي عينيه ابتسامات ملتهبة متوهجة ، يسري الدفء من أنامله إلى الرخام ، تطرف عيناها ، تتحولان إلى اللون الفيروزي المتألق ،، عينان حيويتان تعريان الوقت وتوقفانه على أعتاب بقايا نظرة ثائرة!
يتساقط الورد بكثافة على شعرها الرخامي ، صانعا إكليلا متمازجا مع خصلاته الحريرية ، يتطاير الورد مع حركات شعرها البندقي المشع ، تتناثر بقية الأوركيد ، يبتسم له فمها الوردي ، تقفز برشاقة من بين وريقات الورد ،، تمد له يدها ، تدعوه لمراقصتها ، وفي استدارة سريعة منها يتهاوى الوقت ،، و تزول حدود الدقائق !
يقف مبهورا ،، حائرا مقطوع الأنفاس ..
يتساقط النهار مع ابتسامتيهما .. تذوب كل حروف اللغة .. تتحول إلى معزوفة حالمة يرقص على نغماتها قلبان والهان !!
يتماهى تغريد البلابل مع عزفات الموسيقى الهادئة ، وخطوات بطيئة لراقصين امتزجت أرواحهما و انصهرت أجسادهما في نشوة اللحظة المتمردة !!!
نقشت على شفتيه ألوانا قزحية متألقة ، باهرة ، توهجت ألوان التمثال ،، ودب الدفء في أنحاء الوقت ، وتسرب الربيع إلى المكان !
* * *
غربت شمس أبريل ،، غربت على بقايا تمثال متحطم .. وعلى شفتيه آثار ابتسامة ، تكسو بقاياه أوراق الأوركيد .. وعلى ضوء خافت يكسو أوراق الورد .. هناك ورقة بيضاء تتفرق على سطحها خطوط سوداء ، فيروزية ، وبندقية ! و آثار نوتة موسيقية في بدايتها !!!
الخميس5/مارس/ 2009
يقول اللغوي العظيم ابن جني : " اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم "
* * *
كانت تجذبه إليها بشدة ،، تأسر فؤاده ،، و تسري في كيانه رعشة دافئة كلما حدّق إليها،،، أراد أن يمتلكها،، تردد كثيرا على ذلك المقهى الصغير الذي تقيم فيه،، كان يلتهمها بعينيه كلما جلس يحتسي قهوته المرة ،، كان يحس بضياع أنيق حينما تمتزج نظراته بنظراتها،،
عشق تلك الدقائق التي يقضيها هناك بقربها ، قرر أخيرا أن يقتنيها ،، أن يزين بها غرفته الدافئة الألوان، لتمنحها حياة نابضة،، لتضفي شيئا من بهائها على أجواء بيته الباردة ..
* * *
في أحد المساءات الوادعة من مساءات أبريل،، بالغ في تأنقه ، ورسم ابتسامة ماكرة على شفتيه ، و توجه ناحية المقهى الصغير ..
جلس على طاولته المعتادة بالقرب من الموقد ، و أخذ يحدق إليها ، خفق قلبه حينما التقت نظراتهما ،، و لوهلة ظن أنه توقف عن الخفقان !!
نهض قبل أن يحتسي مشروبه ،، توجه ناحية صاحب المقهى ، ابتسم له بعذوبة ، وطلب منه ذلك التمثال من الرخام الذي يعتلي الموقد .. بعد قليل من عناء استجاب صاحب المقهى لطلبه!
لم يصدق نفسه ! ها قد حانت ساعة اللقاء بها ..! وحينما هم صاحب المقهى بتغليف التمثال ووضعه في علبة من الزجاج ،، صاح به ! لا يريد أن يحبسه في صندوق ، إنما يريد حمله بين يديه ،، ووضعه تحت معطفه ، ليخفيه عن أدنى هبة نسيم ، قد تجرحه وتؤذي رقته المتناهية !!!
* * *
فتاة في مقتبل العشرين ،، فاتنة ،، نابضة بالحياة ، مكتملة النضج و الأنوثة ، لها سحر آسر ظل يقتات روحه منذ شهور ثلاث .. لم يهدأ حتى استحوذ على التمثال ووضعه في غرفته يزين مكتبه ،، يراه قبل نومه ، وحين استيقاظه ، ومع كل التفاتة منه ، يحيط به سحره وجلاله ، وفتنته ، قضى معظم الليل على مكتبه ، يتأمل هذا التمثال و تفاصيله الدقيقة الناطقة بكل معاني الحياة والجمال والحرية !!!
أخذ قلما وورقة بيضاء ،، و جعل يرسم خطوطا مبعثرة على الصفحة ،، رسم شعرها المموج في خصلات رقيقة بندقية اللون حريرية ، هكذا تخيل شعرها ،، رسم عينين رائعتي الجمال تحدقان في البعيد ، تحملان نظرة عميقة باردة لا مبالية ، عينان بلون الفيروز تشعان سحرا لا أبعاد تحده ! رسم فما متوردا دافئا و ساخرا بعض الشيء ..!
* * *
حينما استيقظ صباحا صنع فنجانين من القهوة وتوجه نحو مكتبه و جلس أمام عشقه ـ تمثالها ـ ،، وضع أحدهما أمامها وبدأ يحتسي الآخر ! حينما نظر إلى التمثال شعر و كأن ابتسامة عذبة ارتسمت على قسماته ...!!
تطلع إلى الرسم أمامه فلاحظ اختفاء الابتسامة الصغيرة الساخرة ،، بينما أشرقت مكانها ابتسامة عذبة دافئة ندية ،، كتلك التي على شفتيها !
انتفاضة فرح تسربت إلى كيانه ،، بدا و كأن التمثال والرسم كلاهما يعكس روحه ،، ويخالط شفافيتها ونقاءها ،، بدا و كأن روحه انتشرت في المكان وتسربت إلى ذلك التجويف البارد في قلب التمثال ،، انسابت مع ألوان الورق لتنشر قليلا من تفاصيله على قسمات الصفحة !
ارتعشت أنامله ،، وتشتت نظراته في المكان حين أحس بالدفء يغمر الغرفة ،، وبرودة قاتلة تسكن جسده !
نظرة فارغة باهتة بدأت تغزو عينيه ، توهم أنه لمح فنجانها منتصفا ،، حين التفت نحوه التفاتة بلا هدف ،،! كان الفراغ يلف المكان ،، نسمات باردة ارتعشت لها أهداب التمثال ، وطرفت عيناه ، بياض متواصل يصيطر على المكان ، يتراقص أثاث غرفته أمام عينيه ، ثم اختفى !
* * *
تناثرت أزهار الأوركيد في كل مكان ،، مساحات بلا نهاية منها ،، لا يرى سواها على مد بصره ، حمل التمثال بعيدا ، ووضعه بين أوراق الورد ، أنوثة دافئة صبغت ألوان التمثال ، تلك النظرة المتمردة في عينيها تزرع في شفتيه معاني ساحرة ، وفي عينيه ابتسامات ملتهبة متوهجة ، يسري الدفء من أنامله إلى الرخام ، تطرف عيناها ، تتحولان إلى اللون الفيروزي المتألق ،، عينان حيويتان تعريان الوقت وتوقفانه على أعتاب بقايا نظرة ثائرة!
يتساقط الورد بكثافة على شعرها الرخامي ، صانعا إكليلا متمازجا مع خصلاته الحريرية ، يتطاير الورد مع حركات شعرها البندقي المشع ، تتناثر بقية الأوركيد ، يبتسم له فمها الوردي ، تقفز برشاقة من بين وريقات الورد ،، تمد له يدها ، تدعوه لمراقصتها ، وفي استدارة سريعة منها يتهاوى الوقت ،، و تزول حدود الدقائق !
يقف مبهورا ،، حائرا مقطوع الأنفاس ..
يتساقط النهار مع ابتسامتيهما .. تذوب كل حروف اللغة .. تتحول إلى معزوفة حالمة يرقص على نغماتها قلبان والهان !!
يتماهى تغريد البلابل مع عزفات الموسيقى الهادئة ، وخطوات بطيئة لراقصين امتزجت أرواحهما و انصهرت أجسادهما في نشوة اللحظة المتمردة !!!
نقشت على شفتيه ألوانا قزحية متألقة ، باهرة ، توهجت ألوان التمثال ،، ودب الدفء في أنحاء الوقت ، وتسرب الربيع إلى المكان !
* * *
غربت شمس أبريل ،، غربت على بقايا تمثال متحطم .. وعلى شفتيه آثار ابتسامة ، تكسو بقاياه أوراق الأوركيد .. وعلى ضوء خافت يكسو أوراق الورد .. هناك ورقة بيضاء تتفرق على سطحها خطوط سوداء ، فيروزية ، وبندقية ! و آثار نوتة موسيقية في بدايتها !!!
الخميس5/مارس/ 2009