المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للمناقشة:الأديب و الالتزام


مصطفى معروفي
02/09/2010, 04:27 AM
من الكلمات التي استخدمت واستهلكت كثيرا و أسيء استعمالها كلمة:"الالتزام"،فهي كلمة مجني عليها من الطرفين من طرف الأديب حينما يتحدث عنها و يقدم نفسه على أساس أنه كاتب ملتزم ، و من طرف القارئ حينما تقدم إليه هذه الكلمة من الأديب أو من غيره و لا يكلف نفسه عناء التأمل و التمعن في حمولتها و ما ترمي إليه.
عندما تتم مطالبة الأديب بالالتزام معناه هو أن هذا الأديب عليه أن يكون منحازا لجانب أو لجهة ضد جهة أو جهات أخرى للدفاع عن قضية أو قضايا تصب من حيث المصلحة في الجهة المنحاز إليها.لكن من يقوم بهذه المطالبة - مطالبة الأديب بالالتزام - ربما ينسى أنه قام بمساس حرية الأديب ،و بالتالي يقوم بدفعه إلى كتابة نصوص لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظره و أفكاره التي يعتنقها و يؤمن بها ، و هكذا بدل أن يكتب هذا الأديب أدبا نابعا من نفسيته و معبرا عن حقيقته سيكتب لنا أدبا مزيفا قد يتنصل من مسؤوليته منه في أقرب فرصة متاحة.
ثم إنه عندما يكون ثمة حديث عن الالتزام نادرا ما يتم الانتباه إلى أن الأدباء ليسوا على مستوى واحد من الفهم و الإدراك للواقع و من ثم للالتزام نفسه،فكل أديب له عالمه الخاص و له رؤيته الخاصة للكون،تتحكم في ذلك عدة عوامل منها ما هو ثقافي صرف و منها ما هو اجتماعي و أيديولوجي..الخ....و هي خلفيات يصدر عنها الأديب في نصوصه ، و تمنحه التصور للأدب و لوظيفته ،و لذا لا غرابة أن نجد مجموعة من الأدباء لا يكاد يجمعهم شيئ على تصور واحد و وحيد للأدب ووظيفته،و حتى لو كان ثمة من تشابه في التصور فسنجد لا محالة بونا في الممارسة الفعلية للأدب بين أديب و آخر.
إن وظيفة الأدب متعددة ، و يبدو أن تعدد المدارس الأدبية بما فيها من نزعات و اتجاهات هي خير تعبير عن تعدد وظيفة الأدب ،و علاقته بالأديب و المتلقي و بالحياة ،فالتعبير عن قضايا المجتمع و ما يعج به من ظواهر ،أو التعبير عن الفرد أو الذات بما لها نزوع و طموح و هواجس و انشغالات كل ذلك يدخل في صميم و ظيفة الأدب بوصفه وسيلة ،ثم هناك الوظيفة الجمالية التي من بين أوجهها اتخاذ الأدب نفسه موضوعا لنفسه كما نرى ذلك في شعر الحداثة و ما بعد الحداثة و بعض قصائد التشكيل.
حين نطالب الأديب بالالتزام نكون في الواقع نمارس سلطة غير مخولة لنا ،فالأديب ينبغي أن يبقى موكولا لضميره و قناعته ،إذ هما المؤهلان و المخولان لأن يرسما له المسار الذي ينبغي أن ينهجه في كتاباته ،و إلا تحولت كتابته إلى مجرد نصوص مملاة عليه من الخارج أو كأنها مكتوبة من طرف شخص آخر،لا يجد فيها القارئ من سجية الكاتب و نفسه شيئا.
ترك الأديب إلى ضميره و قناعته يقودنا إلى مشكلة أخرى تتجلى واضحة في من يضمن لنا أن هذا الأديب سيبقى وفيا للخط الذي رسمه لنفسه و التزم به في نصوصه بحيث تطرح مسألة لا بد وجود إطار يؤطره حتى لا يقع في التسيب أو في التناقض الذي قد يودي بمصداقيته أمام القراء.
و في ظل وجود هذا الإطار هناك مشكلة أخرى ستنبري للأديب و القارئ معا،و هي أن الإطار إياه سيكون بمثابة مقنن إن لم نقل كابح لحركة الأديب و عنصر ضاغط عليه يرسم له النهج الواجب عليه اتباعه مما سيحد من حريته و يجعل خطواته محسوبة ، وهو مما يتنافى مع طبيعة الأدب و يكون معها على النقيض.
ما أشرنا إليه آنفا تزكيه ممارسة أو ممارسات أدباء راهنوا على نهج مسار معين متخذين من الالتزام مبدءا غير قابل للمساومة عليه ،لكن بعد لأي هبت رياح الصيرورة التاريخية فجعلت هؤلاء الأدباء يغيرون مراكبهم الشراعية فأبحروا في اتجاهات مخالفة و و مضادة لاتجاهاتهم التي كانوا عليها ،و بذلك تكشفوا عن انتهازية ميعت مفهوم الالتزام و أفرغته من محتواه ،و جعلت منه مجرد ذريعة لتحقيق طموحات آنية شخصية ضيقة،كما أكدت بالملموس أن تلك الشعارات التي كانوا يهتفون بها كانت زائفة رفعت من أجل الخداع فقط.
بعد كل هذا و لإثراء النقاش في هذا الموضوع نطرح سؤالين :
-هل نحن الآن مطالبون بإعادة النظر في معنى الالتزام و مطالبة الأديب به؟
-ما معنى أن يكون الأديب ملتزما؟
أترك للإخوة و الأخوات مناقشة الموضوع،و الله من وراء القصد و هو الهادي إلى سواء السبيل.

مضاوي الروقي
02/09/2010, 06:47 AM
أراك تعود بنا إلى سارتر وقضية الإلتزام و الأدب ..
تختلف وجهات نظر المناهج النقدية في قضية الإلتزام وعدمها لدى الأديب ،، وما الذي يريده دارس الأدب ومنتجه من هذا الكائن المسمى أدبا ، وهذه القضية قضية شائكة جدا ، ومرتبطة بتعريف الأدب لدى أي رؤية تبنت دراسة الأدب..
الحقيقة الموضوع جدا جميل ومستفز ، سأعود إليه لاحقا ..
أشكر لك هذا الطرح..

إسلام إبراهيم عثمان
02/09/2010, 04:26 PM
موضوع رائع ومهم بارك الله فيك...

تختلف إجابة هذا السؤال باختلاف خلفية وعقلية صاحب الإجابة

1- وبما أنني شخص مسلم خُلِقتُ لأعبد ربًا واحدًا ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56] )
+
2- وانطلاقًا من هذه النقطة في التفكير وبمعرفة أن العبادة يقع في إطارها كل فعل يصدر من الإنسان ، حتى تواجدنا هنا ونقاشنا هذا ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام : 162] )

= نجد أن الإجابة على هذا السؤال -لشخص مسلم- يعتصم بدين الله الواحد واضحة وسهلة.
فكل ما لا يرضى الله عنه يقع خارج دائرة الإلتزام وكل ما يرضى الله عنه داخلها!
ولكن ليست هذه الكلمة بالبساطة التي تبدو بها فستجد أن الجميع يتنازعها من كل جانب ، والكل يزيد وينقص ، وليس غير البصيرة والعقل دليل في هذا التيه الفكري!

- لا تعني كلمة (كل ما يرضي الله) أن الأدب يحصر في زاوية التدين الزائف الضيقة ، فالأديب الملتزم يكتب في كل مجال وبحرية طالما لا يقول شيئًا منكرًا ولا يحرض على باطلاً.

فبعض الأخوة ممن يرفعون شعار الأدب الملتزم ما إن سمع مثلاً أبياتًا غزلية ليس بها ما يسئ تجد وجهه مسودًا وصدره حرجًا ضيقًا وكأنما تحدثه عن شئ فاحش ، وتنهال الفتاوى منه عن التعلق بغير الله ، ولا يدرك أخانا المسكين أنه تائه ضائع لا يفقه في الدين ما يجعله أحد أهله.

إذًا فما يدّعونه هؤلاء المتزمتون ليس أدبًا ، فلقد قسم الله لنا أن نأخذ نصيبنا من الدنيا ومتاعها وجمالها وإن كان محدودًا غير كامل ، والأدب شأنه شأن أي تصرف يصدر من الإنسان يوزن بميزان الصلاح والفساد ، فلو كان حب الرجل لزوجته وحب المرأة لزوجها حرامًا ، لوجدنا الشعر الغزلي أمرًا منكرًا فاحشًا ، ولكن أنفسنا تميل لاستماع هذا النوع من الشعر فهو محبب إلى النفس وفطرتها طالما لم يوجه في حرامًا ، ولو تعرض الإنسان في شعره لأعراض المؤمنات المحصنات يفسد أدبه ويخرج عن الإلتزام.

وانطلاقًا أيضًا من هذه النقطة لا يشكل علينا معرفة الجائز والغير جائز في ما يولد من إبداع أدبي لدينا ، فأخلاق ديننا العذبة الجميلة مرشد لمن ضل سواء السبيل ،وقد اعتقد الجهلاء أنه لا حياء في الدين ، بمعنى : أن تحت مظلة الدين والإصلاح كل شئ جائز وتناول المواضيع الشائكة بصورة منفرة أمر جائز ، ولم يعرفوا أن ديننا هو دين الحياء وأن الله حيي ستير ، وتناول المواضيع الشائكة جائز ولكن بصورة مهذبة ، فتجد أن دعواهم هزيلة تنقض بعضها بعضا ، ولولا إجازة الفحش في الآداب ادعاءً حرية الفكر وعدم تقييد الإبداع لما كسب البعض واغتنى ولما نفّس البعض عن أفكارهم الشاذة وانحرافاتهم.

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لأنه جعل لنا الأمور سهلة ميسرة لا يتطلب فهمها منا إلا إعمال البصيرة والعقل بالتفكر والتدبر ، وكبح هوى النفس ، ولم يجعلنا ننجرف في تيار التفلسف الجارف (واللف والدوران) حول نقطة مضيئة كالشمس لا تخفى على عين ناظرٍ ، فله الحمد والشكر.

ووافر الشكر والتقدير لك أخي الفاضل إذ أتحت لنا فرصة التحدث عن أمرًا مهمًا كهذا
بوركت وأعتذر عن إطالتي...

فُنـ الشِعر ـونْ
04/09/2010, 07:49 AM
تَبَلّجَ الصُبح هُنا ..
.
.
.
سيّدي الفَاضِل :
قَد يرتَبط الإلتزام بالأديب فِي وجهات معيّنة بَعِيدة عَن التّشاكل
..
من وجهتي :
الأديب كلمَة مقتبسة من الأدب بمعناه الخلق والتهذيب .. ( أتحدثُ في العَصْرِ الإسلامِي ) , يقول الرسولـ صلى الله عليه وسلم ــ :
[ أدبني ربّي فأحسن تأديبي ] ..
وهذا يعني أَنّ الأديب عادة يلتزم بالخُلق والتّهذيب فِي جَمِيع مَجالاتِه بعيداً عَن الإنحرافات الجَارِفَة ..وبهذا يعّد ملتزم ليسَ كمن نَكَبَ عَن الطريق !
فمعنى أن يكون الأديب ملتزما ؟!
أن يكتب بحريّه توسّع لديه المعرفة الثقافية والأدبية ولكن باتزان يحثّه علينا العَقل وبحدٍ مفروض ملظاً بالخلق وملازماً لمعنى تعليمي . ..
وقَد يَكون الإلتزام لدى الأديب قد شمل معاني دينية وغير دينية التي ترتقي بالإنسان من جانبيهِ الاجتماعِي والثقافي .
و الملتزمون هم الذين يُعلّمُون أَبناء الخُلفاء الأَخلاق والشِعر والثَقافة وحَتى الخَطابة ...
وهذا لا يعني اْستِماتَه الحريّه لأننا نأخذ مِن الحَياة ما يُلائمنا ونترُك مالايُساير حضارتنا الدينية الملتزمة ..
وأعتقد أننا لسنا مطالبين بإعادة النظر في معنى الإلتِزام ولا حتى مُطالبة الأديب بذلك
فالأدباء يحاكون التَجْديد والتّطور وكلّ له حدّ في ذلك ( التزام معيّن لايخرج عَن ملّة المعقول ) ..
وَ لكلّ عصر أَفكاره ورَغَباته .
.
.
سيّدِي الفاضِل : مصطفى مَعروفِي ,
مشكِلَتنا عندما نَقرأ الإلتزام نمقُت الحريّه ولا نَضعُ لها مجالاً للتنفسّ !
بينما يفترض أن نتحرّر بحدود لنبقى على عُهدة الحريّة الملتزمَة !!! ( وهذه سنّة ) ..
.
.
شرف اللقاء بك سيّدي أن أجِدُك في هذا العَراءِ ( الماطِر )
فوالله أنّ محيّاي الآن أَزْهر مِن فَرحِ اللقاء
.
جَميل طَرحك ودمتَ متألِقاً دوماً .
.
.
.