علي عمر الفسي
05/11/2010, 05:20 PM
(الشعر هو فن ملامسة الآخرين) .. نزار
(ورُغْمَ).. نصٌ يجمع لحاء الشّعر الغض ويوصِي عصافير البلاغة أن تحط عند قدميه لتغتسل بالشاعرية،حتى وإن كانت تلك العصافير كواكب مهاجرة في طريقها إلى مجراتٍ تشتعلُ عند فوهة الكلام، حتى وإن استحال الكلام بندولاً يتأرجح في أوردة الشاعرة ليعلن: أن حان ميقات البكاء همساً، حتى وإن استحالت الشاعرة رقائق مُفهرسة في مهب اللغة،وإن استحالت اللغة مطيّة ذلول لأشباه الكتّاب والمتشاعرين .
تقول الدكتورة فاطمة الزهراء في مفتتح نصها :
ورغمَ انتهابِ
الحلمِ المخبَّأ
بين الحنايا
بطرفةِ حزنٍ
وهذا الصّقيعِ
.. طرفة حزن ألغت حيازة حلمٍ سيُنهب منها بكفٍّ مجعّدة خطوطها قادمة من أقصى الصقيع،كفٌ يشتمُ رائحة الحلم المخبوءِ في الحنايا لتختطفه،عساها تضمد به ندوبها وخدوشها وتفتش عن حنينٍٍ يتسرب بين الحنايا,وينتزع ما تبقى من أمنيات.
وكـُرسيكَ خالٍ
وأحرقتَ ورقاً
ولملمتَ شِعركَ
ثم ارتحلتْ ..
بدون وداعِ
ومن غيرِ وعدٍ
بأنكَ آت
طفولة تتلمذ على يد براءتها وتستدرج مخيلةً تشير بأصبعها إلى ذاك الكرسي الخالي،مسكونة بالصفاءِ ، تتنفسُ حسرات قلبها المصعوق كأنه تفاحة ٌدهستها أقدامُ المقاتلين فوقَ الرصيف،تشتم رائحة سجائره، وتقرأ قصاصات قصائده الممزقة، تتخيل مقعده المهجور إلا من طقطقة الخشب يستدفئ بدفء المدفأة .. فتتزاحم على شرفات أهدابها دموع الوداع.
تنتظر.. عند الطرف الآخر للجسر وهو يتركها وحيدة مثل نقطة تحاصرها الخربشات مثل صرخة الولادة وحيدة دون موعد بالرجوع .
ورغمَ..ورغمَ
فإنى أسيرُ
كطفلٍ غريرٍ
بحربِ الصغارِ
أضاعَ النقودَ
وكُتبَ الدروسِ
ويمشى غريراً
كملك ِ الطيورِ
بكلِ التعالي
الكذوبِ الغرورِ
يعاندُ دمعاً
عليهِ يثور
ويحجلُ زهواً
هذا المقطع يبسط كفـّاً طفولية في حنينها إلى بداياتها، تحمل إلينا ربيع المكان والزمان ،وعَيْنَيْ طفلة تمشِّط ضفائر الذاكرة وترتعش حدقاتها الصغيرة المكتظة بالذكريات،حيث كانت البراءة تلبس وجهاً غريراً رغم أن لعبته نهبت منه إلا أنه يظلُّ مزهوّا أو يتصنع الزهو الذي لا يجيده إلا لماماً .
فاطمة الزهراء سوَّلت لها قريحتها جرعات رشيقة من الصور لترسم غلافاً بريشة فنان لكل سطر من سطورها تحضّر أرواح الماضي تحت ظلال الحاضر تُفلسف عبرهُ مرارة حزنها وفقدها وتحيل الشعر إلى هوية.
يدندنُ لحناً
قديماً حميماً
بأن الليالي
تطول كثيراً
مهما تَودُّ
ستسطعُ شمسٌ
تذيبُ الجليدَ
ستبدو خُطانا
كخطو الزمانِ
شمالاً جنوباً
يميناً يساراً
لا زالت الشاعرة تمارس رباعية الجمال..الصورة ،اللحن ،المعنى والفكرة، فتجبر المتلقي أن يتبعها مُنساقاً طائعاً بانسياب بارع إلى نهاية القصيدة وفي الطريق تشعل ألمها عبر السطور قبل أن يشعل الآخرون شفقتهم عبر قلوبهم، فماذا بقي من الشعر الذي يُكتب بموسيقى(( تدندن لحناً قديماً حميماً....))،وأي نَفَسٍ شعري متصوف يفرض سمفونيتهُ الوجودية على وجودنا.
تـُصَوِّرُ فاطمة الزهراء الماضي أخاديداً تتخندق فيها لا يظهر منها سوى جبهة ساطعة بريئة وعينين ترتعش حدقاتها الصغيرة المكتظة بالذكريات.
فلا فرق عندي
فكلُ اهتمامي
ومبلغِ جهدي
أني سآتي
إلى حيثُ قدري
بدون وقوف
ودونَ الثبات .
لها لغة لا متلاشية كشهب،ولنا وجيب القيثارة في حضور الصمت ،لها موسيقى تتسلل إلى اللاوعي وتصطحب صوت النبوءة إلى مساحات أحلامنا المكرسة للوداع ،ولنا سكينة المُنْصِتِ إلى نغومٍ تسوقها أحلام الصغار والعصافير،لها أبجدية ٌ ملائكية الخلوات، آتية من فوق السحاب تذرو الحلوى والعرائس وهدايا العيد، ولنا أن نُغرم بهذا النص الكبير.
لم تجد فاطمة الزهراء ما ترتكبهُ، سوى أنها فطمت ذوقها عن التخشُّب فأزهرت نصاً تستظلُّ به ظِلال الغيوم .
علي الفسي
بنغازي ـ الخميس 4/11/2010
(ورُغْمَ).. نصٌ يجمع لحاء الشّعر الغض ويوصِي عصافير البلاغة أن تحط عند قدميه لتغتسل بالشاعرية،حتى وإن كانت تلك العصافير كواكب مهاجرة في طريقها إلى مجراتٍ تشتعلُ عند فوهة الكلام، حتى وإن استحال الكلام بندولاً يتأرجح في أوردة الشاعرة ليعلن: أن حان ميقات البكاء همساً، حتى وإن استحالت الشاعرة رقائق مُفهرسة في مهب اللغة،وإن استحالت اللغة مطيّة ذلول لأشباه الكتّاب والمتشاعرين .
تقول الدكتورة فاطمة الزهراء في مفتتح نصها :
ورغمَ انتهابِ
الحلمِ المخبَّأ
بين الحنايا
بطرفةِ حزنٍ
وهذا الصّقيعِ
.. طرفة حزن ألغت حيازة حلمٍ سيُنهب منها بكفٍّ مجعّدة خطوطها قادمة من أقصى الصقيع،كفٌ يشتمُ رائحة الحلم المخبوءِ في الحنايا لتختطفه،عساها تضمد به ندوبها وخدوشها وتفتش عن حنينٍٍ يتسرب بين الحنايا,وينتزع ما تبقى من أمنيات.
وكـُرسيكَ خالٍ
وأحرقتَ ورقاً
ولملمتَ شِعركَ
ثم ارتحلتْ ..
بدون وداعِ
ومن غيرِ وعدٍ
بأنكَ آت
طفولة تتلمذ على يد براءتها وتستدرج مخيلةً تشير بأصبعها إلى ذاك الكرسي الخالي،مسكونة بالصفاءِ ، تتنفسُ حسرات قلبها المصعوق كأنه تفاحة ٌدهستها أقدامُ المقاتلين فوقَ الرصيف،تشتم رائحة سجائره، وتقرأ قصاصات قصائده الممزقة، تتخيل مقعده المهجور إلا من طقطقة الخشب يستدفئ بدفء المدفأة .. فتتزاحم على شرفات أهدابها دموع الوداع.
تنتظر.. عند الطرف الآخر للجسر وهو يتركها وحيدة مثل نقطة تحاصرها الخربشات مثل صرخة الولادة وحيدة دون موعد بالرجوع .
ورغمَ..ورغمَ
فإنى أسيرُ
كطفلٍ غريرٍ
بحربِ الصغارِ
أضاعَ النقودَ
وكُتبَ الدروسِ
ويمشى غريراً
كملك ِ الطيورِ
بكلِ التعالي
الكذوبِ الغرورِ
يعاندُ دمعاً
عليهِ يثور
ويحجلُ زهواً
هذا المقطع يبسط كفـّاً طفولية في حنينها إلى بداياتها، تحمل إلينا ربيع المكان والزمان ،وعَيْنَيْ طفلة تمشِّط ضفائر الذاكرة وترتعش حدقاتها الصغيرة المكتظة بالذكريات،حيث كانت البراءة تلبس وجهاً غريراً رغم أن لعبته نهبت منه إلا أنه يظلُّ مزهوّا أو يتصنع الزهو الذي لا يجيده إلا لماماً .
فاطمة الزهراء سوَّلت لها قريحتها جرعات رشيقة من الصور لترسم غلافاً بريشة فنان لكل سطر من سطورها تحضّر أرواح الماضي تحت ظلال الحاضر تُفلسف عبرهُ مرارة حزنها وفقدها وتحيل الشعر إلى هوية.
يدندنُ لحناً
قديماً حميماً
بأن الليالي
تطول كثيراً
مهما تَودُّ
ستسطعُ شمسٌ
تذيبُ الجليدَ
ستبدو خُطانا
كخطو الزمانِ
شمالاً جنوباً
يميناً يساراً
لا زالت الشاعرة تمارس رباعية الجمال..الصورة ،اللحن ،المعنى والفكرة، فتجبر المتلقي أن يتبعها مُنساقاً طائعاً بانسياب بارع إلى نهاية القصيدة وفي الطريق تشعل ألمها عبر السطور قبل أن يشعل الآخرون شفقتهم عبر قلوبهم، فماذا بقي من الشعر الذي يُكتب بموسيقى(( تدندن لحناً قديماً حميماً....))،وأي نَفَسٍ شعري متصوف يفرض سمفونيتهُ الوجودية على وجودنا.
تـُصَوِّرُ فاطمة الزهراء الماضي أخاديداً تتخندق فيها لا يظهر منها سوى جبهة ساطعة بريئة وعينين ترتعش حدقاتها الصغيرة المكتظة بالذكريات.
فلا فرق عندي
فكلُ اهتمامي
ومبلغِ جهدي
أني سآتي
إلى حيثُ قدري
بدون وقوف
ودونَ الثبات .
لها لغة لا متلاشية كشهب،ولنا وجيب القيثارة في حضور الصمت ،لها موسيقى تتسلل إلى اللاوعي وتصطحب صوت النبوءة إلى مساحات أحلامنا المكرسة للوداع ،ولنا سكينة المُنْصِتِ إلى نغومٍ تسوقها أحلام الصغار والعصافير،لها أبجدية ٌ ملائكية الخلوات، آتية من فوق السحاب تذرو الحلوى والعرائس وهدايا العيد، ولنا أن نُغرم بهذا النص الكبير.
لم تجد فاطمة الزهراء ما ترتكبهُ، سوى أنها فطمت ذوقها عن التخشُّب فأزهرت نصاً تستظلُّ به ظِلال الغيوم .
علي الفسي
بنغازي ـ الخميس 4/11/2010