مهدي سيد مهدي
06/11/2010, 05:36 AM
لا شك إن أحدهم مصدوم الآن
قبل عدة سنوات , تحديدًا قبل وفاة أبي لم أكن أفكر في شعور من فقد عزيزًا و لم يكن الأمر يهمني كثيرًا بل إنني كنت أشعر برغبة غريبة في الضحك عندما أمر في شارع فيه مأتم و للأسف لم تكن تلك الرغبة من منطلق شر البلية و لكنها كانت سخرية من شيء لم أعرفه للآن و لكن بعد وفاة والدي تغير الأمر تمامًا فقد تأكدتُ حينها أن للموت هيبة , هيبة تستدعي الرهبة التي بدورها تجعلنا إما نبكي أو نصمت أو ندخل في دوامة ذهول قد تستمر لفترات طويلة جدًا رُبما تستمر ما بين الموت و الموت الذي يليه إذا كانت العائلة تعج بصغار السن منطقيًا إلا أن للموت منطق مُخالف لكآفة توقعاتنا بل هو فوق كل توقع و فوق كل تصور و رؤية .
عندما نظرتُ في عيونهم قلت في نفسي لا شك إن أحدهم مصدوم الآن استحضرت هيبة الموت في نفسي و سلمت عليهم و لم أنسَ كلمات العزاء التي حفظتها عن ظهر قلب بعد وفاة والدي ثُم جلست فوق مقعد قريب من القارئ الذي لم أكن أعرفه و لكن لا معرفتي به تلك لم تمنعني من الاستماع لتلاوته العذبة بخشوع و تدبر حتى إن الدمع تساقط بغزارة من إحدى عيني و لكنه لم يسقط أبدًا من الأخرى على الرغم من أنني لم أعاني من أية أمراض في عيني كما لم أكن تمساحًا من وجهة نظري السليمة قليلًا بالنسبة لي إلا أن مجرد وجود نسبة سليمة في وجهة نظري أعده مدعاة للفخر و الاعتداد بي و بغض النظر عن سبب عدم سقوط الدمع من عيني الأخرى الذي أتمنى ألا تظنونه سببًا سيئًا أصدقكم القول لقد كنت حزينًا للغاية ليس لأجل الميت فلم أكن أعرفه أصلًا و لكن لأني تذكرت فجأة كل هؤلاء الذين غادروا حياتي دون رجعة سواء بموتهم أو بموتي بالنسبة لهم .
الله يفتح عليك يا شيخ .. قالها الجالس إلى جواري و لم أكن أعرفه أيضًا قبل أن يسألني بنبرة مُهتمة هو ماتش الأهلي النهاردة الساعة كام ؟ ماتش الأهلي أهذا هو ما استطعت تذكره في حرمة الموت يا رجل قلت لنفسي قبل أن أرد عليه الحقيقة مش عارف أنا أصلي مش متابع كورة , أشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى و سأل الجالس إلى جواره - و لم يكن يعرفه أيضًا فلم يسبق الاسم السؤال – سأله نفس السؤال فأجابه و أخذا يتحدثان في أمور كثيرة تخص المباراة و التشكيل و و و و و أنا أنظر إليهم و أستغرب فعلهم حتى صبرت نفسي فقلت لها يبدو إنهم ليسوا من أقارب الميت و لكن باغتتني نفسي حسنًا ما صلة القرابة التي تربطك به ؟ فبُهتت قبل أن أتدارك الموقف بيني و بينها فأخبرتها إن سبب الحزن ليس فقدان الميت و لكنه الموت ذاته الموت الذي فقد هيبته لدى كثير من الناس حتى إنهم في مأتم غارق في الحزن و بين آيات تُتلى تقشعر لها الأبدان الموت , القبر , الحساب , النار- فأنا لا أتذكر أن القارئ ذكر الجنة في الآيات التي اختارها بعناية و لو مرة واحدة – رغم كل ذلك الحُزن يسأل أحدهم الآخر عن موعد مباراة كرة قدم و يتحدث الآخر لآخر عن مشاكله الزوجية و يطلب أحدهم من الآخر قضاء مصلحة معينة و يتفق أحدهم مع الآخر على أين ستكون نزهتهم القادمة و يلوم أحدهم الآخر لموعد منحه لفتاة و أخلف فيه لقد تحدثوا تقريبًا عن كل شيء في الحياة كل شيء إلا الميت , الميت الذي بحاجة إلى دعائهم و تفكيرهم كيف يقدمون ما يمده بالعون في رحلته الطويلة الصعبة فلم يتذكره أحد و كأنهم جميعًا و لست أنا وحدي لم يكونوا يعرفونه و جاءوا فقط لأجل المظهر الاجتماعي و أداء الواجب , الواجب الذي لم يتعلموا من أدائه أي شيء و لم يفكروا بأنهم الآن يقدمون و في الغد القريب سيتلقون جزاء ما قدموا و لا شك إنهم سيحزنون كثيرًا إذا كان الجزاء مجرد تواجد خال من الروحانية و الدعاء ملئ فقط بأسئلة دنيوية فارغة عن أشياء دنيوية تافهة.
تابع القارئ التلاوة , و عاود الناس التظاهر بالخشوع و دعوت للميت كثيرًا عندما تذكرتُ أبي دعوت كثيرًا و بكيت كثيرًا حين رأيت المأتم ذاته و أنا لست فيه بعد سفر حتمي و رحيل لا بد منه و بكيت حتى ظن الحضور إني أحد أقارب الميت رغم إنني أصلًا و كما ذكرت قبل مسافة قريبة من الأحرف لم أكن أعرفه و لم تتح لي معرفته في ظل غياب سيرته عن أحاديث الحضور .. انتظرت حتى انتهى القارئ من تلاوة الربع و سمعت الجالس إلى جواري يقول الله يفتح عليك يا شيخ ثُم هممت بالرحيل من المأتم سلمتُ على الناس مرة أخرى و لم أنسَ تقديم كلمات العزاء لهؤلاء الذين لم أعرفهم أيضًا حتى سألني الواقف الأخير هل كنت صديق أبي في العمل ؟ قلت له لا لقد كنا إخوة في الله فاحتضنني بقوة و بكى هدأت من بكائه بكلمات قليلات تناسب الجو الحزين التي قيلت فيه ثم خرجت من المأتم و أنا مازلتُ ألوم عيني الأخرى التي لم تبكِ قط .
قبل عدة سنوات , تحديدًا قبل وفاة أبي لم أكن أفكر في شعور من فقد عزيزًا و لم يكن الأمر يهمني كثيرًا بل إنني كنت أشعر برغبة غريبة في الضحك عندما أمر في شارع فيه مأتم و للأسف لم تكن تلك الرغبة من منطلق شر البلية و لكنها كانت سخرية من شيء لم أعرفه للآن و لكن بعد وفاة والدي تغير الأمر تمامًا فقد تأكدتُ حينها أن للموت هيبة , هيبة تستدعي الرهبة التي بدورها تجعلنا إما نبكي أو نصمت أو ندخل في دوامة ذهول قد تستمر لفترات طويلة جدًا رُبما تستمر ما بين الموت و الموت الذي يليه إذا كانت العائلة تعج بصغار السن منطقيًا إلا أن للموت منطق مُخالف لكآفة توقعاتنا بل هو فوق كل توقع و فوق كل تصور و رؤية .
عندما نظرتُ في عيونهم قلت في نفسي لا شك إن أحدهم مصدوم الآن استحضرت هيبة الموت في نفسي و سلمت عليهم و لم أنسَ كلمات العزاء التي حفظتها عن ظهر قلب بعد وفاة والدي ثُم جلست فوق مقعد قريب من القارئ الذي لم أكن أعرفه و لكن لا معرفتي به تلك لم تمنعني من الاستماع لتلاوته العذبة بخشوع و تدبر حتى إن الدمع تساقط بغزارة من إحدى عيني و لكنه لم يسقط أبدًا من الأخرى على الرغم من أنني لم أعاني من أية أمراض في عيني كما لم أكن تمساحًا من وجهة نظري السليمة قليلًا بالنسبة لي إلا أن مجرد وجود نسبة سليمة في وجهة نظري أعده مدعاة للفخر و الاعتداد بي و بغض النظر عن سبب عدم سقوط الدمع من عيني الأخرى الذي أتمنى ألا تظنونه سببًا سيئًا أصدقكم القول لقد كنت حزينًا للغاية ليس لأجل الميت فلم أكن أعرفه أصلًا و لكن لأني تذكرت فجأة كل هؤلاء الذين غادروا حياتي دون رجعة سواء بموتهم أو بموتي بالنسبة لهم .
الله يفتح عليك يا شيخ .. قالها الجالس إلى جواري و لم أكن أعرفه أيضًا قبل أن يسألني بنبرة مُهتمة هو ماتش الأهلي النهاردة الساعة كام ؟ ماتش الأهلي أهذا هو ما استطعت تذكره في حرمة الموت يا رجل قلت لنفسي قبل أن أرد عليه الحقيقة مش عارف أنا أصلي مش متابع كورة , أشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى و سأل الجالس إلى جواره - و لم يكن يعرفه أيضًا فلم يسبق الاسم السؤال – سأله نفس السؤال فأجابه و أخذا يتحدثان في أمور كثيرة تخص المباراة و التشكيل و و و و و أنا أنظر إليهم و أستغرب فعلهم حتى صبرت نفسي فقلت لها يبدو إنهم ليسوا من أقارب الميت و لكن باغتتني نفسي حسنًا ما صلة القرابة التي تربطك به ؟ فبُهتت قبل أن أتدارك الموقف بيني و بينها فأخبرتها إن سبب الحزن ليس فقدان الميت و لكنه الموت ذاته الموت الذي فقد هيبته لدى كثير من الناس حتى إنهم في مأتم غارق في الحزن و بين آيات تُتلى تقشعر لها الأبدان الموت , القبر , الحساب , النار- فأنا لا أتذكر أن القارئ ذكر الجنة في الآيات التي اختارها بعناية و لو مرة واحدة – رغم كل ذلك الحُزن يسأل أحدهم الآخر عن موعد مباراة كرة قدم و يتحدث الآخر لآخر عن مشاكله الزوجية و يطلب أحدهم من الآخر قضاء مصلحة معينة و يتفق أحدهم مع الآخر على أين ستكون نزهتهم القادمة و يلوم أحدهم الآخر لموعد منحه لفتاة و أخلف فيه لقد تحدثوا تقريبًا عن كل شيء في الحياة كل شيء إلا الميت , الميت الذي بحاجة إلى دعائهم و تفكيرهم كيف يقدمون ما يمده بالعون في رحلته الطويلة الصعبة فلم يتذكره أحد و كأنهم جميعًا و لست أنا وحدي لم يكونوا يعرفونه و جاءوا فقط لأجل المظهر الاجتماعي و أداء الواجب , الواجب الذي لم يتعلموا من أدائه أي شيء و لم يفكروا بأنهم الآن يقدمون و في الغد القريب سيتلقون جزاء ما قدموا و لا شك إنهم سيحزنون كثيرًا إذا كان الجزاء مجرد تواجد خال من الروحانية و الدعاء ملئ فقط بأسئلة دنيوية فارغة عن أشياء دنيوية تافهة.
تابع القارئ التلاوة , و عاود الناس التظاهر بالخشوع و دعوت للميت كثيرًا عندما تذكرتُ أبي دعوت كثيرًا و بكيت كثيرًا حين رأيت المأتم ذاته و أنا لست فيه بعد سفر حتمي و رحيل لا بد منه و بكيت حتى ظن الحضور إني أحد أقارب الميت رغم إنني أصلًا و كما ذكرت قبل مسافة قريبة من الأحرف لم أكن أعرفه و لم تتح لي معرفته في ظل غياب سيرته عن أحاديث الحضور .. انتظرت حتى انتهى القارئ من تلاوة الربع و سمعت الجالس إلى جواري يقول الله يفتح عليك يا شيخ ثُم هممت بالرحيل من المأتم سلمتُ على الناس مرة أخرى و لم أنسَ تقديم كلمات العزاء لهؤلاء الذين لم أعرفهم أيضًا حتى سألني الواقف الأخير هل كنت صديق أبي في العمل ؟ قلت له لا لقد كنا إخوة في الله فاحتضنني بقوة و بكى هدأت من بكائه بكلمات قليلات تناسب الجو الحزين التي قيلت فيه ثم خرجت من المأتم و أنا مازلتُ ألوم عيني الأخرى التي لم تبكِ قط .