أريج عبدالله
01/02/2011, 06:05 PM
ها أنا ذا أجلسُ وحيداً على المقعدِ الذي شهد أحاديثي إليكِ،الساهرة ليلاً لخمسِ سنواتٍ طوال، ها أنا ذا أحاول نفضَ ذكراكِ عنّي في منافذ أوراقي المحاسبية المتكدسة على سطحِ هذا المكتب الماثل أمامي، وجميعُ محاولاتي ما هي إلا عبث.
وها أنتِ تصرين على اللحاق بي بعنادٍ واضح رغمُ إصراري على الهروبِ منكِ.
لم أعهدكِ عنيدةً هكذا من قبل! وأنتِ التي كُنتِ دائماً تحترمين لحظات خلوتي، وهروبي، وانطوائي، وكل مواقفي دون تذمرٍ!
فهل جاءَ الوقتُ لتتمردي عليَّ أخيراً كما تمرد كل شيءٍ من قبل؟
أنا مُرهقٌ حقاً! و أظن أنِّي بدأتُ أهذي بكِ مُجدداً.
الفجر بدأ يمد خيوطَهُ في أوصالِ الظلام، وربما عليَّ الآن أن أسترق لنفسي سويعات من وقتٍ بخيلٍ لأخلِدَ فيها إلى النوم.
آه النوم! إنهُ هروبٌ كاذبٌ باختصار، أوهمُ فيه نفسي بأني سأنساكِ قليلاً، وأنسى أنهُ يخونني منذُ أعلنَ الغياب وقوفه بيننا،
جلّ محاولاتي في هزيمته تنتهي بالفشل، كيف لا؟ وأنا الذي اعتدتُ أن أحشو وسادتي بأمنياتٍ مجدولة في شعركِ، معقودة على خاصرتكِ، معلقة على رمشِ عينيكِ، وغارقة في جوفِ شفتيك،
تتحولُ في منامي بقدرةِ الله إلى حقيقةٍ مقتصة من أتربةِ الجنة!
فبأي الأحلام سأحشو وسائدي المهترئة الآن؟ و بأي عجينٍ سأشكل أمنياتي من بعدِ ما تعفن عجينٌ كان يعيشُ على التشكل بين أناملك الناعمة لخمسة أعوام ما ظننتها ستُبتر فجأة هكذا!
إنني أعيشُ الآن على صورِ الذكريات، التي أتنقل بينها دون كللٍ أو مللٍ كطفلٍ لا يملّ التأرجح وحده في حديقة مهجورة، وفي كل زياراتي لتفاصيلِكِ موت، واللهِ موت!
ولا أدري أيهما أشدُ إيلاماً لي، أهو انتهاكي لحرمة رحيلك بهذه الزيارات المُختلسة، أم قبضة الحنين التي تعتصرُ قلبي دون رأفة كلما مررتُ بكِ على جسورِ الذكرى؟
اشفعي لي تجسسي على ماضينا الأبيض كل ليلة، و نقضي لعهدٍ قطعتهُ لكِ ذاتَ ضُعفٍ لم تكن لي فيه حيلة حينَ طلبتِ مني نسيانكِ، و وافقت دون اكتراث لغيرِ رضاكِ!
إنني جائع، ولا يبيحُ لي هذا الجوع الاكتفاء بأي قطعة رغيف!
إنني ظمآن، وما من امرأةٍ بعدَكِ ستسقيني الماء من بين كفيها كما كُنتِ تفعلين!
وما من حياة ستُكتب لي ولأشيائنا دونك.
أتعلمين؟ كل شيءٍ ماكثٌ حولي يحتفظ ببقايا عطرك عليه، وكل الأشياء تبدو كئيبة، وبائسة! مثلي تماماً،
تتشبث بتفاصيلك الصغيرة بقوى متهالكة، كتشبُثِ الغريق بأطرافِ النجاة!
وحدَها أريكتنا الخضراء التي تربطُ قليلاً على قلبي السقيم، وحدها التي تطبطب على حزني حين أتوسدُ وشاحكِ الشجري المُنسدلِ فوقها بدلال!
إنَّ الأشياءَ هُنا تقتبس جمالها منكِ، و بغيابِ وجهِكِ عنها افترسَها الشحوب.
غطاءُ السرير السُكري الذي كانَ يسرقُ بهاءَهُ من بشرتكِ الذائبة في أكوابِ السُكر، يتجعد الآن كجميلةٍ انتزعَ جمالها العُمر بحجة قدومِ الخريف الأخير،
و مشابك شعركِ التي كانت تخر صريعة على الأرض من فرطِ السحرِ الذي يغزوها بهِ شعركِ الغجري الأسود الطويل، ترقدُ فوقَ تسريحتك، تحتضر بين يديّ الصدأ وهو ينهش منها دون اعتدادٍ برجائها للبقاء،
و أنا الأكثرُ احتضاراً بين كل الأشياء.
فقدتُ هويتي كإنسان، و صرتُ معطلاً وغير ذي جدوى لكل شيء، وأي شيء،
تحولتُ إلى تمثالٍ يقضي أيامه كلها يبتهل، ويتحدثُ بلغة السماوات، ويغني بصوتٍ كسير علَّ القَدَرَ يهديهِ هو الآخر تأشيرة السفر، فيلحقَ بكِ.
لا أريدُ العيشَ أكثر، ليس والحياة تزحفُ هاربةً من أطرافي ببطء هكذا، فهل سيكونُ الموتُ رؤوفاً وحانياً لمرة واحدة فيستجيب؟
أخبريني من أينَ أتنفس الأوكسجين وأنتَ كنتِ الأوكسجين الأول والأخير خاصتي،
كيف ليديّ أن تتوقفا عن الارتجاف، و وحدهما كفاكِ الصغيران من كانا يبعثان فيهما الطمأنينة ليَسكُنُا،
كيف أتحدث و أخرج كل هذا الحديث المكبوت في جوفي دون أن تجيء تلكَ الابتسامة العذبة التي تتسلقُ شفاهك الصغيرة اختتاماً للحديث،
أنا خائفٌ من أن أغمض عيني فتضيعَ مني صورة عينيكِ المغموستين في جُنحِ الليل، المغلفتين برمشٍ كثيفٍ ينافسُ في جاذبيته غموضَ البحر!
أشتاقُ لمداعبة تفاحتي خديكِ اللتين تُثمران فجأةً وبجمالٍ كبير عندما تضحكين،
أشتاقُ لأن يجمعني صوتكِ الناعم حين يحيلني الهم إلى فتات متناثر هُنا وهناك،
أشتاقُ لرائحة جسدكِ الفواحة بأزهارٍ آسيوية كل صباح،
أشتاقُ إلى المساء الذي تدثرينني فيه كطفلٍ صغير.
أشتاقُ إلى كل الحياة التي كانت تلوّن أضلاعها بكِ، والتي كانت انحناءاتها بكِ تستقيم!
عارٌ على القَدَرِ أن يخطفكِ مني هكذا دون مقدمات أو مبررات، عارٌ عليه أن يصدمكِ بقرارِ الرحيل دونَ تمهيدٍ تتركينَ لي فيه خارطةً تقودني إليك،
لن أغفرَ لهُ اقتطاعه لأحلامنا بمقصه القاسي من بعدِ ما كنا على مقربة خطواتٍ عدة من تتويج حلمنا الأول.
كم كنتُ أحلم بطفلٍ يخلد حُبنا إلى أجيالٍ متتالية لن تنتهي إلا بمشيئة الله،
طفلٌ يحمل منكِ قلبكِ النقي المغسولِ بماءِ المطر، طفلٌ أراكِ تطلين من عينيه، و تتشكلين في كل ركنٍ منه.
لولا أنَّ الاعتراض على الغيبِ كفرٌ، لطلبتُ من الله أن يحاكمه على تمزيقِ الأمنيات، و اقتصاص جذورِ الآمال، و اغتيالهِ لأنثى السعادة، و اختبائهِ في ثياب المرض، و المصائب، و الاندثار تحت أرجل الموت.
ما ظلَّ لي عزاءٌ ولا دواء، الحُزنُ هوَ الرفيق الأوحد، و الأوفى، والخيبة ما عادت تستفزني من بعدِ حلولها الأخير لتشييع رحيلك.
أشعرُ بصدري يضيق، وصورك تقلب نفسها أمامي سريعاً، شي ما يُسلب نفسه مني، أشعر بأني أنقسم!
نصفٌ يعلو، يبتهج، سيلحقُ بكِ.. ونصفٌ آخر، عاجزٌ، مُتعب، يتمسك بنصفهِ الأول كي لا يَسقُطَ سهواً، إنهُ وفي، هاهو يجرني،
إنني أتألم.. كثيراً، كمن تنشقُ روحه، أهو الموتُ أخيراً؟
أتنتظرينني الآن فوقَ سحابةٍ ما؟ أترتدين الفستان الأبيض الذي أرسلته إليكِ ذات حُلم؟
أتسمعين؟ الجدران حولي تنتحبُ الآن بذاتِ الرتم الذي انتحبت به يومَ رحلتِ.
الظلام يستتب هُنا، والستار يسدل نفسه ليعلن انتهاء المأساة.
أنا سعيد!
... وأظنني أحتضر!
وها أنتِ تصرين على اللحاق بي بعنادٍ واضح رغمُ إصراري على الهروبِ منكِ.
لم أعهدكِ عنيدةً هكذا من قبل! وأنتِ التي كُنتِ دائماً تحترمين لحظات خلوتي، وهروبي، وانطوائي، وكل مواقفي دون تذمرٍ!
فهل جاءَ الوقتُ لتتمردي عليَّ أخيراً كما تمرد كل شيءٍ من قبل؟
أنا مُرهقٌ حقاً! و أظن أنِّي بدأتُ أهذي بكِ مُجدداً.
الفجر بدأ يمد خيوطَهُ في أوصالِ الظلام، وربما عليَّ الآن أن أسترق لنفسي سويعات من وقتٍ بخيلٍ لأخلِدَ فيها إلى النوم.
آه النوم! إنهُ هروبٌ كاذبٌ باختصار، أوهمُ فيه نفسي بأني سأنساكِ قليلاً، وأنسى أنهُ يخونني منذُ أعلنَ الغياب وقوفه بيننا،
جلّ محاولاتي في هزيمته تنتهي بالفشل، كيف لا؟ وأنا الذي اعتدتُ أن أحشو وسادتي بأمنياتٍ مجدولة في شعركِ، معقودة على خاصرتكِ، معلقة على رمشِ عينيكِ، وغارقة في جوفِ شفتيك،
تتحولُ في منامي بقدرةِ الله إلى حقيقةٍ مقتصة من أتربةِ الجنة!
فبأي الأحلام سأحشو وسائدي المهترئة الآن؟ و بأي عجينٍ سأشكل أمنياتي من بعدِ ما تعفن عجينٌ كان يعيشُ على التشكل بين أناملك الناعمة لخمسة أعوام ما ظننتها ستُبتر فجأة هكذا!
إنني أعيشُ الآن على صورِ الذكريات، التي أتنقل بينها دون كللٍ أو مللٍ كطفلٍ لا يملّ التأرجح وحده في حديقة مهجورة، وفي كل زياراتي لتفاصيلِكِ موت، واللهِ موت!
ولا أدري أيهما أشدُ إيلاماً لي، أهو انتهاكي لحرمة رحيلك بهذه الزيارات المُختلسة، أم قبضة الحنين التي تعتصرُ قلبي دون رأفة كلما مررتُ بكِ على جسورِ الذكرى؟
اشفعي لي تجسسي على ماضينا الأبيض كل ليلة، و نقضي لعهدٍ قطعتهُ لكِ ذاتَ ضُعفٍ لم تكن لي فيه حيلة حينَ طلبتِ مني نسيانكِ، و وافقت دون اكتراث لغيرِ رضاكِ!
إنني جائع، ولا يبيحُ لي هذا الجوع الاكتفاء بأي قطعة رغيف!
إنني ظمآن، وما من امرأةٍ بعدَكِ ستسقيني الماء من بين كفيها كما كُنتِ تفعلين!
وما من حياة ستُكتب لي ولأشيائنا دونك.
أتعلمين؟ كل شيءٍ ماكثٌ حولي يحتفظ ببقايا عطرك عليه، وكل الأشياء تبدو كئيبة، وبائسة! مثلي تماماً،
تتشبث بتفاصيلك الصغيرة بقوى متهالكة، كتشبُثِ الغريق بأطرافِ النجاة!
وحدَها أريكتنا الخضراء التي تربطُ قليلاً على قلبي السقيم، وحدها التي تطبطب على حزني حين أتوسدُ وشاحكِ الشجري المُنسدلِ فوقها بدلال!
إنَّ الأشياءَ هُنا تقتبس جمالها منكِ، و بغيابِ وجهِكِ عنها افترسَها الشحوب.
غطاءُ السرير السُكري الذي كانَ يسرقُ بهاءَهُ من بشرتكِ الذائبة في أكوابِ السُكر، يتجعد الآن كجميلةٍ انتزعَ جمالها العُمر بحجة قدومِ الخريف الأخير،
و مشابك شعركِ التي كانت تخر صريعة على الأرض من فرطِ السحرِ الذي يغزوها بهِ شعركِ الغجري الأسود الطويل، ترقدُ فوقَ تسريحتك، تحتضر بين يديّ الصدأ وهو ينهش منها دون اعتدادٍ برجائها للبقاء،
و أنا الأكثرُ احتضاراً بين كل الأشياء.
فقدتُ هويتي كإنسان، و صرتُ معطلاً وغير ذي جدوى لكل شيء، وأي شيء،
تحولتُ إلى تمثالٍ يقضي أيامه كلها يبتهل، ويتحدثُ بلغة السماوات، ويغني بصوتٍ كسير علَّ القَدَرَ يهديهِ هو الآخر تأشيرة السفر، فيلحقَ بكِ.
لا أريدُ العيشَ أكثر، ليس والحياة تزحفُ هاربةً من أطرافي ببطء هكذا، فهل سيكونُ الموتُ رؤوفاً وحانياً لمرة واحدة فيستجيب؟
أخبريني من أينَ أتنفس الأوكسجين وأنتَ كنتِ الأوكسجين الأول والأخير خاصتي،
كيف ليديّ أن تتوقفا عن الارتجاف، و وحدهما كفاكِ الصغيران من كانا يبعثان فيهما الطمأنينة ليَسكُنُا،
كيف أتحدث و أخرج كل هذا الحديث المكبوت في جوفي دون أن تجيء تلكَ الابتسامة العذبة التي تتسلقُ شفاهك الصغيرة اختتاماً للحديث،
أنا خائفٌ من أن أغمض عيني فتضيعَ مني صورة عينيكِ المغموستين في جُنحِ الليل، المغلفتين برمشٍ كثيفٍ ينافسُ في جاذبيته غموضَ البحر!
أشتاقُ لمداعبة تفاحتي خديكِ اللتين تُثمران فجأةً وبجمالٍ كبير عندما تضحكين،
أشتاقُ لأن يجمعني صوتكِ الناعم حين يحيلني الهم إلى فتات متناثر هُنا وهناك،
أشتاقُ لرائحة جسدكِ الفواحة بأزهارٍ آسيوية كل صباح،
أشتاقُ إلى المساء الذي تدثرينني فيه كطفلٍ صغير.
أشتاقُ إلى كل الحياة التي كانت تلوّن أضلاعها بكِ، والتي كانت انحناءاتها بكِ تستقيم!
عارٌ على القَدَرِ أن يخطفكِ مني هكذا دون مقدمات أو مبررات، عارٌ عليه أن يصدمكِ بقرارِ الرحيل دونَ تمهيدٍ تتركينَ لي فيه خارطةً تقودني إليك،
لن أغفرَ لهُ اقتطاعه لأحلامنا بمقصه القاسي من بعدِ ما كنا على مقربة خطواتٍ عدة من تتويج حلمنا الأول.
كم كنتُ أحلم بطفلٍ يخلد حُبنا إلى أجيالٍ متتالية لن تنتهي إلا بمشيئة الله،
طفلٌ يحمل منكِ قلبكِ النقي المغسولِ بماءِ المطر، طفلٌ أراكِ تطلين من عينيه، و تتشكلين في كل ركنٍ منه.
لولا أنَّ الاعتراض على الغيبِ كفرٌ، لطلبتُ من الله أن يحاكمه على تمزيقِ الأمنيات، و اقتصاص جذورِ الآمال، و اغتيالهِ لأنثى السعادة، و اختبائهِ في ثياب المرض، و المصائب، و الاندثار تحت أرجل الموت.
ما ظلَّ لي عزاءٌ ولا دواء، الحُزنُ هوَ الرفيق الأوحد، و الأوفى، والخيبة ما عادت تستفزني من بعدِ حلولها الأخير لتشييع رحيلك.
أشعرُ بصدري يضيق، وصورك تقلب نفسها أمامي سريعاً، شي ما يُسلب نفسه مني، أشعر بأني أنقسم!
نصفٌ يعلو، يبتهج، سيلحقُ بكِ.. ونصفٌ آخر، عاجزٌ، مُتعب، يتمسك بنصفهِ الأول كي لا يَسقُطَ سهواً، إنهُ وفي، هاهو يجرني،
إنني أتألم.. كثيراً، كمن تنشقُ روحه، أهو الموتُ أخيراً؟
أتنتظرينني الآن فوقَ سحابةٍ ما؟ أترتدين الفستان الأبيض الذي أرسلته إليكِ ذات حُلم؟
أتسمعين؟ الجدران حولي تنتحبُ الآن بذاتِ الرتم الذي انتحبت به يومَ رحلتِ.
الظلام يستتب هُنا، والستار يسدل نفسه ليعلن انتهاء المأساة.
أنا سعيد!
... وأظنني أحتضر!