سيدة الكون
09/02/2011, 07:08 PM
أتى البرعمُ النديُّ إلى والدتِهِ يحملُ بيضةً يُخبِّئُها خلفَ ظهرهِ.
من أين لكَ هذه البيضة يا بُنيَّ؟
قال بخجلٍ : وجدتُها .
- حسناً سأصنعُ منها طبقاً من الطماطم والبيض اللذيذ .
زالَ الخجلُ عن وجهه, وابتسم .
مضى أسبوع ,
البرعم يلعبُ في الشارعِ ,
عند الظهيرة دخلَ البيتَ مسروراً فتحَ يده لترى أمُّه نقوداً .
-من أين هذه يا حبيبي : أعطاني إياها جارُنا .
خبَّأ نقوده تحتَ وسادتهِ وخرج , ما هي إلا سويعات وعادَ يحملُ بيضتين , نظرتْ إليهِ أمُّهُ نظراتٍ لا معنىً لها , فقالَ لها قبلَ أنْ تسأله : رأيتُ دجاجة ترقدُ بجوار البيت ثم مضتْ تاركة بيضتين يا أمِّي .
ضحكتْ الأمُّ وأخذتِ البيضتين , وكانتْ ضحكتُها مفتاحاً لا يصدَأ , مفتاحٌ يفعلُ فعلَهُ بكافة الأبواب والمنافذ .
كبرَ وكبرَ معهُ حبُّ الامتلاك لأشياء الآخرين ,
وباتَ قانونه , قانونَ غابٍ , فكل ما يريد , يحققه بطرقهِ الخاصَّة , وكانتْ تربتُ على كتفه حينَ يأتي بأيِّ شيء , فخورةً بإنجازات هذا الطفل الرَّائع .
كبرَ البرعم , وتفتحتْ بتلاتُهُ, على ندى القوة والتَّمَلك .
وبما أنَّ المدرسة لا تجدي نفعاً في حالته ولا تقي من الجوع , كانَ لابدَّ له من سلك طريق أقصَر .
باتت السَّرقة في دمه تجري مجرى الدَّمِ في عروقهِ , أصبحَ محترفاً في فنونِها وأدائِها , والأمُّ فَرِحَةً ببرعم غرستها , فلم تكن تطلبُ شيئاَ , إلا ويحضرُ لها في الحال وأيّ شيء تريد أكثر من ذلك ؟!!!
أصبحَ فنَّـــاناً في السِّرقة الخفيِّة وفي كل مرة يفلتُ بجدارة من أعينِ الشرطة , ويعيد الكرَّة متى استوجبَ ذلك ومتى كانتْ المغريات مناسِبَة .
اتسعتْ دائرةُ مغرياتِهِ حتى صارَ لا يتوانى عن القتل كي يحوزَ على مآربه المادية.
لكنَّ الحق لا يضيع والجريمة إدانةٌ بحدِّ ذاتها أمام بارئهِ , فمَهمَا عَمُقَ بحرُ الخطأ لابدَّ أنْ يطفو فوقَهُ قاربُ الصَّواب .
قُبِضَ عليهِ كنهايةٍ متوقعةٍ لأيّ مُجرِم , وَبكتْ الأم الغارِسة كثيراً .
اجتمعَ النَّاسُ في ساحةِ المدينةِ , ليشهدُوا إعدامَهُ , نظرَ للبشر بعينٍ يائسةٍ , وطلبَ رؤية أمِّه كآخر طلبٍ في حياته .
اقتربتْ الأمُّ منه وقد تمرَّدَ الدَّمعُ من عينيها ليغرقَ وجهَهَا حتى يُبَلِّــل عنقها .
والناسُ تنظر , وقد ترقرقَ الدمعُ في أعينهم لهذا المشهد.
قالَ لها : جئتكِ ببيضَةِ فشكرتِنِي !!
هلا سَمَحتِ لي بشكركِ يا أمَّاه , هلا مددتِ لي بلِسانِكِ كي أقبِّلَهُ أيتُّها الغاليَة .
مدَّتْ لسانَها , اقتربَ منها حتى أطبقَ بأسنانه على لسانِها فقطعَهُ ,
ولم يعدْ للقصَّة مغزىً أكثر من ذلك ,
عندما قال الشاعر حافظ إبراهيم :
الأم مدرسة إذا أعددتها ../ .. أعددتَ شعباً طيِّبَ الأعراقِ
الأم روضٌ إن تعهدهُ الحيا ../ .. بالرّيّ أورق أيَّــما إيــــــراقِ
الأم أستاذُ الأساتذة الأُلى ../.. شَغلتْ مآثرهم مدى الآفاقِ
قد أصابَ بحرفهِ جادة الصواب , ولكن :
نعيبُ زماننـــا والعيبُ فينـــا ... وما لزماننا عيــبٌ ســـوانـــــا
ما أكبر عبء الأمهات لو يدركن ذلك , وما أعظم أجرهنَّ إنْ أدركن ذلك...
-------------------------------------------
لا شكَّ أن بداخلي براعم شوقٍ واحترامٍ لا ينضب لآل المطر جميعاً , خاصَّــة " لروضة الأوركيد الناصعة " , سودة
من أين لكَ هذه البيضة يا بُنيَّ؟
قال بخجلٍ : وجدتُها .
- حسناً سأصنعُ منها طبقاً من الطماطم والبيض اللذيذ .
زالَ الخجلُ عن وجهه, وابتسم .
مضى أسبوع ,
البرعم يلعبُ في الشارعِ ,
عند الظهيرة دخلَ البيتَ مسروراً فتحَ يده لترى أمُّه نقوداً .
-من أين هذه يا حبيبي : أعطاني إياها جارُنا .
خبَّأ نقوده تحتَ وسادتهِ وخرج , ما هي إلا سويعات وعادَ يحملُ بيضتين , نظرتْ إليهِ أمُّهُ نظراتٍ لا معنىً لها , فقالَ لها قبلَ أنْ تسأله : رأيتُ دجاجة ترقدُ بجوار البيت ثم مضتْ تاركة بيضتين يا أمِّي .
ضحكتْ الأمُّ وأخذتِ البيضتين , وكانتْ ضحكتُها مفتاحاً لا يصدَأ , مفتاحٌ يفعلُ فعلَهُ بكافة الأبواب والمنافذ .
كبرَ وكبرَ معهُ حبُّ الامتلاك لأشياء الآخرين ,
وباتَ قانونه , قانونَ غابٍ , فكل ما يريد , يحققه بطرقهِ الخاصَّة , وكانتْ تربتُ على كتفه حينَ يأتي بأيِّ شيء , فخورةً بإنجازات هذا الطفل الرَّائع .
كبرَ البرعم , وتفتحتْ بتلاتُهُ, على ندى القوة والتَّمَلك .
وبما أنَّ المدرسة لا تجدي نفعاً في حالته ولا تقي من الجوع , كانَ لابدَّ له من سلك طريق أقصَر .
باتت السَّرقة في دمه تجري مجرى الدَّمِ في عروقهِ , أصبحَ محترفاً في فنونِها وأدائِها , والأمُّ فَرِحَةً ببرعم غرستها , فلم تكن تطلبُ شيئاَ , إلا ويحضرُ لها في الحال وأيّ شيء تريد أكثر من ذلك ؟!!!
أصبحَ فنَّـــاناً في السِّرقة الخفيِّة وفي كل مرة يفلتُ بجدارة من أعينِ الشرطة , ويعيد الكرَّة متى استوجبَ ذلك ومتى كانتْ المغريات مناسِبَة .
اتسعتْ دائرةُ مغرياتِهِ حتى صارَ لا يتوانى عن القتل كي يحوزَ على مآربه المادية.
لكنَّ الحق لا يضيع والجريمة إدانةٌ بحدِّ ذاتها أمام بارئهِ , فمَهمَا عَمُقَ بحرُ الخطأ لابدَّ أنْ يطفو فوقَهُ قاربُ الصَّواب .
قُبِضَ عليهِ كنهايةٍ متوقعةٍ لأيّ مُجرِم , وَبكتْ الأم الغارِسة كثيراً .
اجتمعَ النَّاسُ في ساحةِ المدينةِ , ليشهدُوا إعدامَهُ , نظرَ للبشر بعينٍ يائسةٍ , وطلبَ رؤية أمِّه كآخر طلبٍ في حياته .
اقتربتْ الأمُّ منه وقد تمرَّدَ الدَّمعُ من عينيها ليغرقَ وجهَهَا حتى يُبَلِّــل عنقها .
والناسُ تنظر , وقد ترقرقَ الدمعُ في أعينهم لهذا المشهد.
قالَ لها : جئتكِ ببيضَةِ فشكرتِنِي !!
هلا سَمَحتِ لي بشكركِ يا أمَّاه , هلا مددتِ لي بلِسانِكِ كي أقبِّلَهُ أيتُّها الغاليَة .
مدَّتْ لسانَها , اقتربَ منها حتى أطبقَ بأسنانه على لسانِها فقطعَهُ ,
ولم يعدْ للقصَّة مغزىً أكثر من ذلك ,
عندما قال الشاعر حافظ إبراهيم :
الأم مدرسة إذا أعددتها ../ .. أعددتَ شعباً طيِّبَ الأعراقِ
الأم روضٌ إن تعهدهُ الحيا ../ .. بالرّيّ أورق أيَّــما إيــــــراقِ
الأم أستاذُ الأساتذة الأُلى ../.. شَغلتْ مآثرهم مدى الآفاقِ
قد أصابَ بحرفهِ جادة الصواب , ولكن :
نعيبُ زماننـــا والعيبُ فينـــا ... وما لزماننا عيــبٌ ســـوانـــــا
ما أكبر عبء الأمهات لو يدركن ذلك , وما أعظم أجرهنَّ إنْ أدركن ذلك...
-------------------------------------------
لا شكَّ أن بداخلي براعم شوقٍ واحترامٍ لا ينضب لآل المطر جميعاً , خاصَّــة " لروضة الأوركيد الناصعة " , سودة