مشاهدة النسخة كاملة : مُدّي ضوءكِ . . حتى تُشرِقَ الحياة . ( قِصة )
http://morvn.com/up1//uploads/images/domain-4ea4a96b1b.jpg
اهداء :
- إلى الحُب ..
الذي يزورنا فيشعِرُنا بِ أنّ الدُنيا حمراء , و أنّ أحلامنا تفيقُ بعدَ دورانِها على صوتِ غنائِهِ .
- إليّها ..
و هيّ تعشقُ فيهِ حتى فوضاه .. و تتقاسمُ معهُ الهوى , حتّى في الشرايين .
- إليّهِ ..
و هوّ يضعُ قلبها على صدرهِ .. و يُغني حتى يغفو الغياب و يضيعُ الرحيل .
تحذير :
السردُ هُنا .. طويل , و مُغرِق : ) !
- بدايّة السرد : حنينُ حبيب .
هاتِ يديّكِ , هاتِ قلبكِ , هاتِ روحكِ فمازالت حقيبتي تتسعُ لِـ كُلِّ أشيائِكِ . . هاتِ بقايايّ , فما أنا فاعِلٌ بِ جسدٍ بِلا روحٍ وحدي !
عندما أسيرُ في شوارِعِ برلين , و صوتُكِ يأكُلُ قلبي كُلّه , فلا تتركينَ لي قلباً رطِباً يتجوّلُ في أزقهِ المدينة , في وجوهِ الصبيّات , خلفَ ضحكاتِ الأطفال , و فوقَ حكايا المُسنين , و تجاعيد المباني العريقة !
تأتينَ كـ الماءِ في ذاكِرتي , تغسلينني مِن حُزني و مِن مُخلّفاتِ هذهِ الغُربة , و تقعينَ عليّ كُلّي , فما أعودُ أعلمُ هل يتسربُ الماءُ إلى صدري مِن بكاءِ السماءِ أم من بُكائِكِ خلفَ جفني !
أعلمُ أنّ كُلّ الخرائِطِ لن تفسِرَ حجمَ المسافة الحقيقيّة بينَ قلبكِ و عيني , و أعلمُ جيّداً أنّي أقربُ مِن نبضِكِ لنفسِكِ , و لكنّي مُرهق يا حبيبةَ عُمري , وحيدٌ أقاسِمُ ملامِحَ وجهكِ مع فُنجانِ قهوتي , أشمُ رائِحتكِ في خُبزِ صباحي , و حديثُكِ لا يُغادِرُ صفحاتِ جرائِدي !
و أراكِ تتلونين في فصولِ هذهِ المدينةِ , و تتلوّنُ المدينةُ فرحاً بِكِ , و أنا أقفُ على إحدى الطُرقِ أتمنى لو أنّ المدينة كُلّها تتلوّنُ بِ لونِ عينيّك !
فأشتهي سماءها و أرضها , و أشتهي أزِقتها , و أشتهي النظرَ في سُكانها , كما كنتُ أشتهي تقبيلَ عينيّكِ في خيالي , لأرتسمَ أنا و قُبلتي كما الكُحل في عينيّكِ ,
و أراكِ على وجهِ الشمسِ تظهرين , فتذوبُ الشمسُ و تبكِ المدينة !
فأتمنى لو أنني بِ جناح , لِـ أصلكِ و أخوض عبوراً في ساحاتِ عشقكِ مرّة أخرى , فقط لو أنني أستطيعُ لمسَ كفّكِ , لكنتُ بأفضلِ حالٍ الآن !
كفّكِ تلكَ المُعجزة الإلاهيّة التي خُلِقت لِـ تكونَ منزلي , و وطني , و عُمري , و كُلّ أحلامي , و مُنايّ !!
لا أظنني بِ خيّر , فأنا لم أستردَ رُشدي بعد , مِن عناقِكِ الأخير ,
أبقيّتُ بِ " قُصيّ " كُلّهُ بينَ ذراعيّكِ , و سافرتُ بِ جسدي عنّكِ , ربما ظننتُ أنّي سأروّضُ هذا الجسدَ و أكسِرُ بِهِ حُزنَ الدُنيا , دونَ أن تمدي لي ذراعيّكِ كـ ملجأ ,
و أظنني فشلت .
أحبكِ , و أحبكِ كُلّما سكنت بحةُ صوتُكِ مدينتي !
.. انها تُمطر ,
تعالي إلى قلبي , قبلَ أن تسرِقكِ أماني المَطر , بعيداً عنّي !
أؤمنُ أنّ الأماني ستنطقُ يوماً و لكنّها تحتاجُ لِـ وقفةِ فرحْ , و أنا لستُ مكتظاً بالسعادة مِن بعدكِ , و هذا المَطر يُحرقني ببطء .. لهذا فـ أمنياتي حتماً لن تُصيب و أنا أتقاسمها معَ نفسي !
و كونكِ لستِ معي , فلا شيء يأتي بِ الدفء إلى صدري , و لا شمسَ تُشرِقُ في يومي , و لا مطرَ يبعثُ الفرحَ في نفسي , أشعرٌ بِ وعكة بسببِ غيابِكِ , و هذهِ المدينة تُرشِدني ممراتُها إتجاهَ إحتياجِكِ !
مازلتُ صامِداً أتخيّلُكِ تُطبطبينَ على الرجلِ الذي أحبّكِ و مازالَ يُحبّكِ , و أخافُ أن ينهارَ صمودي أمامَ صوتِكِ , فأنهار بِ بكاءٍ كـ الأطفال دونَ توقف , لهذا أنا لا أجرؤ على تحمّلِ صوتِكِ المسكوبِ مِن أسلاكِ هاتفٍ بارد !
تنامينَ على صدرِ مدينتي القديمة , تتوسدينَ أحلامنا القديمة , تستيقظينَ على صوتي في ذاكِرتكِ , توقظينَ السماءَ عندما تتفتحُ عينيّكِ و أنا في مدينتي هذهِ أتبعُ ظِلَ ظِلّي .. فلا يعبُرني ضوءٌ و لا أقعُ في شَرِّ ضحكتكِ المجنونة , فهل أبدو لكِ أنّي بخيّر !
ضحكتكِ كانت تسرِقُني مِن كُلِ الناسِ , فأتوّجُ ملِكاً في صباحٍ حملَ صوتَكِ . . تعالي و أنظري لِـ حالِ ملككِ , و هوّ يتقاسمُ ذاتَ الرغيفِ على أيامِ الشهرِ كافة , خوفاً من أن ينتهي الرغيفُ و تنتهي معهُ رائحةُ أصابِعكِ . . أنظري إليّ و أنا مريضٌ بِكِ , أشكو غيابكِ لِـ ستائر السهر !
و أخفيكِ في جيوبِ أمتعتي كُلِّها , حتى لا تسرقكِ الرياحُ كُلّما طرقت نوافِذي , حتى لا أنتهي من امتدادكِ داخلي !
و أسجلُ إعرافاتي كُلّها فوقَ نورِ القَمر , مازلتُ أتوجعُ كُلّما تذكرتُكِ و أنتِ تُقبلينَ قلبي , و أتوجعُ كُلّما ذكرتُكِ و أنتِ تُبدلينَ ثيابِكِ بِ دورانكِ بينَ أصابِعي , و أتوجعُ كُلّما ذكرتُكِ و أنتِ تتخذينَ مِن حُضني لكِ سريراً , و أتوجعُ جداً جداً كلّما ذكرتُكِ و أنتِ تُقبلينَ عينيّ بِ شفتين أرقَ مِن دمعِ النَدى !
و ايماني بِ أنّ لا طبيبَ و لا صديق , سيشفيني من هذا الوجع غيّركِ , و لا بشر سيخرِجُني مِن حالتي هذه كما تفعلينَ أنتِ , يزيدُ من وجعي !
منذُ أن وصلتُ لِـ هذهِ المدينة , و أنا لا أكمِلُ إرتشافَ كوبِ قهوتي , خوفاً من أن أبحثَ عنكِ في آخرِ الفنجانِ فلا أجدكِ !
و لا أرفعُ رأسي لأواجهَ السماءَ , خوفاً من أن أنتشي بِكِ حُلماً , فأقع في مصيدةِ عينيّكِ , أتشبثُ بِ رمشِكِ .. فألقي نظرة إلى داخِل عينكِ , و أظنُ أنّي دخلتُ الجنّة , فتسقِطُني دمعهُ شوق , و تُبعثِرني مع رياحِ هذهِ المدينةِ التي لا ترحم !
يتبع :flower2:
- دونَ خجل : أخبئ بُكاءً يَخُصّكِ .
من أغبى الحيلِ التي تمسكتُ بِها في هذهِ المدينة : حيلة السعادة !
فكنتُ أكتبُ رسائِلي إليّكِ , و أحدِثُكِ بِ صوتِ الفرحِ الذي عجنتهُ طويلاً في حُنجرتي حتى يظهرَ لكِ في رسالة , بِ أناقة .. تجعلكِ تظنينَ أنّي بِ خيّر , و أنّي ماعدتُ أبحثُ عنّي في صوتِكِ !
لم أكن أنتظِرُ حضوركِ , كنتُ على يقين بِ أنّ صوتَ رسائِلي سيخفي حسرتي بعيداً عنّكِ , و أنكِ ستنامينَ و تطبعينَ على خديّكِ كُلّ الأماني أن يديمَ الله عليّ سعادتي !
و عندما أنتهي من رسائِلي , أحرِقُها , و أحرقُ معها كُلّ الأماني .
في الحقيقة , ما كنتِ تغيبينَ عن خيالاتي , و كنتِ تُباغتينَ أوهامي عندما تحمِلنُي إلى بُكاءٍ عميق , لم أبكِهِ طيلةَ حياتي !
كانت الدموعُ تُحاصِرني كُلّما تذكرتُ وجهكِ و أنتِ تُخيرينني بينَ البقاءِ معكِ , و السَفرِ وحيداً .. !
لا أدري حينها كيفَ ظننتُ أنّي سأتحمّلُ هولَ عبوري لِـ مدينةٍ أخرى و أنتِ لا تُمسكينَ بِ يدي , و لا تقودينني خلفَ خطواتِكِ !
أصبحتُ مؤخراً أظنُ أنّ هذا الحُزنَ تسببتُ بهِ لنفسي , عندما فضلّتُ السعيَّ وراءَ أحلامٍ قديمة , تغيّرت منذُ أن خُلِقتُ مِن جديدِ بِ عمرٍ جديد حملكِ إليّ , و لم أدرِك تغيّرَ سيرَ أحلامي إلا هُنا , و أنا أحاولُ إلتقاطَ أنفاسي خلفها , بِلا جدوى ... وجهكِ فقط ما يتراءى أمامي!
توقفَ المَطر , قررتُ بعدَ ثلاث دقائق من الوقوفِ على عتبةِ بابِ الغُرفة , أن أخرجَ و أتسكعَ في الشوارع , علّ الماء الراكِدَ على تلكَ الشوارع يغسِلُ شيئاً مِن كآبتي .. و كي أغتسِلَ بِ شيءٍ من الشمسِ حتى لا أفقدَ رائِحةَ الشمسِ مِن جلدي !
هذهِ الشوارِع تمتلئ بِ الفتيات , و لكن من منهنّ تستطيعُ أن تُرافِقَ رجُلاً يحمِلُكِ في كُلِ أجزائه !
فكرتُ في تضييع الوقت بِ التنقلِ بينَ المتاجر و البحثِ عن متاجِرَ صغيرة غيّر مكتظة بِ النساءِ , فكرتُ أن أذهبَ إلى متجرِ العمِ مصطفى , هذا الرجل تُركيّ الأصل و يتحدّثُ العربيّة كما لو أنّهُ ولِدَ مِن رحمِ قاصّةٍ عربيّة .. لديّهِ مِن الخِبرة ما تطغى على تجاعيدِ جسدهِ النحيل , شعرهُ أشعث , و ابتسامتهُ كسيرة , هوّ لا يحدثني عن نفسه لهذا أنا لا أعرفُ كيفَ أخذَ الحُزنُ طريقاً لصدرهِ , و لا أعرفُ عنهُ سوى سوء الحَظ .. و لعلّ حظهُ هذا ما دفعني لِـ أظنّ بِ أنّي الآن أشبههُ تماماً .. و أنّي أحتاجُ أن أتحدّثَ معهُ عن حظي الذي ماعادَ يبتسمُ منذُ ابتعدتُ عن دائِرةِ ضوئِكِ !
اشتريتُ بعضَ الكعكِ في طريقي , و سرتُ إليّهِ مُحمّلاً بِ الشكوى , و أنا أراقِبُ خطواتِ الفتياتِ و هنّ يتمايلنَ و يتجملّنَ بِ خطواتِهن .
.. السلامُ عليكم .
.. و عليكَ السلامُ يا قُصي , كيفَ أنت ؟
.. نصفُ مرتاح .
.. و أينَ ذهب النصفُ الآخر ؟ " مُمازِحاً "
.. زارتني في منامي بِ الأمسِ أيضاً . " مُتجاهِلاً دعابته "
.. جميل .
صمتَ كِلانا .. كُنتُ أفكِرُ هل " جميل " تعني أن أكمل , أم أنّهُ مَلّ مِن شكوايّ قبلَ أن تبدأ !
ثُمَ أكملَ مُتسائِلاً :
.. و كيفَ بدت ؟
.. نصفُ مرتاحه .
.. هل تركت لكَ خبراً أو رسالة ما ؟
.. كانت تلفُ سجائِري بِ ورقِ رسائِلي ... و تُدخِنُها !
.. اذاً هيّ مُدمنة .
.. أقسمُ لكَ أنّها ما دخنت سيجارةً مِن قبل ! " بِ إنفعال و كأنّهُ شتمكِ "
.. أقصد , مُدمنة لِـ رسائِلك . . لِـ حديثك ربما .
صمتَ و أنا إبتلعتُ إنفعالي .. ثُمَ قال :
.. أكتب لها رسالة , بما أنّكَ لا تُريدُ الإتصالَ بِها عبرَ الهاتِف .
استأذنتهُ بِ الرحيلِ , و هوّ يُرتِبُ بعضَ الأشرِطة القديمة , فأهداني احداها و همس : هذهِ الموسيقى ستأخذكَ إلى الصواب !
حملتُ الشريطَ بِ كلتا يديّ , و كأنّ حياتي الآن متوقفه على هذهِ الموسيقى .. و سرتُ و أنا أتبعُ ظِلّي إلى غُرفتي و خيبتي مازالت تلحقُ بي !
في طريقي .. توقفتُ أمامَ إحدى المكتباتِ الكبيرة , إبتعتُ ظرفاً و بعضَ الورقِ الأبيض .. و قلمَ حبرٍ جاف .. و كنتُ كُلَ طريقَ عودتي أتمنى أن يكونَ المتجر القريب مِن غُرفتي مازالَ مفتوحاً لِـ أشتري مُسجِلاً , لعلّي اليوم أجدُ طريقَ الصوابِ أو يحمِلُني صوتُ ملاكٍ إليّكِ !
لحِقتُ بِ صاحِبِ المتجر و هوّ يغلقُ أبوابَ متجرهِ , طلبتهُ مُسجِلاً .. كانَ يرفضُ في بادئ الأمر إعداة فتحِ الأبواب , و لكنّ كُلّ اللهفةِ و الخوفِ المجتمعِ في وجهي , و ملامِحِ الموتِ التي بدأت ترتسمُ عليّ جعلتهُ يعيدُ إدارةَ المفتاحِ في قفلِ الباب ., دخلَ متجرهُ ليعود بعد دقيقتين و هوّ يحمِلُ مُسجِلاً .. أعطيه النقودَ و كثيراً مِن الشُكرِ , كما لو أنّهُ وهبني حياتهُ و ليسَ مجرّد علبة بلاستيكيّة بِ أسلاك !
دخلتُ غُرفتي مُسرعاً , على عكسِ عادتي ..
خلعتُ حذائي البنيّ , و المعطف الذي لم ينجح بِ إدخالِ الدفء إلى قلبي . .
أدرتُ الشريط على عجل , و رميتُ بِ جسدي فوقَ السرير , و أغمضتُ عينيّ , كي لا يخاف الصوابُ مِن عُمقِ عينيّ و غرقِهما بِكِ , فلا يأتِ !
بدأت الموسيقى تسرقُ شيئاً من روحي , الوضعُ كانَ يشبهُ الإختناق , كنتُ أشعرُ بِ قشعريرة تنمو على أطرافِ جسدي , أصبحتُ أرى وجهكِ و أنتِ تنظرينَ إليّ بعينيّن متأملتين , و صوتُكِ و كلماتُ الوداعِ أصبحت تطرقُ في رأسي , كـ أجراسِ الكنائِسِ هُنا , وتقرعُ في رأسي حنيني و خوفي و كُلُ لغاتِ العتابِ تجتاحُني , لم أعد أطيقُ هذا الاتساع , هذا العُمق الذي أغرقُ بِهِ وحدي ... أطفأتُ الموسيقى , و خضتُ بكاءً طويل .. طويلٌ جداً !
يتبع
- لستُ أنا , و لكنني أحاول :
بعدَ أن صارعتُ النومَ طويلاً لِـ يزورني , و ما كادَ يفعل .. فعلَ أخيراً و أخذَ بِ يدي , إلى أرضٍ خضراء لا تُشبهُ أرضَ وطني , منذُ أن أدخلني إلى تلكَ الأرض و قلبي تعلّقَ بِ كُلِّ شيء , كنتِ تقفينَ في الطرفِ الآخر مِن جسرٍ امتدَ مِن صدري إلى تلكَ الأرض , و تحملينَ في كفيّكِ دفتراً قديماً , و تقرأئينَ عليّ بِ صوتِكِ الحاني , و تُذكرينني بِ كُلِ عاداتي القديمة في وطني , و تقاليدِ شعبِنا المُسالم , ثُمَ أخذتي بِ يدي و وضعتِها على قلبكِ و قُلتِ : " حُلمُكَ لا يعني أن تنسى طينَ قلبِكَ و طينَ جسدِكَ و طينَ عينِكَ يا قصي " .
ثُمَ تلاشيّتِ معَ الريح !
استيقظتُ و أنا أشعرُ بِ العطش , ملأتُ كأسَ ماء , و أعطيتُ فِكري نُزهةَ سرحان , أمسكتُ بِ هاتفي النقال , بدأتُ بِ طلبِ رقمكِ , و أصابعي متثاقِله ع أزاريرِ الهاتف , بِ مجرّد إدخالي لِـ مُفتاحِ الوطن , غيّرتُ رأيي و قررتُ مُهاتفةَ أمي ,
فربما صوتُ دُعاءِ أمي , و حِرصِها المليء بِ النصائِح , و كُلُ نصائِحها التي حفظتُها عن ظهرِ قلب , ستخففُ عنّي حُزني هذا اليوم .
.. أمي .
.. قصي ؟ " و أشعرُ في سؤالِها شوقاً و لهفة , يجعلاني أحِنُ إلى العودةِ طِفلاً على صدرِها "
كيفَ أنتَ يا بُني ؟
.. أحببتُ المدينة يا أمي . " أجبتُ قبلَ أن تسأل , كي لا أغرقَ في البكاءِ مِن جراءِ سؤالِها , و أسقِطُ في قلبِها حُزناً لا يُلائِمُ دفءَ وجهِها "
.. الحمدُ لله , و كيفَ هيّ صحتك ؟
.. كالأسد , لا تقلقي .. أخبريني , كيفَ أنتم ؟
.. كُلّنا متلفهونَ لِـ عودتِكَ .. قصي , عِدني أن تتصرّفَ كـ ابني !
.. لا تقلقي يا أمي , لن يخذِلكِ ولدكِ الذي كبرَ على بياضِ قلبكِ .
.. بِ حفظِ الرحمن .
.. مع السلامة .
و أغلقتُ السماعة , ابتسمتُ و تمنيتُ لو أنّي وضعتُ رأسي في ذاكِرة فارِغة , و تركتُ كُلّ الذكرياتِ و الأصواتِ الدافئة على مُدرجاتِ الطائِرة , قبلَ صعودي إلى مصيري الجديد .
لم أكن أتصوّر أن خروجي من قوقعةِ مدينةِ جِدّة , سيغرِقُني في مدى لا أرى فيهِ غيّرَ وجهِكِ الحزين , و أراكِ في أحلامي تُهذبينَ بي تصرفاتي السيئة .. فأيّ وجعٍ أتحمّلهُ كُلّما تذكرتُكِ و أنتِ تُخيرينني بينَ حُلمي و بينكِ !
خرجتُ من غُرفتي مُتأخراً بعدَ أن قضيتُ اليومَ كُلّهُ و أنا أذكركِ و أنتِ تُصوبينَ إصبعكِ بِ إتجاهي كـ المُسدّس و تقولينَ : " سأقتُلكَ إن عاودتَ النظرَ إلى ساقيّ مُجدداً ! " , فأحدّقُ في وجهكِ و أنتِ غاضبة , فتضحكين !
كنتُ كُلّ اليومِ أتخيّلُ ضحكتكِ , و كيفَ أنّها تأتِ في كُلِّ مُحادثاتِنا كما لو أنّكِ تُقبلينني على كُلِّ حرفٍ يخرجُ و أنا بينَ يديّكِ و في حضرةِ نوركِ .
.. تسكعتُ طويلاً و أنا أجرُّ الليلَ خلفي , مشطتُ كُلّ الشوارِعِ و أنا أحاوِلُ الإمساكَ بِكِ في خيالي , و أنتِ تتمايلينَ أمامي في كُلِ الشوارِعِ , تبعتُ طيفكِ حتى اهتديتُ لِـ حانةٍ قريبة من غُرفتي , كانت منعجنة بِ الضحكات , دخلتُها علّ نوبةَ الضحكِ تنتقلُ إليّ !
.. أهلاً سيدي , أتريدُ كأساً ؟
.. نعم , لما لا . " ربما إن أصبحتُ سيئاً ستأتينَ إليّ في حُلمِ اليومِ لتوبيخي , فقد اشتقتُ وجهكِ و أنتِ غاضبة كـ ياسمينة قُطفت قبلَ أوانِ نضجِها ! "
.. ماذا تُفضل ؟
.. أيّ شيء ! " و لم أكن أعلمُ أنّ أيّ شيء تعني أثقلَ أنواعِ الكوؤس و أكثرها تأثيراً على اتزاني "
بدأتُ أشربُ الكأسَ تلوَ الآخر , و هذا الرجلُ البدين يملأ كأسي , و يملأ معهُ صوتُكِ في رأسي , حتى فقدتُ وعيي .. و بدأتُ أرى وجهكِ يقتربُ منّي , و ضحكتُكِ خُلِطت بِ ضحكاتِ الحانةِ و ما عدّتُ أميّزُ شيئاً !
يتبع
vBulletin® v3.8.8 Beta 1, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.