شيماء عبدالعزيز
16/07/2007, 12:09 AM
قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت)
في ذلك المساء المشؤوم من الثامن من يوليو..
المساء الذي لن أنساه ما حييت..
و سيظل محفوراً في ذاكرتي..
تمر تلك اللحظات في ذهني..
و لا أعلم كيف أسطرها..
مجرد فضفضة..
كنت منهمكة بالتفكير في ما يحصل لي..و لا أعلم ما أفعل..ليس بيدي شيء..سوى الدعاء..
فجدي بين الحياة و الموت، و موعد سفري الليلة..
أمسكت بهاتفي و اتصلت بوالدتي..و بعد مكالمة قصيرة لم تكن الأولى..
قررت الذهاب للمستشفى قبل موعد سفرنا أنا و والدي بساعات..
كان يوماً صعباً للغاية..بل إن كلمة صعب لا تصف ذلك اليوم..فما حصل لي كان كالذي يحدث في القصص التي كنت أقرأها و أتساءل..أمن المعقول أن يحدث هذا..!
خرجنا من المنزل في تمام السادسة و النصف,على أن نصل إلى الشارقة بأذان المغرب..و حدث ما لم يكن يكن في الحسبان..فعلقنا في شبكة الازدحام و لم نستطع تأدية الصلاة في وقتها..
و بعد ساعة و نصف من الجلوس في السيارة..كنا في المستشفى..
مشيت مسرعة و أختي تلحقني،كان قلبي منقضباً..
لم أكن مطمئنة من سفري الليلة و لكن ما باليد حيلة..
وصلت إلى قسم العناية المركزة دون ادراك فقد كنت أمشي دون تركيز..
و كانت الصدمة!
لمحت خالتي جالسة على الكرسي في أحد الممرات و بجانبها إحدى قريباتي..و الرجال يقفون في زاوية من زوايا المستشفى كل منهم يترقب خبراً بتحسن حالة جدي..
تخطيت الرجال و وصلت لخالتي فمددت يدي و أنا أراقب عينيها التي كانت تتحدث..فانهمرت الدموع من عيني..
سألتها عن غرفة جدي في العناية المركزة..فأرشدتني..
دخلت القسم و أخذت أبحث عن ضالتي..
إلى أن رأيت نساءً أمام غرفة،فعرفت ان جدي هناك..
كنت أنظر إليهن بدهشة،ثم دخلت الغرفة فوقع نظري على خالتي و هي تبكي و تقرأ القرآن ثم جدي و الاجهزة التي تحيط به من كل جانب،فوضعت يدي على فمي وأجهشت بالبكاء و أنا انظر إليه..
لم أتصور نفسي يوماً أن أرى جدي بهذه الحال ..كنت أبكي بحرقة.. إلى أن ظهر صوت البكاء فانتبهت لي أمي و خالتي ،لم أصدق ما أرى،فجدي الذي كان بكامل الصحة و العافية لا يستطيع التنفس إلا بالأجهزة اليوم..
و جدي الذي رأيته قبل أيام،ماذا حل به،أهي محنة حلت بنا أم ماذا؟!
لقد رأيته قبل أيام و دخلت غرفته،سمعت بأنه متعب،سلمت عليه فقال لي:أهلا ابنتي،لم يستطع النهوض من السرير فقبلته على رأسه و قلت:سلامتك ما تشوف شر..
،أحسست بأنني كنت غبيه في ذلك اليوم،كيف لم أستوعب بأنه متعب و لا يستطيع النهوض..
كيف لم أصر عليه بالذهاب إلى المستشفى..
و كيف تقبلت عدم موافقته على الذهاب..
كيف و كيف و كيف؟!!!
لقد كان يقول سأذهب بنفسي و هو لا يستطيع ،و اليوم و بعد أن فات الأوان و أنا أراه بين الحياة والموت أيقنت بأننا لم نعرف قيمته..لقد كان كنزاً لم نحافظ عليه..
كنت أخجل من الحديث معه..
كان جدي رجلاً محباً للعلم..زاهداً..صالحاً..مكرماً لضيفه..
و بينما أنا في تساؤلاتي..أخذتني أمي بأحضانها و خرجنا من الغرفة،لم تتوقف دموعي عن السيلان و أنا أرى جدي بهذه الحال،كانت لحظات صعبة،فأنا ملزمة بالسفر لحضور المؤتمر الذي سيعقد في لندن و جدي بين الحياة و الموت،لم أرغب بالسفر في ذلك اليوم..
فقد كنت خائفة أن يوافيه الأجل و لا أراه..
و كيف لا أراه؟!
خرجنا من قسم العناية المركزة و جلسنا بالانتظار مع النساء و لم تتوقف الزيارات،فالقريب و البعيد أتى لزيارة هذا الرجل الذي قيل عنه بأنه نادر..
و بعد فترة من الزمن قالت أمي لوالدي،اذهبوا فلا يوجد متسع من الوقت،فزاد بكائي..
سلمت على جدتي و خالاتي و من كان هناك و سحبت بنفسي و بخطواتي الثقيلة من المستشفى و تذكرت خالتي و هي تقول:لا تنسي الدعاء له في الطائرة..
عدنا أدراجنا إلى منزلنا في دبي..فأعددت نفسي بسرعة و ودعت من كان في المنزل..
ركبت السيارة و أخذتني الأفكار بما سيحدث،كنت خائفة أن أفقد جدي و لا أحضر جنازته، وكان الخوف في محله..
وصلنا المطار و بعد ساعات كنا بالقرب من بوابة المغادرة،ففاجئني اتصال أخي بأن جدي قد وافاه الأجل، عدت أدراجي و ألغيت التزاماتي مع الوزارة و حمدت الله لانه رزقني رؤية جدي للمرة الأخيرة..
و بعد عدة ساعات من الاجراءات كنت في المنزل..فدخلت المنزل و رأيت أمي فقلت لها:عظم الله اجرك و ارتميت في أحضانها،كانت الساعه الثالثة صباحاً،و نحن جالسون لا نستطيع أن نصدق رحيل جدي..
انتظرنا صلاة الفجر و بعدها ذهب الجميع للنوم،بقيت منهضة إلى السادسة فجراً، و بعدها خمدت للنوم..
نهضت في العاشرة صباحاً لأعد نفسي لحضور الجنازة،و ذهبت مع ابي و امي و اختي إلى المسجد..
وصلنا هناك قبل النساء، فذهبنا إلى مصلى النساء..
بعد أن رأيت خالي الذي أتى عند المدخل ليرى أمي (اخته الكبرى)..
كانت لحظات صعبة من حياتي..
لا أعلم كيف مرت..
و أتمنى ان لا تتكرر..
جلسنا في المصلى إلى أن قطع ذلك اتصال والدي بأن نأتي لنرى جدي..
مشينا مسرعين و وصلنا إلى المكان الذي كان فيه جدي..
و عند الباب كان الجميع هناك..
وقفت عند الباب..
إلى أن فتح..
فدخلت مع أمي و أختي..
و رأيت..
آه..
ما أصعب ما رأيت..
وقع نظري على جدي..
فازداد البكاء..
و سمعت من يقول..
لا تبكي..
أرجوك لا تبكي..
تمالكت نفسي..
و قبلت رأسه..
و لمحت ابتسامته العذبه و وجهه الهادئ الذي يشع بالنور..
ثم خرجت..
لا أستطيع ان أكمل..
اعذروني..
فلقد أيقنت بأنني يجب أن أعد ما أستطيع لآخرتي..
و أن أصلح ما بيني و بين ربي..
"ليس لي اليوم سوى جد واحد"..
أسأل الله أن يحفظه لي..
و لا أملك سوى الدعاء لجدي المرحوم..
اللهم اغفر له و ارحمه و اعفه و اعف عنه و أكرم نزله ووسع مدخله و اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقه من الخطاايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس و ابدله دارا خيرا من داره و اهلا خيرا من اهله و زوجا خيرا من زوجه و ادخله الجنه و اعذه من عذاب القبر و من عذاب النار
إخوتي..
فليعد كل منا ما يستطيع لآخرته..لان الدنيا دار فناء..
في ذلك المساء المشؤوم من الثامن من يوليو..
المساء الذي لن أنساه ما حييت..
و سيظل محفوراً في ذاكرتي..
تمر تلك اللحظات في ذهني..
و لا أعلم كيف أسطرها..
مجرد فضفضة..
كنت منهمكة بالتفكير في ما يحصل لي..و لا أعلم ما أفعل..ليس بيدي شيء..سوى الدعاء..
فجدي بين الحياة و الموت، و موعد سفري الليلة..
أمسكت بهاتفي و اتصلت بوالدتي..و بعد مكالمة قصيرة لم تكن الأولى..
قررت الذهاب للمستشفى قبل موعد سفرنا أنا و والدي بساعات..
كان يوماً صعباً للغاية..بل إن كلمة صعب لا تصف ذلك اليوم..فما حصل لي كان كالذي يحدث في القصص التي كنت أقرأها و أتساءل..أمن المعقول أن يحدث هذا..!
خرجنا من المنزل في تمام السادسة و النصف,على أن نصل إلى الشارقة بأذان المغرب..و حدث ما لم يكن يكن في الحسبان..فعلقنا في شبكة الازدحام و لم نستطع تأدية الصلاة في وقتها..
و بعد ساعة و نصف من الجلوس في السيارة..كنا في المستشفى..
مشيت مسرعة و أختي تلحقني،كان قلبي منقضباً..
لم أكن مطمئنة من سفري الليلة و لكن ما باليد حيلة..
وصلت إلى قسم العناية المركزة دون ادراك فقد كنت أمشي دون تركيز..
و كانت الصدمة!
لمحت خالتي جالسة على الكرسي في أحد الممرات و بجانبها إحدى قريباتي..و الرجال يقفون في زاوية من زوايا المستشفى كل منهم يترقب خبراً بتحسن حالة جدي..
تخطيت الرجال و وصلت لخالتي فمددت يدي و أنا أراقب عينيها التي كانت تتحدث..فانهمرت الدموع من عيني..
سألتها عن غرفة جدي في العناية المركزة..فأرشدتني..
دخلت القسم و أخذت أبحث عن ضالتي..
إلى أن رأيت نساءً أمام غرفة،فعرفت ان جدي هناك..
كنت أنظر إليهن بدهشة،ثم دخلت الغرفة فوقع نظري على خالتي و هي تبكي و تقرأ القرآن ثم جدي و الاجهزة التي تحيط به من كل جانب،فوضعت يدي على فمي وأجهشت بالبكاء و أنا انظر إليه..
لم أتصور نفسي يوماً أن أرى جدي بهذه الحال ..كنت أبكي بحرقة.. إلى أن ظهر صوت البكاء فانتبهت لي أمي و خالتي ،لم أصدق ما أرى،فجدي الذي كان بكامل الصحة و العافية لا يستطيع التنفس إلا بالأجهزة اليوم..
و جدي الذي رأيته قبل أيام،ماذا حل به،أهي محنة حلت بنا أم ماذا؟!
لقد رأيته قبل أيام و دخلت غرفته،سمعت بأنه متعب،سلمت عليه فقال لي:أهلا ابنتي،لم يستطع النهوض من السرير فقبلته على رأسه و قلت:سلامتك ما تشوف شر..
،أحسست بأنني كنت غبيه في ذلك اليوم،كيف لم أستوعب بأنه متعب و لا يستطيع النهوض..
كيف لم أصر عليه بالذهاب إلى المستشفى..
و كيف تقبلت عدم موافقته على الذهاب..
كيف و كيف و كيف؟!!!
لقد كان يقول سأذهب بنفسي و هو لا يستطيع ،و اليوم و بعد أن فات الأوان و أنا أراه بين الحياة والموت أيقنت بأننا لم نعرف قيمته..لقد كان كنزاً لم نحافظ عليه..
كنت أخجل من الحديث معه..
كان جدي رجلاً محباً للعلم..زاهداً..صالحاً..مكرماً لضيفه..
و بينما أنا في تساؤلاتي..أخذتني أمي بأحضانها و خرجنا من الغرفة،لم تتوقف دموعي عن السيلان و أنا أرى جدي بهذه الحال،كانت لحظات صعبة،فأنا ملزمة بالسفر لحضور المؤتمر الذي سيعقد في لندن و جدي بين الحياة و الموت،لم أرغب بالسفر في ذلك اليوم..
فقد كنت خائفة أن يوافيه الأجل و لا أراه..
و كيف لا أراه؟!
خرجنا من قسم العناية المركزة و جلسنا بالانتظار مع النساء و لم تتوقف الزيارات،فالقريب و البعيد أتى لزيارة هذا الرجل الذي قيل عنه بأنه نادر..
و بعد فترة من الزمن قالت أمي لوالدي،اذهبوا فلا يوجد متسع من الوقت،فزاد بكائي..
سلمت على جدتي و خالاتي و من كان هناك و سحبت بنفسي و بخطواتي الثقيلة من المستشفى و تذكرت خالتي و هي تقول:لا تنسي الدعاء له في الطائرة..
عدنا أدراجنا إلى منزلنا في دبي..فأعددت نفسي بسرعة و ودعت من كان في المنزل..
ركبت السيارة و أخذتني الأفكار بما سيحدث،كنت خائفة أن أفقد جدي و لا أحضر جنازته، وكان الخوف في محله..
وصلنا المطار و بعد ساعات كنا بالقرب من بوابة المغادرة،ففاجئني اتصال أخي بأن جدي قد وافاه الأجل، عدت أدراجي و ألغيت التزاماتي مع الوزارة و حمدت الله لانه رزقني رؤية جدي للمرة الأخيرة..
و بعد عدة ساعات من الاجراءات كنت في المنزل..فدخلت المنزل و رأيت أمي فقلت لها:عظم الله اجرك و ارتميت في أحضانها،كانت الساعه الثالثة صباحاً،و نحن جالسون لا نستطيع أن نصدق رحيل جدي..
انتظرنا صلاة الفجر و بعدها ذهب الجميع للنوم،بقيت منهضة إلى السادسة فجراً، و بعدها خمدت للنوم..
نهضت في العاشرة صباحاً لأعد نفسي لحضور الجنازة،و ذهبت مع ابي و امي و اختي إلى المسجد..
وصلنا هناك قبل النساء، فذهبنا إلى مصلى النساء..
بعد أن رأيت خالي الذي أتى عند المدخل ليرى أمي (اخته الكبرى)..
كانت لحظات صعبة من حياتي..
لا أعلم كيف مرت..
و أتمنى ان لا تتكرر..
جلسنا في المصلى إلى أن قطع ذلك اتصال والدي بأن نأتي لنرى جدي..
مشينا مسرعين و وصلنا إلى المكان الذي كان فيه جدي..
و عند الباب كان الجميع هناك..
وقفت عند الباب..
إلى أن فتح..
فدخلت مع أمي و أختي..
و رأيت..
آه..
ما أصعب ما رأيت..
وقع نظري على جدي..
فازداد البكاء..
و سمعت من يقول..
لا تبكي..
أرجوك لا تبكي..
تمالكت نفسي..
و قبلت رأسه..
و لمحت ابتسامته العذبه و وجهه الهادئ الذي يشع بالنور..
ثم خرجت..
لا أستطيع ان أكمل..
اعذروني..
فلقد أيقنت بأنني يجب أن أعد ما أستطيع لآخرتي..
و أن أصلح ما بيني و بين ربي..
"ليس لي اليوم سوى جد واحد"..
أسأل الله أن يحفظه لي..
و لا أملك سوى الدعاء لجدي المرحوم..
اللهم اغفر له و ارحمه و اعفه و اعف عنه و أكرم نزله ووسع مدخله و اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقه من الخطاايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس و ابدله دارا خيرا من داره و اهلا خيرا من اهله و زوجا خيرا من زوجه و ادخله الجنه و اعذه من عذاب القبر و من عذاب النار
إخوتي..
فليعد كل منا ما يستطيع لآخرته..لان الدنيا دار فناء..