مشاهدة النسخة كاملة : رواية : مِـشْـكاةٌ يا حياتي .
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:00 PM
يا قَـوْم
أعيروني مِن يومكم بضع ساعات أحكي لكم فيها حياةٌ مِن نور .. يشعُّ ضوئها في وجه قاريها
مهما سخِر منها أناس , و قدحَ فيها مَن قدَح أؤمنُ بأنها كتابٌ حوى كثيرُ الدُّروس
فــبيعوني الدَّقائق أهديكمُ الحِكاية
و استنبطوا ما طابَ لكم مِنَ الفوائدِ مَثنى و ثُلاثَ و رُباع
و الـزِّيادةُ نفلٌ محبوب فلا حرَجَ و لا عِتاب
فــلـنْ يستطيع أخذها إلاَّ ذو العقلِ اللَّبيب
و أنعِم به , فلو سألَ الزِّيادة أعطيْتْ ثمَّ استزادَ لـزِدت
و تجاوزا عن ما سقطَ في روايتي مِن جمال الأدَب
فلم أقرأ في حياتي ولا رُبع رواية
ما الغرضُّ تحدِّ ولا عرض موهِبة
القصد درسٌ و عِبرة , فــهاكُمُوها عروس
كان التفريغ في رمضان / 1432 هـ
غُضُّــوا الطرفَ عنِ الخلل فإنَّـهُ عورة
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:08 PM
أناْ الصُّبحُ في يومي فغارَ مَساؤهُ .. أناْ النُّورُ في الدُّنيا فـسَلْ مِصْباحي !
مِـشكاةٌ يا حَياتي
بقلم : دلال الشّبلان
لا أعرفُ مِنَ الدُّنيا سوى صحراء الرُّبع الخالي مِنْ كُلِّ جَمالٍ و أُناس
إلاَّ نفسي و امرأةٌ عجوزٌ بكماء لا تنطِق , و خيمةٌ ضيِّقة تحويني و إيَّاها و قليلٌ مِن غذاءْ .
هكذا بَدَأتْ حياتي !
بدونِ مُقدِّمات جذبٍ لهذهِ الحياة الدُّنيا
فقط فلاةٌ , و خَيْمةٌ , و عجوز !
حياةٌ جامِدَة لا تتحرَّكُ و لا تتغيَّـر
لَـيْـلٌ نهار .. نهارٌ لـيْــل
صَـيْـفٌ شِتاءْ .. شِــتاءٌ صَـيْـف
و عجوزٌ بكماءَ تشيخُ كُلَّ يَوْم !
عِشتُ سنواتي السَّبعةُ الأولى هكذا لا أعرفُ وطناً لي و لا مَوْلِدا
أجهلُ لُغتي و أهلي و اسمي
كنتُ أظنُّ أنَّهُ لا يوجدُ في الدُّنيا سِوى ما أراهُ أمامي
أُغنـِّــي مع الطُّيورِ إذا حامَتْ فوقَ رأسي , و أرقصُ إذا زارنا المَطَر
و عجوزي في خيمتنا بلا حِراك
تخرجُ لِثواني تُشاهِد الحياة ثمّ ما تلبث قليلاً و تعود !
أكونُ صادِقة إذا قلتُ : ( لا أُحبّـها ) لكنّي في الحقيقة لا أكرهها
فأصلاً أجهلُ الحُبَّ و الكُره
إلاَّ أنـَّــني أأنسُ بالعصفورةِ إذا داعَبتْ شَعري
و أنزعِجُ مِنَ الدَّواب إذا سَرَقتْ ما وَضَعتْ لي عجوزي مِنْ طَعَام .
بل كيفَ أُحبّ هذهِ العجوز و هِيَ لم تُبادلني الحُبَّ قط ؟!
لم تُكلمني مُذ عرفتها , و لم تُبادلني البَسَمَاتْ , و لم تُقبّلني و تحضنني
فقط تضعُ ليَ الطَّعام و تعتكفُ في خيْمتها تتعبَّد .
و في كُلِّ شهرٍ تقريباً تحبسني في خيْمتنا بضع دقائق و تمنعني منَ الخروج
ثمّ تدخل عليّ تحملُ الغِذاء و المَلبس , و تُخزِّنه في زاويةِ الخيْمة بـصمتٍ و سكون !
رغم جفاف حياتي و غرابتها إلاَّ أنَّني لم أكن أستنكرها قط
فــكيف أستنكرها و أنا لا أعرفُ في الوجود غيرها ؟!
سَكَني الخَيْمة
و عالمي الصَّحراءْ
و أصدِقائيَ الشَّمسُ و القمر .
كُنتُ أشعر أنَّ خلفَ هذا الوجودِ مُوجِد , و وراء هذا الخلق خالِق
لكنّي لم أجدُ مَن يُثبت لي شعوري و يؤكّد إحساسي
فــعالَمي كفيف , و صديقيَّ أصمـَّــيْنِ مِنْ بُعدِهما
و عجوزي بكماءْ !
***
و حينما بلغتُ السَّابعة مِن عمري حَدَثَ ذلكَ الموْقف العظيم , و المَشهد الجسيم
الَّذي غيَّـر مجرى حياتي و لا أظنُّ ذاكِرتي تنساه
و لو تزاحَمَتِ الذِّكريات .
في يومٍ مِنْ أيَّام حياتي المُعتادة الجامِدة
رأيتُ ما لا يخطر بالبال , و لم ترهُ عيني أبدا !
مخلوقَيْنِ اثنيْنِ غريـبَـيْـن , أتيا إلينا قاصدَيْنِ خيْمتنا
رجُلَيْنِ يبلُغ طولَهُما طولَ عجوزي
إنــس ! لا أُصدِّق بأن يكون في الوجودِ إنسانٌ غيري و العجوز !
خرجتُ مِنَ الخيْمة أتأمَّل خلقهُما مندهِشة
و كأنّي بــعالَمي ينظرهُما معيَ بــاندهاش !
فـحين أحسّتْ بهِما العجوز ارتبَكَت و أمسكتْ بيدي مسرعة , و ردَّتني إلى الخيْمة
كنتُ أحاوِل مِن بين يديْها جاهِدةً أن أفلت منها ؛ لكي أُكمل المُشاهدةَ و التأمُّل
لكنّها أصرَّت على حبسي في الخيمة ..
جلستُ في خيمتنا مُتعجِّبة مما حدَث !
علِمتُ حينها أنَّ هذا هُوَ سببُ حبسها لي كُلَّ شهر
فــانتظرتُها تدخلُ تحمل غِذاءً يضمنُ لنا الحياة
و لم أعلم أنَّ هذا الحَبس يعقبهُ تغيـُّـر الحياة !
ارتفعَت أصواتهم خارج الخيمة , و لأوَّل مرَّةٍ أسمع حديث البشر
دخلوا عليَّ الباب , فــنهضتُ إليهِم مُتأمَّلة ...
ابتسمَ أحدُهُما في وجهي , فـــبادلتهُ الابتسام
أتأمَّلُ و أحاوِل أنْ أجد لـتساؤلاتي الجواب !
أمَّـا عجوزنا فـكانت واقِفة بالبابِ تدرُّ الـدَّمع مِن عيْنيـها الشَّـاحبتــيْن على ثيابها الباليَة
الـتفـتا إليها و ألقيا عليها بعض الكلمات بـخشونةٍ و صلابة
فـتـمَعَّـر وجهها و صكَّـته , و أمطرب على ثيابها الحُزن و البُكاءْ ..
ولازِلتُ بينهم واقفة أتأمَّل بـاندهاش
خرجوا بها من عندي .. فــتبـعْـتُـهُـم
فــوَكَزني أحدهما يأمرني بالرُّجوع !
فـــسقطتُ في مكاني أكفكِفُ الدَّهشة , و أرمِّم ما تهاوى من الوجع
جلستُ في مكاني لحظات و إذا بي أسمعُ الصُّراخ و البُكاءْ
هرعتُ أنظر إليهم مِن طرف الباب .. و يا ليْتني مُنِعتْ !
كانا واقِفيـْـن و عجوزي بينهُما جالِسة , ذليلةً صغيرة , تستغيثُ و تطلب الإكرام
أخرَجَ أحدهما سكِّيناً مِن جيْبه و ركزها في رقبة العجوز
و بدا يُحرِّكها يمنةً و يسرة ينوي ذبحها !
و عجوزي تصرخُ بكُلِّ ما أوتيَت مِن صوْت .
نظَرَتني مِن خلف الباب فـبكتني و بكت نفسها طريحةً بينَ مَجهوليْنِ غريبين
صريعةً بيْن أنهارِ الدِّماءْ
فاضت روحها , و سَكَنَتْ , فلا حِراكَ و لا بُكاءْ !
رفعَ يده منها , و رمى سكِّينهُ في الفلاة
و زحفَ الأخرُ عنهُما يحفر الأرض
ثمَّ حملاها إلى الحُفرة و جَثُّوا عليها من التُّراب !
لم أستوْعب المَشهد
رجعتُ إلى مكاني مُسرعة ؛ خشية أن يروني
أرتجف تفكيراً فيما حدث !
دخلَ أحدهُما عليَّ يُقلِّبُ عيْـنـيْـه في الخيمة بحثاً عنّي
فــوَقَعَتْ عيناهُ عليَّ فــتبادلْنا النظر لبُرهة !
كنتُ أنظرُ إليهِ بكُلِّ جمودٍ و بلادة
أقرأُ في كتاب عيْنيْهِ التَّوتُّـر و الارتباك .
أشارَ بـيدهِ أنْ تعالي
فــأتيتهُ على الفوْر , فـمسحَ رأسي و جلَسَ ليقرب مني
فـــابتسمَ و سألني : ما اسمُكِ ؟
ابتسمتُ في وجهِه و لم أفهمِ السُّؤال , فـنطقتُ ما حفظتهُ من حروف
ثمّ كرَّر عليَّ السُّؤال : ما اسمُكِ ؟!
ابتسمتُ و تحيَّرتُ في الإجابة , فـأعدتُ عليهِ ما سأل
فــعَبَسَ و بَـسَـر , ثمَّ رمى عليَّ كلماتٍ لم أفهمهُـنَّ
فــتـبَـسَّـمـتُ خائفة رجاءَ أن يُبادِلني الابتسامة
و لكنَّهُ غضب هذهِ المرَّة و قام إلى صاحبهِ يُحاوِرُه
نظَرتُهُما بكُلِّ براءةٍ و جهْلٍ بما ينطقون
مَـيَّـلتُ رأسي يميناً إلى الخارج فإذا بي أرى قبر العجوز
فــركضتُ إليها لأراها
فــمَسَكني الأخرُ بـشعري يمنعني مما أردت !
حينها
أجهشتُ بالبُكاء يومَ تملَّكني الخوف , و آلَمَني رأسيَ مِن شدِّه
مسَكني يُكلّمني دونَ أنْ أفهم حرفاً واحِدا
كنتُ أفِـرُّ بـوجهي عنه أنظرُ قبرَ العجوز أنتظِرها تُنقذني
و لكِن هيــهـــــات
فــقد خرجَتِ الرُّوح , و ودَّعتِ الحياة
و غابَـت بلا شُروق .
ضمَّـني إلى صدرهِ , و قبَّلني , و مَسَحَ رأسي يداوي الألم
سَـكَـتُّ مِن بُكائي و حبستُ الدَّمع
و بقيتُ أنظر إليه , أحملق عيني في وجهه
فلأوَّل مرَّةٍ في حياتي يهديني الحُبّ أحد !
أنِسْـتُ به , و نسيتُ الألَم , فـــتبَسَّمَ لي و تبَـسَّمتُ له
ثُمَّ وقفَ و أمسك بـيدي و مشى قاصِداً الخيمة
دخلتُ معه
فإذا بصاحبه قد جرَّد خيْمتنا مِن كُلَّ ما سَكَنَها !
ثُمَّ دعا الآخر يطلبهُ هدم البناءْ
ترَكَني صاحبي بعدَ أن ابتسمَ لي و نطقَ بحروفٍ يُشيرُ إلى مكاني
فهمتُ أنَّـه يطلبني البقاءَ و عدم التَّحرُّك .
وقفتُ في مكاني تملأني الدَّهشة !
فـغدَيا يُهبطانِ الخيام حتى ألقياها على الأرض ترقُبهم عينيَّ بكلِّ انزعاج
فــانتظرتُ أن يُخرِجَ أحدُهُما السِّكين مِن جيبه ؛ لـيذبح الخيْمة المِسكينة
لكنَّـهُــمـا حَمَلاها إلى المركبة , و نفضا ما تَعَلَّقَ في أيديهما مِن التُّراب .
أقبلَ أحدهما إليّ و أمسكَ بيدي يُريد مني الرُّكوبَ معهما
و لكِنَّ صبري نفد و سيلي بلغَ الزَّبى
صرختُ بكُلِّ صوتي رافضةً الرُّكوبَ معه
فـحَمَـلني مُتوجّهاً للمَركبة , فـزاد صُراخي و بُكائي أنظر قبر العجوز مُستنجِدة
و أضرِبهُ بـيديَّ بكلِّ ما أوتيتُ مِن قُـــوَّة
فـأمسك بـيدي يطلبني الكَفّ عنِ الضَّـرب
و لكني كنتُ مُصرَّة على حالي
أدخلني السَّيـَّـارة و ركِبا معي , فـقادها أحدهما يبعد عن وطني و عجوزي
كنتُ أنظر الخلف و أهوي مِن البُكاء
أنادي العجوز و أستنجد بالخيمة طريحة في ظهر سيَّارتهم .
مَـرَّتِ السَّـاعات
و لَـبِـسَـتِ الدُّنيا السَّواد
و جَنَّ علينا اللَّيلُ بـظلامِه
و أنا لازِلتُ في بُكائي , أحاوِل النَّـجاة و لا أدري ما النَّـجاة ؟!
أحاوِل تفسير ما لم يستوعبه عقلي
و هُمَا لازالا يَنهياني عنِ الدُّموع , و يَأمُراني بالسُّكوت
هَـدَأتُ قليلاً بعدَ أنْ فقدتُ أمل العَوْدَة
و كنتُ أبكي بلا صوت و لا دموع
أنظُرهُما
أُترجم الواقع , و أنتظر النِّهاية
زارني النُّـعاسُ في سَيَّارتهم , فـسعيتُ جاهِدةً أمنعه هذهِ المرَّة
لكِنَّهُ غَـلَـبَني , و غيـَّــبَـنـي الرُّقـاد !
فـــــآآآهٍ يـا حــــياتي
كُــلُّ كَـوْنِيَ خــائــنْ
عـجـوزي لـم تُـودِّع
و بيْــتـي بـاتَ نـائـم
و أرضي لــم تُـدافِع
و تـمـنعُـني الـشَّـتائم
و نـوْمي صارَ لِـصَّاً
لأحـلامـي العـزائــم
***
تركَني النومُ و أيقظني النُّور في مكانٍ بعيد
فتحتُ عيني فإذا أناْ بين رجُليــنِ آخريْنِ تنبضُ قلوبهم بالخيرِ و الإشفاق
جلستُ خائفةً بينهـما ألـتفِـتُ يمنةً و يسرة !
أبكي
أتساءل
و لكن مَـن يفهمِ السُّـؤال ؟!
كانا يُـطمـئناني و يُتمـتِـمانِ بـلُغةٍ أجهلها
شعرتُ بالرَّاحة قليلاً و لكننـي متوتِّـرة من الحال , لا أفهمُ ما يحدث حولي !
أريــــــــــــــــــد الجواب , أريـــــــــــــــد الجوااااب
حمـلَني أحدُهُما بكُـلِّ رحمةٍ و شفقة و أنا محدقة عيني في فمِه
أحاوِلُ أنْ أترجم ما ينطقهُ مِن كلِمات
و لكن محاولتي باءت بالفشلِ و الخسران
لم أفهم إلاَّ البَـسَـمات , فهيَ تعني لي حُـبَّاً و حناناً و أمانْ
لكنني لم أبادلهُ تلكَ اللُّغة , بل كانت ملامحي جامدة
يكسوها تعـجُّبٌ عريض , و سُؤالٌ مريض عجز مَن رآني أن يحلَّهُ أو يهديني للعلاج !
مشى بي يتبعُــنا الآخر
إلى أنْ وصلنا إلى بابٍ مُـغلق فـوضعني على الأرضِ بجانبه , و طرقَ الباب
فــفتـحَتِ الباب أنثى و كلَّـمته جاعلةً منَ البابِ حِجاب
دعاني إلى الدُّخول
فــنظرتُ البابَ مُتعـجِّـبة ! و إذا بـيدها مِن خلفهِ تُناديني
نظرتُ ثانيةً إلى صاحبي فـابتسمَ يدعوني إلى الدخول
فــالتفتُّ إلى يدها تدفعني الدعوة , و يردّني التَّـردُّد !
تقدَّمتُ بخطواتٍ باردة صَوبَ يدها
و حينما دخلتُ رفَعتُ رأسي أنظر إليها بعيْـنـيْـنِ أرهقهُما الحُزن , و أضناهما التفكير
نظرتُـها .. و يا جَمالَ ما نظرْتْ !
فتاةٌ لم تبلغ العشرين عاما , خلقها ربُّنا خلقاً حسناً , و أنبتها نباتاً حسَنا
و جمَّلها بـابتسامةٍ فيها شِفاءٌ للناس , و راحةٌ و أمان لكلِّ الحائرين !
استقبلتني بـــبشاشةٍ و حماس .. يشعُّ نور وجهِها في وجهي
فـتحتْ ذراعيْـها و ضمَّــتني إلى صدرها
و هِيَ تهتفُ مُتهلِّلة : ( أمل .. أمــل ) !
أعجزُ عن وصف ذلكَ اللقاء
و أعجز عن وصف شعوري تلكَ اللحظات
لستُ أذكر ما حَصَل بالتحديد
لكن الأكيد .. أني كنتُ سعيــــدة بها جدَّاً , و دبَّ في روحيَ حُبّها
نظرتُها و أناْ بينَ يديها
و لا أفهمُ سوى الشُّعور المَكتوب على صفحة وجهها الجميل
أقرأ فيهِ حُبّها العميق لي , و شوقها الحارّ لي , و صدق شعورها تِجاهي
لا أعرفُ مَن هي ؟ و لمَ تحبّني كُلّ هذا الحُبّ ؟!
حملَتني و ركضتْ بي إلى نِسوةٍ كُـنَّ جالِسات
فـأقـبَـلَـت عليهِنَّ و هِيَ تُردِّدُ بـصوتٍ عالٍ : ( أمــل .. أمــــــــــــــــــــل )
فـأقـبَــلْـنَ إليـنـا مُسرِعـاتٍ يَتـسـابقـنَ على السَّلام عليّ فـكنتُ أتـنـقَّـل بين أيديهنّ
يعرِفـنـني , و أجهلهُـنّ
يُـكلِّـمـنـني , و أنا صامِتة
سَـقَـطَـتْ صاحبتي على الأرض مِن الفرحِ داعيةٍ تبكي , فــتـحَـلَّـقـنَ حولَها يُسلِّمنَ عليها
يا عائشة الحمدُ لله .. الحمدُ لله
فـحَـمَـلْـنَــني إليها تُقبِّـلني و تحـتضنني و تُحدِّثني تسبق دموعها الحروف
و أنا لا زِلتُ في صمتي , تتكاثرُ في رأسي التَّساؤلاتُ و الـتَّــعـجُّـبات !
لم أجرأ على التَّـحـمُّـل أكثر
انفجرتُ بينهنَّ خائفةً أبكي
أريـــدُ الأمـان .. و لا أدري ما الأمــــان ؟!!
يا فَـرَج .. أيُّـها الـمّـفـقودُ أقبِل
فـالأماني الغائباتْ أرهَقتْ قلباً مُكبَّـل
و همومي مُثقلاتْ
سوفَ تمضي حينَ تُـقـبِـل
يا ملاذي .. يا أماني , لا تغِب أرجوكَ عـجِّـل
***
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:14 PM
***
أخذتـني عائشة لـحجرةٍ لها , تُكفكِفُ دموعي و دموعها
و تمسحُ على رأسي و تناديني بلُطف : ( أمل .. أمـــل ) !
نظرتُـها بــعيْـنيَّ البريـئـتَـيْـن , فـــابتـسَـمَـتْ
و سُـبحانَ مَن يُضاعِف الجمال في وجهها إذا ابـتَـسَـمَـتْ !
شعرتُ بـارتِياحٍ بعدَ نظرتي لها , ثمَّ انفجرتُ ثانيةً أبكي
و ارتمـيْــتُ بــحضنها
فـــضمَّــتني بقـوَّة , و ضـمَّـيْــتها
فـاطمأننتُ بحنانها حينَ ضمَّتني , و أنِسـتُ بــصوْتها و هيَ تُردِّد : ( أمل ) "
يـــــــــــــــــــــــااااااه
مــا أجمل تلكَ اللَّــحظات و الله !
رغم خوفي الشديد و حيرتني , و جهلي لكلِّ ما يحصل
إلاَّ أنَّ ضـمَّـةٌ في حِجر عائشة أنستني كلّ ألم
و كأنـّـي لم أذُق في حياتي غصَّة حُزنٍ قطّ .
ما أروعَ عائشة !
كانتْ أهلي يومَ لا أهل لي
و وطني بعد الصَّحراءِ و الخيمة
و أمنــي يومَ أنْ غابَ الأمــان .
عِشتُ معها في غُرفتها تُطعِمُني ألذّ و أشهى الطَّعام , و تكسوني أفخر الثياب
و أزاحَتْ عنّـي غُبار الأميَّـة حينَ علَّمتني بــفِـطنةٍ و ذكاءْ
فــأنا أمل
و هِيَ عائشة
و ربّي اللهُ في السَّـماء
و رسولي مُحمَّد ـ صلَّى الله عليهِ و سلَّم ـ
و ديني الإسلام
أحفظُ مِن القرآن الكريمِ قِصار السُّوَر , و أطمحُ للمَزيد
بدَأتُ أكتبُ بعض الحروف و أقرأ قِراءةً بدائـيَّـة
و لديَّ طموحٌ بأنْ أقرأ و أكتب مثل عائشة , فلا بُدَّ أن يكون عندي أملٌ كـــ" اسمي"
فالأملُ كما علَّمتني عائشة هُوَ ( أنْ أكون مُتفائلة طموحة فالصَّعب سهل
و المُستحيل مُمكِن , و كل عقبة ـ بحول الله و قوَّته ـ تتحوَّل إلى دافع )
***
كبُـرتُ و بلغتُ العاشِرَة مِن عمري
تغذّى عقلي بـعلمٍ كثيـر , و خيْـرٍ وفيــر
فِــقْــتُ أصحابي في الجمعيَّة حين توكَّلتُ على ربي , و ساعدتني عائشة
و لم أستحقِر نفسي بينـهم
فــحتَّى لو كانَ تَـعرُّفـي على الحياة مُتأخِّـر , إلاَّ أنني " إنسانٌ " مِثلهم
لا ينقصني شيءٌ عنهم , فكما أنني يتيمة فـهُم مثلي أيتام .. نعيشُ معاً في الدار
و اليُـتمُ ليسَ بـعيبٍ أبدا
فـرسولنا ـ صلَّى الله عليه و سلَّم ـ يتيم , و عائشة ـ مُربِّـيَـتي ـ يتيمةٌ أيضاً
أبداً لا ينقصني شيء و لا زِلتُ في بداية الطَّريق و سأحقٌّق ما وعدتهُ عائشة ـ بإذن الله ـ
و بينما أنا أتأمَّـل كُلَّ هذا التغـيُّـر الذي طرأ لحياتي
و أتفكُّر في كيفَ كُنتُ ؟ و كيفَ صِـرت ؟
زارني في خيالي مَشهدُ ذبحِ العجوز .. فــتذكّرتها ! و تذكَّرتُ حياتي تِلك
فــسبحتُ في بحر الخيال أتذكَّـرُ السنين الرَّاحِــلة ..
يا عائشة أينَ كنتُ و أين كُنتِ قبل أنْ نكون معاً هُنا في الـدَّار ؟
أريدُ الجواب .. فهلاَّ أجبـتِــني ؟
صغيرتي أمل و هل مِن خيرٍ ســتجنـينَ إذا أجبتُ على السُّؤال ؟!
بعضُ المَـستـور أفضل مِن أنْ نُـزيل عنهُ السِّـتار , و بعضُ الخفايا يا أمل إنْ تُـبدَ لنا تسؤنا
جوابي لنْ يزيد في عُمُركِ و تقدُّمك , و تفكيرنا في الماضي يا حبيبتي ســيُعرقل المَسير
تفـحَّـصي أمانيكِ يا صغيرتي و جِدِّي إليها السَـيْـر .
و لكِن يا عائشة أليسَ مِن حقّي أن أعرف أهلي و موْطِني ؟
مَن أمي ؟ و مَن أبي ؟ و أينَ هُمُ اليوم ؟
أليسَ جوابُـكِ ســيزيدُ مِن عِلمي و معرِفتي لِـنفسي ؟
أرجوكِ يا عائشة أجيبيني .. أين هُم عني ؟ و لماذا تركوني عِندَكُم في الدَّار ؟
لماذا أنا لستُ كباقي الأطفالِ بأهلٍ و وَطَنْ , و مالٍ و سَكَــنْ ؟
كبرتُ يا عائشة و اغـتـنـيتُ بفضلِ ربّي إلاَّ تساؤلاتي فقيرة , و اللهُ يجزي المُتصدِّقين
فؤادي مُتعطِّشٌ للجواب , فهلاَّ سـقـيـتـيـه ؟
صدِّقيني يا صغيرتي ما كُنتُ فاعلةً ما يسوؤكِ قط , و لا مانِعتُكِ مِن ما يُرضيك
طمْـئـني القلبَ يا قلبي , و قرِّي عيـنـا فـــلَسْـتِ بــغريبة
أنتِ في وطنكِ و أناْ بعضُ أهلك
و لن يُضيُّعنا الله فـليُنصرَنَّنا و لو بعد حين
يا أمــل
أبوكِ عبد الله رجلٌ طيِّـب يُحبُّه النَّاس و يُقدِّرونه
كم داوى مِن مريض , و خفَّـف مِن جراح .
و أمُّكِ هناءْ سَيِّدةٌ عظيمة مِن خيرة النساء
محبوبةٌ ثريَّـة , جميلةٌ غـنـيَّــة .
و إخوتُكِ صالحٌ , و أيمنَ , و جَـنـَّـة
ذُريَّةً صالحة كانوا لوالِديْكِ عَوْناً و سَـنداً في الدينِ و الدُّنيا و العُسرِ و اليُسر
أمّـا مكانُهُمُ الآن
فــجميعهُم ـ بإذنِ الله ـ في الجنَّة يـتـنـعَّـمـونَ بينَ حورِها و أنهارِها
فــقد ماتوا يا أمل
أجسادُهُم في التُّـراب , و أرواحُهُم في علمِ الله .
لا أستطيع أنْ أصف لكُم ما دَبَّ في جسدي و أناْ أسمعُ مِنْ عائشة الجواب
لم أُصدِّق أنني كـغيري لي أمُّ و أبٌ و إخوة !
و كأنَّ كلمتها : ( مـاتـوا ) صاعقة على قلبي
صرختُ في وجهها أبكي
لااااااا و لماذا لم أعلم عن هذا ؟
أينَ أنا عنهم يوم وفاتهم ؟ و لِمَ لمْ أمُتْ معهم و نرحل سويَّاً إلى الجنَّة ؟
مَسَكتْـني بـيدي و قالت :
( يا أمل استغفري اللهَ ثمَّ توبي إليه , كيفَ لِــفتاةٍ مثـلُـكِ أنْ تتمنَّى المَوت ؟!
هل تُدرِكين قدر ما سـيفقدهُ الدَّار لو لم تكوني فيه ؟
يا أمل .. كوني صابرةً قويَّـة , إيَّـاكِ و الجَزَع فإنَّهُ خُلُقُ الضُّعَفاء
هذا قضاءُ اللهِ يا صغيرتي و ما لنا مِن محيص
ثِقي بأنَّ اللهَ يُريدُ لكِ الخير و لن يُضيَّعكِ
لكن أثبـتي لنا بأنَّـكِ مؤمنةُ قويَّـة )
لمْ أنسى كلماتُها هذه
فـقد كانت ترنُّ في قلبي قبل أذني
كانتْ توصيني بالصَّـبرِ و الثَّبات , تَلمعُ عيناها حُبَّاً و شفقةً عليّ
كُنتُ أُبصِرُ خلفها كثيرُ كلمات و كثيرُ أسرار
جوابها لم يكُن شفاء لِـداء تعـجُّـبـاتي , بل فضولي زاد , و تساؤلي تكاثرَ و ازداد
صَــمَــتُّ حينها و حديثٌ في داخلي ذا ضجيج !
شكرتُها ثمّ ذهبتُ إلى سريري لأنام حيثُ كُنَّا في مُنتصف اللَّيل
جَـلَـسَـتْ في مكانِها برهةً ثمّ ذهَبَتْ لـسريرها
كنتُ أُراقبها مِن طرفِ الغطاء , أمسحُ دموعي و أحبس البُكاء
و أتصارع مع جيش التَّـفكير المُزعِـج
بدأتُ أتخيّل شكل أبي " عبد الله " يرتدي وشاح الطبيب
أزوره في العيادة فـيترك المرضى لِـيُـقـبِّــلني فأناْ ابنته .
و أما أمي هناء فـامرأةٌ جميــــــــــــــــــــــــلة , تحبّني كثيراً أكثر من حُـبِّـها لإخوتي
تُعلِّـمـني , و تُسرِّح شعري , و تُغنّي لي بـصوتٍ عذبٍ تدعو ليَ الـرُّقاد .
أما إخوتي فــيُحبُّونني كثيراً و أحبُّهم , نتبادل الألعاب في البيتِ و الشَّارع
" جنَّة " تنامُ معي في غرفتي , و " صالح " و " أيمن " في الغرفة المُجاورة
بيتنا مِن أجمل البيوت
فيهِ حديقةٌ غنّـاءْ , مليئةٌ بالزُّهور الحمراءْ
تلعبُ بينها الفراشات , و تغنّـي فيها الطُّيور على جذعٍ في طرفِ الحديقة .
عِشتُ مع أهلي في خيالي تلك اللحظات , ثمَّ ما إنْ تَـثَـبـَّــتُّ أنّهُ خيال , و وُجودهُم قد زال
و أنّهُمُ الآنَ سويَّةً في الجنَّة يلعبونَ بـدوني في السَّهلِ و التِلال !
انفجرتُ على سريري أبكي
و يـــا طــووووووول صبري
يا أيُّـها الخيال
لا تَمضِ للزَّوال
أُريدهُمْ .. أُحبُّهُمْ
و خالِق الجِبال
لا تحرمَـنَّ قلبي .. مِن أهليَ و حُبِّي
سُكناهُــمُ في خاطِري
نِسيانُهُمْ مُحال
***
فـتحتُ عينيَّ و إذا بـعائشة جالسة معيَ على سريري تتأمَّلُ المَنظر
استغـشـيتُ غطائي و أجهشتُ بالبُكاءْ
رَفَـــعَـــتْ عنّي الغِطاء ترتجف عيناها بالدُّموع
أجلَـــسَــتْني و ضمَّـــتني
صرخْـتُ حينها أبكي و هِيَ تمسحُ على رأسي تُطمئنني و تطلبني الصَّبر
انتـابَـني شعورٌ غريب !
أُحسُّ بـخوفٍ شــديد و لا أعلمُ لِماذا ؟!
غفَيْــتُ في حِجرها بعد بُكاءٍ طويلٍ زارني و إيَّاها على سريري
نمتُ نومةً هانئة بعد راحة البُكاء خلا نوميَ مِن الأحلام و الرُّؤى ..
أذّنَ الفجــرُ في مدينتنا
أيقظـتــنـي عائشة فــاستيـقـظْـتُ مِن أوَّل ما نطَقَتْ اسمي
توضَّـأتُ بــالماء , و لَبستُ حِجابي , و استقبلتُ الكعبةَ المُشرَّفة
فـــنطَقَ فؤادي قبل فمي : ( اللهُ أكـــبـــر )
رتَّــلتُ الفاتحة و أتبعتُها بالضُّحى
بسم الله الرحمن الرحيم ( و الضُّحَى * و الليْلِ إذا سَجَى * ما وَدَّعكَ ربُّكَ و ما قلى * و للآخرة خيرٌ
لكَ مِنَ الأولى * و لسوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فـترضى * ألم يجدكَ يتيماً فآوى *
و وجدَكَ ضالاًّ فـهَدَى * و وجدَكَ عائلاً فـأغنى * فأمّا اليتيمَ فلا تقهَر * و أمّا
السائلَ فلا تنهر * و أمّ بـنعمةِ ربِّكَ فـحَدِّث )
كانتِ الآياتُ تدكُّ عروشَ قلبيَ دكَّـا , فــغدا خاشعاً مُتصدِّعاً مِن خشية الله
خَرَّيْـتُ على سُجَّادتي ساجِدَة
فــسَبَّــحـتُ ربي و نزَّهتهُ , ثمَّ دعوتُهُ بـقلبٍ خاشع , و يدٍ فقيرة
يا ربّ .. يا مَن على كُلِّ شيءٍ قدير
ربّي .. يا مَن لا يُعجزهُ شيء في الأرض و لا في السَّماء
يا ربّ إني أشكو إليكَ ضَعفي و خوفي و حيرتي
يا ربّ فـــقوِّني بك , فـلا حولَ و لا قُوَّةَ إلاّ بك
يا ربِّ بدِّل الخوفَ بأمان .. و الحيرة إلى استقرار
ربّي .. يا مَن يُجيب المُضطر إذا دعاهُ و يكشف السوء
قد مسَّني الضُّرّ يا ربّي و أنا أمةٌ ضعيفةٌ آمنتُ بكَ سُبحانك
و أنتَ الملك القويّ الرَّحيم
و لكَ الحمدُ على كُلّ نعمةٍ أنعمتَ بها عليّ
و صلِّ اللهم على محمدٍ و على آلهِ و سلِّم
إنّا لله و إنّا إليهِ راجعون .
***
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:19 PM
مَرَّتِ الشُّهور جَوْفَ السَّنوات
كَبُرتْ
و بلغتُ الخامِسة عشر مِن عمري
و لازالتْ تفاصيل حياتي غامضة !
زميلاتي و معلماتي تتصادم أخبارهم عنّي
أمّا عائشة فكلُّ يومٍ تكشف جُزءاً بسيطاً مِن السِّتار
فـــيزيدني تصرُّفها خوْفاً و حيرة
فــما تبَـطَّـأتْ إلاَّ لِــتُـهـوِّن الفاجعة عليّ , و ما جَزَّأتها صغاراً إلاّ لأنّها كبيرة !
فــفي كُلّ يومٍ يكبُر همِّي و خوفي .
مَرَّتِ الأيَّام و أنا أزدادُ عِلماً و تفوُّقاً في الدَّار
و في شهر شعبان مِن ذلك العام زار عائشة مَرَضاً يُسمُّونهُ ( الخبيث ) !
كانت عائشة في المُستشفى بـرِفقة إحدى المُعلِّمات في الدَّار
حيثُ لاحظتُ عليها منذ أيَّام أثر التعب و المرض مِن خمولٍ و كسلٍ و توجُّع .
تنوَّمَت عندهُم بضعة أيَّام , ثمَّ أخبرتني إحدى المعلِّمات بمرضها
لا أستطيعُ وصف ردَّة فعلي لكم حينما سمعتُ الخبر و لكني أقدِر أنْ أقول لكم
بأنّي فُجِعت و حزنتُ دونَ أيّ دمعة تنهمر علي خدّي .. و لا أعلمُ لماذا ؟!
طَلَـبْـتُهُمْ بأنْ أزورها فـوافقنَ لي
ذهبتُ في أحد الأيَّام مع مُعلِّمتي إلى المُستشفى حيثُ عائشة
وصلنا .. و في أرض فؤادي زِلزالٌ مِن سُرعة النَّبضات
كنتُ أمشي معها في مَمرَّاتِ المُستشفى و أنا أُصبّـرني على ما سأرى مِن منظر حبيبتي مريضةً
طريحة الفِراش , دخلنا غرفة التنويم حيثُ مكان عائشة
سَـبَـقتُ معلِّمتي إلى السَّرير و رأيتُ عائشة .. كانتْ في غاية التَّعب و الأرق
و لكن بشاشتها تُنبئ بالصِّـحة و العافية
أقبلتُ إليها أضمُّها
فــسلَّمتُ عليها و قبَّـلتُ رأسها
مَسَكتني بــيدي تسألني عنِ الحال ؟ فأجبتها بأني بعدها لستُ في خير
تمعَّـرَ وجهها غاضبةً من ردّي !
و ذكّرتني بـخيراتِ الله الكثيرة و أنّهُ مِن الخطأ أنْ أُنكِرها ..
استغفرتُ ربّي , و سألتُها عن حالها
فأثنَــت على الله و حمدته , و بشَّرتني بــتقلُّبها بينَ نِعَــمِـه
تعـجَّــبتُ مِن جوابها ! و شعرتُ بأنّي أنا المريضة
سألتُها عنْ مرضها الخبيث و ما سببه ؟!
فــتمعَّـرَ وجهها ثانية
ثمّ قالت : ( معاذ الله يا أمل ! ما كانَ ربُّنا لــيبتــلينا بالخُبثِ أبدا
مَرضي ليسَ بـخبيث , و ربّي لم يخلق شرّاً محض
هُوَ كأيّ مرضٍ يا صغيرتي و إنْ كان ألمهُ أعظم , و عِلاجهُ لا يعرفهُ البَشَر
فالّذي سمح بأن يـسكنـني السَّرطان قادِرٌ على إخراجه
ما أصابني يا أمل ابتلاءٌ مِن الله ؛ لِـيختبرني أأصبر أم أكون من المُتضجِّرين العجولين ؟!
فــزمِّـليني دعوات بأن أنجح في الاختبار فـالمُكافأة ليست بـهيِّنة يا أمل )
صمَتُّ و لم أستطِع أن أنطق حرفاً واحِدا !
كانت مُعلِّمتي تُحدِّثها و تُصبِّرها , و تنقل لها أخبار أهـلنا في الدَّار
و عائشة على سريرها الأبيض تُوزِّع البَسَمات بــنفسٍ راضيةٍ مُطمئنّـة
بــحقّ مــا أعظمَ عائشــة !
عدتُ و معلِّمتي حينما انتهى موعدُ الزِّيارة إلى الدَّار
كنتُ مُتأثِّـرة مما رأيتْ
أصارعُ تأثُّـري بــسلاحِ الصَّبر .. و لكنِّي عجـزتُ أنْ أكون كــعائشة !
دخلتُ غرفتنا فــسَقَطَتْ عيني على سريرها خالياً مِنها
جلستُ على سريري أتأمَّـل أمتعتها
فــهذا كِتابٌ ينتظرها تُـتِــمَّـه
و هذا قلمها يفقد لمستها الحانِيَة
و هذهِ سُجَّادتها تبكي الخاشعة القوَّامة
و هذهِ " أنا " أشكو الوِحدة و القلق .. و أحِنُّ لـحكايا الليل و دروس النَّهار
أبكي عــــائشة ..
يا غِـطاها .. يا وِسادة
لا تَــدُرُّنَّ الـــــدُّمــوع
ســــتـعـودُ الأُمُّ يــومـاً
ثــمَّ تـسـقـيـنـا الـحـنـان
انـهـضـي فــالـداءُ فيها
ساكِـنـاً بـيـنَ الـضُّـلـوع
فـــلـتـكـونـي بـعدا داها
أمُّــهــا الأمّ الــحَــنــون
و أنـــــا أمَـــةٌ فِــــداهـا
ألـتـقـيـهـا فـي خـضـوع
و هِـيَ الـمَـلِـكُ الـمُـفـدَّى
حُــكــمُــهُ بَـــرُّ الأمـــان
***
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:24 PM
***
مَرَّتِ الأيام تِلوَ الأيَّام
و المَرضُ ينتشرُ في جسد عائشة
كنتُ أحلمُ بـعودتها قريباً و أدعو لها في كُلِّ سجود
يا ربّ بارِك لنا في شعبان و بلِّغنا رمضان
و اشفِ عائشة فلا شفاء إلاّ شِفاؤك
يا ربّ إنّها أسعدتني فـأسعِدها .. و أكرمتني فـأكرِمها
و اشفِها و اشفِها و اشفِها يــــــااااااا ربّي أرجوك .
***
تباشَرَ المُسلِمونَ بحلول رمضان
كنتُ أبتسم مع زميلاتي و أخبئ حزني خلف ابتساماتي
لا أُصدِّق بأنْ أصوم رمضان بدونِ عائشة !
طلبتُ مِنْ معلِّمتي بأنْ أزور عائشة ؛ لأطمئنَّ عليها و أُبارك لها بالشَّهر
فــأخبرتني بأنّها لا تريد بأنْ ترُدُّ طلبي و لكنّ عائشة مُتعبة جدّاً و ممنوعة عنها الزِّيارات
و أنّـهُ بإذنِ الله إذا انتصفَ الشهر تكونُ قد تحسَّنت حالتها فـنزورها .
لم أتحمـَّــل مَنعها لي من زيارة عائشة و لا سيَّـما أن حالها كما تقول غير جيّد
بكيتُ أمامهنَّ و هنَّ يُـصـبِّـرنني
و لمْ أرعهُنَّ اهتماما
فــهـنَّ لا يعرِفــنَ ما معنى ( عائشة ) في نفسي !
و لا يَشعُرنَ بما أشعُـر ..
رجعتُ إلى غرفتي و رفضتُ العشاء
فــمَعدتي لا تشتهي الطَّـعام
أريدُ أنْ أنام و أغيب عنِ الدُّنيا ثمّ توقظني عائشة لأصلّيَ معها الفجر .
يا ربّ صبِّرني
يا ربِّ إنّكَ تعلمُ بأنِّي لم أعترِض على قضاؤكَ و قدرك
و لكنّــي أمَةٌ مِسكينة أحِبُّ عائشةَ حُبَّـاً عظيماً فيك
يا ربِّ فإنِّي حزينة .. يا ربِّ فأسعِدني بـشفائها
و ضاعِف لها الحسنات بـكُلِّ ألَمٍ يُصيبها
ربِّي إنَّكَ سُبحانكَ سميعُ الدُّعاء .
آآآه ما أثقلَ جسدي !
و ما أكبر همّي .. و ما أشدّ وحشتي
صدِّقيني يا أنا سَــــتعودُ عائــــشـة
سَــــتعودُ عائــــشـة ..
***
أتى اليومُ الخامِس عشر مِن رمضان
لم تتحـسَّـن حالُ عائشة
بل قال الطَّبيب بأنَّ المرض بلغَ رأسها , و أنَّ صحَّتها في تردٍّ مستمِرّ .
أصرَّيتُ على مُعلِّمتي بأنْ أزور عائشة و لو كانتْ جُثَّةً هامِدة
أريـــــد أنْ أراها و لا طاقةَ لي بالصَّبر
وافَقَتْ مُعلِّمَتي بعد مُحاولات .. فــصحِــبتُـها إلى المُستشفى
و حينما قَرُبنا مِن مقرِّ عائشة و شوقي يزيد
أحلمُ بــضمَّـةٍ مِنْ عائشة
أكادُ مِن فرحي أشُـقُّ الجدران إليها !
وَقَـفَــتْ مُعلِّمتي تتحدَّثُ مع الموظَّفاتِ تستأذِنُهُنَّ بالدُّخول
فأجابتها إحداهُنّ :
( عائشة ليْسَتْ موجودَةٌ هُنا , تعِبَتْ صباح اليوم تعباً شديداً
و هيَ الآن في العنايةِ المُركَّزة , و الزِّيارةُ ممنوعة إلاَّ لوالِدَيْها ) !
صرختُ بأعلى صوتي و انفجرَ مني البُّكاء
كذّبتها و أحسستُ بأنّهم يمنعوني منها
كانتْ مُعلِّمتي تُهدِّئني و إحدى المُمرِّضات .. و لم يُفِد معيَ شيء
فــلنْ يُهدِّئني غير رؤيتها
أخذنني حيث البوَّابة للخروج .. و كنتُ أصرخ أشيرُ إلى طريق غرفة عائشة
أخرجوني من المُستشفى , و وضعوني في السَّيَّارة
و أبعدوني عن عائشة
فـــحسبيَ اللهُ و نِعم الوَكيل .
***
عدتُ إلى الدَّار يَــسبـقني إليه صوت بُكائي
ركضتُ إلى غرفتي و أغلقتُ الباب و رميتُ جسدي على سرير عائشة
و أغرقتهُ بالدُّموع .
دَخَـلَـتْ عليَّ مُعلِّمتي تحاوِل تهدِئتي
و لكِن هيــــــهـــــــــــــات
ما دامَتْ عائشة بينَ أيدي الأطبَّاء يلاحقون المرضَ في جسدها و هُوَ سابقُهُمْ
فــالرَّاحةُ عنِّــي بعيد .
تُصبِّـرني مُعلِّمتي و لمْ ألتفِت إليْـها
دَعتني إلى الخروج للعشاء فــرفـضت
حاوَلَتْ بكلِّ ما تستطيع فــباءتِ المُحاولاتُ بالفشل .
قضيْتُ ليلةَ السَّادس عشر على سرير عائشة نسيتُ القيام مع المُسلِمين
نسيتُ حتَّى نفسي .. نسيتُ كُلَّ شيء إلاَّ " عائشة "
أُجفِّـفُ الدُّموع
أُرمِّم ما هَوَى مِن الصَّدمة و الحِرمان
أذّن الفجر فــصلَّـيتُ و صُمتُ بدون سحور .
و مَرَّتِ الأيَّام كــمرِّ السِّنين عندي
أعُدُّ السَّاعات بلِ الثَّواني
أخشى أنْ يحلَّ العيد و عائشة في مكانها تتوجَّـع
اشترتْ زميلاتي ثياب العيد
و اتَّفقنَ على برنامج العيد مِن مُسابقاتٍ و زِيارات ......
و أنا في غرفتي لا رغبة لي في مَلبسٍ و لا مأكل و مشرب
رغبتي و مَطلبي وحيد هُوَ أن تعود عائشة ..
حلَّتْ العشر , و انقضتْ ليلةُ القَدْر , و رحلَ رمضانُ بلياليه
و أتى العــيــد !
تضاعَفَ حُزني و اشتدَّ ألَمي يوم العيد
دخَلَتْ عليَّ مُعلِّمتي في غرفتنا تحمل ثوْباً جديداً لي هديةً منها
و طَلبتني بأنْ أخرج و أفرح معهنّ
و أخبرتني بأنَّ حالي لم يَسرُّهُنَّ , و أنْ لوْ علِمَتْ عائشة عنّي لَتضاعفَ مرضها أضعافاً كثيرة
لَبَّيتُ طّـلَـبَـهـا
و لَبستُ ثوبي الجديد على جسدٍ هدَّته الهموم
و خرجتُ معها إلى زميلاتي و معلِّماتي
فرِحنَ بي كثيراً
فـاحتفلنا بالـعيدِ , و حمدنا الله على أنْ بلَّغنا رمضان , و دعونا لأنفسنا بالخير
و خصَّـينا عائشة بالدعاء بأنْ يشفيها الله و يردّها لنا سالمةً مُتعافيَـة .
***
انتهى يومُ العيدِ الأوَّل
ثمّ الثاَّني
ثمّ الثَّالِث
و الرَّابــع و الخامِس
و في اليومِ السَّادس من شهر شوَّال نادتني إحدى المُعلِّمات في الدَّار إلى مكتبها
حيثُ عُرِفَت بـجمال الأسلوب و لين الجانب
اســتــغــربـتُ طــلَــبَــها !
كنتُ أظنُّ أنّها ســتُـناقشني في حالي و حُزني و عُزلتي
فــذهبتُ إليها أُرتِّب الكلمات في نفسي علِّي أقنعها بالجواب .
جلستُ عندها لوحدنا سلَّمَتْ عليّ و داعبتني , ثمّ سألتني :
مَن أفضلُ الخلقِ يا أمل ؟
أجبتها : نبيُّنا مُحمَّد ـ صلى الله عليه و سلَّم ـ
فـقال : أحسنتِ يا نبيهة , فـهل تظنين أنَّ الله يُحبه أم يُبغضه ؟
فـقُلت : حاشا لله ! بل يُحبّه و هُوَ أهلٌ أنْ يُحَبّ .
فـقالتْ مُبتـسِـمَة : ( باركَ اللهُ فيكِ يا حبيبتي
فـهل تعرفين يا أمل بأنَّهُ من أكثر الناس بلاءا ؟ لقد ابتلاهُ الله بأنواعٍ من المَصائب لأنهُ يُـحبّه
فالمُصيبة نعمةٌ عظيمة و خيرٌ كثير إن صبرنا و احتسبنا الأجر عند ربنا سبحانه .
المُصيبة يا أمل تُضاعف الأجر و للصابرين جزاءٌ لا يعلمهُ إلاَّ الله )
هَــززتُ رأسي بـــنعم , و قلتُ لها : أعلمُ ذلك يا سيِّدتي فـقد علَّـمـتـنـيهِ عائشة ـ شفاها الله ـ
ثمّ تبسَّمَتْ و قالت : ( ما أعظم أجرها عائشة ! و إنكِ لَــحسنةٌ مِن حسناتها
فـقـد ابتلاها الله في حياتها أنواع البلوى , و آخرها ما أصابها من المَرَض ..
أمل يا مؤمنة يا قويَّة أبشِّركِ قد أحسنَ اللهُ لِعائشة الخِتام فــقد ماتتِ البارحة و هِيَ تردِّد
آياتٍ مِن القرآن الكريم , ثمّ ختمَتْ حياتها بالشَّهادتين و هِيَ رافعة سبَّـابـتـها )
!
دَبَّ في جوفي رعبٌ شديد
فــاقتربتُ منها مِن شِدَّة الخوف و بكيتُ بُكاءاً لم أبكِهِ في حياتي
لا أريد أنْ أُصدِّق قولها .. يا ربِّ اجعلها كاذِبة أو مجنونة
يا ربِّ إنَّ عائشة حيَّة لأراها
يا ربّ يـــــااااااااا ربّ .
فـــــآآآآهٍ يــا عـذاباً
تـمـكَّـنَ مِـن حياتي
يُـفـتِّــتـها فـصارَتْ
رُفـاتـاً مـع شَـتـاتِ
فــلا أهـلٌ عـرفـتُ
و لا مـولـى لِـذاتي ..
وداعــاً يا عـظيمة
لكِ المَـكـنـونُ حنَّا
فـراقُـكِ أمُّ حُـزنـي
بعدتِ , رحلتِ عنّا
فـــعـوِّضها إلــهـي
بــرحْـماتٍ و جـنَّـة
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:27 PM
***
سمعَ كُلّ مَن في الدَّار بُكائي , و علموا بـعظيم حُزني
فــمَن يلومني ؟!
رغم الخوفِ و الحيرة و القلق يعـقبهُـنَّ موتُ الحبيبةِ و شمسُ الأمل
تحطَّمَتْ بعضُ أمنياتي
كنتُ أحلم أن أفوز بالدُّكتوراه بـامتياز تحضر حفلتي عائشة لأشكرها
و أخبرها بـأنَّـها السَّـبب بعد الله .
كنتُ أتمنّى أن أحضر يومَ زفافها و أراها بـفستانها الأبيض
لأُخبر زوجها بأنه قد أحسن الاختيار و الله
و أنَّهُ لو طاف الدُّنيا بأكملها لن يجد أفضل مِن عروسِه .
كنتُ أحلمُ بأنْ أرى أطفالها و أُقبّلهم و أعلّمهم كما علّمتني أمُّهـم
أريدُ أنْ أردَّ لها المَعروف
أريدُ أنْ أُسعدها بكُلِّ ما استطعتْ
أريـــــــــــــدُ و أريـــــــــــــــــــد ....
لكنّها مُستحيلة يا أمل فــقد "ماتت" عائشة
و ما أقسى هذهِ الجُملة على فؤادي , يكادُ مِنْ شدَّتها ينشقُّ و حُقّ له .
كنتُ في شهر وفاتها في أتعس حال
لم أحقِّق إنجازاً , و لم أزدد عِلماً و موهبة
بل كنتُ طريحة الفِراش تتناوب مُعلِّماتي على تمريضي و تعودني زميلاتي في الدَّار .
كانتْ معلمتي " سارة " تتردَّدُ عليَّ في غرفتي كثيراً
تـطمَئنّ عليّ , و تُـصبّرني , و تحاول أن تنسيني همومي بحكاياها و دُعابتها
كنتُ أبتسم , و لكن براكين حُزنٍ جـثَـت على صدري فـمنـعـتـنـي مِن صدق الابتسام .
رحَلَ شوَّال , و أتى ذو القعدة
تحسَّنتْ حالي بعض الشيء
انزعجَتْ معلِّمتي مِن وضعي و حزني , حيث لم تنفع فيّ كـلمـاتُـها المُصبِّرات
فـقالَت لي ذات يوم : ( يا أمل ما كنتُ مُتخيِّــلةً قط بأنْ فتاةً تربَّـتْ على يدِ عائشة
أنْ أُعلِّمها الصبرُ شهراً كامِلا ! فـعائشة سيِّدةُ الصَّبرِ و الإيمان )
!
دَكَّـتْ كلماتُها عروشَ قلبي
فــجَـلَــستُ على سريري و قلتُ لها :
( و ما أظنُّ مَن تربَّتْ على يدِ عائشة أنْ تصبر على موتها بعد غياب
فلا عيب حينئذٍ على الحزنِ لفراقها )
خرَجَتْ مِن عندي و ما زال أثرُ كلماتها باقٍ في نفسي , أُقلِّب ما قالتْ في عقلي
فــأيقنتُ بأنَّ الواجب أنْ أكون أكـثـرُهنَّ تأسيَّـاً بــمُربِّيتي
فــعلى عِظم ما أصابها مِن البلاء كانت مِثالاً في الصبر و الرِّضا
فلأصبرنّ على فِراقها و لو تراكمتِ الأحزان .
***
حاولتُ أنْ أُودِّع الحزن و الكدر
أخبرتُ مُعلِّمتي بـرغـبتي في العودة كما كُنتْ
فــحيَّـتني على عزمي , و شجَّـعتني جزاها الله خير الجزاء .
عدتُ مع زميلاتي نطلب العِلم و نتسابق على المَعرِفة
مَرَّتِ الأيَّامُ صعبة و ثقيلة
و كلَّما واجهَتني المَصاعِب تحدَّيتها بالصَّبر , و حوَّلتها إلى دوافع تشحذ همَّتي و التَّحدّي
فُزتُ على كثيرٍ منها و لله الحمد .
انتهى العام مختلفاً عن إخوانه مِن الأعوام السابقة , كان مختلفاً جدّاً
أستطيعُ أنْ أقول بأنّي حقّقتُ فيه إنجازاً كبيراً , و فوزاً عظيما
حيثُ تفوَّقتُ في الشُّهور الأخيرة و حصلتُ على شهاداتٍ كثيرات
بدونِ مُساعداتٍ مِن عائشة و كلماتٍ تحـفـيـزيَّـةٍ تشحن بها همَّتي .
يا عائشة نِـلْـتُ المُراد
رَبِـحـتُ كـأسَ الأمـنيَة
ثَبتتْ خُطايَ إلى المُنى
و لمْ تـزِل في الـهـاويَة
يا عـائشـة نِـلْـتُ المُراد
و وجَدتُ نفسي راضيَة
هـذا حـصـادُكِ قـد رَبَى
ثـمَـرُ الـنـخـيـلِ الـعـاليَة
ذهَبَ العَنا , رحلَ الحَزَن
فــــــأرضُ هـمِّـيَ خـالـيَة
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:32 PM
***
وُلِدَ مع العام الجديد نجاحاتٍ لي
كنتُ نشيطةً في الدَّار لا تُفارقُ البسمة ثغري
أُحاكي عائشة في كُلّ حركاتها و سَكناتها , أتـقـمَّـص شِخصـيَّـتـها
كنتُ عائشة أخرى إلاَّ أنني لمْ أمُتْ
فــهذا يعني أنَّ أبواب الفُرَص أمامي مفتوحة
و الطَّريق أمامي مَـبسوط
فــــاستغلَّيتُ ما رزقنيَ اللهُ مِنْ أيَّامٍ و عافيَة
مَعلوماتي لا تُحصى عددا , غرفتي مليئةٌ بالكُتب لِعظماء الأمَّة
قلبي شَغوفٌ لِـقراءتها , و صدري لِحفظها في أتمّ تجهُّـزٍ و استعداد .
تتابَعَتِ الشهور
و جاء يومُ تخرُّجي مِن المرحلة الثَّانويَّة
لبِستُ و زميلاتي ثياب التخرُّج , و جلسنا في الصَّالة الكُبرى في الدَّار ؛ استعداداً للحفل
بدأ الحفلُ بأفضل ترتيب .. زفونا و هنئونا كأجمل ما يكون
وَقَـفَــتْ مُشرفتنا على المَسرح أمامنا , و مَسكَتِ اللاَّقط لِتُعلِن النَّتائج
و كانتِ المُفاجأة بأنّي الأولى على الدُّفعة !
تسابقنَ إليَّ زميلاتي يُسلِّمنَ و يُبارِكْن , ثمّ جاءتني المُعلِّمات تسبق دموعهنَّ الحُروف .
حقيقة لم أستغـرب الخبر , و لم يكُن بعيداً عن توقُّعي
فعلاً أرى أنني أستحقُّ ذلك فـقد كنتُ مُجتهِدة و مُثابرة
لأملأ عقلي , و أشغل وقتي , و أصل لأحلامي ـ بإذنِ اللهِ و عونه ـ
و كلّها في صحائف الحسنات إنْ قبل اللهُ نِـــيَّـتي .
نادتني المُشرِفة على المَسرح و هنّأتني أمامهنّ , ثمّ طلبتني أنْ أُخبرهُنَّ عن طريقتي
في الاستذكار , و سِرّ التفوُّق ..
مسكْتُ اللاَّقـطَ بـيميني و ابتسَمْتُ في وجوهِهِنَّ و قلت :
( بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ أوَّلاً و أخيرا , فلا خير إلاَّ خيره و لا فضل إلاَّ فضله
فـلوْلاهُ لما أسلمْنا و لما عبدناه و لما تقلَّبنا يبنَ نِعَمِه الظَّاهرة و الباطِنة
و لولاهُ لما وَقفتُ أمامكنَّ اليوم و قد نِلتُ التَّفوُّقَ في طلب العِلم
فأسالهُ سُبحانه أنْ يرفعني و إيَّاكُنَّ عندهُ درجات إنّهُ على كُلِّ شيءٍ قدير
و أمَّا ما سألْتُــنَّـنـي عنهُ مِنْ طريق التَّـفوُّق و سِرُّ النَّجاح
فــهُوَ سَهلٌ للغاية و إنْ كانَ اليوم مُستحيل , و لمْ أظفر به بالاختيار , بل كانَ صًدفةً أمامي
و هُوَ مِن اختيار ربِّي لي , فلهُ الحمدُ و لهُ الشُّكر
فــ جهلٌ كامِل سبعَ سِنين و تعلُّـمٌ على يدِ عائشة سبعَ سنين
يُثمِر عقلٌ ذكيّ و إرادةٌ قويَّة و تحمُّلٌ عجيب !
و الصَّلاةُ السَّلام على الحبيب المُصطفى و آلِه )
ثمّ سلَّمتها اللَّاقط و ذهبتُ إلى مَكاني , كانتْ تحيَّــتُــهُــم لي دموعٌ أمطرْنَهَا على الخُدود
جاءتني مُعلِّمتي " سارة " قبل أنْ أصل إلى مكاني فــضمَّـتـني تبكي فــقـبَّــلْـتُـها
و كانتْ تهمسُ في أذني : ( نِعمَ الطَّـريق .. نِعمَ الطَّريق )
***
و مَرَّتِ الأيَّـام تحمِلُ في جُعبتها كثيرٌ مِن فرَح
قضيتُ في الـدَّار أيَّاماً سعيدة , أحببتُ أخواتي و أمَّهاتي فيها حُبَّاً كثيرا
عكـفتُ بعدَ الثَّانويَّة على حِفظُ القرآنِ الكريمِ لَفظاً و معنى
حيثُ تعجَّـبتُ مِنْ نورِهِ و إعجازِه !
فــازداد حُبي لهُ و ضاعفتُ وِردي مِنه في كُلِّ يوم
كانَ جليسي و أنيسي
أعَانني على طردِ ما بقيَ مِنْ آثار همومي الرَّاحِلة ..
قَوِيَ إيماني , و ازدانتْ حياتي , و ازدادَ حُبيّ لـربّي و كِتابه
فـكانتْ ساعة مِن حياتي بلا كلامِ الله حِرمانٌ و حِرمان !
***
بَلَغتُ العِشرين
طُـلِــبَ مِنّي التعليم بدل التَّـعلُّم في الدَّار
فــرفضتُ الطَّلَب لأنّي أجزم بأنني لمْ أبلغ في سُلَّم العِلم و لا ربعه
لكنني لم أستحقر ما جَمعتهُ مِن مَعلوماتٍ في شتَّى أبواب العلوم
فــخشيتُ أنْ أُكتب ممن يكتمونَ العِلم
فــوافقتُ و طلبْـتُــهُم أنْ أُعلّم الصِّـغار القراءة و الكِتابة , و أدرِّسهم ما تعلّمتُ مِن القرآن الكريم
و بعض دروس العقيدة .
مَرَّ شهرينِ على حَلَقتي في الدَّارِ معَ الصِّغار
كانَ حماسي لِتعليم طُلاَّبي و طالباتي كُلَّ يومٍ في ازدياد
أحببــتُــهم كثيراً و أحبُّـوني
فــنِعم ما اجتمعنا عليهِ و الله .
***
و في ذلك العام في فصل الشتاء مِن يوم الخميس
نادتني مشرفة الدار .. سلَّمَتْ عليَّ و سألَتني عنْ حالي و أخبار حلقتي
أجبتُها بأنّي في خير و لله الحمد
و الحلقةُ عندي حديقة زرعتُ فيها أجمل الزهور .
حمَدَتِ الله ثمّ قالت :
( أستاذة / أمل , اتصل بي البارحة قاضي المَحكمة يُريدكِ في بعض القضايا
كانتْ تأتيهم مِن أجلها عائشة ــ رحمها الله ــ فـمَتى تُريدينَ أنْ تذهبين إليهم ؟ )
وقفَ على رأسي تعجُّبٌ طويل !
قلت : و أيُّ قضايا ؟
قالتْ : لا أعلمُ التفاصيل لعلَّهم يُخبرونكِ هم يا عزيزتي .
سَكَتُّ بُرهة ثمّ قلتُ لها : في أيّ وقتٍ تشائينَ يا سيّدتي .
ابتَسَمَتْ و قالت : إذاً غداً بعد صلاة الجُمُعة تذهبين و الأستاذة " سارة " إليهم ـ بإذن الله
فقط هذا ما أردتُ منكِ , وفقكِ الله و سدَّد خُطاكِ .
شكَرتُها و دعوتُ لها ثمّ رجعتُ إلى صِغاري
كنتُ بينهم و يسألوني عن بعض الدروس و أنا أعجز عن التركيز مِن تفكيري !
قمتُ مِن عندهم إلى غرفتي , و اضطجعتُ على سريري أفكّر
تُرى ما القضيَّة التي كانت تُناقشهم فيها عائشة ؟ و ما شأني فيها ؟!
سيطر عليَّ التفكير حتى أنّني بكيتُ بدون سبب
تأمَّلتُ حالي فــتذكَّـرتني سابقاً , و أيقنتُ أنَّ حُزني و دموعي لا تُسمِن و لا تُغني من جوع
كم ضيَّعت لي مِن لذّة ؟ و لم تهدني و لا فائدة !
نهضتُ جالسةً على سريري
و وعدتُ نفسيَ أنْ أكون عائشة .. ســأناقشهم غداً بكلّ صبرٍ و حِكمة
و ســأنتصرُ لعائشة
قمتُ و غسلتُ أثر الدمع مِن وجهي , و تبسَّمتُ لوجهي في المِرآة
و وعدتني بــخير .
نامَ النَّاسُ ليلة الجمعة
و كانت ليلتي تِلك تهجُّدٌ و قيام و تِلاوة القُرآن , بدأتُها بـسورة التغابن
أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ *
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) دعوتُ الله أن يدلّني لقول الحقّ و يرشدني للصَّواب .
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:38 PM
***
أذَن الفجر بعد ليلةٍ من أجمل الليالي
صلّيتُ لله ثمّ استغفرته و سبّــحته , و ذهبتُ لطُلاَّبي في الحلقة
فــعلَّمتهم مما علّمني الله .. أتعجَّبُ مِن ذكائهم و أتلذّذ بـتحبيرهم للقرآن .
حانَ موعدُ صلاة الجُمُعة
ذهبتُ إلى غرفتي و صلَّيتُ الظهر , و قرأتُ بعض آي القرآن
ثمّ خرجتُ إلى مُعلِّمتي " سارة " فإذا بها تنتظرني للـذهاب إلى المَحكمة
وصلنا إلى المَحكمة , و دخلنا على القاضي
كانَ جالِساً في مكتبه كـهيئة ملك , و حولهُ رجال
دبَّ في داخلي الخجل مِن هـيـبة المَكان
جلستُ و معلِّمتي أمامهم مُحجَّــباتٍ لا يظهر مِن أجسادنا شيء .
سلَّمَ علينا , ثمّ ناداني : أمل
فأجبتهُ بــصوتٍ مُنخفض : " نعم "
فـقال :
مرحباً بكِ , نريدُكِ يا فاضِلة أنْ تُكمِلين معنا بعض الأوراق إذا أنّنا بدأناها مع عائشة ـ رحمها الله ـ
و كنّا نطلُبها أنْ تحضركِ معها لكنّها كانتْ ترفض ؛ حِفاظاً على مشاعرك
و كانتْ تتمنّى أن تُنهي القضيَّة و لكنّها رحَلَتْ
فاليوم نحتاجُكِ و بإذنِ اللهِ أنّكِ قادرة , و ظنّنا فيكم حَسَن .
هززتُ رأسيَ بــنعَمٍ على خجل !
ثم قال لي : كما تعلمينَ أنَّ سبب وجودكِ في الدَّار هُوَ يُتمكِ و موتُ أهلك
إذ لم يبقَ منهم سوى عائشة ابنةُ خالتك ـ رحمها الله ـ
القضيَّـةُ يا أمل أنّهُ قبل دخولكِ الدُّنيا كانتْ هناكَ خصومةٌ بينَ رجُلينِ مِن ذوي رحِمك مع أهلك
نزغَ الشيطان بينهم , و سكنَ الحسَد جسد هذينِ الرَّجُـليـن
حيثُ كانا يحسدانِ أبويكِ على ما آتاهُما الله مِن فضلِه
بقـيَـتِ الشحناء بينهم سنوات
كانا والديْكِ صالِحَيْنِ كُلَّما حاولا الصُّلح و العفو شبَّ الرَّجُـلينِ نارُ الفتنة
و وَقودهما رجزُ الشيطان
ردَّهُما أهـلُهُما و لكِن دونَ جَدوى
و بعد ولادتُكِ بأشهرٍ قلائل كَـبُـرَتِ الخصومة و اشتدَّ النِّزاع
حاوَلَتْ خالتكم ـ أمُّ عائشة ـ أنْ تُصلِح , و لكن طاعة الشيطان و عدم التعقُّل عند الغضب
حالَ بينهما و بينَ الصُّلح
فأحرقا منزلكم بالنَّار و كنتم في جوفِه أموات , و بعد تـفـقُّـدِ الجُـثث عُثِر عليها جميعاً
إلاَّ أنتِ و خالتك .
و قد سكَنَتْ عائشة الدَّار ؛ لـفقدها والدتها و يُتمها
و بعدها بــسبعة أعوام ثمّ القبض عليْهِما حيثُ وجدناكِ طِفلة معهما
فألحقناكِ بـعائشة في الدَّار و قد سُرَّت بكِ كثيراً .
أمّا خالتك فلا زِلنا في البحث عنها إذ أنَّ المُجرِمَيْنِ يزعمانِ أنَّهُما لا يعرِفانِ عنها شيئاً .
فكيفَ كانتْ حياتُكِ معهما في سنواتُكِ الأولى يا أمل ؟
! عَدَّلتُ مِن جلْستي بعدَ أنْ دبَّ في داخلي شيءٌ عجيبٌ لا أعرفه ! و قلت :
و اللهِ ما عِشتُ مع رجُلين قط , و لا أعرِفُ الرِّجال
مُقدِّمة حياتي كانت مع الصحراء و الخيمة , و عجوزٍ غامضة لا أعرفُ عنها شيئاً
إلاَّ أنَّ عهدي بها يومَ جاءنا اثنين غريبين فـفجَّرا مِنْ رقبتها الدِّماء
و جَثُّــوا عليها منَ التُراب , و أبعدوني عنها , و لا أعلمُ إنْ كانت حيَّةً أم ميِّتة !
ثمّ سكَتُّ !
بكَتْ معلِّمتي سارة بجانبي , و حوقلَ كلُّ مَن في القاعة
و سكتَ الشيخُ برهةً ثمّ رفعَ رأسهُ إليَّ و قال :
و هل لو رأيـتـيـهـِما تعرفينهما ؟
!
تحيَّرتُ في الجواب و قلتُ مُتردِّدَة : رُبَّما
فالتفتَ إلى أحدهم و قال له : نادِهِما يا أحمد .
فأتى بِهِما و رأيتُهما !
رأيتهما قد هدَّتهُما الذُنوب , و غشيهما حُزناً أشدّ من حزني
نظرتُهما و كأني أنظر عجوزي تموتُ بين سكّينتهما .
نظرتُهما و كأنّي أرى أهلي يحترقونَ وسط نيرانهما .
نظرتُهما و كأنّي بعائشة تموتُ بعدَ أنْ ربى العذاب فيها مِن ظُلمِهِما .
نظرتُهُما و كأنّي أراني طِفلةً بريئة أبكي في سيَّارتهِما .
نظرتُهُما و أيَّامٌ في ذاكرتي تسري .
لم أتحمَّل النظر فيهِما
أخفضتُ رأسي و أغضضتُ طرفي , و أنا أسمعُ معلِّمتي تشهقُ بالبُكاء
و هِيَ تُردِّد : حسبي الله و نعم الوكيل , حسبي الله و نعم الوكيل
و لم أنطق و لا بـحرف .
سألني الشيخ : هُم يا أمل ؟
فأجبتهُ بـصوتٍ مُنخفض : نعم .
ثمّ أمرهما بالخروجِ و كأنَّ روحي خرجتْ مع خروجهما !
ثمّ رتّبَ الشيخُ أوراقهُ و قال :
إذاً يا أمل ســنبحثُ عن جُثّة خالتك و بإذن الله ســنجدها , و ســتعيشين مع أهلُكِ في الدَّار
أمّا هؤلاء فــســـأدعُ لكِ يوماً كامِلاً تُقرّرينَ الحُكم فبما أنّكِ صاحبة الحقّ
فلكِ الحكمُ و الأمر إمّا القصاصُ و إمّـا العفو .
قاطَعَــتهُ معلِّمتي قائلة : بلِ القصاصُ تعذيباً , كيفَ العفو ! و قد قتَّلوا و يتَّموا و عذّبوا ...... ؟!
فــتـبسَّـمَ الشيخُ مِن قولها و قال :
ترَيَّــثـي يا سيِّـدة الحكم لأمل , مَنَــعَـتـنا عائشة مِن قصاصِهِما سنين
و غداً بعد صلاة الظُّهر تحكمُ أمل بما تريد و علينا التنفيذ ـ بإذن الله ـ .
خرجنا مِن عندهم
أجرُّ همومي مع جسدي إلى الدَّار
كانتْ معلِّمتي مُمسِكة بي بـيمينها , و يسارها على وجهها تمسحُ الدُّموع
أمّا أنا فــفي عالم التفكير بعيداً عنها
أُترجُم الماضي , و أُفسِّر الأحداث
ما أقبح صنيعهما و الله !
أيّ فائدةٍ ربَحَا ؟ و أيّ مُستقبلٍ حقّقا ؟
ما جرَّ الحسدُ إلاّ المَرض , و ما سَحـبَـتِ العجلةُ إلاّ الندامة , و ما أورثتِ الذّنوب إلاّ ظلاما .
فـيا لَغبائهما و الله !
يــا هُمومي أخبريهِم .. فـتـَّــتوا كبدي حُطامـا
يـتَّــمـوني بـعدَ أهلي .. جَـرَّدونـي مِـنْ أمَـانـي
أخبرِيـهِم يا هُـمومي .. مــا تـوَاصَـــوْهُ حراما
مــا يَـجُــرُّ الذَّنبُ إلاَّ .. ظُـلـمَـةٌ طـولَ الـزَّمانِ
ما تَجُـرَّنَّ الـمعاصي .. غـيــر ذُلٍّ و نــدامَـــة
فـجزائي بعد صبري .. مِنْ إلــهــي في الجِنانِ
عندَ ربِّي , عندَ أهلي .. بـعــدَ حَـشْـرٍ و قِـيـامَة
دلال الشبلان
02/12/2011, 11:42 PM
***
جلستُ في غرفتي و أنا في حيرةٍ من أمري !
كيفَ آخذ لأهلي و لنفسي الحق ؟!
تعذيبهما عِقابٌ يستحقّانِه , و موْتهما حياة .
استعذتُ باللهِ مِن الشيطانِ الرَّجيم , و قرأتُ أذكاري و نمتْ
فــزارتني في الرُّقادِ عائشة جالسة في روضٍ أخضر , مكرَّمةً مُنعَّمَة
و هيَ تهمسُ لي :
( أثمرَ العفو حسنات , أثمرَ العفو جنّات )
نهضتُ جالسةً مِن نومي !و كأنّي غضبتُ حينما علِمتُ أنها رؤيا , لكنّني فهمتُ حينها قصد عائشة
فــتوضَّأتُ و صلَّيتُ الليل , و دعيتُ لأهلي بالرَّحمة و لي بالثَّبات
تفكَّرتُ في أمري !
موتُهما لن يُعيد لي أهلي , و لن يمحو بُكائي و حزني في صِغَري
موتهما ســيُكدّر ذويهم و لو كانا مُذنِبَـيْـن
ما العفوُ إلاّ أمرٌ يسير يدرُّ خيراً كثيراً في الدُّنيا و الآخِرة
مَــدَحَ اللهُ العفوَ يا أهلي فــلأفـعـلَّــنَّ الحَـميد
برٌّ بــرحِمي يا أهلي لأعفُــوَنَّ عن ابنيـهِـما و إسعادا .
أبعِــدِ السَـيْـفَ يا شيخ , و أعتِقهُما لــوجهِ الله فــلهما أهلٌ و أحباب
و احبسْــهُــمَـا حولينِ كامِلينِ جزاءاً وِفاقا .
فــليـتـضاعف نــوري , و يربو سروري
فــقد وصَّـتـنــي الزُّجاجة .
و مِــشــكاةٌ يا حياتي
تــمَّــت ...
عبد العزيز الجرّاح
04/12/2011, 09:21 AM
دلال ،
عندما قرأتك هناك، أدركت أن روايتك هذه تستحق أن نقرأها
في الوقت والمكان المناسبين ، وأجواء العمل لا تساعد على
ذلك.
سأقرأها قريبًا ، فقط بعد أن أفرغ من بعض الأمور العالقة
إن شاء الله.
شكرًا لكِ وأهلًا بك دائمًا في المطر فأنتِ إضافة جميلة لنا ..
تحاياي
إيمان بنت عبد الله
05/12/2011, 09:41 PM
جميل يا دلال
أحسنتِ السرد ، و لعلكِ تتطلعين على هذا المجال بتوسع
فلديك الموهبة .
/
إيمَان
مريم جمعة عبد الله
07/12/2011, 05:38 PM
( وما أبدع وهج المشكاة )
أسجل إعجابي بما اقتطفته سريعا
حتما سأعود لقراءتها كاملة - إن شاء الله -
.
أسعدك الله
vBulletin® v3.8.8 Beta 1, Copyright ©2000-2024, Jelsoft Enterprises Ltd.