علي الدهامي
05/08/2007, 10:31 PM
يخطئ من يعتقد أن الكاتب نبي ، وأن ما يكتبه بمثابة كتاب مقدس, و آيات محكمات .. فالكاتب يجب أن يعي أن الهدف مما يكتب ليس إعطاء دروس لحوارية ومريديه الذين ثنوا الركب بانتظار ما يتلوه.. و كأني أتخيل سقراط في حواري المدينة يمشي وتلامذته من حوله .. يتلقفون ما يقول ذلك الفيلسوف الفج .. أو كأني أنظر إلى أفلاطون وقد جمع الأفضل في حديقته ( المدرسة ) يعلمهم بالمشاهدة.
إن الشعر و الأدب لا ينبغي أن يحمل أكثر من طاقته , فما هو إلا محاورة لأعماق النفس البشرية و سبر أغوارها و اجترارا للذكريات و تصويرا للأحاسيس. و قد أدرك هذا بودلير في معرض رسالته لإدغار آلان بو " يتصور كثير من الناس أن غاية الشعر هو تعليمنا درسا ، أو تقوية ضمائرنا أو صقل أخلاقنا أو كشف مايفيدنا ( ... ) ، لاغاية للشعر سوى أن ندخل الى اعماقنا و نحاور رواحنا و نستعيد ذكريات انفعالاتنا .. "
على أن الشعر و الأدب كوسئل للتعبير ، يجب أن تنضبط حتى في استخراج قمة انفعالاتها، فالنفس البشرية يعن لها ما يعن من نزوات و وساوس فهل يجب أن نضرب صفحا عنها و نواري سوءاتنا الانفعالية بورق التوت ، أو ربما بورق أكبر حجما .. أم نقدمها بشكلها ( النيئ ) للاخرين ؟! هذا السؤال تمحورت حوله المدارس الأدبية المؤدلجة بالثقافة و الجذور.. فهل من ينادي بالمثالية و يحاول كبح جماح انفعالاته بالورق الابيض المصقول هو في واقع الأمر يتصنع مايكتبه ، ويتكلف الأدب بحسب بودليير؟ ثم ماذا عن الأطراف الأخرى ؟
ان هناك ثلة من المثقفين .. يرون أن الاغداق في وصف الانفعالات النفسية و التحلق بلاسماء ولاحدود ، يجب أن لايخرج من عقل الكاتب الى الورق.. و أن أمانة القلم تقتضي عدم الاجتراء على الثقافة الجمعية و ضرورة لزوم التطابق الاجتماعي. بل و يرون أن ذلك المثقف من فئة النخبة ( الذين لانعلم حقيقةً من انتخبهم ؟! ) ..و الذي سبق مجتمعه بسنوات ضوئية ، عليه أن يراجع نفسه فهو هنا يقود الآخرين ليسقط في نفس الفخ الذي حذّر منه بودلير ..ليصبح أنموذجا يحتذى ، وقدوة للأدباء الآخرين في مسألة التعبير الانفعالي وطرقه ، بل ان الأمر قد يتعدى ذلك ليصبح هذا الأديب أو المثقف معزولا باختياره في إطار من الأسوار الشائكة .. تشرنق حولها حتى صار من الصعب عليه أن يخرج منها. و من ثم لا مجال للتراجع أو الإطار الذي ألزم نفسه فيه !!
لا شك أن الجنس إحدى الغرائز البيولوجية القوية، و قد ساد زمن طالب فيه الكثير من المثقفين بإخراج المرأة من عصر الحريم ، و نادوا بضرورة تحرر النساء و وقوفها جنبا الى جنب مع الرجل ، فكيف سيتحرر مجتمع نصفه في السجن؟ بل و جاء من يزايد على هؤلاء لينادي بإخراج النساء بأي ثمن ، حتى لو كان الثمن فقد العفة .. فالشرف ليس في السراويل !!بل و كثرت عند هؤلاء الصور و التعابير الجنسية الغريزية ، فنرى شاعرا مثل نزار يصور لنا السحاق بأنه احدى طموحات المرأة و طقوس عالمها و حاول أن يبرر لمثل هذاالشذوذ الاجتماعي بقوله :
نحن امرأتان لنا قمم ..
و لنا أنواء و رياح ..
أشذوذا أختاه إذا ما .. .... لثم التفاح ..التفاح ؟!
فإذا كانت المرأتين تمارسان نزوتهما سرا .. فعلام يتطرق نزار الى وصف هذا الفعل و الانبراء الى وصفه و تبريره كمحام بلاقضية ؟ و علام يشق طريقا وعرة لمن خلفه في عملية تصوير الانفعالات بابداع متصنع ؟!
إن هذا المشهد و غيره مما وقع فيه نزار صيرّه أسيرا للمرأة .. فاذا كان يعتقد أنه أخرج المرأة من ( الحريم ) فانه بالتأكيد صار عبدا لجسدها ..!!
بل ان الثورة على الجمود و الرجعية ( كما وصفها البعض ) أدت ببعض المثقفين إلى تدنيس كل القيم القديمة و الثقافية .. و لم يسع مثل هؤلاء للبحث خلف جوهرها و أصلها .. بل انه في إطار اللهاث خلف التجديد ، قاموا برفع صفة القداسة عما هو غير مقدس (في نظرهم) .. متوهمين أن هذا من الحرية الفكرية .. التي كما قال عنها فولتير .. أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلته ، و لكنني سأدافع عن حقك في الكلام و حرية التعبير عن أفكارك حتى الموت!!
على أن فولتير الذي قال تلك الكلمة الخالدة .. قد قال أيضا " اننا نستطيع تثقيف الناس و اصلاحهم بالخطاب و القلم " !!
جاءت ليلى بعلبكي ، و غادة السمان ، و رواية الحي اللاتيني لسهيل ادريس وغيرها .. من الروايات الموغلة في الجنس .. لتكون ضمن أول طلائع الخروج .. و قفز الحواجز الإيديولوجية الاجتماعية !! على أن هذا التصرف الشاذ من أدباء لهم قيمتهم ( لابفضل مايكتبون بل بفضل ما يمتلكون من أدوات أدبية ) .. لم يجد كثير صدى لدى العامة من الناس التي كانت جائعة للخبز أكثر من جوعها للجنس و الطرح الفكري المغلف بغلالات غرف النوم !! فأصبح المثقف في حالة فصام اجتماعي بسبب الايديلوجيا الذي يتبناها و هو غير مقتنع بها ـ ربما.
و أصبح هناك خلط بين الشعر و الادب و التنظير و الثقافة و الفلسفة بما يشعرنا بأننا قد وقعنا فعلا في حالة من الفصام الجمعي ، و الهروب شبه الجماعي للمثقفين العرب . و أصبح الخطاب الثقافي أو الأدب موجها للنخبة عوضا عن أن يكون موجها للشارع ، و أدى تصادم الفرقاء في الأيدلوجيات إلى صراع حضارات أنجب من ضمن ما انجب الشذوذ الفكري (العقيم ) بشقيه المتزمت و المنحل ، و لم تكن لغة الكتابة أو الثقافة معبرة عما يجول بالنفس البشرية, بقدر ما هي محاولة لإقصاء الآخر و (تناطح ) فكري هو في حقيقته أبعد ما يكون عن هموم المجتمع ..بل تأذت منه حتى الأقلام و الأوراق ..
ان ما نحتاجه هو صيغة توفيقية بين هؤلاء المثقفين .. فالتطوير و التجديد مطلب ملح للنخبة , و الالتزام مطلب ملح للعامة و الانسياق خلف الحضارة الغربية سعيا للتجديد ، ينبغي أن يكون في نسق تفاعلي ، لا أن نكون محض متلقين سلبيين لثقافة تصغرنا بآلاف السنين !!
إن الشعر و الأدب لا ينبغي أن يحمل أكثر من طاقته , فما هو إلا محاورة لأعماق النفس البشرية و سبر أغوارها و اجترارا للذكريات و تصويرا للأحاسيس. و قد أدرك هذا بودلير في معرض رسالته لإدغار آلان بو " يتصور كثير من الناس أن غاية الشعر هو تعليمنا درسا ، أو تقوية ضمائرنا أو صقل أخلاقنا أو كشف مايفيدنا ( ... ) ، لاغاية للشعر سوى أن ندخل الى اعماقنا و نحاور رواحنا و نستعيد ذكريات انفعالاتنا .. "
على أن الشعر و الأدب كوسئل للتعبير ، يجب أن تنضبط حتى في استخراج قمة انفعالاتها، فالنفس البشرية يعن لها ما يعن من نزوات و وساوس فهل يجب أن نضرب صفحا عنها و نواري سوءاتنا الانفعالية بورق التوت ، أو ربما بورق أكبر حجما .. أم نقدمها بشكلها ( النيئ ) للاخرين ؟! هذا السؤال تمحورت حوله المدارس الأدبية المؤدلجة بالثقافة و الجذور.. فهل من ينادي بالمثالية و يحاول كبح جماح انفعالاته بالورق الابيض المصقول هو في واقع الأمر يتصنع مايكتبه ، ويتكلف الأدب بحسب بودليير؟ ثم ماذا عن الأطراف الأخرى ؟
ان هناك ثلة من المثقفين .. يرون أن الاغداق في وصف الانفعالات النفسية و التحلق بلاسماء ولاحدود ، يجب أن لايخرج من عقل الكاتب الى الورق.. و أن أمانة القلم تقتضي عدم الاجتراء على الثقافة الجمعية و ضرورة لزوم التطابق الاجتماعي. بل و يرون أن ذلك المثقف من فئة النخبة ( الذين لانعلم حقيقةً من انتخبهم ؟! ) ..و الذي سبق مجتمعه بسنوات ضوئية ، عليه أن يراجع نفسه فهو هنا يقود الآخرين ليسقط في نفس الفخ الذي حذّر منه بودلير ..ليصبح أنموذجا يحتذى ، وقدوة للأدباء الآخرين في مسألة التعبير الانفعالي وطرقه ، بل ان الأمر قد يتعدى ذلك ليصبح هذا الأديب أو المثقف معزولا باختياره في إطار من الأسوار الشائكة .. تشرنق حولها حتى صار من الصعب عليه أن يخرج منها. و من ثم لا مجال للتراجع أو الإطار الذي ألزم نفسه فيه !!
لا شك أن الجنس إحدى الغرائز البيولوجية القوية، و قد ساد زمن طالب فيه الكثير من المثقفين بإخراج المرأة من عصر الحريم ، و نادوا بضرورة تحرر النساء و وقوفها جنبا الى جنب مع الرجل ، فكيف سيتحرر مجتمع نصفه في السجن؟ بل و جاء من يزايد على هؤلاء لينادي بإخراج النساء بأي ثمن ، حتى لو كان الثمن فقد العفة .. فالشرف ليس في السراويل !!بل و كثرت عند هؤلاء الصور و التعابير الجنسية الغريزية ، فنرى شاعرا مثل نزار يصور لنا السحاق بأنه احدى طموحات المرأة و طقوس عالمها و حاول أن يبرر لمثل هذاالشذوذ الاجتماعي بقوله :
نحن امرأتان لنا قمم ..
و لنا أنواء و رياح ..
أشذوذا أختاه إذا ما .. .... لثم التفاح ..التفاح ؟!
فإذا كانت المرأتين تمارسان نزوتهما سرا .. فعلام يتطرق نزار الى وصف هذا الفعل و الانبراء الى وصفه و تبريره كمحام بلاقضية ؟ و علام يشق طريقا وعرة لمن خلفه في عملية تصوير الانفعالات بابداع متصنع ؟!
إن هذا المشهد و غيره مما وقع فيه نزار صيرّه أسيرا للمرأة .. فاذا كان يعتقد أنه أخرج المرأة من ( الحريم ) فانه بالتأكيد صار عبدا لجسدها ..!!
بل ان الثورة على الجمود و الرجعية ( كما وصفها البعض ) أدت ببعض المثقفين إلى تدنيس كل القيم القديمة و الثقافية .. و لم يسع مثل هؤلاء للبحث خلف جوهرها و أصلها .. بل انه في إطار اللهاث خلف التجديد ، قاموا برفع صفة القداسة عما هو غير مقدس (في نظرهم) .. متوهمين أن هذا من الحرية الفكرية .. التي كما قال عنها فولتير .. أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلته ، و لكنني سأدافع عن حقك في الكلام و حرية التعبير عن أفكارك حتى الموت!!
على أن فولتير الذي قال تلك الكلمة الخالدة .. قد قال أيضا " اننا نستطيع تثقيف الناس و اصلاحهم بالخطاب و القلم " !!
جاءت ليلى بعلبكي ، و غادة السمان ، و رواية الحي اللاتيني لسهيل ادريس وغيرها .. من الروايات الموغلة في الجنس .. لتكون ضمن أول طلائع الخروج .. و قفز الحواجز الإيديولوجية الاجتماعية !! على أن هذا التصرف الشاذ من أدباء لهم قيمتهم ( لابفضل مايكتبون بل بفضل ما يمتلكون من أدوات أدبية ) .. لم يجد كثير صدى لدى العامة من الناس التي كانت جائعة للخبز أكثر من جوعها للجنس و الطرح الفكري المغلف بغلالات غرف النوم !! فأصبح المثقف في حالة فصام اجتماعي بسبب الايديلوجيا الذي يتبناها و هو غير مقتنع بها ـ ربما.
و أصبح هناك خلط بين الشعر و الادب و التنظير و الثقافة و الفلسفة بما يشعرنا بأننا قد وقعنا فعلا في حالة من الفصام الجمعي ، و الهروب شبه الجماعي للمثقفين العرب . و أصبح الخطاب الثقافي أو الأدب موجها للنخبة عوضا عن أن يكون موجها للشارع ، و أدى تصادم الفرقاء في الأيدلوجيات إلى صراع حضارات أنجب من ضمن ما انجب الشذوذ الفكري (العقيم ) بشقيه المتزمت و المنحل ، و لم تكن لغة الكتابة أو الثقافة معبرة عما يجول بالنفس البشرية, بقدر ما هي محاولة لإقصاء الآخر و (تناطح ) فكري هو في حقيقته أبعد ما يكون عن هموم المجتمع ..بل تأذت منه حتى الأقلام و الأوراق ..
ان ما نحتاجه هو صيغة توفيقية بين هؤلاء المثقفين .. فالتطوير و التجديد مطلب ملح للنخبة , و الالتزام مطلب ملح للعامة و الانسياق خلف الحضارة الغربية سعيا للتجديد ، ينبغي أن يكون في نسق تفاعلي ، لا أن نكون محض متلقين سلبيين لثقافة تصغرنا بآلاف السنين !!