المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعويذة السابعة


أحمد بدر
11/04/2008, 01:46 AM
التعويذة السابعة










تتراعد الــــــــسماء
ركامها أسود كالقار
يتفجر صواعقا تزمجر كالغضب المجنون
تدوِّي..
وتحيط بما تبقـَّى مـِن آثار مدينة بـابـل الــقديمة
إنها الحياة
تقتحم زنزانة هاروت...






اكتسح زفيره صمت المكان, فانجرفت معه كثبان عتمة محملة بروائح الذكريات القديمة, ومن عبر منخريه الرائعين – نفث آخر ما تراكم بجوف رئتيه الباردتين من أغبرة السنين الطوال, فتطايرت أشلاء أنسجة عناكب متهتِّكة تتدلى من حوله,
ومن بعد مئات السنين.. أولُ نظرة له - تثقف الكوَّة اليتيمة لزنزانته الناقعة برطوبة التاريخ وعتمة الخطايا وشوَّاظ العصيان, فاغرورقت مساحاتها الذابلة بسيل نور عرم - هجم مكتسحا قعريهما عنوة - فلم تـُجدِ إغماضة لجفنيه سريعة دفعا للضيا, إذ بدأت تدَبّ بجسده رعشة الحياة - وانتفضت لها جميع مفاصله المتحجرة – لتسلخ عنه جلدة المومياء - فهو مرتعد من هامه حتى أخمص قدميه,
ما استوعب الحدث بعد..
هزّ رأسه بحركة سريعة يمينا ويسارا - تناثر لها شعره المسترسل الطويل - ومن على مساحات كتفيه الشاسعة – تدلّت الخصلات حتى غطت فناءات زنديه العظيمين المكبلين بسلاسل جبارة - جعلت منه وكرسيه الذي يثقله بجسد كالطود كيانا واحدا,
حاول أن يتأكد من حقيقة أنه يعيش واقعا ملموسا وليس وهما لسوف ينجلي بعد هنيّة وقت, راح يتطلع بمكانه الكئيب - وبدأ يجوب بأرجائه المقفرة النظرات – وكأنه طفل وديع صامت لا يتفوه سوى بدهشة انتشرت ومحيـّاه السمح الوسيم,
شهق برأسه صوب ذلك السقف الملطخ بألوان الحريق - وآثار العذاب.. وروائح القطران تعج من داخل كهوف زواياه المظلمة,
كان يرتجي ما يرتجي يبصره – يبحث بين الأرجاء عن كنه وطن يحن لأماكنه التي عاشها من قبل – فلم يرَ غير سقف يكاد أن يهوي على هام رأسه لما صنع به الزمن الطويل من تشققات زحفت وكل مساحاته المنحصرة وذلك البناء الكئيب, أشاح بعينيه نحو اليسار - فهو يتلمس بهما ويتوكأ عليهما ويستنهض بقايا قوة داخله..
تسمـَّر وهو يمعن النظر بظهر كتفه - إذ رأى أثرًا امتد وطول تلك المساحة - والذي بدا وكأنه برئ على عيب فاستحال لثعبان يلتحف جلده الرقيق الناعم الملمس, فزع من هول ما رأى - حيث استدار بسرعة البرق ليقتطف نظرة أخرى من كتفه الأيمن - فأبصر نفس ذالك الأثر الذي رأى واليسار,
شقّ - أقدم من القدم نفسه, أثر لأصول جناحين كانا هنا, اجتثـَّا منه عنوة قبل آلاف السنين. ما الذي حدث..!!؟؟
عاد فأغمض جفنيه.. وهنا: بدأ يسمع حفيفا ليس كما تفعل أغصان الشجر ولكنه صوت معهود ليس بغريب على مَلـَك تفتحت عيناه حيث لا انحصار للأمكنة.. و لا تحكم للقوانين
إنها السماء – موطنه – وما تلك الأصوات سوى لغة أجنحة بني جنسه - إخوانه الذين فارقهم على حين غرة, وراحت تتزاحم تلك الأصوات وتتعالى قربه رويدا فرويدا وهو على نفس وجومه يحاول التقاط أفكاره واستجماع ذاكرته المتهرية,
بدأ يسترجع ماضيه الأزلي – ويقلب بين ثناياه التي بدت كهشيم ضباب منقشع - تارك خلفه ألف شبح وعلامة حيرة, وراح يستجمع رفات ذلك الماضي البعيد - يلملمه بأصابع ذاكرة مكدودة – تتفلت من بين قبضتيها الصور فيحاول التقاطها بهدوء مفتعل,
لم يبتدئ حياته الجديدة بصرخة بكاء كما هو المتعاهد, بل تمخض عن ابتسامة عريضة تشقق لها ثغره الجاف الظامئ – تلتها صرخة دوّت وكل أرجاء تلك المدينة العريقة
(شكرا لك يا الله) وخر ساجدا بعدما خرت عنه سلاسله الجبارة وتناثرت حلقاتها بأرجاء ذلك المكان الكئيب .

يتبع متى ما شاء الله...




Thorn field