09-01-22 ، الخميس ..
.. .. كانَ اليومُ لِينتَهي بِراحَة ، لو أنَّ أُمي لم ترفَع سمَّاعة الهاتِف ، وَ تُنادي سابِعَ جارَةٍ في الشَّارعِ الطَّوِيل .. كانَ اليَومُ لِينتَهي بأمانٍ على رُوحي ، لو أنَّ إحداهُنَّ لم تُذكِّرني ب"فبراير الوَشِيك ، وَ ملامحي التي تضِيعُ فيه .. كانَ اليَومُ لِينتَهي بِصمتيَ الذي أعتادْ .. لوْ أنَّ صرخَةً لم تفزَع مني عندَ اقترابِ الحرِيق .. كانَ اليَومُ لِيمُوت ، لو أنِّي لم أستَيقِظ في أوَّلِه ، لوْ أنِّي سقطتُ البارِحة منَ السُّلمِ الطوِيل .. كانَ اليَومُ لِيبكِيْ ، لوْ أنَّ ابتِسامتكَ لم تأتِ عمداً ، لوْ أنَّ رُوحي لم تُمسِكهَا باهتِمام . |
،
.. .. تِلكَ كانَت حِكايةٌ طَوِيلة .. أنْ ينسَدِلَ غِيابُكَ في ليلَةٍ مبتُورَةِ الأطرَاف .. ، أنْ يتمدَّدَ جزَعيْ ، وَ أفزَع إلى الغَيمَةِ القريبَة ، فَينكسِرَ ماؤُها بينَ أصابِعي ، وَ لا أُمسِكُ شيئاً . أنْ تَحيَا في أعينِهم كلَّ وقتٍ ، وَ يُلبِسُني كلُّ وقتٍ مواتَكَ ، حِكايَة تُلخِّصُ رحِلَة الأعوامٍ ، حِينَ تُقرِّرُ أن تُقصِيكَ عُمراً ، تتبيَّنُ فيهِ إرادَتي ، وَ مُكثُ الشَّوقِ في أغطِيتِيْ ! ثمَّ تعودُ بكَ سافِرَ النَّوايَا ، مزهُوَّ الجنَاحْ .. وَ تستردُّ نَهارِيْ ، وَ ساعاتِ الليلِ .. وَ أذانَ الفجرِ ، وَ أطيارَ كلِّ صباحٍ غنَّيتُكَ فيهِ .. على لحنٍِ قديمٍ في حُجرَةٍ ضوْؤهَا ضَئيلْ ، غنَّيتُكَ فيهِ مُهاجِراً ، وَ آفِلاً .. وَ صوَّرتُكَ سماءً لا تُتيحُ مُتعةَ التحلِيقِ لساكِنيها .. وَ غُمَّـةً من أمدِها صدَّقتُ أنَّها لن تنكشِفْ ! أُعانِقُ الصُّدفَة التي جاءَت بِك ، و أُرسِلُ إشارَةُ لِتَوقي : إذ نبدُ وكأنّا على ضِفافِ أمسٍ التقَينَا .. بِصفاقَةٍ اعتدتّها – هذهِ الحكايَة إذاً ، لا تبدُ طوِيلَة !! - لكنَّها كانَت كذلك فِعلاً .. وَ كُنت من طُولِها أتحيَّنُ سؤالاً يُباغِتُ استرسَالَ الأعوامِ فَيُربِكُها . وَ ها أنَا ، أجمعُ الاستِفهامَ في ذاكرَةٍ لا تستعرِضُ الأشيَاءَ إلا بعدَ انتِهاءِ صلاحيَّتِها وَ نفادِ جدوَاها ، كما تفعلُ اليَوم إذ تحتفِي معكَ بالصُّورِ التي بذرَها ماضٍ قدِيم ، وَ ترجُو منكَ في غدٍ أنْ تحصِدَها .. قُل لِغَيمَاتِيْ ألا تُبالِغَ في فرحِها ، فأنا أخشَى على المطرِ ألا يتوقّفْ ، ثمَّ : مالذي يُبكيني بعدَ إذْ ؟!! |
نهار الثلاثاء ..
.. .. تتفلَّتُ الأوقَاتُ من مَدفَنِها .. تجرِي ، وَ أنا لا أتبعُها ، لا أبذلُ جُهداً في الأسفِ عليها . لكنِّي سأفعَلُ بعدَ يومَينْ ، وَ قد أبكِيْ ، لأنَّ الإخفاقَ قَريب ، وَ لأنَّ " الثالثة ثابتة " كما يقُولُ أخِيْ ! وَ لأنَّ السُّور ترفُضُ أن تتَناقصَ ولوْ يسِيراًً .. ياربّ : أجرِ توفيقَكَ نهراً ، حتى قبلَ أنْ ينتَهِيَ التَّعبَ ـانْ .. |
في ليلٍ مُتأخِّر .
.. .. ماذَا يعنِي أن أبدُو حَزِينة ، وَ مُستاءَة .. !! وفي نفسِ الوَقت يبدُو حُزني مكرُوراً ، سَمِجاً ، لا يتعدَّى حُزنُ فتاةٍ على صَباحِها الذِي انتهَى بهَا إلى الشَّمس .. وكوبِ قهوتِها المكسُور : ( ماذَا يعنِي أنْ يتمَاسَّ يأسِيْ معَ القُدرَة التي تهبِطُ كثيراً .. ! لم يعُد يعنِي شيئاً .. وفي عُرفِ الأصدِقاءِ : صارَ يعني سأماً إلى سأمِهم ، وَ حُزناً على حُزنِهم .. يالله .. انخفضتُ إلى إشارَة السَّالب في وقتٍ قصيرٍ ، وَ لم أشعُر .. لمْ أشعُر إلا بِدمعةٍ وَحِيدة أضنَاها الصدّ ، تقُولُ للحائطِ الأحمرِ الذي أحفظُ زخارِفهُ وَ نتوءاتهُ جيِّداً .. : أنَا مكبُوتة ، ويرتدُّ صدَاها إليَّ ، فأفزَع : أفرِغني يالله .. كلُّ الذي كانَ يَعِدُ نفسهُ بي ، إنْ انَا أدركتُ وَ وصَلت .. ، الآن هُو رَمادٌ بِـقِيعَة .. لا ينتَظِرُ منيّْ أن أُحاذِيَ بينَ الطَّرِيقَينِ لأرَى أيُّهما بِي يصِلْ !! .. |
،
.. .. خُذني معَك .. خُذ ما لديَّ ، ومَا إليَّ ، وَ ما فقدتُ من الحيَاةِ لعلَّني أسترجِعَك .. ! * |
لا معنى للنهايَة هُنا ،
.. .. هل قُدِّرَ على ِليلِ "الجُمعةِ" أن يبقَى حزِيناً ، وَ باهِتاً في مسافاتِ الوصلِ المُتقطِّعةِ بيننا .. ؟ هل تداعَت حُمَّى الليلِ على أبنائه .. ؟ أم راقَ للعتابِ ضعفُ صوتِي ، فَتعالى !! أنا حتى لا أعلَم ، حِين تمضِي مركبَة الوقتِ ، لم عليهَا أن تنسَى أحدنَا في جادّة الطِّرِيق .. ! لم علَيها حِين تحمل الآخر ، أن لا تدعهُ يمضي لجمعِ أشيائه التي تناثَرت بفعلِ سُرعتِها ، وتوهانِنا .. ؟ المُؤسِف أنِّها كلما وَاتتني فُرصَة ، حملَت معها الاستِفهام بشكلٍ عرضيٍّ ألِيم ، أستنكِرُ على الأحداثِ لآمتَها .. وعلى الأصدِقاءِ موَاقِيتهم ، وَ على نفسِي كلَّ شيءٍ يسِيرُ بإرادتِها ! مُري الحيَاة بأن تتلطَّفَ قليلاً بحضرتِي ، بعدها يُمكنكِ إيجاد طريقَة مُناسبَة للرضَى ، والحيَاة معاً . |
خيبَـة ؛
.. .. أخشَى أن أقُول أنَ وُجودك وعدمه ، ما عاد يُشكِّلُ فرقاً .. أنَا التي كُنت أُقدِّم للنهايَة سعياً حثِيثاً .. أنا التي سَيُؤلِمُني مراحُ الأصدِقاءِ .. وَ التفاتاتِهم التي سَتغدُو ذِكرى تُعلَّق في قُبَّعاتِهم ، وَ تسألُهم العودَة .. وتتوسَّلهم الحنِين .. ليسَ لأنَّهم أصدِقاء ، هُم ما عادُوا كذلك ، هُم فقط صَدقُوا الطموحَ في الوقتِ المُنصرِم ، و لم أفعَل أنا .. اعتقَدتُ أنَّ الوقت سيختلِف معك .. اعتقدت أنَّ بضعة شُهور سَتكون كافِيَة لأن أجرِيَ حافِية القدَمين .. اعتقدتُ أنَّك ستقصّ حَيرتي ، بكلِمة وحِيدة رنَّانة ، أعرِفُها ، وأضبطُ الوقت على مجِيئِها .. ما أكثرَ الذي اعتقدته .. وما أكثرَ ما كانَ إيماني بالأشياءِ فاسِداً .. فبراير ، ألم يُطلَّ عليكَ بِأحلامِ المنامَات ؟ ألم يُعد عليكَ ما قِيل حِينَ نظنُّ أن الأربع لن تُكمل دَورتها .. ؟ دائماً كُنت أؤمِن .. أنتَ الذي كُنتَ تظنَّ ، أنَّ الأربَع سَتنقسِم ، سيأكلُ نِصفها رُوتين الحَياة .. أنتَ الذي أعددتَ لكلِّ أمرٍ نهايتَه .. كانَ القلب أوَّل شيءٍ انتهى .. تلاهُ اللّيل ، والمطَر ، ثمَّ نوافذُ الحدِيثِ ، وهكذَا .. لم يبقَ لي منكَ إلا التَّوق الذي يجعلُني أحملُ خيباتي وأنثرها على مرأىً من سعادتِك .. هل أخبرتني أيُّها اختَرت .. ؟ لم أَكُن أعلَم أنّي بالغتُ في الحيرَة ، وجعلتُ الطُّرقَ صعبَة كما لوكانَ أحدها إلى الجنَّة والآخر إلى النَّار .. إلا حِينما أخبَرتني بسُهولة وَ أنتَ مُغمِضَ اليدَينِ "ألاّ فرق" .. أعلَم أنَّ وجهَك بالكادِ يُرى ، وَ أنَّ صُبحي المُنحرِف جداً لم يعُد يُؤوي حُضورك .. ظلَّتِ الأيَّام تُريني الفرقَ دائماً .. ظلَّ الصُّبحُ كلمَا قرَّبنِي صوتك ، يسألُني المُبادرَة لِنلتقِي .. ظللتُ أحملُ الصُّعوبَات في كُمِّ المغارِبِ ، حتى يتسنَّى لِقاؤكَ ، أستَطِيعُ أن أقُول أنَّ الفرق "فرق الوقت" كانَ كبِيراً .. كانَ يشرَخُ لهفَتي ، كانَ يُعطيني رغبَة الاستمرارِ في كلِّ شيء .. لكنني الآن ، الآن فقط .. لا أراهْ . |
:/
.. .. لِوقتٍ طويل ، كنتُ أظنُّ أن الكآبة شعُور داخليّ من شخصٍ تعوَّد على العتمَةِ .. الآن ، أُدرك جيِّداً أنَّ الآخرِين يُساهمونَ في خلقِها كـ سببٍ أولٍ وَ وحِيد .. |
:/
.. .. لعلَّها إشَارة ، لا أفهَم ، وَ أتمنّى لو كانَ الفِهمُ أمراً جانبيّاًَ لا يعتدُّ بهِ الكثِير . كيفَ تجِيءُ بعدَ كلِّ الغِيابِ مُعتلاًّ ، وفي عَينَيكَ نظرةٌ شارِدة ، وَ ماءٌ كثِير .. ! كُنتُ أُجري أحادِيثي أمامكَ ، وأنتَ تسمعُ وَ تُهمهِمُ بِحرفٍ بعِيد .. ، لم تُبدِ استغراباً للونِ شعري ، واسمرارِ لونِي ، وَ عُودي الذي انتهَى ، ولم أكُن أعرف بأنَّك لا ترَى . هل هِيَ أنَا ؟ المُتعِبَة منذُ أزَل . هل غابَتِ الرؤيَة ، لأنَّي قرَّبتُ الظلام .. غزيراً بينَ يديك ! هل ثمَّ خيط وُدٍّ بينَ سلاميَ الذي وصلَ مكسُوراً ، حِينَ سمِعتُ صوتَ الليلِ قبلَ أيَّام ، تدبَّرتُه ، وَ لم أدعُ أزمانكَ ، لكنَّها أتتنِي سَعياً .. وَ مجيئك ؟ خشَعتِ الأصوَات ، وَ ما منْ وحِيدٍ في ذاكَ الليلِ إلا أنَا ، وَ ما مِن بعيدٍ إلا أنتَ .. وَ ما من حُزنٍ سَيُعاد إلا وَ تُشاركنيه . اقترِب الذِكرَى آتِيَة . يا صباحكَ الأقصَى ، يا حُمَّى المنَامات ، يا رُؤاكَ التي تُفزعُني .. يا كلَّ أشيائكَ : بِرفقٍ كُوني . |
14-March
.. .. مالذِي انتهَى ؟ مالذِي يَتدافَع إلى خاطِري هذهِ اللحظَة ، فَينتَفِخُ الحُزن كبالُون كانَتِ تحتَفظُ بهِ الأرض لكرنفالٍ آتٍ .. ! هذهِ اللحظَة مالذِي أُفكّر فيه ! فيأتِيني خِتامُ الوقتِ على هيئَةٍ باردة ، على هيئَة تسألُ الأشيَاء كلّها أن تنطفِئ !؟ ليسَ للعمرِ الذي ترجّل عن مركبَتهِ وَ حيّاني اليَوم ، أيّ علاقَة بِما أجدهُ في داخلي الآن ! العمرُ آيل ، وعلينَا العدّ فقط .. وَ أن نُحسِن إعماره ، و نَملأه بالفُرص المُتاحة والمُستحيلة ! ماذَا عنِ الأوقاتِ الكثِيرَة التي وجدَت مهرباً من سُدَّة بَاب .. ؟ ماذَا عن الأمُور التي نتعوّدها أو نَكاد .. وفجأةً تسحب المخارج خلفها ، وَ تصِير كلّ الطرقِ نهاراً .. ماذَا عنِ التّوق ، والنّوافذ ، وحديثُ القمر قبل ليالٍ ، ماذا عن كل الأحداث المُهمة التي أغلقتُ عليها السّتائر .. وحسبتُ أنَّ الصّبح لن يكشِفني لها من جديد !! لقد مضَى على إحساسي بالظمأ ، وَ كُدرة المِياه وانعدامِ النقيّ منها وقتٌ ، تشقّقت فيهِ حاجتي للبوح ، و أخشَى أنّ الارتوَاء لن يُعد يُجدي . ما كلُّ الحماقَاتِ التي تنسلُّ من نسِيجِ الصبَاحاتِ ياربي ؟ كف تُصبِحُ تحايَا الصّباح أصعَبُ ، وأشقى عليّ من إذابَة الكدَر والرّوتينِ في ماءِ الرّواحِ والمجيءْ !! العُمر آيل ، وعلينَا العدّ فقط . علينَا أن نُحسِن غرس صُورنا ، في ذاكرَة الآخرِين .. علينا أن نعمُر بالذّكر الطيب .. المُتّسع الضئيل الذي يُرحّب بِغُرباءِ قرّبت بينهم المسَافة ، مسافة الوطن الغريب في قلب كلّ أحد منهم . ................. ، الأيّام لا تُضيّع فُرصَةً في ادّخارِ الشَجن .. |
الساعة الآن 12:22 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.8 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
3y vBSmart
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات إملاءات المطر الأدبية - الآراء المطروحة في المنتدى تمثل وجهة نظر أصحابها