|
|
تحت المظلَّـة للآتي من خارِجِ المطرِ .. يُعبئُ السّحب بفيضِ حرفهِ .. فيهطلَ على الرّوحِ ماءً رُضابًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
براعمٌ من نوع آخر
أتى البرعمُ النديُّ إلى والدتِهِ يحملُ بيضةً يُخبِّئُها خلفَ ظهرهِ.
من أين لكَ هذه البيضة يا بُنيَّ؟ قال بخجلٍ : وجدتُها . - حسناً سأصنعُ منها طبقاً من الطماطم والبيض اللذيذ . زالَ الخجلُ عن وجهه, وابتسم . مضى أسبوع , البرعم يلعبُ في الشارعِ , عند الظهيرة دخلَ البيتَ مسروراً فتحَ يده لترى أمُّه نقوداً . -من أين هذه يا حبيبي : أعطاني إياها جارُنا . خبَّأ نقوده تحتَ وسادتهِ وخرج , ما هي إلا سويعات وعادَ يحملُ بيضتين , نظرتْ إليهِ أمُّهُ نظراتٍ لا معنىً لها , فقالَ لها قبلَ أنْ تسأله : رأيتُ دجاجة ترقدُ بجوار البيت ثم مضتْ تاركة بيضتين يا أمِّي . ضحكتْ الأمُّ وأخذتِ البيضتين , وكانتْ ضحكتُها مفتاحاً لا يصدَأ , مفتاحٌ يفعلُ فعلَهُ بكافة الأبواب والمنافذ . كبرَ وكبرَ معهُ حبُّ الامتلاك لأشياء الآخرين , وباتَ قانونه , قانونَ غابٍ , فكل ما يريد , يحققه بطرقهِ الخاصَّة , وكانتْ تربتُ على كتفه حينَ يأتي بأيِّ شيء , فخورةً بإنجازات هذا الطفل الرَّائع . كبرَ البرعم , وتفتحتْ بتلاتُهُ, على ندى القوة والتَّمَلك . وبما أنَّ المدرسة لا تجدي نفعاً في حالته ولا تقي من الجوع , كانَ لابدَّ له من سلك طريق أقصَر . باتت السَّرقة في دمه تجري مجرى الدَّمِ في عروقهِ , أصبحَ محترفاً في فنونِها وأدائِها , والأمُّ فَرِحَةً ببرعم غرستها , فلم تكن تطلبُ شيئاَ , إلا ويحضرُ لها في الحال وأيّ شيء تريد أكثر من ذلك ؟!!! أصبحَ فنَّـــاناً في السِّرقة الخفيِّة وفي كل مرة يفلتُ بجدارة من أعينِ الشرطة , ويعيد الكرَّة متى استوجبَ ذلك ومتى كانتْ المغريات مناسِبَة . اتسعتْ دائرةُ مغرياتِهِ حتى صارَ لا يتوانى عن القتل كي يحوزَ على مآربه المادية. لكنَّ الحق لا يضيع والجريمة إدانةٌ بحدِّ ذاتها أمام بارئهِ , فمَهمَا عَمُقَ بحرُ الخطأ لابدَّ أنْ يطفو فوقَهُ قاربُ الصَّواب . قُبِضَ عليهِ كنهايةٍ متوقعةٍ لأيّ مُجرِم , وَبكتْ الأم الغارِسة كثيراً . اجتمعَ النَّاسُ في ساحةِ المدينةِ , ليشهدُوا إعدامَهُ , نظرَ للبشر بعينٍ يائسةٍ , وطلبَ رؤية أمِّه كآخر طلبٍ في حياته . اقتربتْ الأمُّ منه وقد تمرَّدَ الدَّمعُ من عينيها ليغرقَ وجهَهَا حتى يُبَلِّــل عنقها . والناسُ تنظر , وقد ترقرقَ الدمعُ في أعينهم لهذا المشهد. قالَ لها : جئتكِ ببيضَةِ فشكرتِنِي !! هلا سَمَحتِ لي بشكركِ يا أمَّاه , هلا مددتِ لي بلِسانِكِ كي أقبِّلَهُ أيتُّها الغاليَة . مدَّتْ لسانَها , اقتربَ منها حتى أطبقَ بأسنانه على لسانِها فقطعَهُ , ولم يعدْ للقصَّة مغزىً أكثر من ذلك , عندما قال الشاعر حافظ إبراهيم : الأم مدرسة إذا أعددتها ../ .. أعددتَ شعباً طيِّبَ الأعراقِ الأم روضٌ إن تعهدهُ الحيا ../ .. بالرّيّ أورق أيَّــما إيــــــراقِ الأم أستاذُ الأساتذة الأُلى ../.. شَغلتْ مآثرهم مدى الآفاقِ قد أصابَ بحرفهِ جادة الصواب , ولكن : نعيبُ زماننـــا والعيبُ فينـــا ... وما لزماننا عيــبٌ ســـوانـــــا ما أكبر عبء الأمهات لو يدركن ذلك , وما أعظم أجرهنَّ إنْ أدركن ذلك... ------------------------------------------- لا شكَّ أن بداخلي براعم شوقٍ واحترامٍ لا ينضب لآل المطر جميعاً , خاصَّــة " لروضة الأوركيد الناصعة " , سودة |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|