في هذا النص من الحكمة الشيء الكثير
و قد قدم الشاعر من خلال مقطوعته الشعرية دروسًا جليلة عن تعاطي الإنسان مع معطيات الحياة،
و تفاعله مع السلوك الوجداني للنفس البشرية، مبينا الحالة النفسية القلقة التي يعيشها الحاقد، فهو
شخص مريض يتضعضع في غيه و يتخبط في ظلام دامس ببصيرته العمياء، فهو دائما في أمر مريج.
ثم يدعو الشاعر إلى عدم الانخداع بالمظاهر و عدم الحكم على الأمور دون أن نعجمها و نختبرها
و نجربها، مع دعوة صريحة مباشرة إلى وجوب تحلي الإنسان بعفة النفس و كبح جماحها عن الرذائل
و تحري الكسب الحلال و لو كان به خصاصة:
ما كل غصنٍ لينٍ تحسبْه عل =ولا كل جذعٍ واقفٍ تحسبْه حي
ولا هو مبرر تسرق الناس من قل =إن راودتك النفس ب.امر الردى عي
وقد كان للصورة الفنية حضورٌ لافتٌ في الأبيات من تشبيهات و معانٍ دلالية،
بل لم يكد يخلو بيت من الصور الشعرية الخصبة..
الحنظله ما يوم يزهر بها فل =الفل تلقى ف.البساتين له خي
و نرى الشاعر في هذا البيت قد جمع حكمتين ببراعة. ففي الصدر نسمع صوته يرتفع ليقول:
(إنك لا تجني من الشوك العنب)
ثم يثبت كلامه في عجز البيت قائلا:
"الصاحب مناسب" و " ما شيء أدل على شيء من الصاحب على الصاحب"
و القولان لعلي بن أبي طالب و ابن عمر (رضي الله عنهما) على الترتيب.
و وددت لو أن الشاعر طابق بين (الحنظلة) و شيء عذب أو حلو المذاق لما أُلف من ضرب
المثل بها في شدة المرارة، ليكون الرابط (الطعم) و ليس المنظر أو الرائحة أو اللون..
و في نهاية الأبيات ساق لنا الطريقة المثلى و العلاج الشافي لكل هذه الأدواء وذلك بالتعامل مع المسيء بالعفو
و التسامح و الحلم و التماس العذر للإخوان و ترك المبادرة بالعقاب فإن (آخر العلاج الكي) ..
وادمح و سامح من معك مرة زل = لكن تذكّر آخر علاجه الكي
مستضيئا بقوله تعالى:
(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم)
فصلت الآية 34
عبد العزيز الجراح..
شكرا لأنك أنعشت ذائقتنا..