في رأيي أنّ حفظ الله عزّ وجلّ للذكر الحكيم وتحدّيه به يستلزِمُ وجود طائفة من النّاس تبدِع في البيان والفصاحة وعلى رأس أنواع البيان (( الشِّعر )) ، ليظهرَ خورُهم وهزالهم وكساحهم عندما يُتلى هذا الكلام المنزل من فوق السماوات ، ووجود مدّعي الشّعر ( أمراء أو وزراء أو وجهاء وأثرياء ) ووجود من يطبِّلُ لهم لهوَ مصيبةٌ كبرى على الشِّعر وأربابه الذين غاصوا في لُجَجه وعرفوا مواضعَ درره ،،،
ممّا أدّى إلى غربة هذا الفنّ , ولكنّي أقول سأصارع بإذن الله لأصلَ بالشعر الحقيقيّ إلى النّاس , وأكشفُ كلّ مستشعِر وإنْ عظُمْ قدره ، فهو ليس بأعظم قدراً عندي من البيان والشعر ، فإنْ وُفِّقتُ فالفضلُ لذي الفضل سبحانه وإنْ لم أوفّق فعزائي قول الشاعر
عليّ طِلابُ المجدِ مِنْ مُستقرِّهِ
ولا ذنب ليْ إنْ عارضتني المقادِرُ
هل في شعر الغزل ضير حتى ينتقدني بعضهم صراحة ، ويلمّح بعضهم ،،،
أمَا سمعهُ خير البشر ولم يعنّف عليه ، ولم ينتقد قائله ، أمَا في الصدور قلوب ، أما نحتاج لرقيق الكلام كما نحتاج لعذب الماء ، مالبعض البشر يريدون منّا أن نتحول إلى صخور صماء بكماء عمياء ،،
إذا خلا الغزل من الفحش والتصريح بمسمّى امرأة بعينها فلنكتب وليرفض من يرفُض !!!
مسافِرٌ معهُ كيس ملي ءٌ بالجواهر والدرر ، استوقف جمّالاً ليحمل لهُ هذا الكيس و ليوصِلهُ إلى مُرادِه ، حدّث نفسهُ فقال : سأشتري لهذا الجمّال طعاماً وأضع فيه سُمّا فيهلك وآخذ أنا الجمل بما حمل أسلمُ لي وأوفر ، وفعلاً جهّز طعاماً به السُّمّ ، والجمّالُ أيضاً حدّثَ نفسهُ فقال : أقتُلُ هذا الرجل فلعلّ في كيسِهِ هذا مالاً أغتني به ، فوثب عل...يه وقتله ، وقبل مسيره أكلَ من الطعام المسموم فمات !!!
يقولُ الحكيمُ راوي هذه القصة بعد أنْ رأى الجثتين وأمامهما الجمل الذي يحملُ الكيس المشؤوم ، هكذا تصنعُ الدنيا بأهلِها إنْ طغوا في أطماعهم ، وبغوا في نيل أرزاقهم !!!
انفض عن نفسك غبار الأوهام ببلوغ مالايُبلغُ , وسِرْ لغايتك التي تريد ولتكن هذه الغاية في الخير , ولا تطلبْ من القدر إعطاءك كلّما ترجو , فأنت في دارٍ طبعُها التعكير والمنع والحرمان , ولو حزتَ كلّ ما حازهُ الحائزون !!
شيء ما يحاول أنْ يصدّني عنكِ
ويأتيني من كل اتجاهاتي
ويزخرف لي ما أعلم يقيناً أنّه قبيح !!
أنتِ سرٌّ لا أدركُ كنهه
ولا أعرف طبيعته
...أنتِ معي حبيسة في قفص جلدي !!!
لكِ صوتٌ كصوتي
مرّةً أقسِمُ أنّك رشيدة
ومراتٍ أبصرُ أنّ بينكِ وبين الرّشدِ كما بيني وبينكِ !!!
لكِ رغباتٌ لا أطيقُ تلبيتها لأنّها خارج حدود إمكاني !!!
ولي رغباتٌ لا تطيقين تلبيتها لأنّها خارج حدود إدراكك !!!
إذن فلنتفق !!
لن أشقّ عليكِ
ولنْ أكلّفكِ ما لا تطيقين
ولنْ أشق عليكِ بالآصار والأغلالْ !!!
وكلّ الذي أريده منكِ أنْ تقتربي من موجدِك الحقّ وخالقكِ البرّ
( الله جل في علاه )
هناك من دواعي القلق حول كلّ إنسان ما يجعلُ معهُ حياتَهُ همّاً لا يطاق , فالغدُ مجهول , ومامضى مرصود , وما يُفهمُ في هذه الدنيا لاشيء قياساً بمالايُفهم , وشباك المنايا مُشرعة , والغفلةُ تمدُّ أشرعتها في بحرٍ لُجيٍ يغشاهُ موجٌ من فوقِهِ موج , والأمانيّ أكبرُ بكثير ممّا يُنال , والصداقةُ أوشكتْ أنْ تكون ضرباً من المستحيلات , إنْ لمْ نقُل تفاؤلاً إنّها بالفعل أصبحتْ كذلك !!!
ومع هذا يجِبُ على العاقِل أنْ يعلمْ أنّ كلّ هذا لا يفتُّ في عضده , ولا يأخذُ من عزيمتِهِ , ولا يوهِنُ من جَلدِهِ , فالقضاء نافذٌ محتوم , والأرزاقٌ قُسِّمتْ من قبل الوجود , والعقولُ هباتٌ وأُعطياتٌ من لدُنْ حكيمٍ خبير , وإنّما هي خطواتٌ كُتِبتْ علينا , ومن كُتِبتْ عليهِ خُطىً مشاها , على حدّ تعبير الشاعر القديم ,,,
التسليمُ للهِ بالحِكمة في الأقدار
والسعي لنيلِ رضوانِهِ مع الأبرار الأخيار
وتحقيق مُرادِهِ سبحانهُ من إيجادِ الخلقِ , من استخلافٍ وعبادةٍ وإعمار
وعدم تكليف النّفس بمالاتُطيقُ , وتكبيلِها بالأغلال والآصار
هي من أعظم مقوِّمات الحياةِ المطمئنةِ الكريمة في هذه الدّار !!
أنا الآن أعكف لإيجاد وسيلةٍ للتعبير عن ذاتي ، بحيث لا تسلبُني قناعاتُ مجتمعي قناعاتي ، فما كنتُ أوقِنُ أنّه حرامٌ بسبب إرغام غيري لي في هذا الرأي بدأتُ أبصره حلالاً ، وما كنتُ أمارسه كحلال بدأ يلوح في أفق قناعتي أنّه حرام وستين حرام !!!!