- لقد كنت قاسيا في التعليم، مع أنك عانيت قسوة التعامل و جرعت مرها، هل تعتقد أن ما يجنح إليه المربي و التربوي و المعلم من أساليب القسوة و العقاب و التعنيف، هل تعتقدهناجعاً؟
= نعم، قلتُ : كنتُ قاسياً، ولكني لم أقل أنني كنتُ جلاداً، باعتبار أن القسم ليس سجنا، ولأني ببساطة لم أكن أستعمل العصا إلا في حالات بادرة جداً وقليلة جدا، لإيماني القوي أن العصا ليست الوسيلة الوحيدة لتقويم سلوك التلاميذ أو ضبطهم، حتى في تلك الحالات النادرة لم أفقد احترامي وتقديري عند تلامذتي، ولا أتذكر أنني أرغمتُ تلميذاً على إعادة كتابة درس ما أو واجب منزلي ما عشر مرات أو خمسين مرة...ولم أنظر إليهم نظرة فوقية، لذا فعلاقتي بهم كانت علاقة صداقة بالدرجة الأولي، فكنتُ أزورهم في بيوتاتهم، ويزورونني في بيتي، أجالس أسرهم ويجالسون أسري...(تصوري أن هناك تلاميذ دَرَّسْتُهم منذ أزيد من عشرين سنة، تخرجوا وكونوا أسراً، ولكن علاقتي بهم ما زالت لحد الساعة، نتبادل الزيارات بمناسبة أو دزن مناسبة...) كان الحوار بيننا سيد الموقف، لذا كان جلهم يشاركونني همومهم ومشاكلهم ومعاناتهم
وحين قلتُ أنني كنتُ قاسياً، كنتُ أقصد به الحزم، فالتلميذ إذا أرخيتُ له الحبل تمادى في غيه، وربما ساعده على الانحراف، حتى إذا رفع تلميذ ما صوته عليَّ أو رفع يده لم أكن أكتب به تقريراً وأقدمه للإدارة لاتخاذ في حقه الإجراء اللازم، كالتوقيف أو الفصل أو الانتقال إلى مؤسسة أخرى، ولم أكن أستدعي والده أو ولي أمره، حتى ولو كان مشاكساً، وسيء السلوك
- الابنة غادة شاعرة قرأنا مقطعاً من شعرها و استمتعنا و هي فرصة طيبة أن نقدم لها دعوة للانضمام إلينا في لنرشف من رحيق شعرها المزيد..
هل تعتقد أن مقولة (الابن سرُّ أبيه) تنطبق على الشعر و الشاعرية؟؟ بمعنى آخر هل قرض الشعر يورَّث و يحمل في الجينات؟؟
= لا، الشعر لا يورث، وليس دوماً (الابن سر أبيه) إنما هي موهبة وهبها الله إليها، يهبها لمن يشاء من عباده، والدليل ليس كل أبناء الشعراء اكتووا بنار الشعر
- و ما هي الملامح التي توسمتها في الشاعرة غادة مصباح إبان بزوغ فجر الشعر لديها و سطوع شمس الشاعرية؟؟
حدثنا عن موهبة الشاعرة غادة مصباح.. و بماذا تنصح أولياء الأمور و المربين حيال تبني المواهب المكتشفة و رعايتها؟؟
= الفضل في اكتشافها يعود إلى والدتها، فأنا لم أكن أعلم أن شيطان الشعر مسها، حدث ذلك صدفة، ولكنها صدفة جميلة، أن تجد في أسرتك من يلعب بالنار، من يعزف على قيثارة الحب والوطن، ويعشق بروميثيوس، ويشاغب اللغة، وتقطف من شجرة الشعر ياسميناً وفلاً...عن موهبتها أراها ناضجة، هكذا يقول كل من قرأ لها
مسؤولية اكتشاف المواهب ورعايتها تقع على الجميع: الآباء بالدرجة الأولى، المربين، الدولة، الجمعيات والمؤسسات الثقافية.
ما مدى تصديقك على هذا القول، هل عبد السلام فعلا يحمل بين جنبيه الطفل و الرجل؟؟
= هكذا يقولون
- ما قصتك مع (حرف الحاء) و كيف بدأ العشق بينكما؟
= قصتي مع الحاء، لا تختلف عن قصة كل من حمل هما ذاتياُ، أو عانق هموم الآخرين، قصة من فقد الحنان والحب والحرية
-بما أن الحاء قد شغفك حباً - أعجبتني عبارتك حيث تقول (و استثني من الحاءات الحرب) ،ترجم لنا هذه الحائيات بتعبير مصباح:
=الحب : إحساس عميق بوجود الآخر
=الحنان : وجوده يخلق للعالم تناغمه
=الحلم : فرح يضمنا كلما أسدلت ستائر الليل، ورغبة هادئة للتغيير
=الحقد (أكيد مستثنى مع الحر): مرض
=حواء : مسودة قصيدة
=الحدود : لعنة وحماقة
=الحضارة : سلاح دو حدين
=الحذر : مُسَكٍّن نتناوله كلما ضاقت بنا السبل
-بعد هذا البحر الزاخر بالدرر، كلمة أخيرة يود عبد السلام مصباح تسطيرها؟؟
= أيها الأحبة
في البداية أعتذر لكل الإخوة ، لأن نزلة البرد التي فاجأتني حالت دون رفرفة أجنحة هذا الحوار في الوقت المناسب، فقد كان في داخلي حلم أوسع وأكبر ، كنتُ أحلم بمساحة واسعة، أنام تحت زخات أمطارها، وأزرع فيها حباً، وتعانقني فيها أياد بيضاء
ومهما يكن فقد بللتُ حاءاتي بنداوة شغبكم، وعانقتْ حروفها أمطاركم الخضراء....
فشكراُ للعزيزة سودة الكنوي
وشكراً للفتية الطيبين
وشكراً لهذا الفضاء الذي فتح شرفاته لكلماتي كي ترسل تغاريدها المعتقلة
وشكراً لشرفاء الحرف بهذا الفضاء، ولكل الأصوات التي تسكنه
وشكراً لكل عشاق الحاءات المتمردة
وشكراً لكل من ساهم في هذا الحوار بسؤال أو تفاعل
آملاً أن اكون في مستوى اللقاء
وكل رمضان وأنتم أحبائي