3- التصريع والتقفية
يقول أبو فراس الحمداني:
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ (تُكَصْ صبْ رو =3
2* 2
)
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ (ولا أمْ رو = 3
2* 2
)
بَلى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ لَوعَةٌ ( يَلوْ عتن = 3
3
)
وَلَكِنَّ مِثلي لايُذاعُ لَهُ سِرُّ
(لهو سرْ رو = 3
2* 2
)
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ الهَوى ( يدَلْ هوى = 3
3
)
وَأَذلَلتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ الكِبرُ ( قَِهِلْ كبْ رو = 3
2* 2
)
لو عدنا إلى صور بحر الطويل فإنه لا يجوز في الصدر أن ينتهي ب 3 2 2 وإنما تنتهي بها صورة من صور العجز. ولكن في مطلع القصيدة يجوز بل يستحب ذلك ويسمى ( التصريع)
و
التصريع جعل العروض كالضرب وزنا ورويا مع إخراجها من حكمها إلى
حكمه
( العيون الغامزة – ص140)
أي أن العروض في البيت المصرع يأتي موافقا للضرب بصورة استثنائية لا تصح في سواه والتصريع يشمل توافق
العروض مع في الوزن والقافية ومنها الروي
ولو قال أبو فراس في الصدر
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الكظْمُ
(تُكَلْ كَظْ
م
ـو =3
2* 2
)
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ (ولا أمْ
ر
و = 3
2* 2
)
لم يصح ذلك فإنه وإن اتفق مع العجز وزنا إلا أنه
خالفه
رويا
ولو نظرنا لأواخر الصدور قي بقية الأبيات لوجدناها تنتهي ب 3 3
ومثل هذا قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء الأندلس:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ (صانو=)22
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ (سانو =22)
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ (دُولنْ 31)
مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ (مانو = 22)
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ (أ حدنْ =31)
وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ (شانو = 22)
فلا يصح في آخر الصدر مجيء2 2 إلا في حالة التصريع التي نراها في المطلع
ولو قال :
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ تنقيصُ ( قي صو)22
فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ (سانو =22)
لم يصح ذلك. لاختلاف القافية والروي رغم اتفاق الوزن.
--
معلقة امرؤ القيس :
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُها
لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ
تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِها
وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ
فهنا نهايات الأشطر جميعا لها نفس الوزن 3 3 وتماثل آخر الصدر مع
آخر العجز في القافية في كل الأبيات وزاد المطلع المقفى بوحدة الروي وإشباع
حركته.
وهذا ما يسمى بالتقفية
والتقفية
موافقة العروض للضرب مع إبقائها على ما تستحقه في
نفسها من الحكم الثابت
(العيون الغامزة –ص140)
أي أن وزنهما واحد وهكذا فلا استثناء في موافقة وزن العروض وزنَ الضرب. وإنما إضافة إلى الوزن الواحد أصلا يتفق العروض مع الضرب في القافية والروي فيجوز في حركة رويه الإشباع ليوافق بذلك إشباع روي الضرب أو القافية، ولا يجوز ذلك في غير التقفية.
فلو قال امرؤ
القيس في المطلع
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ ومسكن ( مس كنن )
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
لصح ذلك مع تنوين ( مسكنٍ ) لأنه لا يصح إشباع
الحركة هنا إلا في التقفية التي تقتضي تشابه الروي.
والتقفية أجمل وأولى أن تتبع في هذا المقام.
وللمزيد:
ورأيت من المناسب نقل هذه
الفقرة لما فيها من فائدة.
( العيون الغامزة على قضايا الرامزة ...ص- 140)
وغني عن الذكر أن الأرقام من إضافتي
"...........فإن قلت فما تصنع في مثل قول الحارثبن حلّزة:
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاوٍ يملّ منه الثواء
فصرّع ولم يُتبع العروضَ الضربَ،بل حعلها مفعولن =222 وهو فاعلاتن =2 3 2 ؟
قلت: إعتذر عنه أبو الحكم بأن الشاعر همّ بتشعيث الضرب إلحاقا لها به اعتمادا على أنه شعّث فنسي. قال الصفاقصي: فكأنه يشير إلى أن هذا من الإشارة إلى التصريع كما كما قال الشيخ أبو بكر القللوسي
. قلت : وهذا الاعتذار إنما احتيج إليه لتفسيرهم التصريع بما تقدم وهو تبعية العروض للضرب في القافية والوزن والإعلال. ولو قيل : االتصريع هو جعل العروض كالضرب وزنا ورويا مع إخراجها عن حكمها إلى حكمه لم يُحْتج إلى شيء من هذا، وذلك لأن العروض الواقعة في بيت الحارث قد جعلت كالضرب رويا وهو واضح، وقد أخرجت عن حكمها وهو السلامة من التشعيث إلى حكم الضرب بأن جعلت مثله في عُروض التشعيث لها،
ولا يضر كون الضرب لم يشعث فإن تشعيثه جائز لا لازم،
فجعلت
العروض بمثابته حكماً فدخلها التشعيث بالفعل ولم يدخل الضرب فعلا مع
جواز دخوله فيه، فإلحاق العروض بالضرب في الحكم متحقق وإن
تخالفا لفظا، فتأمله "
|